عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون (35) إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ (36) يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها ولهم عذابٌ مقيمٌ (37)}.
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بالطّاعة كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيّات، وقد قال بعدها: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال سفيان الثّوريّ، حدّثنا أبي، عن طلحة، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أي القربة. وكذا قال مجاهدٌ [وعطاءٌ] وأبو وائلٍ، والحسن، وقتادة، وعبد اللّه بن كثيرٍ، والسّدّيّ، وابن زيدٍ.
وقال قتادة: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيدٍ: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء:57] وهذا الّذي قاله هؤلاء الأئمّة لا خلاف بين المفسّرين فيه وأنشد ابن جريرٍ عليه قول الشّاعر
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا = وعاد التّصافي بيننا والوسائل
والوسيلة: هي الّتي يتوصّل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: علمٌ على أعلى منزلةٍ في الجنّة، وهي منزلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وداره في الجنّة، وهي أقرب أمكنة الجنّة إلى العرش، وقد ثبت في صحيح البخاريّ، من طريق محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قال حين يسمع النّداء: اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته، إلا حلّت له الشفاعة يوم القيامة".
حديثٌ آخر في صحيح مسلمٍ: من حديث كعبٍ عن علقمة، عن عبد الرّحمن بن جبير، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشرًا، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة، لا تنبغي إلّا لعبدٍ من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلًّت عليه الشّفاعة."
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا سفيان، عن ليث، عن كعبٍ، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا صلّيتم عليّ فسلوا لي الوسيلة". قيل: يا رسول اللّه، وما الوسيلة؟ قال: "أعلى درجةٍ في الجنّة، لا ينالها إلّا رجلٌ واحدٌ وأرجو أن أكون أنا هو".
ورواه التّرمذيّ، عن بندار، عن أبي عاصمٍ، عن سفيان -هو الثّوريّ-عن ليث بن أبي سليم، عن كعبٍ قال: حدّثني أبو هريرة، به. ثمّ قال: غريبٌ، وكعبٌ ليس بمعروفٍ، لا نعرف أحدًا روى عنه غير ليث بن أبي سليمٍ.
طريقٌ أخرى: عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد الباقي بن قانعٍ، حدّثنا محمّد بن نصرٍ التّرمذيّ، حدّثنا عبد الحميد بن صالحٍ، حدّثنا أبو شهابٍ، عن ليثٍ، عن المعلّى، عن محمّد بن كعبٍ، عن أبي هريرة رفعه قال: "صلّوا عليّ صلاتكم، وسلوا اللّه لي الوسيلة". فسألوه وأخبرهم: "أنّ الوسيلة درجةٌ في الجنّة، ليس ينالها إلّا رجلٌ واحدٌ، وأرجو أن أكونه".
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: أخبرنا أحمد بن عليٍّ الأبّار، حدّثنا الوليد بن عبد الملك الحرّانيّ، حدّثنا موسى بن أعين، عن ابن أبي ذئبٍ عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة، فإنّه لم يسألها لي عبدٌ في الدّنيا إلّا كنت له شهيدًا -أو: شفيعًا-يوم القيامة".
ثمّ قال الطّبرانيّ: "لم يروه عن ابن أبي ذئبٍ إلّا موسى بن أعين". كذا قال، وقد رواه ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليّ بن دحيمٍ، حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، حدّثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، فذكر بإسناده نحوه.
حديثٌ آخر: روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية، عن موسى بن وردان: أنّه سمع أبا سعيدٍ الخدريّ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أن الوسيلة درجةٌ عند اللّه، ليس فوقها درجةٌ، فسلوا اللّه أن يؤتيني الوسيلة على خلقه".
حديثٌ آخر: روى ابن مردويه أيضًا من طريقين، عن عبد الحميد بن بحرٍ: حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "في الجنّة درجةٌ تدعى الوسيلة، فإذا سألتم اللّه فسلوا لي الوسيلة". قالوا: يا رسول اللّه، من يسكن معك؟ قال: "عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين".
هذا حديثٌ غريبٌ منكرٌ من هذا الوجه
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا الحسن الدّشتكيّ، حدّثنا أبو زهيرٍ، حدّثنا سعد بن طريف، عن عليّ بن الحسين الأزدي -مولى سالم بن ثوبان-قال: سمعت عليّ بن أبي طالبٍ ينادي على منبر الكوفة: يا أيّها النّاس، إنّ في الجنّة لؤلؤتين: إحداهما بيضاء، والأخرى صفراء، أمّا الصّفراء فإنّها إلى بطنان العرش، والمقام المحمود من اللّؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفةٍ، كلّ بيتٍ منها ثلاثة أميالٍ، وغرفها وأبوابها وأسرّتها وكأنّها من عرقٍ واحدٍ، واسمها الوسيلة، هي لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل بيته، والصّفراء فيها مثل ذلك، هي لإبراهيم، عليه السّلام، وأهل بيته.
وهذا أثرٌ غريبٌ أيضًا
وقوله: {وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون} لمّا أمرهم بترك المحارم وفعل الطّاعات، أمرهم بقتال الأعداء من الكفّار والمشركين الخارجين عن الطّريق المستقيم، التّاركين للدّين القويم، ورغّبهم في ذلك بالّذي أعدّه للمجاهدين في سبيله يوم القيامة، من الفلاح والسّعادة العظيمة الخالدة المستمرّة الّتي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرّفيعة الآمنة، الحسنة مناظرها، الطّيّبة مساكنها، الّتي من سكنها ينعم لا ييأس، ويحيا لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه). [تفسير القرآن العظيم: 3/103-105]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى بما أعدّ لأعدائه الكفّار من العذاب والنّكال يوم القيامة، فقال: {إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ} أي: لو أنّ أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهبًا، وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب اللّه الّذي قد أحاط به وتيقّن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه بل لا مندوحة عنه ولا محيص له ولا مناص ؛ ولهذا قال: {ولهم عذابٌ أليمٌ} أي: موجعٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/105]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها ولهم عذابٌ مقيمٌ} كما قال تعالى: {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها} الآية [الحج:22]، فلا يزالون يريدون الخروج ممّا هم فيه من شدّته وأليم مسّه، ولا سبيل لهم إلى ذلك، كلّما رفعهم اللّهب فصاروا في أعالي جهنّم، ضربتهم الزّبانية بالمقامع الحديد، فيردّونهم إلى أسفلها، {ولهم عذابٌ مقيمٌ} أي: دائمٌ مستمرٌّ لا خروج لهم منها، ولا محيد لهم عنها.
وقد قال حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يؤتى بالرّجل من أهل النّار، فيقول: يا ابن آدم، كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شرّ مضجعٍ، فيقول: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبًا؟ " قال: "فيقول: نعم، يا ربّ! فيقول: كذبت! قد سألتك أقلّ من ذلك فلم تفعل: فيؤمر به إلى النّار".
رواه مسلمٌ والنّسائيّ من طريق حمّاد بن سلمة بنحوه. وكذا رواه البخاريّ ومسلمٌ من طريق معاذ بن هشامٍ الدّستوائي، عن أبيه، عن قتادة، عن أنسٍ، به. وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني، واسمه عبد الملك بن حبيبٍ، عن أنس بن مالكٍ، به. ورواه مطر الورّاق، عن أنس بن مالكٍ، ورواه ابن مردويه من طريقه، عنه.
ثمّ رواه ابن مردويه، من طريق المسعوديّ، عن يزيد بن صهيب الفقير، عن جابر بن عبد اللّه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] "يخرج من النّار قومٌ فيدخلون الجنّة" قال: فقلت لجابر بن عبد اللّه: يقول اللّه: {يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها} قال: اتل أوّل الآية: {إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به} الآية، ألّا إنّهم الّذين كفروا.
وقد روى الإمام أحمد ومسلمٌ هذا الحديث من وجهٍ آخر، عن يزيد الفقير، عن جابرٍ وهذا أبسط سياقًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسين بن محمّد بن شنبة الواسطيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مبارك بن فضالة، حدّثني يزيد الفقير قال: جلست إلى جابر بن عبد اللّه، وهو يحدّث، فحدّث أنّ أناسًا يخرجون من النّار -قال: وأنا يومئذٍ أنكر ذلك، فغضبت وقلت: ما أعجب من النّاس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمّدٍ! تزعمون أنّ اللّه يخرج ناسًا من النّار، واللّه يقول: {يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها [ولهم عذابٌ مقيمٌ]} فانتهرني أصحابه، وكان أحلمهم فقال: دعوا الرّجل، إنّما ذلك للكفّار: {إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة} حتّى بلغ: {ولهم عذابٌ مقيمٌ} أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قد جمعته قال: أليس اللّه يقول: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا}؟ [الإسراء:79] فهو ذلك المقام، فإنّ اللّه [تعالى] يحتبس أقوامًا بخطاياهم في النّار ما شاء، لا يكلّمهم، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم. قال: فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به.
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا دعلج بن أحمد، حدّثنا عمرو بن حفصٍ السّدوسي، حدّثنا عاصم بن عليٍّ، حدّثنا العبّاس بن الفضل، حدّثنا سعيد بن المهلّب، حدّثني طلق بن حبيبٍ قال: كنت من أشدّ النّاس تكذيبًا بالشّفاعة، حتّى لقيت جابر بن عبد اللّه، فقرأت عليه كلّ آيةٍ أقدر عليها يذكر اللّه [تعالى] فيها خلود أهل النّار، فقال: يا طلق، أتراك أقرأ لكتاب اللّه وأعلم بسنّة رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] منّي؟ إنّ الّذين قرأت هم أهلها، هم المشركون، ولكنّ هؤلاء قومٌ أصابوا ذنوبًا فعذّبوا، ثمّ أخرجوا منها ثمّ أهوى بيديه إلى أذنيه، فقال صمّتًا إن لم أكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرجون من النّار بعدما دخلوا". ونحن نقرأ كما قرأت). [تفسير القرآن العظيم: 3/105-107]

رد مع اقتباس