عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير}
"ألم تر" تنبيه، و"الرؤية" رؤية الفكر، قال سيبويه: كأنه قال: انتبه، الله يسبح له من في السماوات، و"التسبيح" هنا التعظيم والتنزيه، فهو من العقلاء بالنطق وبالصلاة من كل ذي دين، واختلف في تسبيح الطير وغير ذلك مما قد ورد الكتاب بتسبيحه، فالجمهور على أنه تسبيح حقيقي، وقال الحسن وغيره: هو لفظ تجوز، وإنما تسبيحه بظهور الحكمة فيه، فهو -لذلك- يدعو إلى التسبيح.
وقال المفسرون: قوله تعالى: {من في السماوات والأرض} عامة لكل شيء، من له عقل وسائر الجمادات، لكنه لما اجتمع ذلك عبر عنه بـ "من" تغليبا لحكم من
[المحرر الوجيز: 6/396]
يعقل. و"صافات" معناه: مصطفة في الهواء، وقرأ الأعرج: "والطير" بنصب الراء، وقرأ الحسن: "والطير صافات" مرفوعتان.
وقوله تعالى: {كل قد علم صلاته وتسبيحه}، قال الحسن: المعنى: كل قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، فهو يثابر عليهما ويؤديهما، قال مجاهد: الصلاة للبشر والتسبيح لما عداهم، وقالت فرقة: المعنى: كل قد علم صلاة الله وتسبيح الله اللذين أمر بهما وهدى إليهما، فهذه إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج وغيره: المعنى: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه، فالضميران للكل. وقرأت فرقة: "علم صلاته وتسبيحه" بالرفع وبناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله، ذكرها أبو حاتم، وقرأ الجمهور: "يفعلون" بالياء، على معنى المبالغة في وصف قدرة الله وعلمه بخلقه، وقرأ عيسى، والحسن: "تفعلون" بالتاء من فوق، ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من الله تعالى، وإعلام بعد بكون الملك على الإطلاق له، وتذكيره بأمر المصير إليه والحشر يقوي أمر التخويف من الله تبارك وتعالى. وفي مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه: "والله بصير بما تفعلون"). [المحرر الوجيز: 6/397]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
"الرؤية" في هذه الآية رؤية عين، والتقدير: أن أمر الله وقدرته. و"يزجي" معناه: يسوق، والإزجاء إنما يستعمل في سوق كل ثقيل ومدافعته كالسحاب والإبل المزاحف، كما قال الفرزدق:
... ... ... ... على مزاحف تزجيها محاسير
[المحرر الوجيز: 6/397]
والبضاعة المزجاة: التي تحتاج من الشفاعة والتحسين إلى ما هو كسوق الثقيل، ومنه قول حبيب في الشيب: "ونحن نزجيه" وسيبويه أبدا يقول في كلامه: "فأنت تزجيه إلى كذا"، أي تسوقه ثقيلا متباطئا.
وقوله تعالى: {ثم يؤلف بينه} أي بين مفترق السحاب نفسه؛ لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجا، وهذا كما تقول: جلست بين الدور، ولو أضيفت "بين" إلى مفرد لم يصح إلا أن تريد آخر، لا تقول: "جلست بين الدار" إلا أن تريد: "وبين كذا".
وورش عن نافع لا يهمز "يؤلف"، وقالون عن نافع، والباقون يهمزون "يؤلف"، وهو الأصل.
و "الركام": الذي يركب بعضه بعضا ويتكاثف، والعرب تقول: إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاما بالريح عصر بعضه بعضا فخرج الودق منه، ومن ذلك قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}، ومن ذلك قول حسان بن ثابت:
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل
[المحرر الوجيز: 6/398]
ويروى "للمفصل" بكسر الميم وبفتح الصاد، فالمفصل: واحد المفاصل، والمفصل: اللسان، ويروى بالقاف، أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت به، أي: هذه من عصر العنب وهذه من عصر السحاب، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبد الله بن الحسن للقوم الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان.
و "الودق": المطر، ومنه قول الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
وقرأ جمهور الناس: "من خلاله" وهو جمع خلل، كجبل وجبال، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك: "من خلله". وقرأ عاصم، والأعرج: "وينزل" على المبالغة، والجمهور على التخفيف.
وقوله تعالى: {من جبال فيها من برد} قيل: تلك حقيقة، وقد جعل الله تعالى في السماء جبالا من برد، وقالت فرقة: ذلك مجاز، وإنما أراد وصف كثرته، وهذا كما تقول: عند فلان جبال من المال، وجبال من العلم، أي في الكثرة مثل الجبال، وحكي عن الأخفش تقديره زيادة "من" في قوله تعالى: "من برد"، وهو قول ضعيف، و"من" في قوله تعالى: "من السماء" هي لابتداء الغاية، وفي قوله: "من جبال" هي للتبعيض، وفي قوله: "من برد" هي لبيان الجنس.
[المحرر الوجيز: 6/399]
و "السنا" (مقصور): الضوء، و"السناء" (ممدودا): المجد والارتفاع في المنزلة، وقرأ الجمهور: "سنا" بالقصر، وقرأ طلحة بن مصرف: "سناء" بالمد والهمز، وقرأ طلحة أيضا: "برقه" بضم الباء وفتح الراء، وهي جمع برقة -بضم الباء وسكون الراء- فعلة، وهي القدر من البرق، كلقمة ولقم وغرفة وغرف، وقرأ الجمهور: "يذهب" بفتح الياء، وقرأ أبو جعفر: "يذهب" بضمها، من أذهب، كأن التقدير: يذهب النفوس بالأبصار، نحو قوله: {تنبت بالدهن}، ويحتمل أن يكون كقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} [الحج: 25] فالباء زائدة دالة على فعل يناسبها). [المحرر الوجيز: 6/400]

تفسير قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم اقتضت ألفاظ الآية الإخبار عن تقليب الليل والنهار، والإتيان بهذا بعد هذا دون توطئة، وهذا هو الذي تعجز عنه الفصحاء حتى يقع منهم التخليق في الألفاظ والتوطئة بالكلام، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/400]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون}
هذه آية اعتبار، وقرأ حمزة، والكسائي: "والله خالق كل" على الإضافة، وقرأ الجمهور: "والله خلق كل"، و"الدابة": كل من يدب من الحيوان، أي يتحرك منتقلا أمامه قدما، ويدخل فيه الطير إذ قد يدب، ومنه قول الشاعر:
... ... ... ... ... .... دبيب قطا البطحاء في كل منهل
[المحرر الوجيز: 6/400]
ويدخل فيه الحوت، وفي الحديث دابة من البحر مثل الظرب، وقوله: "من ماء" قال النقاش: أراد أمنية الذكور، وقال جمهور النظرة: أراد أن خلقة كل حيوان أن فيها ماء كما خلق آدم من الماء والطين، وعلى هذا يتخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الذي سأل في غزاة بدر: ممن أنتما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، الحديث.
والمشي على البطن للحيات والحوت ونحوه من الدود وغيره، وعلى الرجلين للإنسان والطير إذا مشى، والأربع لسائر الحيوان، وفي مصحف أبي بن كعب: "ومنهم من يمشي على أكثر"، فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان، ولكنه قرآن لم يثبته الإجماع، لكن قال النقاش: إنما اكتفى القول بذكر ما يمشي على أربع عن ذكر ما يمشي على أكثر لأن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع، وهي قوام مشيه، وكثرة الأرجل في بعضه زيادة في الخلقة لا يحتاج ذلك الحيوان في مشيه إلى جميعها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والظاهر أن تلك الأرجل الكثيرة ليست باطلا، بل هي محتاج إليها في تنقل الحيوان، وفي كلها تتحرك في تصرفه). [المحرر الوجيز: 6/401]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ۚ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {آيات مبينات} يعم كل ما نصب الله تعالى من آية وصنعه للعبرة، وكل ما نص في كتابه من آية تنبيه وتذكير، وأخبر تعالى أنه أنزل الآيات ثم قيد الهداية إليها لأنه من قبله لبعض دون بعض). [المحرر الوجيز: 6/401]

رد مع اقتباس