عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:57 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا (45) وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورًا (46)}
يقول تعالى لرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وإذا قرأت -يا محمّد -على هؤلاء المشركين القرآن، جعلنا بينك وبينهم حجابًا مستورًا.
قال قتادة، وابن زيدٍ: هو الأكنّة على قلوبهم، كما قال تعالى: {وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ} [فصّلت: 5] أي: مانعٌ حائلٌ أن يصل إلينا ممّا تقول شيءٌ.
وقوله: {حجابًا مستورًا} أي: بمعنى ساترٍ، كميمونٍ ومشئومٍ، بمعنى: يامنٍ وشائمٍ؛ لأنّه من يمنهم وشأمهم.
وقيل: مستورًا عن الأبصار فلا تراه، وهو مع ذلك حجابٌ بينهم وبين الهدى، ومال إلى ترجيحه ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا أبو موسى الهرويّ إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا سفيان، عن الوليد بن كثيرٍ، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكرٍ [الصّدّيق] رضي اللّه عنها، قالت: لـمّا نزلت {تبّت يدا أبي لهب وتبٍ} [سورة المسد] جاءت العوراء أمّ جميلٍ ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول: مدمّما أتينا -أو: أبينا، قال أبو موسى: الشّكّ منّي -ودينه قلينا، وأمره عصينا. ورسول اللّه جالسٌ، وأبو بكرٍ إلى جنبه -أو قال: معه -قال: فقال أبو بكرٍ: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: "إنّها لن تراني"، وقرأ قرآنًا اعتصم به منها: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا}. قال: فجاءت حتّى قامت على أبي بكرٍ، فلم تر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا أبا بكرٍ، بلغني أنّ صاحبك هجاني. فقال أبو بكرٍ: لا وربّ هذا البيت ما هجاك. قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريشٌ أنّي بنت سيّدها). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 81-82]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنّةً}: جمع "كنانٍ"، الّذي يغشى القلب {أن يفقهوه} أي: لئلّا يفهموا القرآن {وفي آذانهم وقرًا} وهو الثقل الّذي يمنعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم ويهتدون به.
وقوله: {وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده} أي: إذا وحّدت اللّه في تلاوتك، وقلت: "لا إله إلّا اللّه" {ولّوا} أي: أدبروا راجعين {على أدبارهم نفورًا} ونفورٌ: جمع نافرٍ، كقعودٍ جمع قاعدٍ، ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل، واللّه أعلم، كما قال تعالى: {وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الّذين من دونه إذا هم يستبشرون} [الزّمر: 45].
قال قتادة في قوله: {وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورًا} إنّ المسلمين لـمّا قالوا: "لا إله إلّا اللّه"، أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاقها إبليس وجنوده، فأبى اللّه إلّا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنّها كلمةٌ من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنّما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، الّتي يقطعها الرّاكب في ليالٍ قلائل، ويسير الدّهر في فئامٍ من النّاس، لا يعرفونها ولا يقرّون بها.
قولٌ آخر في الآية:
وروى ابن جريرٍ: حدّثني الحسين بن محمّدٍ الذّارع، حدّثنا روح بن المسيّب أبو رجاءٍ الكلبيّ، حدّثنا عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورًا} هم الشّياطين.
هذا غريبٌ جدًّا في تفسيرها، وإلّا فالشّياطين إذا قرئ القرآن، أو نودي بالأذان، أو ذكر اللّه، انصرفوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 82-83]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا (47) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا (48)}.
يخبر تعالى نبيّه -صلوات اللّه [وسلامه] عليه -بما تناجى به رؤساء كفّار قريشٍ، حين جاءوا يستمعون قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سرًّا من قومهم، بما قالوا من أنّه رجلٌ مسحورٌ، من السّحر على المشهور، أو من "السّحر"، وهو الرّئة، أي: إن تتّبعون -إن اتّبعتم محمّدًا - {إلا بشرًا} يأكل [ويشرب]، كما قال الشّاعر:
فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا = عصافير من هذا الأنام المسحّر
وقال الرّاجز
ونسحر بالطّعام وبالشّراب
أي: نغذى: وقد صوّب هذا القول ابن جريرٍ، وفيه نظرٌ؛ لأنّهم إنّما أرادوا هاهنا أنّه مسحورٌ له رئًى يأتيه بما استمعوه من الكلام الّذي يتلوه ومنهم من قال: "شاعرٌ"، ومنهم من قال: "كاهنٌ"، ومنهم من قال: "مجنونٌ"، ومنهم من قال: "ساحرٌ"؛ ولهذا قال تعالى: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا} أي: فلا يهتدون إلى الحقّ، ولا يجدون إليه مخلصًا.
قال محمّد بن إسحاق في السّيرة: حدّثني محمّد بن مسلم بن شهابٍ الزّهريّ، أنّه حدث أنّ أبا سفيان بن حربٍ، وأبا جهل بن هشامٍ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهبٍ الثّقفيّ، حليف ابن زهرة، خرجوا ليلةً ليستمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يصلّي باللّيل في بيته، فأخذ كل واحد منهم مجلسًا يستمع فيه، وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتّى إذا طلع الفجر تفرّقوا. حتّى إذا جمعتهم الطّريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعضٍ: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثمّ انصرفوا. حتّى إذا كانت اللّيلة الثّانية عاد كلّ رجلٍ منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتّى إذا طلع الفجر تفرّقوا حتّى إذا جمعتهم الطّريق فقال بعضهم لبعضٍ مثل ما قال أوّل مرّةٍ، ثمّ انصرفوا. حتّى إذا كانت اللّيلة الثّالثة، أخذ كلّ رجلٍ منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتّى إذا طلع الفجر تفرّقوا، فجمعهم الطّريق فقال بعضهم لبعضٍ: لا نبرح حتّى نتعاهد لا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثمّ تفرّقوا.
فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثمّ خرج حتّى أتى أبا سفيان بن حربٍ في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: يا أبا ثعلبة، واللّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والّذي حلفت به. قال: ثمّ خرج من عنده حتّى أتى أبا جهلٍ، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد منافٍ الشّرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتّى إذا تجاثينا على الرّكب، وكنّا كفرسي رهان قالوا: منّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السّماء، فمتى ندرك هذه؟ واللّه لا نؤمن به أبدًا ولا نصدّقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 83-84]

رد مع اقتباس