عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:16 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (83) إلى الآية (91) ]
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)}

قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتبع سببا}
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فأتبع سببا} بالتّشديد وحجتهما في ذلك أن المشهور في كلام العرب أن يقال اتبع فلان أثر فلان إذا سلك طريقه وسار بعده واتّبعت الرجل إذا لحقته ومعلوم أن الله أخبر عن مسير ذي القرنين في الأرض الّتي مكن له فيها
وقرأ الباقون {فأتبع} بالتّخفيف أي لحق سببا تقول اتبعت الرجل إذا سرت من ورائه وأتبعت الرجل ألحقته خيرا أو شرا كقوله تعالى {فأتبعه شهاب ثاقب}
قال أبو زيد رأيت القوم فأتبعتهم بالتّخفيف إتباعا إذا سبقوك فأسرعت نحوهم ومروا عليّ فاتبعتهم اتباعا بالتّشديد إذا ذهبت معهم ولم يسبقوك
قال أبو عبيد القراءة عندي {فأتبع} بالتّشديد لأنّها من المسير إنّما هو افتعل وأما الإتباع فإن معناه اللحاق كقوله {فأتبعوهم مشرقين} وقال قوم لغتان أتبع يتبع واتبع يتبع افتعل). [حجة القراءات: 428]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في عينٍ حمئةٍ (86)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (في عينٍ حمئةٍ) مهموزة بغير ألف، وقرأ الباقون (حاميةٍ) بألف غير مهموزة - وقرأها ابن مسعود (حامية)
قال الأزهري: من قرأ (حمئة) أراد: في عين ذات حمأة، قد حمئت فهي حمئة.
ومن قرأ (حامية) أراد: حارّة، وقد تكون " حارّة ذات حمأة، فيكون فيها المعنيان). [معاني القراءات وعللها: 2/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {في عين حمئة} [86].
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير وحفص عن عاصم: {حمئة} على وزن فعلة مهموزًا، ومعناه: تغرب في طين سوداء، وهي الحمأة التي تخرج من البئر، ويقال لها: الثأط والحرمد والحال، ومن ذلك الحديث: «أن فرعون لما غرقه الله أخذ جبريل صلى الله عليه وسلم من حال البحر فحشاه في فيه لئلا ينطق بكلمة النجاة إذ كان ادعى الربوبية».
وقرأ الباقون: {في عين حامية} على وزن فاعله كقوله تعالى: {تصلى نارا حامية} أي: حارة حميت تحمي فهي حامية مثل شربت فهي شاربة.
وحدثني أحمد بن عبدان عن علي بن أبي عبيد عن هشيم عن عوف عن الحسن {حامية}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412]
قال أبو عبيد: وحدثني يزيد عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبي حاضر وابن حاضر قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت عند معاوية فقرأ {تغرب في عين حامية} فقلت: ما نقرؤها إلا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت: في بيتي نزل القرآن! فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشم ستغرب في التوراة؟ فقال: أما العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب ف يماء وطين.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: حدثنا حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قرأ: {في عين حميئة}. وقال: في ماء وطين، والعرب تقول: حمأت البئر: أخرجت منها الحمأة، وأحمأتها: ألقيت فيها الحمأة، وحميت هي: صار فيها الحمأة.
وأما قولهم: هذا حمو فلان ففيه أربع لغات: حمؤ وحمو وحما وحم قال الشاعر:
هي ما كنتي وتز = عم أني لها حمو
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/413]
وقال آخر:
قلت لبوبا لديه دارها = تئذن فإني حمؤها وجارها
وقال آخر:
وبجارة شوهاء ترقبني = وحما يخر كمنبذ الحلس
وفيه لغة خامسة وسادسة (الحمو) مثل العفو و(الحمأ) مثل الخطأ ذكره اللحياني. وكل قرابة من قبل الزوج فهم الأحماء، وكل قرابة من قبل النساء فهم الأختان، والصهر يجمعها، فأم امرأة الرجل ختنته، وأبوها ختنه، وأم الزوج حماة المرأة، وأبوه حموها، وقال أبو الأسود شاهدًا لأبي عمرو في {عين حمئة}:
تجئك بملئها طورًا وطورًا = تجئك بحمأة وقليل ماء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/414]
وقال آخر:
وسقيت بالماء النمير ولم = أترك ألاطم حمأة الجفر
وقال تبع:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما = ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارع والمغارب يبتغي = أسباب أمر من حكيم مرشد؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/415]
فرأى مغار الشمس عند مغيبها = في عين ذي رتق وثأط حرمد
قال: الثأط: الماء والطين، والحرمد: الحمأ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: في عين حمئة [الكهف/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: حمئة [الكهف/ 86] وكذلك عاصم في رواية حفص: حمئة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية).
أبو عبيدة: في عين حميئة: ذات حمأة. قال الحسن:
رحمه الله من قرأ: حمئة فهي فعلة، ومن قرأ: (حامية) فهي فاعلة من حميت تحمى فهي حامية. حدّثنا الكندي قال: حدثنا المؤمّل قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي رجاء عن الحسن في قوله: (في عين حامية) قال: حارّة، ويجوز فيمن قرأ: (حامية) أن يكون فاعلة من الحمأة، فخفّف الهمزة على قياس قول أبي الحسن، فقلبها ياء محضة، وإن خفّف الهمزة من فاعل على قول الخليل كانت بين بين.
قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل. وروي عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية فقرأ: (في عين حامية) فقلت: ما نقرؤها إلا حمئة فقال: لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين، قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن، فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: أما
[الحجة للقراء السبعة: 5/169]
العربية، فأنتم أعلم بها، وأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين، وكان جمهور الناس على (حامية) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجدها تغرب في عين حمئة}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر (في عين حامية) بالألف أي حارة من حميت تحمى فهي حامية قال تعالى {تصلى نارا حامية} أي حارة وحجتهم ما روي عن أبي ذر رحمه
[حجة القراءات: 428]
الله قال كنت ردف النّبي صلى الله عليه وهو على حمار والشّمس عند غروبها فقال
يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال
إنّها تغرب في عين حامية
وقرأ الباقون {في عين حمئة} مهموزا فالحمأة الطين المنتن المتغيّر اللّون والطعم وحجتهم ما روي في حديث ذي القرنين أنه رأى مغيب الشّمس عند غروبها في ماء وطين تغرب قال الشّاعر:
في عين ذي خلب وثأط حرمد
فالخلب الطين والثأط الحمأة والحرمد الأسود
قال ابن عبّاس كنت عند معاوية فقرأ (تغرب في عين حامية) فقلت ما نقرؤها إلّا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها فقال كما قرأتها يا أمير المؤمنين قال ابن عبّاس فقلت في بيتي نزل القرآن فأرسل معاوية إلى كعب أين تجد الشّمس تغرب في التّوراة فقال أما العربيّة فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشّمس في التّوراة تغرب في ماء وطين أراد أنّها تغرب في عين ذات حمئة وهذا القول ليس ينفي قول من قرأها حامية إذا كان جائزا أن تكون العين الّتي تغرب الشّمس فيها حارة
[حجة القراءات: 429]
وقد تكون حارة وذات حمأة وطينة سوداء فتكون موصوفة بالحرارة وهي ذات حمأة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (55- قوله: {في عين حمئة} قرأه ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي «حامية» على وزن «فاعلة» غير مهموز، وقرأه الباقون {حمئة} على وزن «فَعِلة» مهموزا.
وحجة من قرأ بغير همز أنه جعله اسم فاعل، فبناه على «فاعله» مشتقًا من «حمي يحمى» فهو في المعنى: في عين حارة، ويجوز أن تكون الياء بدلًا من همزة، فيكون «فاعلا» من الحمأة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «أتدري أين تغرب هذه، يريد الشمس، فقال أبو ذر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73]
الله ورسوله أعلم، فقال: إنها تغرب في عين حامية»، وروي عنه ابن عمر أنه نظر إلى الشمس حين غابت فقال: «في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض»، فيكون معنى الحامية الحارة على هذين الحديثين.
56- وحجة من قرأ بالهمز أنه جعله مشتقًا من «الحمأة» أي: ذات حمأة، وقد سأل معاوية كعبا فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: تغرب في ماء وطين، فهذا يدل على أنها من الحمأة، وهي الاختيار، لأن القراءتين قد ترجعان إلى أنهما من الحمأة، ولا ترجعان إلى أنهما من «حمي، يحمي» بمعنى لحارة، لأنه لا سبيل إلى الهمز في «فاعل» من «حمي يحمي» وأيضًا فإن القراءة بالهمز، لا تنافي القراءة بغير همز، قد تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة، فيجتمع في ذلك المعنيان جميعًا، والقراءتان جمعيًا، وقد روى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: «حمئة» بالهمز وبذلك قرأ ابن عباس، وكذلك قرأ علي رضي الله عنهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {حَمِئَةٍ} [آية/ 86] بالهمز من غير ألف:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن {حَمِئَةٍ}، فعلة من الحمأة أي ذات حمأة كقولهم: أرض وبئة أي ذات وباء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم {حَامِيَةً} بالألف من غير همز، وهي فاعلة من حميت تحمى فهي حمامية أي حارة.
ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأة أيضًا، خففت الهمزة فقلبت ياء محضة للكسرة التي قبلها). [الموضح: 797]

قوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)}

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فله جزاءً الحسنى (88)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (جزاء الحسنى) مضافًا، وقرأ الباقون (جزاءً الحسنى) منونًا.
قال أبو منصور: من قرأ (جزاءً الحسنى) فالمعنى: فله الحسنى جزاء، و(جزاء) منصوبًا لأنه مصدر وضع موضع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيًّا بها جزاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/121]
ومن قرأ (جزاء الحسنى) أضاف (جزاء) إلى (الحسنى) ). [معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {فله جزاء الحسنى} [88].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فله جزاء} بالنصب منونًا، فنصبه على ضربين:
على المصدر في موضع الحال، أي: فلهم الجنة مجزيون بها جزاء.
وقال آخرون: نصب على التمييز، وهذا فيه ضعف؛ لأن التمييز يقبح تقديمه كقوله: تفقأ زيد شحمًا، وتصبب عرقًا، وما في السماء موضع راحة سحابًا، وله دن خلا، ويقبح له خلا دن، فأما عرقا تصبب فما أجازه من النحويين إلا المازني.
وقرأ الباقون: {فله جزاء الحسنى} بالرفع والإضافة وشاهده قوله: {فلهم جزاء الضعف بما عملوا}. والحسنى هاهنا: الحسنات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله عز وجل: جزاء الحسنى [الكهف/ 88].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر (جزاء الحسنى) رفع مضافة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جزاء الحسنى منون منصوب.
قال أبو علي: من قرأ: (جزاء الحسنى)، كان المعنى: له جزاء الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال، فالتقدير:
المؤمن له جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها.
ومن قال: فله جزاء الحسنى فالمعنى: له الحسنى جزاء، أي: له الخلال الحسنى جزاء، فالجزاء مصدر واقع موقع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيّة، قال أبو الحسن: وهذا لا تكاد العرب تكلم به مقدّما إلا في الشعر). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فله جزاء الحسنى}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فله جزاء الحسنى} منونا منصوبًا المعنى فله الحسنى جزاء وجزاء مصدر منصوب في موضع الحال والمعنى فله الحسنى مجزيا بها جزاء فالنصب على التّقديم والتّأخير
وقرأ الباقون {فله جزاء الحسنى} بالرّفع والإضافة فالحسنى على هذه القراءة تحتمل أن تكون الطّاعة المعنى فله جزاء إحسانه أي له جزاء الأعمال الحسنى ويحتمل أن يجعل {الحسنى} الجنّة ويكون الجزاء مضافا إليها وهو لاختلاف اللّفظين كما قال {لهو حق اليقين} و{ولدار الآخرة} يضاف الاسم إلى نفسه إذا اختلف لفظ المضاف والمضاف إليه وهو هو في الحقيقة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {فله جزاء الحسنى} قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنصب والتنوين، وقرأ الباقون بالرفع من غير تنوين.
وحجة من قرأ بالرفع أنه جعله مبتدأ و«له» الخبر، أي: فجزاء الخلال
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
الحسنى له، ويجوز أن تكون {الحسنى} بدلًا من {جزاء} على أن {الحسنى} الجنة، ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين، وهما التنوين واللام من {الحسنى} فيكون المعنى: فله الجنة.
58- وحجة من نصب {جزاء} ونونه أنه جعل {الحسنى} مبتدأ و{له} الخبر، ونصب {جزاء} على أنه مصدر في موضع الحال، والتقدير: فله الحال الحسنى جزاء، وقيل: هو تفسير، وقيل: تمييز. واختار أبو عبيد نصب {جزاء} وتنوينه؛ لأنه تأوّل أن الحسنى الجنة، على معنى: فله الجنة جزاء، وتعقب عليه ابن قتيبة، فاختار الرفع بغير تنوين في «جزاء»، وقال: هو كقوله: له جزاء الخير، وقد قال الله: {فأولئك لهم جزاء الضعف} «سبأ 37» وضعّف النصب ابن قتيبة لتقديمه التفسير على المفسَّر، فهو بعيد جائز على بعده، والرفع بغير تنوين أحب إلي؛ لأنه أبين، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى} [آية/ 88] بنصب {جَزَاءً} وتنوينه:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أنه على تقدير: له الحسنى جزاءً، فالحسنى مبتدأ، والخبر الجار والمجرور الذي تقدم عليه وهو {لَهُ} ، و{جَزَاءً} مصدر واقع موقع الحال، والمعنى فله الحسنى مجزيا بها، و{الحُسْنَى}صفة، وموصوفها الخلال أو المكافأة، والتقدير فله الخلال الحسنى أو المكافأة الحسنى.
وقرأ الباقون{جَزَاءً الحُسْنَى}برفع{جَزَاءً}وإضافته.
[الموضح: 797]
والوجه أن {جَزَاءً} مبتدأ، و{لَهُ} خبره تقدم عليه، و{الحُسْنَى} مضاف إليها، وهي صفة الخلال أيضًا، وتقديره: فله جزاء الخلال الحسنى، والخلال ههنا الأعمال الصالحة، وفي القراءة الأولى أنواع الثواب). [الموضح: 798]

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)}

قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس