عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:53 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي القراءات في قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

القراءات في قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قول الله جلّ وعزّ: (الحمد للّه ربّ العالمين (2).
اتفق القراء على ضم الدال من قوله: (الحمد لله)، وكسر اللام من (لله)، وكسر الباء من (ربّ العالمين).
فـ (الحمد) رفع على الابتداء، وخبر الابتداء اللام من (لله)، وهذه القراءة هي المأثورة.
وقد قرأ بعضهم: (الحمد لله)، وليس بمختار؛ لأن المصادر تنصب إذا كانت غير مضافة، وليس فيها ألف ولام، كقولك: حمداً، وشكراً، أي: أحمد وأشكر.
وهذا قول أبي العباس أحمد بن يحيى فيما أخبرني عنه أبو الفضل محمد بن أبي جعفر المنذري العدل). [معاني القراءات وعللها: 1/108]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قراءة أهل البادية: [الْحَمْدُ لُله] مضمومة الدال واللام، ورواها لي بعض أصحابنا قراءة لإبراهيم بن أبي عبلة: [الحمدِ لِله] مكسورتان، ورواها أيضًا لي قراءة لزيد بن علي -رضي الله عنهما- والحسن البصري رحمه لله.
وكلاهما شاذ في القياس والاستعمال؛ إلا أن من وراء ذلك ما أذكره لك؛ وهو أن هذا اللفظ كثر في كلامهم، وشاع استعماله، وهم لِمَا كثر من استعمالهم أشد تغييرًا، كما جاء عنهم لذلك: لم يَكُ، ولا أَدْرِ، ولم أُبَلْ، وأَيْشٍ تقول، وجا يجي، وسا يسو، بحذف همزتيهما.
فلما اطرد هذا ونحوه لكثرة استعماله أَتبعوا أحد الصوتين الآخر، وشبهوهما بالجزء الواحد وإن كانا جملة من مبتدأ وخبر؛ فصارت [الْحَمْدُ لُله] كعُنُق وطُنُب، و[الْحَمْدِ لِله] كإِبِل وإِطِل.
إلا أن [الْحَمْدُ لُله] بضم الحرفين أسهل من [الْحَمْدِ لِله] بكسرهما من موضعين:
أحدهما: أنه إذا كان إِتْبَاعًا فإن أقيس الإِتْبَاع أن يكون الثاني تابعًا للأول؛ وذلك أنه جارٍ مجرى السبب والمسبَّب، وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب، فتكون ضمة اللام تابعة لضمة الدال كما نقول: مُدُّ وشُدُّ، وشَمَّ وفِرِّ، فتتبع الثاني الأول، فهذا أقيس من إتباعك الأول للثاني في اقْتُل ادْخُل، ومع هذا فإن الإتباع -أعني: اقتل وبابه- لا يكاد يعتد؛ وذلك أن الوصل هو الذي عليه عقد الكلام واستمراره، وفيه تصح وجوهه ومقاييسه، وأنت إذا وصلتَ سَقَطَتِ الهمزة، فقلت: فاقتل زيدًا، فادخل يا هذا، وليست كذلك ضمة الدال
[المحتسب: 1/37]
في مُدُّ، ولا فتحة الميم في شَمَّ، ولا كسرة الراء في فِرِّ؛ لأنهن ثوابت في الوصل الذي عليه معقد القول، وإليه مفزع القياس والصوب، فكما أن مُدُّ أقيس إتباعًا من: اقتل؛ لما ذكرنا من الوصل المرجوع إليه المأخوذ بأحكامه، ولأن السبب أيضًا أسبق رتبة من المسبب، فكذلك [الحمدُ لُله] أسهل مأخذًا من [الحمدِ لِله].
والآخر: أن ضمة الدال في [الحمدُ] إعراب، وكسرة اللام في [لِله] بناء، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء، فإذا قلت "و": [الحمدُ لُله] فقريب أن يغلب الأقوى الأضعف، وإذا قلت: [الحمدِ لِله] جنى البناء الأضعف على الإعراب الأقوى، مضافًا ذلك إلى حكم تغيير الآخِر الأول، وإلى كثرة باب عُنُق وطُنُب في قلة باب إِبِل إِطِل فاعرفه، ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب في قول بعضهم:
وقال اضرب الساقين إِمِّك هابل
كسر الميم لكسرة الهمزة، ثم من بعد ذلك أنك تفيد من هذا الموضع ما تنتفع به في موضع آخر؛ وهو أن قولك: [الحمدُ لُله] جملة، وقد شبه جزآها معًا بالجزء الواحد -وهو مد أو عنق- فيمن أسكن ثم أتبع، أو السُّلُطان أو القُرُفْصاء أو الْمُنْتُن، دل ذلك على شدة اتصال المبتدأ بخبره؛ لأنه لو لم يكن الأمر عندهم كذلك لما أجروا هذين الجزأين مجرى الجزء الواحد، وقد نَحَوْا هذا الموضع الذي ذكرته لك في نحو قولهم في تأبط شرًّا: تأَبطي، وقولهم في رجل اسمه زيد أخوك: زيدي، فحذفوا الجزء الثاني، كما يحذفون الجزء الثاني من المركب في نحو قولهم في حضرموت: حضرمي، وفي رام هرمز: رامي، وكما يقولون أيضًا في طلحة: طَلْحي، فاعرف ذلك دليلًا على شدة اتصال المبتدأ بخبره، وما علمت أحدًا من أصحابنا نَحَا هذا الموضع على وضوحه لك، وقوة دلالته على ما أثبته في نفسك.
ومثله أيضًا في الدلالة على هذا المعنى قراءة ابن كثير: {فَإِذَا هِيَ تلَقَّفُ}، ألا ترى إلى تسكين حرف المضارع من {تَلَقَّف}؟ فلولا شدة اتصاله بما قبله للزم منه تصور الابتداء
[المحتسب: 1/38]
بالساكن، لا بل صار في اللفظ قولك: "هِيَتَّ" كالجزء الواحد الذي هو خِدَبَّ وهِجَفَّ وهِقَبَّ، وهذا أقوى دلالة على قوة اتصال المبتدأ بخبره من الذي أريناه من قبله لما فيه إن لم تنعم به من وجوب تصور الابتداء بالساكن.
نعم، ومن ورائه أيضًا ما هو ألطف مأخذًا؛ وهو أن قوله سبحانه: {تلقف} جملة، ومشفوعة أيضًا بالمفعول الموصول الذي هو {مَا يَأْفِكُونَ}، وأصل تصور الجمل في هذا المعنى: أن تكون منفصلة قائمة برءوسها، وقد قرأها هاهنا كيف تصوِّرت شديدة الحاجة إلى المبتدأ قبلها؟ فإذا جاز هذا الخلط له، ووكادة الصلة بينه وبين ما قبله، فما ظنك بخبر المبتدأ إذا كان مفردًا؟ ألا تعلم أنه به أشد اتصالًا، وإليه أقوى تساندًا وانحيازًا؟ فاضم ذلك إلى ما قبله.
ونَحْوٌ مما نحن على سمته، وبسبيل الغرض فيه -حكاية الفراء عن بعضهم، وجرى ذكر رجل فقيل: ها هو ذا، فقال مجيبًا: نَعَم الْهَا هُوَ ذَا هُوَ، فإلحاقه لام المعرفة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر من أقوى دليل على تنزلها عندهم منزلة الجزء الواحد. نعم، وفي صدر هذه الجملة حروف التنبيه، وهو يكاد يفصلها عن لام التعريف بعض الانفصال، وهما مع ذلك كالمتلاقيتين المعتقبتين مع حَجْزِه بينهما وإعراضه على كل واحد منهما). [المحتسب: 1/39]

قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}

قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (ملك يوم الدّين (4).
قرأ (ملك يوم الدّين) ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة بن حبيب.
وقرأ (مالك يوم الدّين) عاصم، والكسائي، ويعقوب الحضرمي، قال الأزهري: من قرأ (مالك يوم الدّين) فمعناه: أنه ذو الملكة في يوم الدين.
وقيل: معناه أنه مالك الملك يوم الدين.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: اختار أبو عبيد - (ملك يوم الدّين)، قال: والفراء ذهب إليه.
قال: واختار الكسائي (مالك) ثم قال: (ناخرةً) و(نخرةً) يجوز هذا وهذا. قال: واعتل أبو عبيد بأن الإسناد فيها أقوى، ومن قرأ بها من أهل العلم أكثر، وهي في المعنى أصح..
ويقوي هذه القراءة قوله جلّ وعزّ: (فتعالى الله الملك الحق)، وقوله: (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس)، قال: وفيه وجه ثالث يقويه، وهو قوله تبارك وتعالى: (لمن الملك اليوم).
وإنما اسم المصدر من الملك: الملك، يقال: ملك عظيم الملك.
[معاني القراءات وعللها: 1/109]
قال: والاسم من المالك: الملك. قال: ومما يزيده قوة أن الملك لا يكون إلا مالكًا، وقد يكون مالكا وليس بملك وهو أتمّ الوجهين.
قال أبو العباس: والذي أختار (مالك) لأن كل من يملك فهو مالك، لأنه بتأويل الفعل (مالك الدراهم) و(مالك الثوب) و(مالك يوم الدين) الذي يملك إقامة يوم الدين.
ومنه قوله: (مالك الملك).
قال: وأمّا "ملك الناس" و(سيد الناس) و(رب الناس)، فإنه أراد: أفضل من هؤلاء، ولم يرد: يملك هؤلاء.
وقد قالوا: (مالك الملك).
ألا ترى أنه جعله مالكًا لكل شيء، فهذا يدل على الفعل.
قال أبو العباس: فكلا الوجهين حسن، له مذهب صحيح.
قال أبو منصور: القراءتان كلتاهما ثابت بالسنة، غير أن (مالك) أحبّ إليّ؛ لأنه أتم). [معاني القراءات وعللها: 1/110]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
1- قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قرأ عاصم والكسائي: {مالك يوم الدين} بألف بعد الميم.
وقرأ الباقون: {ملك} بغير ألف، فحجة من قرأ {مالك} قال: لأن الملك دخل تحت المالك، واحتج بقوله تعالى {قل اللهم مالك الملك} وحجة من قرأ {ملك} قال: لأن ملكًا أخص من مالك وأمدح؛ لأنه قد يكون المالك غير ملك ولا يكونُ الملكُ إلا مالكًا. وأكثر ما يجيء في كلام العرب وأشعارهم ملك، ومليك: لغةٌ فصيحةٌ، وإن لم يقرأ بها أحدٌ؟، قال ابن الزبعرى يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول المليك إن لساني = راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أجاري الشيطان في سنن الغــ = ـــــي ومن مال ميله مثبور
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/47]
وقال الفرزدق: وجمع بين اللغتين فقال:
إن الذي سمك السماء بنى لنا = بيتًا دعائمه أعز وأطول
بيتًا بناه لنا المليك وما بنى = ملك السماء فإنه لا ينقل
فأما ما رواه عبد الوارث [عن] أبي عمرو {ملك يوم الدين} فإنه أسكن اللام تخفيفًا كما [يُقال] في فخذٍ: فخذ، وقال الشاعر:
من مشية في شعر ترجله = تمشي الملك عليه حلله
وقرأ أبو حيوة: {ملك يوم الدين} وقرأ أنس بن مالك: {ملك يوم الدين} [جعله فعلاً ماضيًا] قال: ويجوز في النحو: مالك يوم الدين [بالرفع] على [معنى] هو مالك. فأما قراءة أبي هريرة رحمه الله وعمر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/48]
ابن عبد العزيز، ومحمد بن السميفع {مالك يوم الدين} على الدعاء، يا مالك يوم الدين، فقد ذكرته في «الشواذ» ولا أذكر في هذا الكتاب غير حروف السبعة وعلله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/49]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الألف، وإسقاطها من قوله [عزّ وجلّ]: ملك يوم الدين [الفاتحة/ 4].
فقرأ عاصم، والكسائي: (مالك) بألف، وقرأ الباقون:
[الحجة للقراء السبعة: 1/7]
(ملك) بغير ألف، ولم يمل أحد الألف من (مالك)
[الحجة للقراء السبعة: 1/8]
قال أبو بكر محمد بن السريّ: قال أبو عمرو فيما أخذته عن اليزيديين: إن «ملك» يجمع مالكا، أي: ملك ذلك اليوم بما فيه، و «مالك» إنما يكون للشيء وحده، تقول:
هو مالك ذاك الشيء، وقال الله سبحانه: قل اللّهمّ مالك الملك [آل عمران/ 26] للشيء بعينه، فملك يجمع مالكا، ومالك لا يجمع ملكا. وقال الله سبحانه: ملك النّاس [الناس/ 2] والملك القدّوس [الحشر/ 23].
[الحجة للقراء السبعة: 1/9]
قال: وحكي أن عاصما الجحدري قرأها (ملك) بغير ألف. فقال محتجا على من قرأها (مالك) بألف:
يلزمه أن يقرأ: قل أعوذ برب الناس مالك الناس [الناس/ 1، 2]. قال هارون: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: نعم، أفلا يقرءون: فتعالى الله المالك الحق [المؤمنون/ 116]؟.
قال: وقال بعض من اختار القراءة بملك: إن الله قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله: ربّ العالمين فلا فائدة في تكريره ذكر ما قد مضى ذكره من غير فصل بينهما بذكر معنى غيره. قال: وقال: وإن الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقراءته: ملك يوم الدين أصح إسنادا من الخبر بقراءته (مالك). وإنّ وصفه بالملك أبلغ في المدح، قال: وهي قراءة
[الحجة للقراء السبعة: 1/10]
أبي جعفر، والأعرج وشيبة بن نصاح.
قال أحمد بن يحيى: من حجة الكسائي أنه يقال: ملك النّاس مثل سيّد الناس، وربّ الناس، ومالك يوم الدين، ولا يقال: سيد يوم الدين، فإذا كان مع الناس وما
[الحجة للقراء السبعة: 1/11]
يفضل عليهم كان «ملك» وإذا كان مع غير الناس كان «مالك».
قال: وقال من احتجّ لمالك، وكره «ملك»: إن أول من قرأ «ملك» مروان بن الحكم وإنه قد يدخل في الملك ما لا يجوز، ولا يصح دخوله في الملك، قالوا: وذلك أنه صحيح في الكلام أن يقال: فلان مالك الدراهم والطير، وغير صحيح أن يقال: فلان ملك الدراهم والدنانير. قالوا: فالوصف بالملك أعم من الوصف بالملك، والله سبحانه مالك كل شيء قالوا: والمعنى: أنه يملك الحكم يوم الدين بين خلقه دون سائر الخلق الذين كانوا يحكمون بينهم في الدنيا. قالوا: وقد وصف الله سبحانه نفسه بأنّه مالك الملك، فقال تعالى: قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء [آل عمران/ 26]، ولا يقال: هو ملك الملك، قالوا: فوصفه بالملك. أبلغ في الثناء وأعمّ في المدح من وصفه بالملك. وقرأها (مالك) من متقدمي القرّاء قتادة والأعمش.
[الحجة للقراء السبعة: 1/12]
وقال أبو عبيد في قوله: ملك يوم الدين معناه: الملك يومئذ ليس ملك غيره. ومن قرأ (مالك) أراد: أنه يملك الدين والحساب لا يليه سواه. قال: وكذلك يروى عن عمر.
قال أبو بكر محمد بن السري: الاختيار عندي: «ملك يوم الدين»، والحجة في ذلك: أن الملك والملك يجمعهما معنى واحد، ويرجعان إلى أصل، وهو الربط والشد، كما قالوا: ملكت العجين، أي: شددته. وقال الشاعر:
ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها... يرى قائم من دونها ما وراءها
[الحجة للقراء السبعة: 1/13]
يصف طعنة، يقول: شددت بها كفي. والإملاك من هذا، إنما هو رباط الرجل بالمرأة، وكلام العرب بعضه مأخوذ من بعض، فقد يكون الأصل واحدا ثم يخالف بالأبنية، فيلزم كل بناء ضربا من ذلك الجنس، مثال ذلك العدل، يشتقّ منه: العدل والعديل، فالعدل: ما كان متاعا، والعديل: الإنسان، والأصل إنما هو العدل. وكذلك ملك، ومالك فالملك الذي يملك الكثير من الأشياء: ويشارك غيره من الناس، بأنه يشاركه في ملكه بالحكم عليه فيه، وأنه لا يتصرف فيه إلا بما يطلقه له الملك، ويسوسه به، ويجتمع مع ذلك أن الملك يملك على الناس أمورهم في أنفسهم، وجميع متصرّفاتهم، فلا يستحق اسم الملك حتى يجتمع له ملك هذا كله، فكل ملك مالك، وليس كلّ مالك ملكا.
وأما قوله تعالى: مالك الملك [آل عمران/ 26] فإنّ الله سبحانه يملك ملوك الدنيا، وما ملكوا، وإنّما تأويل ذلك: أنّه يملك ملك الدنيا، فيؤتي الملك من يشاء. فأمّا يوم الدين فليس إلّا ملكه، وهو ملك الملوك جلّ وعزّ يملكهم كلّهم، وقد يستعمل هذا في الناس، فيقال: فلان ملك الملوك
[الحجة للقراء السبعة: 1/14]
وأمير الأمراء، يراد بذلك: أن من دونه ملوكا وأمراء فيقال: ملك الملوك وأمير الأمراء، ولا يقال: ملك الملك، ولا أمير الإمارة، لأنّ أميرا وملكا صفة غير جارية على فعل، فلا معنى لإضافتها إلى المصدر، فأمّا إضافة ملك إلى الزمان فكما يقال: ملك عام كذا، وملوك سنيّ كذا، وملوك الدهر الأوّل، وملك زمانه، وسيّد زمانه، وهو في المدح أبلغ. والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه والصفة له، ألا ترى قوله [تعالى]: الحمد للّه ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم [الفاتحة/ 1 - 2]؟ فالربوبية والملك متشابهان.
قال: وللمختار لمالك أن يقول: قرأت: (مالك) لأنّ المعنى: يملك يوم الدين، وهو يوم الجزاء، ولا يملك ذلك اليوم أن يأتي به ولا سائر الأيام غير الله سبحانه، وهذا ما لا يشاركه فيه مخلوق في لفظ ولا معنى. فيقال: هذا الذي قلت حسن، ولولا هذا المعنى وما يؤيّده ما جازت القراءة به، ولا بدّ للمعاني من أن تتقارب، والملك في ذلك اليوم أيضا لا يكون إلا لله تعالى، فهو متفرد بهذا الوصف، ويقوّي ذلك قوله: لمن الملك اليوم [غافر/ 16] وقوله: والأمر يومئذٍ للّه [الانفطار/ 19].
فإن احتجّ المختار لمالك بما روي من أنّ أوّل من قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 1/15]
«ملك» مروان بن الحكم، احتجّ عليه من الأخبار بما يبطل ذلك، ولعل القائل لذلك أراد: أنّ أول من قرأ في ذلك العصر، أو من ضربه، لأنّ القراءة بذلك أعرض وأوسع من ذلك بحسب ما انتهى إلينا. انتهت الحكاية عن أبي بكر.
قال أبو عليّ [الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار رضي الله عنه]: قال أبو الحسن الأخفش فيما روى محمد بن العباس عن عمه عنه: يقال: ملك بيّن الملك، الميم مضمومة.
وتقول: مالك بيّن الملك والملك، بفتح الميم وكسرها.
وزعموا أن ضمّ الميم لغة في هذا المعنى.
وروى بعض رواة البغداذيين: يقال: طالت مملكتهم الناس ومملكتهم وطال ملكه وملكه إذا طال رقّه. وأعطاني من ملكه وملكه، وهو ما يقدر عليه، ولي في هذا الوادي ملك وملك وملك. ويقال: نحن عبيد مملكة، ولسنا بعبيد قنّ، أي: سبينا، لم نملك في الأصل.
وقال أبو عثمان: شهدنا إملاك فلان، وملكه، ولا يقال: ملاكه.
[الحجة للقراء السبعة: 1/16]
وقال غيره:
ملكت بها كفي...
أي: شددت، وملكت العجين، أي: شددت عجنه.
قال أبو علي: وإملاك المرأة إنما هو العقد عليها، وقيل:
إملاك، كما قيل: عقدة النكاح، والملك للشيء: اختصاص من المالك به، وخروجه عن أن يكون مباحا لغيره، ومعنى الإباحة في الشيء كالاتساع فيه، وخلاف الحصر له، والقصر على شيء. ألا تراهم قالوا: باح السرّ، وباحة الدار؟ وقال أوس بن حجر:
فملّك بالليط الذي تحت قشرها... كغرقيء بيض كنّه القيض من عل
ملّك أي: شدّد أي: ترك شيئا من القشر على قلبها يتمالك به ويكنّها، لئلا يبدو قلب القوس فتنشق.
قال أبو علي: وينبغي أن يكون موضع الذي: نصبا، بأنّه مفعول به لملّك، ولا يكون جرّا على أنّه وصف لليط، لأنّ
[الحجة للقراء السبعة: 1/17]
الليط فوق القلب، ليس تحته، والمعنى: فملّك بالقشر الذي فوق القلب الذي تحت القشرة ليصون القشر القلب فلا ينشقّ، ألا ترى أنّهم قالوا: إذا لم يكن عليها القشر صنعوها عقبة.
قال أبو علي: فكأن العقب يصون القلب كما يصونها بترك القشر عليه، ويدلّ على ذلك تشبيهه بالقيض والغرقئ.
قال أبو علي: وأمّا ما حكاه أبو بكر عن بعض من اختار القراءة بملك، من أنّ الله سبحانه قد وصف نفسه بأنّه مالك كلّ شيء بقوله: ربّ العالمين فلا فائدة في تكرير ذكر ما قد مضى، فإنّه لا يرجّح قراءة ملك على مالك، لأنّ في التنزيل أشياء على هذه الصورة قد تقدّمها العامّ، وذكر بعد العامّ الخاصّ، كقوله [عزّ وجلّ]: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق [العلق/ 1] [ثم قال: خلق الإنسان من علقٍ] [العلق/ 2]. فالذي: وصف للمضاف إليه دون الأول المضاف لأنه كقوله: هو اللّه الخالق البارئ [الحشر/ 24] ثم خصّ ذكر الإنسان تنبيها على تأمل ما فيه من إتقان الصنعة، ووجوه الحكمة، كما قال: وفي أنفسكم أفلا تبصرون [الذاريات/ 21] وقال: خلق الإنسان من علقٍ [العلق/ 2]
[الحجة للقراء السبعة: 1/18]
وكقوله: وبالآخرة هم يوقنون [البقرة/ 4] بعد قوله: [عزّ وجلّ]: الّذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3] والغيب يعمّ الآخرة، وغيرها، فخصّوا بالمدح بعلم ذلك والتيقن له، تفضيلا لهم على الكفار المنكرين لها، في قولهم: لا تأتينا السّاعة، قل بلى وربّي لتأتينّكم [سبأ/ 3]. وكقولهم: ما ندري ما السّاعة إن نظنّ إلّا ظنًّا [الجاثية/ 32]، وكقولهم:
ما هي إلّا حياتنا الدّنيا نموت ونحيا [الجاثية/ 24] وكذلك قوله: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الرحمن أبلغ من الرحيم، بدلالة أنه لا يوصف به إلا الله سبحانه. وذكر الرحيم بعده لتخصيص المسلمين به في قوله تعالى: وكان بالمؤمنين رحيماً [الأحزاب/ 43] فكما ذكرت هذه الأمور الخاصّة بعد الأشياء العامّة لها ولغيرها، كذلك يكون قوله مالك يوم الدين، فيمن قرأها بالألف بعد قوله: الحمد لله رب العالمين.
وممّا يشهد لمن قرأ: (مالك) من التنزيل قوله تعالى: والأمر يومئذٍ للّه [الانفطار/ 19] لأن قولك: الأمر له، وهو مالك الأمر بمعنى. ألا ترى أن لام الجر معناها: الملك والاستحقاق، وكذلك قوله [عزّ وجلّ]: يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً [الانفطار/ 19] يقوّي ذلك؟
والتقدير: مالك يوم الدين من الأحكام ما لا تملكه نفس
[الحجة للقراء السبعة: 1/19]
لنفس. ففي هذا دلالة وتقوية لقراءة من قرأ: (مالك). وإن كان قوله: لمن الملك اليوم [غافر/ 66] أوضح دلالة. على قراءة من قرأ: ملك، من حيث كان اسم الفاعل من الملك: الملك فإذا قال: الملك له ذلك اليوم، كان بمنزلة: هو ملك ذلك اليوم. هذا مع قوله: فتعالى اللّه الملك الحقّ [طه/ 114] والملك القدّوس [الحشر/ 23] وملك النّاس [الناس/ 2].
واعلم أن الإضافة إلى يوم الدين في كلتا القراءتين من باب:
يا سارق الليلة أهل الدار
اتّسع في الظرف فنصب نصب المفعول به، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحدّ، وليس إضافة اسم الفاعل هاهنا إلى اليوم كإضافة المصدر إلى الساعة في قوله: وعنده علم السّاعة [الزخرف/ 85]، لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة، وليس على أن جعل الظرف مفعولا به على السعة.
ألا ترى أن الظرف إذا جعل مفعولا على السعة فمعناه متّسعا فيه معنى الظرف؟ فلو جعلته ظرفا لكان المعنى: يعلم في الساعة، فلم يكن بالسهل، لأنّ القديم- سبحانه- يعلم في كل وقت، فإنّما معنى يعلم الساعة: يعرفها، وهي حقّ، وليس
[الحجة للقراء السبعة: 1/20]
الأمر على ما الكفار عليه من إنكارها وردّها. وإذا كان كذلك فمن نصب: وقيله يا ربّ [الزخرف/ 88] جاز أن يكون حاملا له على المعنى، وموضع الساعة، لأن الاسم منصوب في المعنى بأنه مفعول به. وكذلك قوله: إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام [لقمان/ 34]، وهذا كقوله: ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت [البقرة/ 65] وإذا كان كذلك، فالظرف في قوله: قل إنّما علمها عند اللّه [الأعراف/ 187] وإنّما علمها عند ربّي [الأعراف/ 187] لا يكون متعلقا بمحذوف إلّا أن تجعله في موضع حال. ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنّه مفعول به على الاتساع وكان في الأصل ظرفا، قوله: (أيّاماً) في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون أيّاماً معدوداتٍ [البقرة/ 183] فالعامل
[الحجة للقراء السبعة: 1/21]
في الأيام (كتب)، تقديره: كتب عليكم الصيام أياما معدودات.
أي: في أيام [معدودات].
وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به فتقول على هذا: يا مكتوب أيام عليه، ولا يستقيم أن ينتصب أيام بالصيام على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام، لأنّ ذلك، وإن كان مستقيما في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك، ألا ترى أنّك إن حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما! وذلك أن أياما تصير من صلة الصيام، وقد فصلت بينهما بمصدر: كتب، لأنّ التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم، فالكاف في (كما) متعلقة بكتب، وقد فصلت بها بين المصدر وصلته، وليس من واحد منهما. فإن قلت: أضمر (الصّيام) لتقدّم ذكر المتقدم عليه، كأنّه صيام أيّاما، فإنّ ذلك لا يستقيم، لأنّك لا تحذف بعض الاسم، ألا ترى أنّه قد قال: في قوله:
لعمر أبيك إلا الفرقدان
[الحجة للقراء السبعة: 1/22]
إنه لا يكون على: إلا أن يكون الفرقدان، لحذفك الموصول، فكذلك الآية. فأما قوله [عزّ وجلّ]: (الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ) [البقرة/ 197] فإنّه يكون على: أشهر الحجّ أشهر معلومات، ليكون الثاني الأوّل في المعنى، ومعنى معلومات: أي أشهر مؤقتة معيّنة لا يجوز فيها ما كان يفعله أهل الجاهليّة من التبديل بالتقديم والتأخير اللذين كان يفعلهما النّسأة الذين أنزل فيهم: (إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر، يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاماً) إلى قوله: (فيحلّوا ما حرّم اللّه) [التوبة/ 37] أو يكون: الحجّ حجّ أشهر معلومات، أي: لا حجّ إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها، ولا يجزئ كما كان أهل الجاهلية يستجيزونه في غيرها من الأشهر. فالأشهر على هذا متّسع فيها مخرّجة عن الظروف، والمعنى على ذلك، ألا ترى أن الحجّ في الأشهر: كما أن الموعد في قوله: (موعدكم يوم الزّينة) [طه/ 59] في اليوم إلّا أنّه اتّسع فيه فجعل الأول لمّا كان فيه، كما فعل ذلك في قوله «يوم الزينة».
وإن قلت: موعدكم موعد يوم الزينة، فقد أخرجته أيضا على هذا التقدير عن أن يكون ظرفا، لأنك قد أضفت إليه، والإضافة إليه تخرجه عن أن يكون ظرفا، كما أن رفعه كذلك.
ويدلّك على تأكد خروجه عن الظرف عطفك عليه ما لا يكون ظرفا، وهو قوله: (وأن يحشر النّاس ضحًى) [طه/ 59]، ولو نصبت اليوم على أنّه ظرف وأضمرت مبتدأ يكون قوله: (وأن يحشر النّاس ضحًى) خبرا له كأنّه قال: وموعدكم
[الحجة للقراء السبعة: 1/23]
أن يحشر الناس ضحى- لكان ذلك مستقيما في قياس العربية.
وقد يجوز أن تجعل الحجّ: الأشهر على الاتساع، لكونه فيها وكثرته من الفاعلين له، كما جعلتها الخنساء الإقبال والإدبار لكثرتهما منها، وكما قال:
لعمري وما دهري بتأبين هالك... ولا جزع مما أصاب فأوجعا
ألا ترى أنّه جعل دهره الجزع. فإن قلت: إن ذات الإقبال والإدبار فاعلة في المعنى، وليس الأشهر كذلك إنّما هي مفعول فيها. فإنّ الأشهر بمنزلة الدهر في قوله: ولا جزع، أي: وما دهري بجزع. فكما أجاز سيبويه ذلك في الدهر فكذلك
[الحجة للقراء السبعة: 1/24]
يجوز في الأشهر في الآية، وإذا جاز ذلك في الفاعل جاز في المفعول به، وفي الظرف، إذا جعل في الاتساع مفعولا به، ألا ترى أنّ المصدر لمّا أضيف إلى الفاعل أضيف إلى المفعول به أيضا في نحو [قوله تعالى] من دعاء الخير [فصلت/ 49] وبني الفعل للمفعول به كما بني للفاعل، واختصّ المفعول به بأبنية قصرت عليه، نحو: وضع في تجارته، كما كان للفاعل أفعال لا تتعدّى إلى المفعول به، فكذلك إذا اتسع في هذا النحو في الفاعل يتّسع في المفعول به، وما أجري مجراه من الظروف. فأمّا قوله: (اللّه أعلم حيث يجعل رسالته) [الأنعام/ 124]. فالقول في العامل في «حيث» أنّه لا يخلو من أن يكون «أعلم» هذه المذكورة أو غيرها. وإن عمل «أعلم» فيه فلا يخلو من أن يكون ظرفا، أو غير ظرف. فلا يجوز أن يكون العامل فيه أعلم، على حسب ما عمل أحوج في ساعة في قوله:
فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة
[الحجة للقراء السبعة: 1/25]
لأنّ المعنى يصير: أعلم في هذا الموضع أو هذا الوقت، ولا يوصف الله بأنّه أعلم في مواضع أو أوقات، كما تقول: زيد أعلم في مكان كذا منه في مكان كذا، أو زمان كذا، فإذا كان كذلك لم يجز أن يكون العامل «أعلم» هذه وإذا لم يجز أن يكون إيّاه كان فعلا يدلّ عليه أعلم، وإذا لم يجز أن يكون «حيث» ظرفا لما ذكرناه، كان اسما، وكان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع كما يكون ذلك في كم ومتى ونحوهما، ويقوّي ذلك دخول الجار عليها.
وقد حكى بعض البصريين فيها الإعراب، وكان الأصل: الله أعلم بمواضع رسالاته، ثم حذف الحرف، كما قال: أعلم بمن ضلّ عن سبيله [النحل/ 125] وفي موضع آخر: أعلم من يضلّ [الانعام/ 117] ف «من يضل» معمول فعل مضمر دلّ عليه أعلم، ولا يجوز أن يكون معمول أعلم، لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام ونحوه، إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى، فتعلّق كما تلغى. ومثل ذلك- في أنّه لا يكون إلا محمولا على فعل- ما أنشده أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 1/26]
وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا
فالقوانس على مضمر دون أضرب الظاهر، لأنّ المعاني لا تعمل في المفعول به وكان القياس ألّا تعمل في الحال.
ولا يجوز أن يكون موضع (من) في قوله: أعلم من يضلّ [الأنعام/ 117] جرّا لأن أفعل لا يضاف إلّا إلى ما هو بعض له، وليس ربّنا من المضلّين عن سبيله، فيضاف إليهم، فإذا لم يجز أن يكون جرّا، كان نصبا، كالقوانس في البيت.
وممّا يستقيم أن يكون انتصابه انتصاب المفعول به على السعة قوله تعالى: وأتبعناهم في هذه الدّنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين [القصص/ 42]. يحتمل أن يكون: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، ولعنة يوم القيامة،
[الحجة للقراء السبعة: 1/27]
فحذف المصدر وأقام يوما مقامه، فانتصب انتصاب المفعول به، كما أنه لو لم يحذف المصدر وأضيف إلى اليوم كان كذلك.
ويجوز فيه ثلاثة أضرب أخر:
أحدها: أن يكون محمولا على موضع «في هذه الحياة الدنيا» كما قال: إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا ويشهد لذلك وللوجه الذي قبله قوله في أخرى: لعنوا في الدّنيا والآخرة [النور/ 23] وقوله: وأتبعوا في هذه لعنةً ويوم القيامة بئس الرّفد المرفود [هود/ 99] ويكون قوله: (هم من المقبوحين) جملة استغني عن حرف العطف فيها بالذكر الذي تضمنت ممّا في الأولى، كما استغني عنه بذلك في قوله: ثلاثةٌ رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ولو كانت فيها الواو لكان ذلك حسنا، كما قال تعالى: ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22].
[الحجة للقراء السبعة: 1/28]
ويجوز أن يكون العامل فيه من المقبوحين، لأنّ فيه معنى فعل، وإن كان الظرف متقدّما كما أجاز: أكلّ يوم لك ثوب؟
ويجوز أن يكون العامل فيه مضمرا يدل عليه قوله: (من المقبوحين) كقوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين [الفرقان/ 22]. ومن ذلك قوله: والوزن يومئذٍ الحقّ [الأعراف/ 8] إن جعلت الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول به، كقولك: الوزن الدراهم حقّ، ويكون الحقّ على هذا خبر المبتدأ وإن جعلت يومئذ خبر المصدر، لأنّ الوزن حدث، فيكون ظرف الزمان خبرا عنه تعلّق بمحذوف.
وجاز أن ينتصب انتصاب الظروف دون المفعول به.
ألا ترى أن المفعول به لا تعمل فيه المعاني؟ ويكون الحقّ على هذا صفة للوزن، ويجوز أن يكون بدلا من الذكر المرفوع الذي في الخبر. ولو قدمت (الحقّ) في الوجه الثاني على (يومئذٍ) لاستقام، ولو قدمته عليه في الوجه الأول لم يجز
[الحجة للقراء السبعة: 1/29]
للفصل بين الصلة والموصول بصفة الموصول.
وأمّا قوله (تعالى): الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن [الفرقان/ 26] فيكون يومئذ من صلة المصدر كما كان في التي قبلها، والحق صفة والظرف الخبر. ويجوز أن يكون يومئذ معمول الظرف وإن تقدّم عليه، فلا يتصل على هذا بالمصدر، وكذلك قوله: هنالك الولاية للّه الحقّ [الكهف/ 44] يكون هنالك مستقرّا فيكون قولك: (للّه) حالا من الولاية ومن الذكر الذي في هنالك، في قوله سيبويه وعلى قول أبي الحسن، ومن رفع بالظرف، من الولاية فقط ويكون لله مستقرّا، وهنالك ظرفا متعلقا بالمستقر، ومعمولا له، فأمّا قول الشاعر:
حميت عليه الدّرع حتى وجهه... من حرّها يوم الكريهة أسفع
[الحجة للقراء السبعة: 1/30]
فإن جعلت «يوم الكريهة» ظرفا لأسفع لم ينتصب انتصاب المفعول به، وإن جعلته منتصبا بالمصدر جاز فيه ما جاز في قوله: والوزن يومئذٍ الحقّ [الأعراف/ 8] من الانتصاب على الظّرف، على أنه مفعول به على الاتّساع.
ألا ترى أن الفعل المتعدّي كالفعل غير المتعدي في جواز نصب الظرف بعده نصب المفعول به؟ فكذلك مصادرهما، وكذلك إن جعلت قوله: يوم الكريهة، ظرفا لحميت. وممّا لا يكون إلا ظرفا قوله تعالى: ويوم يحشر أعداء اللّه إلى النّار فهم يوزعون [فصلت/ 19] ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلّق الظرف به؟
وإذا كان كذلك تعلّق بما دلّ عليه قوله: فهم يوزعون.
- كما أن قوله: أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعوثون [المؤمنون/ 82] الظرف فيه كذلك، فكذلك قوله: ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّقٍ إنّكم لفي خلقٍ جديدٍ [سبأ/ 7]- لأن الظرف من حيث كان مستقبلا كان بمنزلة إذا، ومن ثم أجيب بالفاء، كما يجاب إذا بها.
[الحجة للقراء السبعة: 1/31]
وأمّا قوله سبحانه: يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه [الإسراء/ 71] فقد يكون مثل الذي تقدمت. ألا ترى أن قوله: وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلًا [الإسراء/ 70] ماض كما أن قوله: ونجّينا الّذين آمنوا وكانوا يتّقون [فصلت/ 18] كذلك. و (ندعو) مستقبل كما أن (يحشر أعداء الله) كذلك؟ فتجعل الظرف بمنزلة إذا، كما جعلته ثمّ بمنزلته، فيصير التقدير: إذا دعي كل أناس بإمامهم لم يظلموا أو عدل عليهم ونحوه.
فأمّا الباء في قوله: (بإمامهم) فيكون على ضربين:
أحدهما أن تكون متعلّقة بالفعل الذي هو: (ندعوا) في موضع المفعول الثاني كأنّه: كل أناس بشيعة إمامهم، يدلّ على هذا قوله: ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب [غافر/ 46] وعلى هذا فسّره ابن عباس فيما روي، فقال: برئيسهم.
وتكون متعلّقة بمحذوف في موضع الحال كأنّه: ندعو كلّ أناس مختلطين بإمامهم، أي: يدعون وإمامهم فيهم، نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 1/32]
ركب بثيابه، وجاء في جنوده، فيكون الدعاء على هذا الوجه متعدّيا إلى مفعول واحد خلاف الوجه الأول. ويقوّي هذا قوله: وسيق الّذين كفروا إلى جهنّم زمراً [الزمر/ 71] وقوله: احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم [الصافات/ 22] وروي عن الحسن: بإمامهم أي: بكتابهم الذي فيه أعمالهم، فيكون التقدير على هذا في قوله: بإمامهم، أي: معهم كتابهم.
ومن ذلك قوله: فإذا نقر في النّاقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ [المدثر/ 8]. القول فيه أن (ذلك) إشارة إلى النقر، كأنّه قال: فذلك النقر يومئذ يوم عسير، أي: نقر يوم عسير، فقوله: يومئذ، على هذا متعلق بذلك، لأنّه في المعنى مصدر، وفيه معنى الفعل، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما عمل في الحال.
ويجوز أن يكون (يومئذٍ) ظرفا لقوله (يومٌ)، ويكون يومئذ بمنزلة حينئذ، ولا يكون اليوم الذي يعنى به وضح النهار، ويكون اليوم الموصوف بأنّه عسير خلاف الليلة، فيكون التقدير:
[الحجة للقراء السبعة: 1/33]
فذلك اليوم يوم عسير حينئذ، أي: ذلك اليوم يوم في ذلك الحين، فيكون متعلقا بمحذوف، ولا يتعلق بعسير، لأن ما قبل الموصوف لا تعمل فيه الصفة. فأما (إذا) في قوله: فإذا نقر في النّاقور فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله: يومٌ عسيرٌ، تقديره: إذا نقر في الناقور عسر الأمر وصعب كما أن لا بشرى يومئذٍ [الفرقان/ 22] يدل على يحزنون.
فأمّا من قرأ: مالك يوم الدّين [الفاتحة/ 4] فأضاف اسم الفاعل إلى الظرف، فإنّه قد حذف المفعول به من الكلام للدلالة عليه، وإن هذا المحذوف قد جاء مثبتا في قوله: يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً [الانفطار/ 19] فتقديره: مالك يوم الدين الأحكام. وحسن هذا الاختصاص لتفرّد القديم سبحانه في ذلك اليوم بالحكم. فأما في الدنيا فإنه يحكم فيها الولاة، والقضاة، والفقهاء.
وحذف المفعول على هذا النحو كثير واسع في التنزيل وغيره، ومثل هذه الآية في حذف المفعول به مع الظرف قوله:
فمن شهد منكم الشّهر فليصمه [البقرة/ 185]، فالشهر ينتصب على أنّه ظرف، وليس بمفعول به، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون ظرفا أو مفعولا به، فلو كان مفعولا به للزم الصيام المسافر، كما لزم المقيم من حيث شهد المسافر
[الحجة للقراء السبعة: 1/34]
الشهر شهادة المقيم إيّاه، فلمّا لم يلزم المسافر علمت أن المعنى: فمن شهد منكم المصر في الشهر، ولم يكن (الشّهر) مفعولا به في الآية، كما كان يكون مفعولا به لو قلت: أحببت شهر رمضان.
فإن قلت: فإذا كان الشهر في قوله: فمن شهد منكم الشّهر ظرفا ولم يكن مفعولا به، فكيف جاء ضميره متصلا في قوله: (فليصمه)، وهلّا دلّ ذلك على أنه مفعول به؟ قيل: لا يدلّ ذلك على ما ذكرته، لأن الاتساع إنّما وقع فيه بعد أن استعمل ظرفا، وذلك سائغ، ويدلّ على أنّ: (شهد) متعد إلى مفعول قوله:
ويوم شهدناه سليما وعامرا
ومما حذف من المفعول به في التنزيل قوله تعالى: فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا [السجدة/ 14]
[الحجة للقراء السبعة: 1/35]
والتقدير: ذوقوا العذاب، فاستغني عن ذكره للعلم به، وكثرة تردّده في نحو: وذوقوا عذاب الخلد [السجدة/ 14] وذوقوا عذاب النّار [السجدة/ 20] [سبأ/ 42]. ومن ذلك قوله ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ [إبراهيم/ 37] أي: ناسا أو فريقا. وقال: فادع لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها وقثّائها [البقرة/ 61] أي شيئا. ومن ذلك قوله: يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات [إبراهيم/ 48].
ومنه الحديث: «لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده»
المعنى: ولا ذو عهد في عهده بكافر، كما كان التقدير في الآية: والسموات غير السموات. والمعنى: لا يقتل مؤمن بكافر حربيّ، ولا ذو عهد في عهده بكافر. قال أبو يوسف: ولو كان المعنى: لا يقتل مؤمن به، كان: ولا ذي عهد في عهده، وممّا جاء في الشعر من ذلك قوله:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه... على أمّها وإن تحدّثك تبلت
[الحجة للقراء السبعة: 1/36]
أي: تقطع الحديث، ومثل ذلك في المعنى والحذف:
رخيمات الكلام مبتّلات... جواعل في البرى قصبا خدالا
ومن ذلك قول الآخر:
لا يعدلنّ أتاويّون تضربهم... نكباء صرّ بأصحاب المحلّات
أي: لا يعدلنّ بهم أحدا، والتقدير: لا يعدلنّ مجاورتهم بمجاورة أحد، ومن ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 1/37]
ولا يتحشّى الفحل إن أعرضت به... ولا يمنع المرباع منها فصيلها
روي: منها فصيلها، ومنه فصيلها، فمن روى منها، كان من هذا الباب، وكان منها: حالا أو ظرفا. فأمّا قول الهذليّ:
ضروب لهامات الرجال بسيفه... إذا عجمت وسط الشئون شفارها
فإن شئت كان التقدير: إذا عجمت وسط الشئون شفارها الشئون، أو مجتمع الشئون كما قال المرار الفقعسيّ:
فلا يستحمدون الناس شيئا... ولكن ضرب مجتمع الشّئون
فحذفت المفعول، وإن شئت جعلت وسطا في الشعر اسما، وجعلته المفعول به، كما جعله الفرزدق مبتدأ في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 1/38]
أتته بمجلوم كأنّ جبينه... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فكما حذف المفعول به من هذه الآي، وهذه الأبيات.
وغير ذلك مما تركنا ذكره كراهة الإطالة، كذلك حذف في قوله: مالك يوم الدّين.
والدين: الجزاء في هذا الموضع بدلالة قوله: اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت [غافر/ 17] واليوم تجزون ما كنتم تعملون [الجاثية/ 28] ولا تكون الطاعة، ولا العادة، وقيل في قول ابن مقبل:
يا دار سلمى خلاء لا أكلّفها... إلّا المرانة حتى تعرف الدّينا
حتى تقوم القيامة، وتأويل هذا: حتى تعرف يوم الدين أي: يوم الجزاء. والمرانة: اسم ناقة عن الأصمعي. وقال غيره: اسم موضع. فأما قوله: تعرف فيستقيم أن يكون مسندا إلى
[الحجة للقراء السبعة: 1/39]
المتكلم المذكور في أكلّف ويستقيم أن يكون للمؤنث الغائب.
والإمالة في (مالك) في القياس لا تمتنع، لأنّه ليس في هذا الاسم ممّا يمنع الإمالة شيء، وليس كلّ ما جاز في قياس العربية تسوغ التلاوة به حتى ينضم إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف له، وأخذهم به لأنّ القراءة سنة.
فأمّا إعراب ملك يوم الدين فالجرّ في القراءتين.
وهو صفة لاسم مجرور، والصفات تجري على موصوفيها، إذا لم تقطع عنهم لذمّ أو مدح.
فأمّا العامل فيها، فزعم أبو الحسن أن الوصف يجري على ما قبله، وليس معه لفظ عمل فيه، إنّما فيه أنّه نعت، فذلك هو الذي يرفعه، وينصبه، ويجرّه، كما أن المبتدأ إنّما رفعه الابتداء، وإنّما الابتداء معنى عمل فيه وليس لفظا، فكذلك هذا.
فإن قلت: فلم لا يكون العامل في الوصف ما عمل في الموصوف؟ قيل: ممّا يدل على أن العامل في الوصف لا يكون العامل في الموصوف أن في هذه التوابع ما يتعرّب بإعراب ما
[الحجة للقراء السبعة: 1/40]
يتبعه، ولا يصح أن يعمل فيه ما عمل في موصوفه. وذلك نحو أجمع وجمع وجمعاء وليست هذه الكلم ككلّ الذي قد جوّز فيه أن يلي العوامل على استكراه. فلمّا صحّ وجود هذا فيها، دلّ أنّ الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة في نحو: مررت برجل قائم، وما أشبهه لاجتماعهما في أنّهما تابعان.
ويدلّ على ذلك أيضا أنّك قد تجد من الصفات ما إعرابه يخالف الموصوف، نحو: يا زيد العاقل، فزيد مبني، وصفته مرتفعة ارتفاعا صحيحا. فلو كان العامل في الصفة العامل في الموصوف، لم تختلف حركتاهما، فكانت إحداهما إعرابا، والأخرى بناء، وكان مجيء هذا في النداء دلالة على ما ذكرناه: من أن الصفة ليست بمعمول لما يعمل في الموصوف.
فإن قال قائل: فلم لا تجعل الصفة- من حيث كانت كالجزء ممّا تجري عليه- مع الموصوف بمنزلة شيء واحد؟
وتستجيز من أجل ذلك أن يعمل فيها ما عمل في الموصوف، وتستدل على ذلك بأشياء من كلامهم، تقوي هذا المسلك. من ذلك: أنّهم جعلوه مع الموصوف كاسم واحد، في نحو لا رجل ظريف، وكذلك قولهم: يا زيد بن عمرو وما أشبهه، وقال الله سبحانه: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم [الجمعة/ 8]
[الحجة للقراء السبعة: 1/41]
فلمّا وصف المبتدأ بالاسم الموصول دخلت الفاء في الخبر، كما أنّه لمّا كان المبتدأ موصولا دخلت الفاء فيه؟ قيل: إن ما أوردته من ذلك لا يدلّ شيء منه على كون الوصف معمولا للعامل في الموصوف:
لأنّه يلزم من ذلك أن يكون في اسم واحد إعرابان، وهذا قد رفضوه في كلامهم، يدل على رفضهم إيّاه أنّهم إذا نسبوا إلى تثنية أو جمع على حدّها حذفوا علامتي التثنية أو الجمع من الاسم؛ لئلا يجتمع في الاسم دلالتا إعراب، فإذا كانوا قد كرهوا ذلك في التثنية والجمع مع أن التثنية قد جرت مجرى غير المعرب في قولهم إذا عدّوا: واحد، اثنان، فأن يكره ذلك في الإعراب المحض الذي لم يجر مجرى البناء أجدر.
ومن ثمّ ذهبوا في قولهم: يا زيد بن عمرو، لمّا جعل الموصوف مع الصفة بمنزلة اسم مفرد، إلى أنّه بمنزلة امرئ وابنم ونحو ذلك من الأسماء التي يتبع ما قبل حرف الإعراب فيها حرف الإعراب، ولم يجز فيها عندهم إلّا ذلك، لأنّ حركة آخر الاسم الأول لو كانت إعرابا لوجب أن يكون في الاسم الواحد إعرابان، وذلك ممّا قد اطّرحوه في كلامهم فلم يستعملوه.
ومما يبيّن ذلك أنّهم حيث قالوا في المنفيّ: لا رجل ظريف لك، جعلوا الأول منهما بمنزلة صدور الأشياء التي يضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 1/42]
إليها ما يكون معها شيئا واحدا. وإذا كان الأمر كذلك كان قول من قال في امرئ ونحوه: إنّه معرب من مكانين، غير مستقيم، لما أريتكه من حذفهم علامة التثنية والجمع في النسب. وأمّا قوله: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم [الجمعة/ 8] فقد جوّز أبو الحسن فيه: أن تكون الفاء فيه زائدة. وحكى أبو يعلى عن أبي عثمان مثل ذلك. ووجه ذلك أن الفاء تدخل للعطف أو للجزاء وزيادة، فلمّا لم يكن للعطف مذهب من حيث لم يستقم عطف الخبر على مبتدئة لم يصحّ حمله على العطف، ولم يستجز حمله على أنها للجزاء لبعد ذلك في اللفظ والمعنى.
فأمّا اللفظ فلأن الجزاء الذي هو في الأصل شرط لازم غير مستغنى عنه ولا يستقلّ الجزاء إلّا به. فلمّا كانت صورة الشرط على ما ذكرنا، ولم يكن الوصف كذلك- لأنّك في أكثر الأمر مخيّر في ذكره وتركه- لم يكن موضعا للجزاء كما يكون موضعا له مع المبتدأ الموصول، والنكرة الموصوفة، كقوله تعالى: الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار ثم قال: فلهم أجرهم [البقرة/ 274]. وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه
[الحجة للقراء السبعة: 1/43]
[النحل/ 53] فلمّا لم يكن موضعا له ولا للعطف حكم بزيادة الفاء، لأنّها قد ثبتت زائدة حيث لا إشكال في زيادتها، وذلك قوله:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
ألا ترى أنّ إحدى الفاءين لا تكون إلّا زائدة، لأنّ (إذا) إنّما يقتضي جوابا واحدا. وأما بعد الجزاء في المعنى، فلأن الجزاء ما كان بإثبات معنى أو نفيه، فأمّا ما كان واقعا لا محالة، فإنّه لا يكون من باب الجزاء، والموت ملاق لهم، فرّوا أو لم يفرّوا.
فإن قلت: فقد تقول في الجزاء: لأضربنّك إن سكتّ أو نطقت، ولأعطينك إن خرجت أو أقمت فإن هذا كلام متّسع فيه مخرج عن أصله. وحكمه إذا استعمل حرف المجازاة أن يفعل الإعطاء إذا وقع الخروج، ثم يبدو له أن يفعله في جميع الأحوال فيقول بعد: أو أقمت. وقد يصحّ أن يحمل هذا الكلام
[الحجة للقراء السبعة: 1/44]
على المعنى فيستقيم أن تكون الفاء جزاء. وذلك أنّ معنى:
(إنّ الموت الّذي تفرّون منه) ومعنى: إنّ الذي تفرون منه من الموت واحد، فكما يصحّ الجزاء في هذا الاسم كذلك يصحّ فيما كان بمعناه.
ألا ترى أنّك قد جازيت حيث كانت الصلة ظرفا لمّا كان الظرف متضمّنا لمعنى الفعل؟ كقوله: وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النمل/ 53] ودخلت الفاء في الخبر، كما دخلت في الصلة، والصلة فعل محض، وكل ذلك حمل على المعنى، لأنّ الجزاء المحض لا يكون بالظرف، ولذلك قال سيبويه: إنّ عندك ونحوه لا يبنى على إن. فأمّا دخول معنى الجزاء في الآية وصحته، فعلى أن ينزل الكلام كأنه خوطب به من ظنّ أنّ فراره من الموت ينجيه، وقد جاء الجزاء المحض في ذلك، قال الشاعر:
ومن هاب أسباب المنيّة يلقها... ولو رام أسباب السماء بسلّم
فإذا جاز في الجزاء المحض في البيت فكذلك تكون الآية، والتصحيح لمعنى الجزاء في ذلك قول محمد بن يزيد. فإن قلت: فهلّا استدللت بعمل إنّ في الاسم على أن
[الحجة للقراء السبعة: 1/45]
معنى المجازاة لا يصحّ في الآية، لأنّ إنّ لا يدخل على الجزاء المحض، فكذلك لا يدخل على هذا الضرب من حيث كان مثل المحض في كونه جزاء. قيل: لا يمتنع دخول إنّ على هذا الضرب وإن كان قد تضمّن الاسم معنى الجزاء، كما امتنعت من الدخول على الجزاء المحض، لأنّ الذي يدخله اسم، لم يقم مقام الحرف، كما كان ذلك في الجزاء الجازم، والكلام خبر، فإن كان كذلك، لم يكن شيء يمنع من إعمال إنّ، ألا ترى أنّها قد دخلت في قوله: إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم [البروج/ 10] فعملت في الموصول الذي دخلت الفاء في خبره، كما تعمل فيما لا تدخل الفاء خبره. فما دخلت عليه إنّ، ممّا في خبره الفاء من صحّة معنى الجزاء فيه كما لم تدخل عليه إنّ، كقوله: الّذين ينفقون أموالهم...
فلهم أجرهم [البقرة/ 274]، ولو ألحقت هذا الضرب من
[الحجة للقراء السبعة: 1/46]
الأسماء: «ليت ولعل» لم يجز دخول الفاء لأنّ الشرط والجزاء خبر، وما يدخل عليه إنّ مثله.
فأمّا «ليت ولعلّ» فإنهما إذا دخلتا أبطلتا معنى الخبر، وإذا بطل الخبر لم يكن موضع مجازاة، وإذا لم يكن موضع مجازاة لم يصحّ دخول الفاء، فصحّة دخول معنى الجزاء مع دخول إنّ كصحته إذا لم يدخل، ومن ثم قال فيمن قال:
المرأة التي أتزوّجها فهي طالق. إنه من تزوّج من النساء طلق لدخول معنى الجزاء الكلام ولحاق الفاء من أجله، والجزاء يوجب الشياع والإبهام واستغراق الجميع لذلك. وإذا جاز هذا الذي ذكرناه في قوله تعالى: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه [الجمعة/ 8]... لم يكن لمن زعم أن الصفة في حكم الموصوف- من أجل أن الفاء دخلت والفعل في صلة الصفة دون المبتدأ- دلالة على قوله، لاحتماله غير ذلك مما ذكرت.
فأمّا قوله تعالى: شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن
[الحجة للقراء السبعة: 1/47]
ثم جاء: فمن شهد منكم الشّهر [البقرة/ 185] فإن شئت جعلته مثل قوله: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه، وإن شئت جعلته مبتدأ محذوف الخبر، كأنّه لمّا تقدم: كتب عليكم الصّيام [البقرة/ 183] قيل: فيما كتب عليكم من الصيام شهر رمضان، أي صيامه، كما قال:
الزّانية والزّاني فاجلدوا [النور/ 2] أي: فيما فرض عليكم الزانية والزاني، أي: حكمهما. وكذلك مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون [محمد/ 15]. وإن شئت جعلته ابتداء وجعلت خبره الموصول كقولك: زيد الذي في الدار. فإن قلت: إذا جعلت الذي وصفا في قوله: (الّذي أنزل فيه القرآن) فكيف لم يكن عن الشهر كقولك: شهر رمضان المبارك من شهده فليصمه؟ فإنّ ذلك يكون كقوله: الحاقّة ما الحاقّة [الحاقة/ 1]، والقارعة ما القارعة [القارعة/ 1] ونحو ذلك.
وأمّا جواز دخول معنى الجزاء فيه فلأنّ شهر رمضان وإن كان معرفة فليس بمعرفة معيّنة، ألا ترى أنه شائع في جميع هذا القبيل لا يراد به واحد بعينه، فلا يمتنع من أجل ذلك من معنى الجزاء، كما يمتنع ما يشار به إلى واحد مخصوص، ومن ثم لم يمتنع ذلك في صفة الموت في قوله: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه لأنّ الموت ليس يراد به موت بعينه، إنّما يراد
[الحجة للقراء السبعة: 1/48]
به الشياع، ومعنى الجنس، وخلاف الخصوص. وأشبه الوجوه أن يكون الذي وصفا، ليكون النصّ قد وقع على الأمر بصيام الشهر.
ومن قال: إن الفاء في قوله: فإنّه ملاقيكم زيادة، فقياس قوله في هذه الفاء أن تكون زائدة أيضا، وهو قول أبي الحسن وأبي عثمان فيما روى عنه أبو يعلى بن أبي زرعة). [الحجة للقراء السبعة: 1/49]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( (ملك يوم الدّين) 4
قرأ عاصم والكسائيّ {مالك يوم الدّين} بألف
وقرأ الباقون بغير ألف وحجتهم {الملك القدوس} و{ملك النّاس} {فتعالى الله الملك الحق} وكان أبو عمرو يقول أولا تقولون: {فتعالى الله الملك الحق}
وحجّة أخرى ذكرها أبو عبيد وهي أن كل ملك فهو مالك
[حجة القراءات: 77]
وليس كل مالك ملكا لأن الرجل قد يملك الدّار والثّوب وغير ذلك فلا يسمى ملكا وهو مالك وكان أبو عمرو يقول ملك تجمع مالكًا ومالك لا يجمع ملكا
وحجّة أخرى وهي أن وصفه بالملك أبلغ في المدح من وصفه بالملك وبه وصف نفسه فقال {لمن الملك اليوم} فامتدح بملك ذلك وانفراده به يومئذٍ فمدحه بما امتدح به أحق وأولى من غيره والملك إنّما هو من ملك لا من مالك لأنّه لو كان من مالك لقيل لمن الملك بكسر الميم والمصدر من الملك الملك يقال هذا ملك عظيم الملك والاسم من المالك الملك يقال هذا مالك صحيح الملك بكسر الميم
وحجّة من قرأ مالك هي أن مالكًا يحوي الملك ويشتمل عليه ويصير الملك مملوكا لقوله جلّ وعز {قل اللّهمّ مالك الملك} فقد جعل الملك للمالك فصار مالك أمدح وإن كان يشتمل على ما يشتمل عليه الملك وعلى ملكه سوى ما يتلوه 1 / 2 من زيادة الألف الّتي هي حسنة قد ضمن عنها عشر حسنات والدّليل على هذا أن شاعرًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو امرأته فقال:
يا مالك الملك وديان العرب
[حجة القراءات: 78]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه ذلك الله
وحجّة أخرى وهي قوله {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} فقد أخبر أنه وإذا كان يملك فهو مالك
وحجّة أخرى ذكرها الأخفش وهي أن مالكًا يضاف في اللّفظ إلى سائر المخلوقات فيقال هو مالك النّاس والجنّ والحيوان ومالك الرّياح ومالك الطير وسائر الأشياء ولا يقال هو ملك الرّيح والحيوان فلمّا كان ذلك كذلك كان الوصف بالملك أعم من الوصف بالملك لأنّه يملك جميع ما ذكرنا وتحيط به قدرته ويحكم يوم الدّين بين خلقه دون سائر خلقه
قال علماؤنا إنّما يكون الملك أبلغ في المدح من مالك في صفة المخلوقين لأن أحدهم يملك شيئا دون شيء والله يملك كل شيء). [حجة القراءات: 79]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {مالك يوم الدين} قرأ عاصم والكسائي بألف. وروي عن الكسائي أنه خير في ذلك. وقرأ الباقون (ملك) بغير ألف.
وحجة من قرأه بألف إجماعهم على قوله: {قل اللهم مالك الملك} «آل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/25]
عمران 26» ولم يقل «ملك» وأيضًا فإن «مالكا» معناه المختص بالملك و«ملكا» معناه «سيد ورب» فيقول: هو ملك الناس، أي: ربهم وسيدهم ولا يحسن هذا المعنى في «يوم الدين»، لو قلت: هو سيد يوم الدين، لم يتمكن المعنى، وإذا قلت: هو مالك يوم الدين، تمكن المعنى؛ لأن معناه هو المختص بملك يوم الدين. وقوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا} «الانفطار 19» بكسر اللام يدل على «مالك» لأنه لما نفى عنهم الملك الذي هو مصدر المالك وجب أن يكون هو المالك، ولو قال «تملك» بضم اللام لدل على «ملك» لأن الملك مصدر «ملك» و«الملك» مصدر «مالك»، وأيضًا فإن «مالكا» بألف يجمع لفظ الاسم ومعنى الفعل، فلذلك يعمل «فاعل» عمل الفعل، فينصب كما ينصب الفعل، فـ «مالك» أمدح من «ملك»، وأيضًا فإن «مالكا» أعم، تقول: هو مالك الجن والطير والدواب، ولا تضيف «ملكا» إلى هذه الأصناف، وتقول: الله مالك كل شيء، ولا تقول: هو ملك كل شيء فـ «مالك» أعم وأجمع للمعاني في المدح، وأيضًا فإن «مالكا» يدل على تكوين يوم الدين وإحداثه، ولا يدل على ذلك «ملك»؛ إذ ليس له عمل الفعل، تقول: الله مالك يوم الدين، أي: مالك إحداثه وتكوينه، ولا تقول ذلك في «ملك» بهذا المعنى.
وحجة من قرأ «ملك» بغير ألف إجماعهم على {الملك القدوس} «الحشر 23» و{الملك الحق} «طه 114» و{ملك الناس} «الناس 2»، وروي عن أبي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/26]
عمرو أنه قال: «ملك» يجمع معنى «مالك»، و«مالك» لا يجمع معنى «ملك» لأن {مالك يوم الدين} معناه: مالك ذلك اليوم بعينه، و(ملك يوم الدين) معناه: ملك ذلك اليوم بما فيه، فهو أعم، وأيضًا فقد أجمعوا على الضم في قوله: {من الملك اليوم} «غافر 16» يعني: يوم الدين، و«الملك» بالضم مصدر من «ملك»، تقول: هو ملك بين الملك.
قال أبو محمد: وقد قرأ «ملك» بغير ألف جماعة من الصحابة وغيرهم، منهم أبو الدرداء وابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم ومجاهد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/27]
ويحيى بن وثاب والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جريج والجحدري وابن جندب وابن محيصن وهو اختيار أبي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/28]
عبيد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: «ملك» بغير ألف، وروي عنه بألف أيضًا.
3- فإن قيل: فما اختيارك في ذلك؟
فالجواب أن القراءتين صحيحتان حسنتان، غير أن القراءة بغير ألف أقوى من نفسي لما ذكرته من الحجج في ذلك، ولما فيه من العموم، تقول: كل ملك مالك، ولا تقول: كل مالك ملك، وتقول: كل ملك ذو ملك، ولا تقول: كل مالك ذو ملك، وإنما هو ذو ملك لا غير، فـ «ملك» أعم في المدح وأيضًا فإن أكثر القراء العامة على «ملك» و«مالك» أيضًا حسن قوي في الرواية، فقد روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام كان يقرأ: {مالك يوم الدين} بألف، وكذلك روت أم حصين أنها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/29]
سمعت النبي عليه السلام يقرأ في الصلاة: {مالك يوم الدين}، وكذلك روت أم سلمة، ولما روى الزهري عن أنس أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب، ومعاذ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/30]
ابن جبل كانوا يقرؤون: مالك، بألف، وكذلك روى أبو هريرة والحسن ومعاوية وابن مسعود وعلقمة والأسود وابن جبير وأبو رجاء والنخمي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/31]
وابن سيرين وأبو عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر، وغيرهم، وقد اختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز، وأيضًا فإن «مالكا» بألف هو اختيار أبي حاتم وأبي الطاهر وغيرهما. و«ملك» بغير ألف أقوى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/32]
في نفسي لما ذكرت لك.
4- فإن سأل سائل فقال: ما العلة التي أوجبت ذكرك لكسر الكاف من «ملك» دون ياء، وبضم الدال من «نعبد» دون واو ولم خصصت هذين الأصلين بالذكر؟
فالجواب أنه إنما ذكرت ذلك لأن بعض أهل مصر والمغرب روى عن ورش أنه يشبع الكسرة إذا أتت بعدها ياء، حتى يتولد من الكسرة ياء، فيقول: «ملكي يوم الدين» وكذلك ما أشبهه. وروى أنه يشبع الضمة إذا أتت بعدها واو، حتى يتولد من الضمة واو، فيقول: (نعبدو وإياك)، وكذلك ما شابهه في القرآن، فأردت بذكري لذلك إنكار هذه الرواية، ومنعها لشذوذها، وقلة روتها، وترك الناس لاستعمالها في صلاتهم ومساجدهم ومكاتبهم.
5- فإن قيل: فما العلة في منعها، وقد رويت؟
فالجواب أن الإجماع من القراء والرواة عن ورش على خلافها لشذوذها، ولأنها إنما هي لغة تجوز في الشعر للضرورة، وحمل كتاب الله على ذلك لا يحسن ولا يجوز، مع ما في ذلك من الإشكال، إذا قرئ به؛ لأنه إذا قرئ: (ملكي يوم) أمكن أن يكون جمع «ملك» المسلم، وحذفت النون للإضافة وإذا قرئ: «نعبدو» أمكن أن تزاد واواو ضمير الجميع، فيجمع بين النون التي تدل على الجمع وبين الواو، مع أن الواو لو كانت ضميرًا للجمع للزمتها النون،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/33]
وهذا كله إشكال، وخروج عن لغة العرب، ولحن خطأ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/34]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (بسم الله الرحمن الرحيم
1- {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [آية/ 4].
بالألف، قرأها عاصم والكسائي ويعقوب.
لأن الوصف بالملك أعم منه بالملك؛ لأنه ينطلق على كل شيء، فالله تعالى مالك كل شيء، والمعنى في الآية أنه يملك الحكم في يوم الدين فالملك إنما يكون مع الناس، والمالك مع غيرهم، يقال: هو ملك الناس ومالك الدراهم، والله تعالى مالك للناس ولغيرهم.
الباقون: (مَلِكِ) بغير ألف.
لأن ملكًا يجمع مالكًا، ومالكًا لا يجمع ملكًا، ثم إن ملكًا أبلغ في
[الموضح: 229]
المدح، والآية إنما نزلت في المدح بدلالة ما قبلها، والربوبية والملك متشابهان، ولا يكون ملكًا حتى يكون مالكًا لكثير من الأشياء، والمعنى الملك في يوم الدين). [الموضح: 230]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس