عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:18 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

تقبيل المصحف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لأهل العلم في مسألة تقبيل المصحف أقوال أربعة:
أحدها: الاستحباب. وثانيها: الإباحة. وثالثها: الكراهة. ورابعها: التوقف.
أ- وقد ذهب إلى القول باستحباب تقبيل المصحف جمع من أهل العلم، وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد، واختاره جمعا من فقهاء الشافعية كالغزالي،
والسبكي، والزركشي، والسيوطي، والهيتمي، وغيرهم.
واحتجوا بما روي عن بعض الصحابة من تقبيل المصحف، فقد روى الإمام أحمد : "أن عكرمة ابن أبي جهل فعله".
[438]
وروي بعض فقهاء الحنفية: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبله، ويقول: " عهد ربي، ومنشور ربي عزوجل"). قالوا: (وكان عثمان رضي الله عنه يقبل المصحف ويمسحه على وجهه).
وذكر الحافظ في الفتح في فوائد حديث ابن عمر رضي الله عنهما في اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على استلام الركنين اليمانيين، قال: ("فائدة أخرى" : استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك.
ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل
[439]
المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين وبالله التوفيق. انتهى كلام الحافظ في الفتح، ونقله الشوكاني عنه في شرح المنتقى، ولم يعقبا على هذا النقل الأخير بشيء. وحكاه بعضهم عن عمر رضي الله عنه، وقال بعضهم: ( كان عثمان رضي الله عنه يقبل المصحف ويمسحه على وجهه).
ومما يستأنس به في هذا الباب ما روي عن بعض السلف من تقبيلهم لكتب النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال قال: (حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا السري بن يحيى، حدثنا حميد بن هلال أن رجلا من بني شيبان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب لي بابنة بقيلة عظيم الحيرة. فقال: "يا فلان أترجو أن يفتحها الله لنا؟"، فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحنها الله لنا. قال: فكتب له بها في أديم أحمر. فقال: فعزاهم خالد بن الوليد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج معه ذلك الشيباني، قال فصالح أهل الحيرة ولم يقاتلوا، فجاء الشيباني بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد، فلما أخذه قبله ثم قال: دونكما) إلى آخر القصة.
وروي أن عمر بن عبد العزيز قبل الكتاب الذي فيه قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث، فقد أخرج البلاذري أثر عمر هذا في الفتوح فقال: (حدثني عمرو الناقد وابن سهم الأنطاكي قالا: حدثنا الهيثم بن جميل الأنطاكي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال: "أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أرضا فيها جبل ومعدن، فباع بنو بلال عمر بن عبد العزيز أرضا
[440]
منها، فظهر فيها معدن، أو قال معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن، وجاؤا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة فقبلها عمر ومسح بها عينه، وقال لقيمه: انظر ما خرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل". وأخرجه أبو عبيد في الأموال، وابن زنجويه في الأموال أيضا من طريق حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة- مولى بلال بن الحرث المزني- بنحوه، وفيه: ( وجاؤا بكتاب القطيعة التي أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيهم في جريدة. قال: فجعل عمر يمسحها على عينيه).
واستدل السبكي الشافعي على جواز تقبيل المصحف بالقياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والصالح والوالد، إذ من المعلوم أنه أفضل منهم. أ.ه
وذكر الزركشي نحوا من كلام السبكي وزاد في تعليل الحكم كونه هدية من الله لعباده، فشرع تقبيله، كما يستحب تقبيل الولد الصغير.
ب- وذهب فريق ثان من أهل العلم إلى القول بإباحة تقبيل المصحف وهو رواية عن الإمام أحمد قدمها أكثر أصحابه، وهو اختيار جمع من فقهاء الحنفية.
[441]
ج- وقال فريق ثالث من أهل العلم بالكراهة وعليه جمع من فقهاء الماكية كابن الحاج في المدخل، وكالخرشي، والقاضي عليش، وحكاه عن علماء المالكية ثم قال: (تعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه لا تقبيله ولا القيام إليه كما يفعل بعضهم في هذا الزمان.وقال: وكذلك الورقة يجدها الإنسان في الطريق فيها اسم من أسماء الله تعالى أو اسم نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ترفيعه إزالة الورقة من موضع المهنة إلى موضع ترفع فيه لا تقبيلها).
وعلل الكراهة بعض فقهاء الحنفية بكون التقبيل بدعة، ويرده المأثور من فعل الصحابة، ولم ينقل عنهم خلافه فسلم من المعارض.
د- وذهب فريق من أهل العلم إلى القول بالتوقف في مسألة تقبيل المصحف وهي رواية ثالثة عن الإمام أحمد حكاها عنه الأصحاب، ونقلها عنه الجماعة لعدم التوقيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية: (وقد سئل أحمد عن تقبيله؟ فقال: ما سمعت فيه شيئا، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل: أنه كان يفتح
[442]

المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: "كلام ربي كلام ربي").
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: (ويجوز تقبيل المصحف، قدمه في الرعاية وغيرها. وعنه يستحب لأن عكرمة بن أبي جهل كان يفعل ذلك رواه جماعة منهم الدرامي وأبو بكر عبد العزيز، وعنه التوقف فيه وفي جعله على عينيه.قال القاضي في الجامع الكبير: إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف، ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال: "لا تضر ولا تنفع، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك"، وكذلك "معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس فقال: ليس في البيت شيء مهجور.فقال: إنما هي السنة" فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
[443]

رد مع اقتباس