عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:39 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (19) إلى الآية (25) ]
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) }


قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {هذان خصمان} [19].
قرأ ابن كثير وحده {هذان} بتشديد النون.
والباقون يخففون، وقد ذكرت علته.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/74]
فإن سأل سائل فقال: لم قال: {هذان} ثم قال: {اختصموا}؟
فالجواب في ذلك: أن الخصم، وإن كان لفظه واحدًا. فإن معناه الجمع. تقول العرب: هؤلاء خصمي، كما تقول: هؤلاء ضيفي، وكان الأصل في ذلك أن يهوديًا قال لنصراني: ديننا خير من دينكم، لأنا سبقناكم بالإيمان، فقال مسلم: بل ديننا خير من ديناكما؛ لأنا آمنا بأنبيائكما وكفرتما بنبينا؛ لأنا صدقنا نبينا ونبيكم وكذبتم بنبينا، وحرفتم ما قال نبيكم في نبينا فصرتم بذلك كافرين بهما. فذلك قوله: {هذان خصمان اختصموا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/75]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير: (هذان خصمان) [الحج/ 19] مشدّدة النون، وقرأ الباقون: هذان خفيفة النون.
[الحجة للقراء السبعة: 5/274]
قد تقدّم القول في تثقيل هذه النون). [الحجة للقراء السبعة: 5/275]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذان خصمان اختصموا في ربهم}
قرأ ابن كثير {هذان} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وقد ذكرت الحجّة في سورة النّساء وطه). [حجة القراءات: 474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {هَذَانِ}[آية/ 19] بالألف وتشديد النون:
قرأها ابن كثير وحده.
وقرأ الباقون بتخفيف النون.
وقد مضى الكلام على هذا فيما تقدم). [الموضح: 876]

قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولؤلؤًا (23).. هنا وفي فاطر.
[معاني القراءات وعللها: 2/177]
قرأ نافع وعاصم (ولؤلؤًا) نصبًا في السورتين، وهمز أبو بكر عن عاصم الثانية وطرح الأولى من (لولؤًا) حيث وقع.
وروى عنه معلّى بن منصور في همز الأولى وطرح الثانية في جميع القرآن.
وقرأ الحضرمي في الحج (ولولؤا) نصبًا وفي فاطر (ولولؤ) خفضًا وقرأ الباقون بالخفض في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (لولؤا) بالنصب فعلى معنى: ويحلّون لولؤا.
ومن قرأ (ولولؤ) فعلى العطف على قوله: (من ذهبٍ ومن لؤلؤ).
فأما من همز إحدى الهمزتين وحذف الأخرى فإنه كره الجمع بينهما في كلمة واحدة.
وأما من نصب التي في الحج وجر التي في الملائكة فلأنّ مصاحف أهل البصرة وأهل الكوفة اجتمعت على الألف (ولولؤا) في الحج، وعلى حذف الألف من التي في سورة الملائكة فاتبعوا المصحف.
وأما من رأى جر (ولولؤ) في السورتين فإنهم اعتلوا بأن الهمزات قد كتبت بالألف على كل حال في مصحف ابن مسعود سواء كان ما قبلها واوًا مكسورة أو مفتوحة.
[معاني القراءات وعللها: 2/178]
قال أبو منصور: وكل ما قرئ به من هذه الوجوه فهو جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/179]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ولؤلؤا} [23].
قرأ نافع وعاصم بألف ها هنا، وفي (الملئكة) تبعا في ذلك المصحف؛ لأنه كذلك كتب بألف بعد الواو ونصبه على تقدير يحلون فيها من أساور ويحلون لؤلؤًا، غير أن عاصمًا اختلف عنه. فروى يحيي عن أبي بكر {ولولؤا} لا يهمز الواو الأولي، ويهمز الواو النانية؛ كأنه كره أن يجمع بينهما في كلمة واحدة.
وروى المعلى عن عاصم ضد رواية يحيى عن أبي بكر {ولؤلوًا}.
قال ابن مجاهد: وهو خطأ. فإن كان خطأه من أجل الرواية سقط الكلام. وإن كان خطأه من أجل العربية فإن العربية تحتمل همزتهما، وترك الهمز فيهما، وهمز إحداهما، كل ذلك جائز، والأصل الهمز، وتركه تخفيف بالواو. والؤلؤ: الكبار [من الللآلي] واحدها لؤلؤة. والمرجان: الصغار من الللآلئ، واحدها مرجانة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/73]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (ولؤلؤ) [الحج/ 23].
فقرأ ابن كثير (ولؤلؤ) وفي الملائكة [فاطر/ 33] كذلك، وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر هاهنا وفي الملائكة ولؤلؤا بالنصب. عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر بهمزة واحدة وهي الثانية. المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضد قول يحيى عن أبي بكر وهذا غلط.
حفص عن عاصم يهمزهما وينصب.
[الحجة للقراء السبعة: 5/267]
وجه الجر في قوله: (ولؤلؤ) أنهم: يحلّون أساور من ذهب ومن لؤلؤ، أي: منهما، وهذا هو الوجه، لأنه إذا نصب فقال: يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ حمله على: ويحلّون لؤلؤا. وللؤلؤ إذا انفرد من الذهب والفضة لا يكون حلية. فإن قلت: فقد قال:
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [النحل/ 14]. فهذا على أن يكون حلية إذا رصّع في الذهب أو الفضّة صار حلية، كما قال في العصر:
إني أراني أعصر خمرا [يوسف/ 36] لأنه قد يستحيل إليها بالشدّة، كما يكون ذلك حلية على الوجه الذي يحلّى به، وكذلك القول في التي في الملائكة.
ويحتمل قوله: ولؤلؤا فيمن نصب وجها آخر، وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور لأن موضعهما نصب، ألا ترى أن معنى: يحلون فيها من أساور يحلّون فيها أساور، فتحمله على الموضع.
فأما ما رواه معلّى عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضدّ قول يحيى، قال أحمد: هذا غلط، فالأشبه أن يريد أنه غلط من طريق الرواية، ولا يمتنع في قياس العربية أن يهمز الأولى دون الثانية، والثانية دون الأولى وأن يهمزهما جميعا، فإن همز الأولى دون الثانية حقّق الهمزة الأولى فقال: (لؤلؤا) وإن خفّف الهمزة أبدل منها الواو فقال: (لؤلؤا) مثل: بوس وجونة، وإن خفّف الثانية، وقد نصب الاسم قال: (ولؤلؤا) فأبدل من الهمزة الواو لانفتاح الهمزة وانضمام ما قبلها فيكون كقولهم: جون في جمع جؤنة، والتودة في التؤدة، وإن خفّفهما جميعا قال: لولوا. وأمّا من جرّ فقال: (ولؤلؤ) فتخفيف الثانية عنده أن يقلبها واوا كما تقول: مررت بأكموك، فيقول: (ولؤلؤ) وقد تقدم ذلك في سورة البقرة). [الحجة للقراء السبعة: 5/268]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [يَحْلَوْنَ]، بفتح الياء وتخفيف اللام، من حَلِيَ يَحْلَى.
قال أبو الفتح: هذا من قولهم: لم أحْلَ منه بطائل، أي: لم أظفر منه بطائل؛ فيجعل ما يُحَلَّوْن به هناك أمرا ظفِروا به، وأُوصلوا إليه. والحلية راجعة المعنى إليه، وذلك أن النفس تعتدها مظفورا به موصلا إليه. وليست الحلية من لفظ: حَلِيَ الشيءُ بِعَيْنِي؛ لأن الحلية من الحَلْي، فهي من الياء. وحلي بعيني من الواو، لقولهم: حَلِيَ بعيني يَحْلَى حلاوة، فهي كشَقِيَ يشْقَى شَقَاوَةً، وغَبِيَ يغْبَى غَباوَةً. ولكن قولهم: امرأةٌ حالية أي: ذات حَلْي من الياء، فحالية إذًا من قوله: {يُحَلَّوْنَ} على هذه القراءة وهما من الياء، فكأنه أقوى عندهم من قولهم ما حليْتُ من بطائل؛ لأن ذلك لا يستعمل إلا في غير الواجب. لا يقولون: حليت منه،
[المحتسب: 2/77]
ولا حليت بكذا. فأما المثل وهو قولهم: حَلَأَتْ حالِئَة عن كُوعها فهو مهموز، وأمره ظاهر). [المحتسب: 2/78]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري وسلام ويعقوب: [وَلُؤْلُؤا]، بالنصب.
قال أبو الفتح: هو محمول على فِعْل يدل عليه قوله: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ}، أي ويؤتون لؤلؤا، ويلبسون لؤلؤا.
ومثله قراءة أبي: [وحورًا عينًا] أي ويؤتون حورا عينا، ويُزَوَّجون حورا عينا.
ومثله مما نصب على إضمار فعل يدل عليه ما قبله قوله:
جئْنِي بِمِثلِ بني بَدْرٍ لِقَوْمِهِمُ ... أو مِثْلَ أسرة مَنْظُورِ بنِ سيَّارِ
فكأنه قال: أو هاتِ مثلَ أسرة. وعليه قول الآخر:
بَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُه أَتانَا ... مُعَلِّق وَفْضَةٍ وزنادَ راعٍ
فكأنه قال: وحاملا زناد راع، ومعلقا زناد راع، وهو كثير). [المحتسب: 2/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا}
قرأ نافع وعاصم {ولؤلؤا} بالألف أي يحلون فيها من أساور ويحلون لؤلؤا ويجوز أن يكون عطفا على موضع الجار والمجرور لأن المعنى في {يحلون فيها من أساور} يحلون أساور وفي الشواذ قراءة ابن عبّاس (ويحلون) بفتح الياء وتخفيف اللّام قال ابن جني (ويحلون) من حلي يحلى يقال لم أحل منه بطائل أي لم أظفر ويجوز أن يكون من قولهم امرأة حالية أي ذات حلي
وقرأ الباقون (ولؤلؤ) أي يحلون فيها من أساور من ذهب ومن لؤلؤ قال الزّجاج وجائز أن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ يكون ذلك فيما خلط خلطا من الصّنفين). [حجة القراءات: 474]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {ولؤلؤا} قرأه نافع وعاصم بالنصب، هنا وفي سورة فاطر، عطفاه على موضع {أساور} لأن «من» زائدة. والتقدير: يحلَّون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/117]
فيها أساور من ذهب ولؤلؤا، وقرأ الباقون بالخفض عطفوه على لفظ {من أساور}، والقراءتان بمعنى، وقد ذكرنا الاختلاف في الوقف عليه وكيف تخفف الهمزة فيه، وكل القراء همز الهمزة الأولى الساكنة على أصلها، إلا أبا بكر فإنه لم يهمز استخفافًا، لاجتماع همزتين في الكلمة، بينهما حرف، وكذلك يفعل أبو عمرو إذا ترك الهمزة الساكنة، فأما حمزة فإنه يقف على الهمزتين بالتخفيف، ووافقه هشام على تخفيف الثانية، وقد تقدم ذكر كل هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/118]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلُؤْلُؤًا}[آية/ 23] بالنصب:
قرأها نافع وعاصم، وكذلك في فاطر.
واختلف عن عاصم في الهمز، فـ - ياش- عنه بهمزة واحدة وهي الثانية، و- ص- بهمزتين.
وقرأ يعقوب {لُؤْلُؤًا}بالنصب في هذه السورة، وبالجر في فاطر.
والوجه في نصبه أنه محمول على قوله {يُحَلَّوْنَ}، كأنه قال: ويحلون لؤلؤا، يقال حليته بالذهب وحليته الذهب.
وأما الهمزتان في اللؤلؤ فيجوز تحقيقهما على الأصل، وتخفيفهما أيضًا بأن تقلب كل واحدة منهما واواً، ويجوز أن تخفف الأولى وتحقق الثانية، وأن تحقق الأولى وتخفف الثانية، والتخفيف ههنا بأن تقلب الهمزة واواً، والتحقيق بأن تترك همزة.
[الموضح: 876]
وقرأ الباقون {وَلُؤْلُؤً}بالجر في السورتين.
والوجه أنه معطوف على {ذَهَبٍ}من قوله {أَسْاوِرَ مِّن ذَهَبٍ}، كأنه قال: أساور من ذهبٍ ومن لؤلؤٍ). [الموضح: 877]

قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سواءً العاكف فيه والباد (25)
قرأ حفص وحده (سواءً العاكف فيه) بالنصب.
وقرأ الباقون (سواءٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من نصب (سواءً) فعلى إضمار (جعلناه سواء).
ويرتفع (العاكف فيه والباد) بمعنى: سواء، كما تقول: رأيت زيدًا قائمًا أبوه فأتبعت (قائما) (زيدًا)، فهو في المعنى مرافع لقولك (أبوه).
وهذا يسمى (التضمين) عند بعض أهل النحو.
ومن قرأ (سواء) هو وقف التمام (الذي جعلناه للناس)، ومعنى (سواء العاكف).
ف (سواء) مرفوع بالابتداء ومرافعه (العاكف)، وإنما اختير الرفع في (سواء العاكف فيه والباد) أي: سواء في تفصيله وإقامة المناسك العاكف فيه، أي: المقيم بالحرم، والنازع إليه من الآفاق.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد في قوله (سواءً العاكف) قال: من أوقع عليه (جعلنا) نصبه، ويجوز رفعه، ومن ابتدأ لم يكن إلا رفعًا.
[معاني القراءات وعللها: 2/179]
قال والعرب تقول: مررت برجل سواءٍ عليه الخير والشرّ، وسواءٌ عليه الخير والشرّ. كلٌّ تقوله العرب). [معاني القراءات وعللها: 2/180]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {سواء العاكف فيه} [25].
روى حفص عن عاصم {سواء} بالنصب، جعله مفعولاً ثانيًا من قوله: {جعلنه للناس سواء} أي: مستويًا كما قال: {إنا جعلنه قرءانًا عربيًا} والعاكف: يرتفع بفعله في هذه القراءة. أي استوى العاكف فيه والباد.
وقرأ الباقون سواء بالرفع ابتداء وخبر كما تقول: مررت برجل سواء عنده الخير والشر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/74]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {والباد ومن يرد} [25].
قرأ ابن كثير {البادي} بالياء، على أصل الكلمة، لأنك تقول: بدا يبدو: إذا دخل البادية فهو باد مثل الداعي والأصل البادو، فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فكان يثبتها وصلا، ووقفا.
وكان أبو عمرو ونافع يثبتان الياء وصلا، ويحذفانها وقفًا، ليكونا قد تبعا الأصل تارة، والمصحف أخرى، وهو الاختيار.
وقرأ الباقون {الباد} بغير ياء. ولهم ثلث حجج:
اتباع المصحف.
والاجتزاء بالكسرة عن الياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/75]
والحجة الثالثة: ما حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء أن العرب تقول: مررت بباد، ومهتد، فيخزلون الياء لسكونها، وسكون التنوين.
فإذا أدخلوا الألف واللام لم يردوا الياء، لأنهم بنوا المعرفة على النكرة. قال سيبويه فإذا أضافوا فإن العرب كلها ترد الياء. فيقولون مررت بقاضيك، وداعيك. فإذا اضطر الشاعر حذف مع الإضافة، وأنشد:
كنواح ريش حمامة نجدية = ومسحت باللثتين عصف الإثمد
أي: «كنواحي ريش» فخزل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/76]

قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: (سواء العاكف فيه) [الحج/ 25] رفعا غير عاصم فإنه قرأ في رواية حفص: سواء نصبا.
أبو عبيدة: العاكف: المقيم، والبادي غير العاكف وهو الذي لا يقيم.
وجه الرفع في (سواء) أنه خبر ابتداء مقدّم، والمعنى: العاكف
[الحجة للقراء السبعة: 5/270]
والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحقّ به من صاحبه، واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيها أولى بها من البادي بحقّ ملكه، ولكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليها، فسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال: (سواء العاكف) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع العاكف فيه كما يرفع بمستو، ولو قال: مستويا فيه العاكف والبادي فرفع العاكف فيه بمستو، فكذلك يرفعه بسواء، والأكثر الرفع في نحو هذا، وأن لا تجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة اسم الفاعل في الإعمال. ووجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة نحو: رجل عدل فيصير عدل كعادل، وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره فلولا أن النون كاسم الفاعل لم يكسره تكسيره، وكذلك قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 5/271]
وكنت لقا تجري عليك السوائل ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء در همه، وقال: مررت برجل سواء هو والعدم، كما تقول: مستو هو والعدم، فقال: (سواء العاكف فيه والباد) كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد. ويجوز في نصب قوله: سواء العاكف فيه وجه آخر، وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله:
للناس مستقرا، جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل، وذو الحال الذكر الذي في المستقر، ويجوز أيضا في الحال أن يكون من الفعل الذي هو جعلناه. فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان ذا الحال الضمير، والعامل فيها الفعل، وجواز للناس مستقرا، على أن يكون المعنى أنه جعل للناس ونصب لهم منسكا ومتعبّدا، كما قال: وضع للناس [آل عمران/ 96]. ويدلّ على جواز كون قوله: للناس مستقرا، أنه قد حكي أن بعض القرّاء قرأ: (الذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد) فهذا يدلّ على أنه أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فقوله: للناس يكون على هذا مستقرّا في موضع المفعول الثاني لجعلناه، فكما كان في هذا مستقرا، كذلك يكون مستقرا في الوجه الذي تقدمه، ومعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء: أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالمعنى، فأما قوله: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم [الجاثية/ 21] فقال سيبويه فيه: اعلم أنّ ما كان من النكرة رفعا غير صفة، فإنه في المعرفة رفع، فذلك قوله: أم حسب الذين اجترحوا... فتلا
[الحجة للقراء السبعة: 5/272]
الآية، وهذا إنما يراد به، أنه إذا لم يرتفع الاسم مع النكرة في نحو: مررت برجل سواء أبوه وأمه، لم يرتفع به مع المعرفة في نحو: ظننت زيدا سواء أبوه وأمه، ولكن تقول: سواء أبوه وأمه، قد رفع سواء إذا جرى على معرفة بأنه خبر مبتدأ، والجملة التي سواء منها في موضع نصب بأنه مفعول ثان أو حال. والمعنى في الآية أن مجترحي السيّئات لا يستوون مع الذين آمنوا كما قال: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [السجدة/ 18]. وكما قال: هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور [الرعد/ 16] فالمراد في الآية هذا المعنى. والضمير في قوله: محياهم ومماتهم لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو كاللذين اجترحوا من دون المؤمنين، أو لهما، فيجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين آمنوا دون غيرهم، ويكون المعنى: كالذين آمنوا، مستويا محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع حال من الذين آمنوا، كما تكون الحال من المجرور في نحو: مررت بزيد، ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من نجعل أي: نجعلهم مستويا محياهم ومماتهم كالذين آمنوا، لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين اجترحوا السيئات، في المعنى، ألا ترى أن الضمير في نجعلهم للذين اجترحوا السيئات، ومحياهم ومماتهم من قوله: سواء محياهم ومماتهم يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في نجعلهم، ويدلّ على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا (سواء محياهم ومماتهم) فنصب الممات، وقد حكى عن الأعمش، فهذا يدلّ على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل بنجعلهم فيكون في البدل
[الحجة للقراء السبعة: 5/273]
كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فيكون الذكر في محياهم ومماتهم على هذا في المعنى للذين اجترحوا السيّئات.
ويجوز أن تجعل قوله: كالذين آمنوا [الجاثية/ 21] في موضع المفعول الثاني ل (نجعل) فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين، ويكون العامل في الحال أن نجعلهم الذي هو مفعول الحسبان، ويكون المعنى: أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات. وقد روى عن مجاهد أنه قال في تفسير هذه الآية أنه قال:
يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه، فهذا يكون على هذا الوجه الثالث، يجوز أن يكون حالا من نجعلهم والضمير للقبيلين، فإن قلت: إن من الكفّار من يلحقه مكانة في الدنيا، ويكون له نعم ومزيّة، فالذي يلحقه ذلك ليس يخلو من أن يكون من أهل الذمة أو من أهل الحرب، فإن كان من أهل الذمّة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلّة في الحكم، نحو أن يحشروا إلى مؤدّى الجزية، والصّغار الذي يلحقه في الحكم. وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله بكونه حربا، أو من أن يكون ذلك جاريا عليه في الفعل من المسلمين ذلك بهم أو الحكم، والمؤمن مكرّم في الدنيا لغلبته بالحجّة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة، ومنازله الكريمة). [الحجة للقراء السبعة: 5/274]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (البادي) [الحج/ 25] بالياء في الوصل، ووقفا بغير ياء.
واختلف عن نافع، فقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر وورش ويعقوب عن نافع: (والبادي) بالياء في الوصل. وقال المسيبي وأبو بكر وإسماعيل ابنا أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: (والبادي) فقلت: أهكذا كتابها؟ فقال: لا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف.
قد تقدم القول في ذلك ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/275]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد} 25
قرأ حفص {سواء العاكف فيه} نصبا جعله مفعولا ثانيًا من قوله {جعلناه للنّاس سواء} أي مستويا كما قال {إنّا جعلناه قرآنًا عربيا} و{العاكف} يرتفع بفعله في هذه القراءة أي استوى العاكف فيه والباد
وقرأ الباقون {سواء} بالرّفع على الابتداء والعاكف خبره
قرأ ابن كثير (والبادي) بالياء في الوصل والوقف على أصل الكلمة لأنّك تقول بدا يبدو إذا دخل البادية فهو باد مثل راع والراعي والأصل البادو فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها فصارت والبادي
قرأ أبو عمرو وإسماعيل وورش (والبادي) بالياء في الوصل وبالحذف في الوقف وهو الاختيار ليكونوا قد تبعوا الأصل تارة والمصحف أخرى
وقرأ الباقون بغير ياء اتباعا للمصحف واجتزاء بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تدل على الياء). [حجة القراءات: 475]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {سواءً العاكف فيه} قرأ حفص {سواء} بالنصب وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من نصب أنه جعله مصدرًا عمل فيه جعلناه عمل فيه {جعلناه}، كأنه قال: سوينا فيه بين الناس سواء، وارتفع العاكف بـ {سواء} وكأنه قال: مستويًا فيه العاكف، فهو مصدر في معنى اسم الفاعل، كما قالوا: رجل عدل أي: عادل، وعلى هذا أجازوا: مررت برجل سواء درهمه، أي مستويًا درهمه، ويجو أن يكون {سواء} انتصب على الحال، وإذا نصبته على الحال جعلته حالًا من المضمر، في قوله: {للناس} المرتفع بالظرف، ويكون الظرف عاملًا في الحال؛ لأنه هو العامل في المضمر الذي هو صاحب الحال، أو يكون حالًا من الهاء في {جعلناه} ويكون العامل في الحال «جعلنا» كما عملت في الهاء التي هي صاحب الحال.
9- وحجة من رفع أنه جعله خبرًا لـ {العاكف} مقدمًا عليه، والتقدير: العاكف والباد سواء فيه، أي: ليس أحدهما أحق به من الآخر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/118]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[آية/ 25] بالنصب في {سَوَاءً}:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه في نصبه أنه يجوز أن يكون مفعولاً ثانيًا لـ {جَعَلْنَاهَ}. وسواءً بمعنى مستوٍ، كأنه قال: جعلناه للناس مستويًا فيه العاكف والبادِ؛ لأن {سَوَاءً}مصدر بمعنى اسم الفاعل، كعدلٍ بمعنى عادل، فلما قام مقام اسم الفاعل صار يعمل عمله، فلهذا ارتفع به العاكف، فإن العاكف إنما ارتفع بأنه فاعلٌ لسواء، وسواءٌ عمل عمل الفعل، والتقدير: جعلناه يستوي فيه العاكف والبادي.
ويجوز أن يكون {سَوَاءً}منصوبًا على الحال من الضمير في {جَعَلْنَاهَ}، والعامل فيه جعلنا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى الفعل الذي في قوله {لِلنَّاسِ}؛ لأن الجار والمجرور يتضمن معنى الفعل، وذو الحال الضمير المستكن الذي فيه، كأنه قال: استقر هو للناس في حال كونه سواءً.
وقرأ الباقون {سَوَاءً}بالرفع.
والوجه أنه مرتفع بأنه خبر مبتدإ تقدم على المبتدأ، والتقدير: العاكف
[الموضح: 877]
والبادي فيه سواءٌ، فقوله {العَاكِفُ}مبتدأٌ و{الْبَادِي}معطوف عليه، و{سَوَاءً}هو الخبر تقدم على المبتدأ.
والعاكف هو المقيم، يعني من كان من أهله، والبادي من نزع إليه لحجٍ أو عمرةٍ، يعني أنهما سواءٌ في تعظيم الحرمة وقضاء النسك، وقيل: هما سواءٌ في النزول به). [الموضح: 878]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس