عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 06:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان اللّه ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلّا أساطير الأوّلين (17) أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين (18) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وليوفّيهم أعمالهم وهم لا يظلمون (19) ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تفسقون (20) }
لـمّا ذكر تعالى حال الدّاعين للوالدين البارّين بهما وما لهم عنده من الفوز والنّجاة، عطف بحال الأشقياء العاقّين للوالدين فقال: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} -وهذا عامٌّ في كلّ من قال هذا، ومن زعم أنّها نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ فقوله ضعيفٌ؛ لأنّ عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه.
وروى العوفي، عن ابن عبّاسٍ: أنّها نزلت في ابنٍ لأبي بكرٍ الصّدّيق. وفي صحّة هذا نظرٌ، واللّه أعلم.
وقال ابن جريج، عن مجاهدٍ: نزلت في عبد اللّه بن أبي بكرٍ. وهذا أيضًا قاله ابن جريجٍ.
وقال آخرون: عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ. وقاله السّدّيّ. وإنّما هذا عامٌّ في كلّ من عقّ والديه وكذّب بالحقّ، فقال لوالديه: {أفٍّ لكما} عقّهما.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، أخبرني عبد اللّه بن المدينيّ قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان، فقال: إنّ اللّه أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكرٍ عمر، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ: أهرقليّةٌ؟! إنّ أبا بكرٍ واللّه ما جعلها في أحدٍ من ولده، ولا أحدا من أهل بيته، ولا جعلها معاوية في ولده إلّا رحمةً وكرامةً لولده. فقال مروان: ألست الّذي قال لوالديه: أفٍّ لكما؟ فقال عبد الرّحمن: ألست ابن اللّعين الّذي لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أباك؟ قال: وسمعتهما عائشة فقالت: يا مروان، أنت القائل لعبد الرّحمن كذا وكذا؟ كذبت، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلانٍ. ثمّ انتحب مروان، ثمّ نزل عن المنبر حتّى أتى باب حجرتها،فجعل يكلّمها حتّى انصرف.
وقد رواه البخاريّ بإسنادٍ آخر ولفظٍ آخر، فقال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية بن أبي سفيان، فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ شيئًا، فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة، رضي اللّه عنها، فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل فيه: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللّه فينا شيئًا من القرآن، إلّا أنّ اللّه أنزل عذري.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أميّة بن خالدٍ، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن زيادٍ قال: لـمّا بايع معاوية لابنه، قال مروان: سنّة أبي بكرٍ وعمر. فقال عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ: سنّة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الّذي أنزل اللّه فيه: {والّذي قال لوالديه أفٍّ لكما} الآية، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان! واللّه ما هو به، ولو شئت أن أسمّي الّذي أنزلت فيه لسمّيته، ولكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضضٌ من لعنة اللّه.
وقوله: {أتعدانني أن أخرج} أي: [أن] أبعث {وقد خلت القرون من قبلي} أن قد مضى النّاس فلم يرجع منهم مخبرٌ، {وهما يستغيثان اللّه} أي: يسألان اللّه فيه أن يهديه ويقولان لولدهما: {ويلك آمن إنّ وعد اللّه حقٌّ فيقول ما هذا إلا أساطير الأوّلين}
قال اللّه [تعالى] {أولئك الّذين حقّ عليهم القول في أممٍ قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين} أي: دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
وقوله: {أولئك} بعد قوله: {والّذي قال} دليلٌ على ما ذكرناه من أنّه جنسٌ يعمّ كلّ من كان كذلك.
وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاقّ لوالديه، المكذّب بالبعث.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود، من طريق هشام بن عمّارٍ: حدّثنا حمّاد بن عبد الرّحمن، حدّثنا خالد بن الزّبرقان الحلبيّ، عن سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أربعةٌ لعنهم اللّه من فوق عرشه، وأمّنت عليهم الملائكة: مضلّ المساكين -قال خالدٌ: الّذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلمّ أعطيك، فإذا جاءه قال: ليس معي شيءٌ-والّذي يقول للمكفوف: اتّق الدّابّة، وليس بين يديه شيءٌ. والرّجل يسأل عن دار القوم فيدلّونه على غيرها، والّذي يضرب الوالدين حتّى يستغيثا". غريبٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 283-284]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} أي: لكلٍّ عذابٌ بحسب عمله، {وليوفّيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} أي: لا يظلمهم مثقال ذرّةٍ فما دونها.
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: درجات النّار تذهب سفالًا ودرجات الجنّة تذهب علوًّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 284]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها} أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا. وقد تورّع [أمير المؤمنين] عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، عن كثيرٍ من طيّبات المآكل والمشارب، وتنزّه عنها، ويقول: [إنّي] أخاف أن أكون كالّذين قال اللّه تعالى لهم وقرّعهم: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها}
وقال أبو مجلز: ليتفقّدنّ أقوامٌ حسنات كانت لهم في الدّنيا، فيقال لهم: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا}
وقوله: {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تفسقون} فجوزوا من جنس عملهم، فكما نعّموا أنفسهم واستكبروا عن اتّباع الحقّ، وتعاطوا الفسق والمعاصي، جازاهم اللّه بعذاب الهون، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة، والحسرات المتتابعة والمنازل في الدّركات المفظعة، أجارنا اللّه من ذلك كلّه). [تفسير ابن كثير: 7/ 284-285]

رد مع اقتباس