عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 07:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان} الآية. "الإنسان" في هذه الآية لا يراد به العموم، وإنما يراد به بعضه وهم الكفرة، وهذا كما تقول عند غضب: "لا خير في الأصدقاء ولا أمانة في الناس"، فأنت تعمم مبالغة، ومرادك البعض، وهذا بحسب ذكر الظالمين والخسار في الآية، قيل: فاتصل ذكر الكفرة، ويحتمل أن يكون "الإنسان" في هذه الآية عاما للجنس، على معنى: إن هذا الخلق الذميم في سجيته، فالكافر يبالغ في الإعراض، والعاصي يأخذ بحظه منه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤمن: "فأعرض فأعرض الله عنه". ومعنى "أعرض" ولانا عرضه، "ونأى" أي: بعد، وهذه، وهذا استعارة، وذلك أنه يفعل أفعال المعرض النائي في تركه الإيمان بالله وشكر نعمه عليه. وقرأ ابن عامر وحده: "وناء"، ومعناه: نهض متباعدا، هذا قول طائفة، وقال أخرى: هو قلب الهمزة بعد الألف من "نأى" بعينه، وهي لغة كرأى وراء، ونحو هذه اللفظة قول الشاعر في صفة رام:
حتى إذا ما التأمت مفاصله ... وناء في شق الشمال كاهله
[المحرر الوجيز: 5/532]
أي: نهض متوركا على شماله.
والذي عندي أن "ناء" و"نأى" فعلان متباينان. وناء بجانبه عبارة عن التحير والاستبداد، و"ناء" عبارة عن البعد والفراق.
ثم وصف الله تعالى الكفرة بأنهم إذا مسهم شر من مرض أو مصيبة في مال أو غير ذلك يئسوا من حيث لا يؤمنون بالله، ولا يرجون تصرف أقداره). [المحرر الوجيز: 5/533]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال عز وجل: {قل} يا محمد: {كل يعمل على شاكلته}، أي: طريقته وبحسب نيته ومذهبه الذي يشبهه. وهو شكل له، وهذه الآية تدل دلالة على أن "الإنسان" أولا لم يرد به العموم، أي أن الكفار بهذه الصفات، والمؤمنون بخلافها، وكل منهم يعمل على ما يليق به، والرب تعالى أعلم بالمهتدي. وقال مجاهد: على شاكلته معناه: على طبيعته، وقال أيضا: معناه: على حدته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: على ناحيته، وقال قتادة: معناه: على حدته وعلى ما ينوي، وقال ابن زيد: معناه: على دينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله):
وأرجح هذه العبارات قول ابن عباس وقتادة. وقوله تعالى: {فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} توعد بين). [المحرر الوجيز: 5/533]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان
[المحرر الوجيز: 5/533]
عليك كبيرا قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}
الضمير في "يسألونك" قيل: هو لليهود وأن الآية مدنية، وروى عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على حرث بالمدينة - ويروى على خرب- وإذا فيه جماعة من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، ولا يطلع عليه أحدا من عباده. قال ابن مسعود: وقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يعني -والله أعلم- من أنه لا يفسره فتقوى الحجة عليهم في نبوته، قال: فسألوه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عسيب، فظننت أنه يوحى إليه، ثم تلا عليهم الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقيل: الآية مكية، والضمير لقريش، وذلك أنهم قالوا: نسأل عن محمد عليه الصلاة والسلام- أهل الكتاب من اليهود، فأرسلوا إليهم إلى المدينة النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فقال اليهود: جربوا بثلاث مسائل، سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن فسر الثلاثة فهو كذاب، وإن سكت عن الروح فهو نبي، فسألته قريش عن الروح، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "غدا أخبركم به"، ولم يقل: "إن شاء الله"، فاستمسك الوحي عنه خمسة عشر يوما معاتبة على وعده لهم دون استثناء، ثم نزلت هذه الآية.
[المحرر الوجيز: 5/534]
واختلف الناس في الروح المسؤول عنه، أي روح هو؟ فقالت فرقة هي الجمهور: وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية، ما هي؟ فالروح اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له. وقال قتادة: الروح المسؤول عنه جبريل عليه السلام، قال: وكان ابن عباس يكتمه. وقالت فرقة: هو عيسى ابن مريم عليهما السلام، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله سبحانه بكل تلك اللغات، فيخلق من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة، ذكره الطبري. وما أظن هذا القول يصح عن علي رضي الله عنه. وقالت فرقة: الروح القرآن، وهذه كلها أقوال مفسرة، والأول أظهرها وأصوبها.
وقوله: {من أمر ربي} يحتمل تأويلين: أحدهما أن يكون "الأمر" اسم جنس للأمور، أي: الروح من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها، فهي إضافة خلق إلى خالق، والثاني أن يكون مصدرا، من أمر يأمر، أي: الروح مما أمر الله تعالى أمرا بالكون فكان. وقرأ ابن مسعود، والأعمش: "وما أوتوا"، ورواها ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور: "وما أوتيتم".
واختلف فيمن خوطب بذلك -فقالت فرقة: السائلون فقط، ترجم الطبري بذلك، ثم أدخل تحت الترجمة عن قتادة أنهم اليهود. وقالت فرقة: المراد اليهود بجملتهم، وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود. وقالت فرقة: العالم كله، وهذا هو الصحيح; لأن قول الله تعالى له: {قل الروح} إنما هو أمر بالقول لجميع العالم; إذ كذلك هي أقواله كلها، وعلى ذلك تمت الآية من مخاطبة الكل. ويحتمل أيضا أن تكون مخاطبة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ولجميع الناس. ويتصف ما عند جميع الناس من العلم بالقلة بإضافته إلى علم الله عز وجل الذي هو بهذه الأمور التي عندنا من علمها طرف يسير جدا، كما قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام: "ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر"، وأراد الخضر علم الله بهذه
[المحرر الوجيز: 5/535]
الموجودات التي عند البشر من علمها طرف يسير جدا نسبة إلى ما يخفى عنهم، نسبة النقطة إلى البحر، وأما علم الله تبارك وتعالى على الإطلاق فغير متناه، ويحتمل أن يكون التجوز في قول الخضر عليه السلام: "كما نقص هذا العصفور"، أي: إنا لا ينقص علمنا شيئا من علم الله تعالى على الإطلاق، ثم مثل بنقرة العصفور في عدم النقص; إذ نقصه غير محسوس فكأنه معدوم، فهذا احتمال، ولكن فيه نظر، وقد قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فعارضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم الله فغلبوا، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث بقوله: "كلا". يعني أن المراد بـ "أوتيتم" جميع العالم، وذلك أن يهود قالت له: أنحن عنيت أم قومك؟ فقال: "كلا"، وفي هذا المعنى نزلت: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام}، حكى ذلك الطبري رحمه الله). [المحرر الوجيز: 5/536]

رد مع اقتباس