عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 7 رجب 1434هـ/16-05-2013م, 02:32 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله الكتاب والميزان قال الميزان العدل.
قال سلمة كفة الميزان على جهنم والكفة الأخرى على الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/275]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس} [الحديد: 25] : «جنّةٌ وسلاحٌ»). [صحيح البخاري: 6/147]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس جنّة وسلاح وصله الفريابيّ من طريق بن أبي نجيحٍ عنه بهذا وجنّةٌ بضمّ الجيم وتشديد النّون أي سترٌ). [فتح الباري: 8/628]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وفي قوله 25 الحديد {الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس} قال جنّة وسلاح). [تغليق التعليق: 4/336]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس} (الحديد: 25) جنّةٌ وسلاحٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} أي: قوّة شديدة {ومنافع للنّاس} ممّا يستعملونه في مصالحهم ومعائشهم، إذ هو آلة لكل صنعة. وفسّر البخاريّ قوله: (ومنافع للنّاس) بقوله: (جنّة) بضم الجيم وتشديد النّون أي: ستر ووقاية. قوله: (وسلاح) يشمل جميع آلات الحرب، وروى ما فسره عن مجاهد، رواه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه). [عمدة القاري: 19/221-222]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال: {فيه بأس شديد} ({ومنافع للناس}) [الحديد: 25] أي (جنة) بضم الجيم وتشديد النون ستر (وصلاح) للأعداء وما من صنعة إلا والحديد آلتها). [إرشاد الساري: 7/374]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب إنّ اللّه قويّ عزيزٌ}.
يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصّلات من البيان والدّلائل، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشّرائع، والميزان بالعدل.
- كما: حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {الكتاب والميزان}. قال: الميزان: العدل.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان}. بالحقّ؛ قال: الميزان: ما يعمل النّاس، ويتعاطون عليه في الدّنيا من معايشهم الّتي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزانٍ، ويعطون بميزانٍ، يعرف ما يأخذ وما يعطي قال: والكتاب فيه دين النّاس الّذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدّنيا.
وقوله: {ليقوم النّاس بالقسط}. يقول تعالى ذكره: ليعمل النّاس بينهم بالعدل.
وقوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ}. يقول تعالى ذكره: وأنزلنا لهم الحديد فيه بأسٌ شديدٌ: يقول: فيه قوّةٌ شديدةٌ، ومنافع للنّاسٍ، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدو، وغير ذلك من منافعه.
- وقد: حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن علباء بن أحمرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات اللّه عليه: السّندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ}. قال: البأس الشّديد: السّيوف والسّلاح الّتي يقاتل النّاس بها، {ومنافع للنّاس} بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس}. وجنّةٌ وسلاحٌ، وأنزله ليعلم اللّه من ينصره.
وقوله: {وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب}. يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب اللّه من ينصر دين اللّه ورسله بالغيب منه عنهم.
وقوله: {إنّ اللّه قويّ عزيزٌ}. يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه قويّ على الانتصار ممّن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيزٌ في انتقامه منهم، لا يقدر أحدٌ على الانتصار منه ممّا أحلّ به من العقوبة). [جامع البيان: 22/424-426]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس قال يقول فيه جنة وسلاح). [تفسير مجاهد: 2/658]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 25 – 27
أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} قال: العدل). [الدر المنثور: 14/286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} قال: جنة وسلاح). [الدر المنثور: 14/286-287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {وأنزلنا الحديد} الآية قال: إن أول ما أنزل الله من الحديد الكلبتين والذي يضرب عليه الحديد). [الدر المنثور: 14/287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن الأيام فقال: السبت عدد والأحد عدد والإثنين يوم تعرض فيه الأعمال والثلاثاء يوم الدم والأربعاء يوم الحديد {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} والخميس يوم تعرض الأعمال والجمعة يوم بدأ الله الخلق وفيه تقوم الساعة). [الدر المنثور: 14/287]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النّبوّة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون}.
يقول تعالى ذكره: قرأة {ولقد أرسلنا} أيّها النّاس {نوحًا} نبيًّا إلى خلقنا، {وإبراهيم} خليله إليهم رسولاً {وجعلنا في ذرّيّتهما النّبوّة والكتاب}. وكذلك كان، كانت النّبوّة في ذرّيّتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التّوراة، والإنجيل، والزّبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة {فمنهم مهتدٍ} يقول: فمن ذرّيّتهما مهتدٍ إلى الحقّ مستبصرٌ {وكثيرٌ منهم} يعني من ذرّيّتهما {فاسقون} يعني ضلاّلٌ، خارجون عن طاعة اللّه إلى معصيته). [جامع البيان: 22/426]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله ورهبانية ابتدعوها قال لم تكتب عليهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/276]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا الحسين بن حريثٍ، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن سفيان بن سعيدٍ، عن عطاء بن السّائبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت ملوكٌ بعد عيسى، بدّلوا التّوراة والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرءون التّوراة والإنجيل، فقيل لملوكهم: ما نجد شتمًا أشدّ من شتم يشتموننا هؤلاء، إنّهم يقرءون {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] هؤلاء الآيات، مع ما يعيبونّا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنّا، فدعاهم فجمعهم فعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التّوراة والإنجيل، إلّا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك، دعونا، فقالت طائفةٌ منهم: ابنوا لنا أسطوانةً ثمّ ارفعونا إليها، ثمّ أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم، وقالت طائفةٌ: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفةٌ: ابنوا لنا دورًا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحرث البقول، فلا نرد عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحدٌ من القبائل إلّا وله حميمٌ فيهم، ففعلوا ذلك، فأنزل الله عزّ وجلّ {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حقّ رعايتها} [الحديد: 27]، والآخرون قالوا: نتعبّد كما تعبّد فلانٌ، ونسيح كما ساح فلانٌ، ونتّخذ دورًا كما اتّخذ فلانٌ، وهم على شركهم، لا علم لهم بإيمان الّذين اقتدوا به، فلمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يبق منهم إلّا القليل، انحطّ رجلٌ من صومعته، وجاء سائحٌ من سياحته، وصاحب الدّير من ديره، فأمنوا به وصدّقوه، فقال الله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]، أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم، وتصديقهم بالتّوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وتصديقهم، قال: {ويجعل لكم نورًا تمشون به} [الحديد: 28]، القرآن واتّباعهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: {لئلّا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29]، الّذين يتشبّهون بكم {ألّا يقدرون على شيءٍ من فضل الله وأنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: 29]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا وقفّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم وكثيرٌ منهم فاسقون}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ أتبعنا على آثارهم برسلنا الّذين أرسلناهم بالبيّنات، وعلى آثار نوحٍ وإبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم {وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه}. يعني: الّذين اتّبعوا عيسى على منهاجه وشريعته {رأفةً}. وهو أشدّ الرّحمة {ورحمةً ورهبانيّةً ابتدعوها} يقول: أحدثوها {ما كتبناها عليهم} يقول: ما افترضنا تلك الرّهبانيّة عليهم {إلاّ ابتغاء رضوان اللّه}. يقول: لكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه {فما رعوها حقّ رعايتها}.
واختلف أهل التّأويل في الّذين لم يرعوا الرّهبانيّة حقّ رعايتها، فقال بعضهم: هم الّذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنّهم بدّلوا وخالفوا دين اللّه الّذي بعث به عيسى، فتنصّروا وتهوّدوا.
وقال آخرون: بل هم قومٌ جاءوا من بعد الّذين ابتدعوها فلم يرعوها حقّ رعايتها، لأنّهم كانوا كفّارًا ولكنّهم قالوا: نفعل كالّذي كانوا يفعلون من ذلك أوّليًا، فهم الّذين وصف اللّه بأنّهم لم يرعوها حقّ رعايتها.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل هذه الأحرف إلى الموضع الّذي ذكرنا أنّ أهل التّأويل فيه مختلفون في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفةً ورحمةً}. فهاتان من اللّه، والرّهبانيّة ابتدعها قومٌ من أنفسهم، ولم تكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان اللّه، فما رعوها حقّ رعايتها، ذكر لنا أنّهم رفضوا النّساء، واتّخذوا الصّوامع.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ورهبانيّةً ابتدعوها}. قال: لم تكتب عليهم، ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما كتبناها عليهم}. قال: فلم؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه تطوّعًا، فما رعوها حقّ رعايتها.
ذكر من قال: الّذين لم يرعوا الرّهبانيّة حقّ رعايتها كانوا غير الّذين ابتدعوها ولكنّهم كانوا المريدي الاقتداء بهم:
- حدّثنا الحسين بن الحريث أبو عمّارٍ المروزيّ قال: حدّثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت ملوكٌ بعد عيسى بدّلوا التّوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرأون التّوراة والإنجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئًا أشدّ علينا من شتمٍ يشتمناه هؤلاء أنّهم يقرأون {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون}. هؤلاء الآيات مع ما يعيبوننا به في قراءتهم، فادعهم فليقرأوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنّا به. قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التّوراة والإنجيل، إلاّ ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك فدعونا؛ قال: فقالت طائفةٌ منهم: ابنوا لنا أسطوانةً، ثمّ ارفعونا إليها، ثمّ أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم، وقالت طائفةٌ منهم: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش، فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا، وقالت طائفةٌ: ابنوا لنا دورًا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نرد عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحدٌ من أولئك إلاّ وله حميمٌ فيهم؛ قال: ففعلوا ذلك، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها}. الآخرون، قالوا: نتعبّد كما تعبّد فلانٌ، ونسيح كما ساح فلانٌ ونتّخذ دورًا كما اتّخذ فلانٌ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الّذين اقتدوا بهم؛ قال: فلمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يبق منهم إلاّ قليلٌ، انحطّ رجلٌ من صومعته، وجاء سائحٌ من سياحته، وجاء صاحب الدّار من داره، وآمنوا به وصدّقوه، فقال اللّه جلّ ثناؤه {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته}. قال: أجرين لإيمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتّوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتصديقهم به قال {ويجعل لكم نورًا تمشون به} القرآن، واتّباعهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وقال: {لئلاّ يعلم أهل الكتاب ألاّ يقدرون على شيءٍ من فضل اللّه وأنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم}.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ قال: حدّثنا داود بن المحبّر قال: حدّثنا الصّعق بن حزنٍ قال: حدّثنا عقيلٌ الجعديّ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن سويد بن غفلة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقةٍ، نجا منهم ثلاثٌ وهلك سائرهم: فرقةٌ من الثّلاث آزت الملوك وقاتلتهم على دين اللّه ودين عيسى ابن مريم صلوات اللّه عليهم، فقتلتهم الملوك؛ وفرقةٌ لم تكن لهم طاقةٌ بموازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين اللّه ودين عيسى صلوات اللّه عليه، فقتلهم الملوك، ونشرتهم بالمناشير؛ وفرقةٌ لم تكن لهم طاقةٌ بموازاة الملوك، ولا بالمقام بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين اللّه ودين عيسى صلوات اللّه عليه، فلحقوا بالبراري والجبال، فترهّبوا فيها، فهو قول اللّه عزّ وجلّ {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم}. قال: ما فعلوها إلاّ ابتغاء رضوان اللّه {فما رعوها حقّ رعايتها}. قال: ما رعاها الّذين من بعدهم حقّ رعايتها {فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم}. قال: وهم الّذين آمنوا بي وصدّقوني قال {وكثيرٌ منهم فاسقون}. قال: فهم الّذين جحدوني وكذّبوني.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها}. قال الآخرون ممّن تعبّد من أهل الشّرك، وفتن من فتن منهم، يقولون: نتعبّد كما تعبّد فلانٌ، ونسيح كما ساح فلانٌ، وهم في شركهم لا علم لهم بإيمان الّذين اقتدوا بهم.
ذكر من قال: الّذين لم يرعوها حقّ رعايتها: الّذين ابتدعوها:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفةً ورحمةً}. إلى قوله: {حقّ رعايتها}. يقول: ما أطاعوني فيها، وتكلّموا فيها بمعصية اللّه، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلاّ قليلٌ، وكثر أهل الشّرك وذهب الرّسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران، فلم يزل بهم ذلك حتّى كفرت طائفةٌ منهم، وتركوا أمر اللّه عزّ وجلّ ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنّصرانيّة وباليهوديّة، فلم يرعوها حقّ رعايتها وثبتت طائفةٌ على دين عيسى ابن مريم صلوات اللّه عليه، حتّى جاءتهم البيّنات، وبعث اللّه عزّ وجلّ محمّدًا رسولاً صلّى اللّه عليه وسلّم وهم كذلك فذلك قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته}. إلى {واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم}. كان اللّه عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فلمّا استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلاّ القليل، وكثر أهل الشّرك، وانقطعت الرّسل، اعتزلوا النّاس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتّى غيّرت طائفةٌ منهم، فتركوا دين اللّه وأمره وعهده الّذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعوا النّصرانيّة واليهوديّة، فقال اللّه عزّ وجلّ لهم: {فما رعوها حقّ رعايتها} وثبتت طائفةٌ منهم على دين عيسى صلوات اللّه عليه، حتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فآمنوا به.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا زكريّا بن أبي مريم قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ، يقول: إنّ اللّه كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنّما القيام شيءٌ ابتدعتموه، وإنّ قومًا ابتدعوا بدعةً لم يكتبها اللّه عليهم، ابتغوا بها رضوان اللّه، فلم يرعوها حقّ رعايتها، فعابهم اللّه بتركها، فقال: {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها}.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّحّة أن يقال: إنّ الّذين وصفهم اللّه بأنّهم لم يرعوا الرّهبانيّة حقّ رعايتها بعض الطّوائف الّتي ابتدعتها، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه آتى الّذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أنّ منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك لم يكن مستحقّ الأجر الّذي قال جلّ ثناؤه: {فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم}. إلاّ أنّ الّذين لم يرعوها حقّ رعايتها ممكنٌ أن يكون كانوا على عهد الّذين ابتدعوها، وممكنٌ أن يكونوا كانوا بعدهم، لأنّ الّذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها، فجائزٌ في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم والمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرةٍ من هذا الكتاب.
وقوله: {فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم}. يقول تعالى ذكره: فأعطينا الّذين آمنوا باللّه ورسله من هؤلاء الّذين ابتدعوا الرّهبانيّة ثوابهم على ابتغائهم رضوان اللّه، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثيرٌ منهم أهل معاصٍ، وخروجٍ عن طاعته، والإيمان به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ {فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم} قال: الّذين رعوا ذلك الحقّ). [جامع البيان: 22/427-434]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا يحيى بن محمّد بن يحيى الشّهيد، ثنا عبد الرّحمن بن المبارك، ثنا الصّعق بن حزنٍ، عن عقيل بن يحيى، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، {وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها، فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم وكثيرٌ منهم فاسقون} [الحديد: 27] قال ابن مسعودٍ: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد اللّه بن مسعودٍ» فقلت: لبّيك يا رسول اللّه، ثلاث مرارٍ، قال: «هل تدري أيّ عرى الإيمان أوثق؟» قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: «أوثق الإيمان الولاية في اللّه بالحبّ فيه والبغض فيه، يا عبد اللّه بن مسعودٍ» قلت: لبّيك يا رسول اللّه، ثلاث مرارٍ، قال: «هل تدري أيّ النّاس أفضل؟» قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: «فإنّ أفضل النّاس أفضلهم عملًا إذا فقهوا في دينهم، يا عبد اللّه بن مسعودٍ» قلت: لبّيك وسعديك، ثلاث مرارٍ، قال: «هل تدري أيّ النّاس أعلم؟» قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: " فإنّ أعلم النّاس أبصرهم بالحقّ إذا اختلفت النّاس، وإن كان مقصّرًا في العمل وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقةً نجا منها ثلاثٌ، وهلك سائرها، فرقةٌ وازت الملوك وقاتلتهم على دين اللّه ودين عيسى ابن مريم حتّى قتلوا، وفرقةٌ لم يكن لهم طاقةٌ بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين اللّه ودين عيسى ابن مريم فقتلتهم الملوك، ونشرتهم بالمناشير، وفرقةٌ لم يكن لهم طاقةٌ بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى اللّه وإلى دين عيسى ابن مريم فساحوا في الجبال وترهّبوا فيها فهم الّذين قال اللّه {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها} [الحديد: 27] إلى قوله {فاسقون} [الحديد: 27] فالمؤمنون الّذين آمنوا بي وصدّقوني والفاسقون الّذين كفروا بي وجحدوا بي «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/522]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) (ابن عباس - رضي الله عنهما -): قال: كانت ملوكٌ بعد عيسى -عليه السلام- بدّلوا التّوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل، قيل لملوكهم: ما نجد شتماً أشدّ من شتمٍ يشتمونا هؤلاء، إنهم يقرؤون {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] مع ما يعيبونا به في أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنّا، فدعاهم فجمعهم، وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التّوراة والإنجيل، إلا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا، فقالت طائفةٌ منهم: ابنوا لنا أسطواناً، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم، وقالت طائفةٌ: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفةٌ منهم: ابنوا لنا دوراً في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، ولا نرد عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحدٌ من القبائل إلا وله حميمٌ فيهم، قال: ففعلوا ذلك، فأنزل الله عز وجل: {ورهبانيّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم - إلا ابتغاء رضوان اللّه - فما رعوها حقّ رعايتها} [الحديد: 27] والآخرون قالوا: نتعبّد كما تعبّد فلانٌ، ونسيح كما ساح فلانٌ، وهم على شركهم، ولا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبق منهم إلا قليلٌ، انحطّ رجلٌ من صومعته، وجاء سائحٌ من سياحته، وصاحب الدّير من ديره، فآمنوا به وصدّقوه، فقال الله تبارك وتعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]: أجرين، بإيمانهم بعيسى عليه السلام، وبالتوارة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وتصديقهم، وقال: {ويجعل لكم نوراً تمشون به} [الحديد: 28]: القرآن، واتّباعهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: {لئلّا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29] الذين يتشبّهون بكم {ألّا يقدرون على شيءٍ من فضل اللّه}... الآية. أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
(نهيم) هام في البراري: إذا ذهب لوجهه على غير جادة، ولا طالب مقصد.
(الفيافي) البراري). [جامع الأصول: 2/376-378]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه} الآية
أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر من طرق عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله: قلت: لبيك يا رسول الله ثلاث مرات قال: هل تدري أي عرا الإيمان أوثق قلت: الله ورسوله أعلم
قال: أوثق عرا الإيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه قال: هل تدري أي الناس أفضل قلت: الله ورسوله أعلم قال: أفضل الناس أفضلهم عملا إذا تفقهوا في الدين يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا بالعمل وإن كان يزحف على أسته واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها فرقة (من الفراق) وزت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم حتى قتلوا وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام معهم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهم الذين قال الله: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} الذين آمنوا بي وصدقوني {وكثير منهم فاسقون} الذين كفروا بي وجحدوني). [الدر المنثور: 14/287-289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرأون التوراة والإنجيل فقيل لملوكهم: ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمنا هؤلاء أنهم يقرؤون (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة الآية 44) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (المائدة الآية 45) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (المائدة الآية 47) مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قرءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا: ما تريدون إلى ذلك دعونا فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا ترفع به طعامنا وشرابنا ولا ترد عليكم وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا وقالت طائفة: ابنوا لنا ديورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك فأنزل الله {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} قال: والآخرون ممن تعبد من أهل الشرك وفني من قد فني منهم قالوا: نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ ديورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته وجاء السائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} أجرين بإيمانهم بعيسى ونصب أنفسهم والتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم {ويجعل لكم نورا تمشون به} القرآن واتباعهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 14/289-290]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}). [الدر المنثور: 14/290-291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات). [الدر المنثور: 14/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، وابن نصر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الله كتب عليكم صيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم قيامه وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها وتلا هذه الآية {ورهبانية ابتدعوها}). [الدر المنثور: 14/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله). [الدر المنثور: 14/291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ورهبانية ابتدعوها} قال: ذكر لنا أنهم رفضوا النساء واتخذوا الصوامع). [الدر المنثور: 14/292]


رد مع اقتباس