عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (31)}
هذه الآية الكريمة ردٌّ على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطّواف بالبيت عراة، كما رواه مسلمٌ والنّسائيّ وابن جريرٍ -واللّفظ له -من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرّجال والنّساء: الرّجال بالنّهار، والنّساء باللّيل. وكانت المرأة تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ....... وما بدا منه فلا أحلّه
فقال اللّه تعالى: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ}
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في قوله [تعالى]: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ} الآية، قال: كان رجالٌ يطوفون بالبيت عراةً، فأمرهم اللّه بالزّينة -والزّينة: اللّباس، وهو ما يواري السّوأة، وما سوى ذلك من جيّد البزّ والمتاع -فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجدٍ.
وكذا قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، وإبراهيم النّخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسّدّي، والضحاك، ومالكٌ عن الزّهريّ، وغير واحدٍ من أئمّة السّلف في تفسيرها: أنّها أنزلت في طوائف المشركين بالبيت عراةً.
وقد روى الحافظ بن مردويه، من حديث سعيد بن بشيرٍ والأوزاعيّ، عن قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا؛ أنّها أنزلت في الصّلاة في النّعال. ولكن في صحّته نظرٌ واللّه أعلم.
ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السّنّة، يستحبّ التّجمّل عند الصّلاة، ولا سيّما يوم الجمعة ويوم العيد، والطّيب لأنّه من الزّينة، والسّواك لأنّه من تمام ذلك، ومن أفضل الثّياب البياض، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها من خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، فإنّه يجلو البصر، وينبت الشّعر».
هذا حديثٌ جيّد الإسناد، رجاله على شرط مسلمٍ. ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وللإمام أحمد أيضًا، وأهل السّنن بإسنادٍ جيّدٍ، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عليكم بالثّياب البياض فالبسوها؛ فإنّها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم»
وروى الطّبرانيّ بسندٍ صحيحٍ، عن قتادة، عن محمّد بن سيرين: أنّ تميمًا الدّاريّ اشترى رداءً بألفٍ، فكان يصلّي فيه.
وقوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} الآية. قال بعض السّلف: جمع اللّه الطّبّ كلّه في نصف آيةٍ: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}
وقال البخاريّ: قال ابن عبّاسٍ: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: أحلّ اللّه الأكل والشّرب، ما لم يكن سرفًا أو مخيلة. إسناده صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا بهز، حدّثنا همّام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا، في غير مخيلة ولا سرف، فإنّ اللّه يحبّ أن يرى نعمته على عبده»
ورواه النّسائيّ وابن ماجه، من حديث قتادة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة»
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا سليمان بن سليمٍ الكناني، حدّثنا يحيى بن جابرٍ الطّائيّ سمعت المقدام بن معد يكرب الكنديّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم أكلاتٌ يقمن صلبه، فإن كان فاعلًا لا محالة، فثلثٌ طعامٌ، وثلثٌ شرابٌ، وثلثٌ لنفسه».
ورواه النّسائيّ والتّرمذيّ، من طرقٍ، عن يحيى بن جابرٍ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ -وفي نسخةٍ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده: حدّثنا سويد بن عبد العزيز حدّثنا بقيّة، عن يوسف ابن أبي كثيرٍ، عن نوح بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ من السّرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت». ورواه الدّارقطنيّ في الأفراد، وقال: هذا حديثٌ غريبٌ تفرّد به بقيّة.
وقال السّدّي: كان الّذين يطوفون بالبيت عراةً، يحرّمون عليهم الودك ما أقاموا في الموسم؛ فقال اللّه [تعالى] لهم: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} يقول: لا تسرفوا في التّحريم.
وقال مجاهدٌ: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا ممّا رزقهم اللّه.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {ولا تسرفوا} يقول: ولا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين} في الطّعام والشّراب.
وقال ابن جريرٍ: وقوله: {إنّه لا يحبّ المسرفين} يقول اللّه: إنّ اللّه [تعالى] لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلالٍ أو حرامٍ، الغالين فيما أحلّ أو حرّم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، ولكنّه يحبّ أن يحلّل ما أحلّ، ويحرّم ما حرّم، وذلك العدل الّذي أمر به). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 405-408]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (32)}
يقول تعالى ردًّا على من حرّم شيئًا من المآكل أو المشارب، والملابس، من تلقاء نفسه، من غير شرعٍ من اللّه: {قل} يا محمّد، لهؤلاء المشركين الّذين يحرّمون ما يحرّمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم: {من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة} الآية، أي: هي مخلوقةٌ لمن آمن باللّه وعبده في الحياة الدّنيا، وإن شركهم فيها الكفّار حسًّا في الدّنيا، فهي لهم خاصّةً يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحدٌ من الكفّار، فإنّ الجنّة محرّمةٌ على الكافرين.
قال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أبو حصين محمّد بن الحسين القاضي، حدّثنا يحيى الحمّاني، حدّثنا يعقوب القمّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ،
عن ابن عبّاسٍ قال: كانت قريشٌ يطوفون بالبيت وهم عراةٌ، يصفّرون ويصفّقون. فأنزل اللّه: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده} فأمروا بالثّياب). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 408]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (33)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن شقيقٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا أحد أغير من اللّه، فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه المدح من اللّه».
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن شقيقٍ عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ وتقدّم الكلام في سورة الأنعام على ما يتعلّق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقوله: {والإثم والبغي بغير الحقّ} قال السّدّي: أمّا الإثم فالمعصية، والبغي أن تبغي على النّاس بغير الحقّ.
وقال مجاهدٌ: الإثم المعاصي كلّها، وأخبر أنّ الباغي بغيه كائنٌ على نفسه.
وحاصل ما فسّر به الإثم أنّه الخطايا المتعلّقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التّعدّي إلى النّاس، فحرّم اللّه هذا وهذا.
وقوله: {وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} أي: تجعلوا له شريكًا في عبادته، وأن تقولوا عليه من الافتراء والكذب من دعوى أنّ له ولدًا ونحو ذلك، ممّا لا علم لكم به كما قال تعالى: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور * حنفاء للّه غير مشركين به ...} الآية [الحجّ: 30، 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 408-409]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكلّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون (34) يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (35) والّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (36)}
يقول تعالى: {ولكلّ أمّةٍ} أي: قرنٍ وجيلٍ {أجلٌ فإذا جاء أجلهم} أي: ميقاتهم المقدّر لهم {لا يستأخرون ساعةً} عن ذلك {ولا يستقدمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 409]


رد مع اقتباس