عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 05:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين}
هو يونس بن متى عليه السلام، وهو من بني إسرائيل، وروي أنه تنبأ ابن ثمانية وعشرين سنة فتفسخ تحت أعباء النبوة كما يتفسخ الربع تحت الحمل، وقد تقدم شرح قصته، ولكن نذكر منها ما تفهم به هذه الألفاظ.
فروي أن الله بعثه إلى قومه، فدعاهم مرة فخالفوه فوعدهم بالعذاب، وأعلمه الله تعالى بيومه فحدده يونس لهم، ثم إن قومه لما رأوا مخايل العذاب قبل أن يباشرهم تابوا وآمنوا فتاب الله عليهم وصرف العذاب عنهم، وكان في هذا تجربة ليونس عليه السلام، فلحقت يونس غضبة، ويروى أنه كان في سيرتهم أن يقتلوا الكذاب إذا لم تقم له بينة، فخافهم يونس وغضب مع ذلك،
فأبق إلى الفلك، أي أراد الهروب ودخل في البحر، وعبر عن هروبه بالإباق، من حيث هو عبد الله فر عن غير إذن مولاه، فهذه حقيقة الإباق، و"الفلك" في هذا الموضع واحد، و"المشحون": الموقر،وهنا قصص محذوف إيجازا واختصارا. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه لما حصل في السفينة وأبعدت وكدت ولم تجر والسفن تجري يمينا وشمالا، فقال أهل السفينة: إن فينا لصاحب ذنب وبه يحبسنا الله، فقالوا: لنقترع، فأخذوا لكل أحد سهما، وقالوا: اللهم ليطف سهم المذنب وليغرق سهام الغير، فطفا سهم يونس، ففعلوا نحو هذا ثلاث مرات في كل مرة تقع القرعة عليه، فأزمعوا معه على أن يطرحوه، فجاء إلى ركن من أركان السفينة ليقع منه فإذا بدابة من دواب البحر ترقبه وترصده، فدفع إلى الركن الآخر فوجدها كذلك، حتى استدار بالمركب وهي لا تفارقه، فعلم أن ذلك من عند الله، فترامى إليها فالتقمته، وروي أنما التقمته بعد أن وقع في الماء، وروي أن الله أوحى إلى الحوت أني لم أجعل يونس لك رزقا، وإنما جعلت بطنك له حرزا وسجنا، فهذا معنى "فساهم"، أي: قارع، وكذلك فسر ابن عباس، والسدي. و"المدحض": الزاهق المغلوب في محاجة أو مساهمة أو مسابقة. ومنه: الحجة الداحضة،
و"المليم": الذي أتى ما يلام عليه، يقال: ألام الرجل دخل في اللوم، وبذلك فسر مجاهد، وابن زيد، ومنه قول الشاعر:
سفها عذلت ولمت غير مليم ... وهداك قبل اليوم غير حكيم
ثم استنقذه الله تبارك وتعالى من بطن الحوت بعد مدة واختلف الناس فيها، فقالت فرقة: بعد سبع ساعات، وقال مقاتل بن حيان: بعد ثلاثة أيام، وقال عطاء بن أبي رباح: بعد سبعة أيام، وقالت فرقة: بعد أربعة عشر يوما، وقال أبو مالك، والسدي: بعد أربعين يوما، وهو قول ابن جريج أنه بلغه. وجعل تعالى علة استنقاذه مع القدرةالسابقة تسبيحه، واختلف الناس في ذلك، فقال ابن جبير: هو قوله في بطن الحوت: سبحان الله، وقالت فرقة: بل التسبيح وصلاة التطوع، واختلفت هذه الفرقة، فقال قتادة، وابن عباس، وأبو العالية: صلاته في وقت الرخاء نفعته في وقت الشدة، وقال هذا جماعة من العلماء، وقال الضحاك بن قيس على منبره: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة إن يونس كان عبدا لله ذاكرا فلما أصابته الشدة نفعه ذلك، ثم تلا هذه الآية، وإن فرعون كان طاغيا باغيا، فلما أدركه الغرق قال: آمنت فلم ينفعه ذلك، فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة. وقال قتادة في الحكمة: إن العمل يرفع صاحبه إذا عثر، فإذا صرع وجد متكأ، وقال الحسن بن أبي الحسن: كانت سبحته صلاة في بطن الحوت، وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه ويقول: يا رب لأبنين لك مسجدا حيث لم يبنه أحد قبلي، ويصلي، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن يونس حين نادى في الظلمات ارتفع نداؤه إلى العرش، فقالت الملائكة: هذا صوت ضعيف من موضع غربة، فقال: هذا عبدييونس، فأجاب الله دعوته". وذكر الحديث. وقال ابن جبير: الإشارة بقوله: {من المسبحين} إلى قوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. وكتب الناس في هذا القصص بما اختصرناه لعدم الصحة، وروي أن الحوت مشى به في البحار كلها حتى قذفه في نصيبين من ناحية الموصل، فنبذه الله في عراء من الأرض، وهو الأرض الفيحاء التي لا شجر فيها ولا معلم، ومنه قول الشاعر:
رفعت رجلا لا أخاف عثارها ... ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وقال السدي، وابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وهو سقيم}: إنه كان كالطفل المنفوس، بضعة لحم، وقال بعضهم: كان كاللحم النيء، إلا أنه لم ينقص من خلقه شيء، فأنعشه الله في ظل اليقطينة بلبن أروية كانت تغاديه وتراوحه، وقيل: بل كان يتغذى من اليقطينة، ويجد منها ألوان الطعام وأنواع شهواته.
واختلف الناس في اليقطين، فقالت فرقة: هي شجرة لا نعرفها، سماها الله باليقطين، وهي لفظة مأخوذة من: قطن إذا أقام بالمكان. وقال سعيد بن جبير، وابن عباس، والحسن، ومقاتل: اليقطين: كل ما لا يقوم على ساق من عود كالبقول والقرع والحنظل والبطيخ ونحوه مما يموت من عامه، وروي نحوه عن مجاهد، وقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعمرو بن ميمون: اليقطين: القرع خاصة، وعلى هذين القولين فإما أن يكون قوله تعالى: "شجرة" تجوزا، وإما أن يكون أنبتها عليه ذات ساق خرقا للعادة; لأن الشجرة في كلام العرب إنما يقال لما كان على ساق من عود، وحكى بعض الناس أنها كانت قرعة وهي تجمع خصالا: برد الظل والملمس وعظم الورق وأن الذباب لا يقربها، وحكى النقاش أن ماء ورق القرعة إذا رش بمكان لم يقربه ذباب، ومشهور اللغة أن اليقطين: القرع، وقد قال أمية بن أبي الصلت في قصة يونس عليه السلام:
فأنبت يقطينا عليه برحمة ... من الله، لولا الله ألفي ضاحيا
فنبت يونس عليه السلام وصح وحسن جسمه; لأن ورق القرع أنفع شيء لمن تسلخ جلده كيونس. وروي أنه كان يوما نائما فأيبس الله تلك اليقطينة، وقيل: بعث عليها الأرضة فقطعت عروقها، فانتبه يونس لحر الشمس، فعز عليه شأنها وجزع له، فأوحى الله تعالى إليه: يا يونس، أجزعت ليبس اليقطينة ولم تجزع لإهلاك مائة ألف أو يزيدون تابوا فتيب عليهم).[المحرر الوجيز: 7/ 309-313]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين * فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون * أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون * ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين * ما لكم كيف تحكمون * أفلا تذكرون * أم لكم سلطان مبين * فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين}
قال الجمهور: إن هذه الرسالة إلى مائة ألف في رسالته الأولى التي أبق بعدها، ذكرها الله تعالى في آخر القصص تنبيها على رسالته، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فآمنوا فمتعناهم إلى حين}، وتمتيع تلك الأمة هو الذي أغضب يونس عليه السلام حتى أبق، وقال قتادة، وابن عباس أيضا: هذه الرسالة أخرى بعد أن نبذ بالعراء، وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل.
وقرأ جعفر بن محمد رضي الله عنه: "ويزيدون" بالواو، وقرأ الجمهور: "أو يزيدون"، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "أو" بمعنى (بل)، وكانوا مائة ألف وثلاثين ألفا، وقال أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا مائة وعشرين ألفا"، وقال ابن جبير: كانوا مائة وسبعين ألفا، وروي عن ابن عباس أنه قرأ: "بل يزيدون"، وقالت فرقة "أو" هنا بمعنى الواو، وقالت فرقة: هي للإبهام على المخاطب، كما تقول: "ما عليك أنت، أنا أعطي فلانا دينارا أو ألف دينار"، ونحو هذا قوله تعالى: {ليس لك منالأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}، وهذا المعنى قليل التمكن في قوله سبحانه: {أو يزيدون}. وقال المبرد وكثير من البصريين: المعنى على نظر البشر وحذرهم، أي: من رآهم قال: هم مائة ألف أو يزيدون.
وروي في قوله تعالى: {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} أنهم خرجوا بالأطفال وأولاد البهائم، وفرقوا بينها وبين الأمهات، وناحوا وضجوا وأخلصوا، فرفع الله عنهم، والتمتيع هنا هو بالحياة، والحين: آجالهم السابقة في الأزل، قاله قتادة، والسدي، وقرأ ابن أبي عبلة: [حتى حين]، وفي قوله تعالى: {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} مثال لقريش: أي: إن آمنوا أمنوا كما جرى لهؤلاء، ومن هنا حسن انتقال القول والمحاورة إليهم بقوله تعالى: {فاستفتهم}، فإنما يعود ضميرهم على ما في المعنى من ذكرهم).[المحرر الوجيز: 7/ 313-314]

رد مع اقتباس