عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 06:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 94 إلى آخر السورة]

{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لولا أن تفنّدون...}
يقول: تكذّبون وتعجّزون وتضعّفون). [معاني القرآن: 2/55]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لولا أن تفنّدون} أي تسفّهوني وتعجّزوني وتلوموني، قال هانئ بن شكيم العدويّ:

يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي= فليس ما فات من أمرٍ بمردود).
[مجاز القرآن: 1/318]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تفندون}: تسفهوني وتحموقني. وقال آخرون تكذبوني. والفند الكذب). [غريب القرآن وتفسيره: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لولا أن تفنّدون} أي تعجّزون. ويقال: لولا أن تجهّلون يقال: أفنده الهرم، إذا خلّط في كلامه). [تفسير غريب القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا فصلت العير قال أبوهم إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون}
{لولا أن تفنّدون} معناه لولا أن تجهّلون، ويروى تسفهّون). [معاني القرآن: 3/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف}
قال ابن عباس هاجت ريح فشم ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام ثم قال: {لولا أن تفندون}
قال ابن عباس تسفهون
وقال عطاء والضحاك أي تكذبون
والقول الأول هو المعروف يقال فنده تفنيدا إذا عجزه كما قال
أهلكتني باللوم والتفنيد
ويقال أفند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ من الكلام والرأي كما قال الشاعر:
إلا سليمان إذ قال المليك له = قم في البرية فاحددها عن الفند).
[معاني القرآن: 3/457-456]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لولا أن تفندون} أي: لولا تضعفون رأيي). [ياقوتة الصراط: 277]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تفندون} تعجزون، وقيل: تجهلون وتسفهون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَصَلَتِ}: خرجت
{تُفَنِّدُونِ}: تسفهون). [العمدة في غريب القرآن: 163-164]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين }
يقال قد خطئ يخطأ خطأ وخطأ، وأخطأ يخطئ إخطاء.
قال امرؤ القيس:
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا=القاتلين الملك الحلاحلا).
[معاني القرآن: 3/128-129]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سوف أستغفر لكم ربّي...}
قال: حدّثنا الفراء (عن) شريك عن السّدّي في هذه الآية أخّرهم إلى السّحر (قال أبو زكريا وزادنا حبّاًن عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: أخّرهم إلى السحر) ليلة الجمعة). [معاني القرآن: 2/55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرّحيم}
قال ذلك يعقوب إرادة أن يستغفر لهم في وقت وجه السّحر، في الوقت الذي هو لإجابة الدعاء لا أنه ضنّ بالاستغفار وذلك أشبه بأخلاق الأنبياء.
أعني المبالغة في الاستغفار، وتعمد وقت الإجابة). [معاني القرآن: 3/129]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين}
{آوى إليه أبويه} أي ضمّ إليه أبويه). [معاني القرآن: 3/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}
قال ابن جريج أي سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله
قال وهذا من تقديم القرآن وتأخيره
يذهب ابن جريج إلى أنهم قد دخلوا مصر فكيف يقول ادخلوا مصر إن شاء الله). [معاني القرآن: 3/458-457]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {على العرش} أي السرير.
{من البدو} وهو مصدر بدوت في البادية.
{من بعد أن نزغ الشّيطان} أي أفسد وحمل بعضنا على بعض). [مجاز القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( و{العرش}: السرير.
{والبدو}: البادية). [غريب القرآن وتفسيره: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ورفع أبويه على العرش} أي على السرير). [تفسير غريب القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السّجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشّيطان بيني وبين إخوتي إنّ ربّي لطيف لما يشاء إنّه هو العليم الحكيم }
{العرش} السرير.
{وخرّوا له سجّدا} كان من سنة التعظيم في ذلك الوقت أن يسجد للمعظّم.
وقيل: {وخرّوا له سجّدا} وخروا للّه). [معاني القرآن: 3/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ورفع أبويه على العرش}
قال قتادة أي على السرير
ثم قال تعالى: {وخروا له سجدا}
وقال قتادة وكان هذا من تحيتهم
قال ابن جريج كانوا يفعلون هذا كما تفعل فارس
والمعنى وخروا لله سجدا
والقول الأول أشبه وهو سجود على غير عبادة وإن كان قد نهي المسلمون عن هذا فإنه على ما روي أنها تحية كانت لهم
قال الحسن كان بين مفارقة يوسف أباه إلى أن اجتمع معه ثمانون سنة لا يهدأ يعقوب فيها ساعة عن البكاء وليس أحد في ذلك الوقت أكرم على الله من يعقوب
والقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وعاش بعد لقائه يعقوب ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن عشرين ومائة). [معاني القرآن: 3/459-458]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على العرش} أي السرير). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَرْشِ}: السرير). [العمدة في غريب القرآن: 164]

تفسير قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطر السّماوات والأرض أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين}
فيها قولان:
أعني في دخول " من ": جائز أن يكون أراد علّمتني بعض التأويل، وآتيتني بعض الملك.
وجائز أن يكون دخول " من " لتبين هذا الجنس من سائر الأجناس، ويكون المعنى: رب قد آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث، مثل قوله عزّ وجلّ: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء} يدل على أن " من " ههنا إنما هي لتبيين الجنس، ومثله قوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} ولم يؤمروا باجتناب بعض الأوثان، ولكن المعنى: واجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان.
وقوله عزّ وجلّ: {فاطر السّماوات والأرض}
ينتصب على وجهين:
أحدهما على الصفة لقوله {ربّ قد آتيتني من الملك}.
والمعنى: يا ربّ قد آتيتني، وهذا نداء مضاف في موضع نصب.
ويكون {فاطر السّماوات والأرض} صفة للأول.
وجائز أن ينتصب على نداء ثان، فيكون المعنى: يا فاطر السماوات والأرض أنت وليّي.
{وألحقني بالصّالحين} أي ألحقني بمراتبهم من رحمتك وغفرانك). [معاني القرآن: 3/130-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث}
ويجوز أن تكون من ههنا للتبعيض أي قد آتيتني بعض الملك وعلمتني بعض التأويل
ويجوز أن تكون لبيان الجنس أي أتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث
ويدل على هذا الجواب تؤتي الملك من تشاء). [معاني القرآن: 3/459]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون}
هذا خطاب للنبي عليه السلام، المعنى الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عنك.
فأنزلت عليه دلالة على إثبات نبوته، وإنذارا وتيسيرا بتفصيل قصص الأمم السالفة.
وموضع (ذلك) رفع بالابتداء ويكون خبره {من أنباء الغيب}.
ويكون {نوحيه إليك} خبرا ثانيا، وإن شئت جعلت " نوحيه " هو الخبر، وجعلت ذلك في موضع الذي.
المعنى الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك ذلك). [معاني القرآن: 3/130]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين}
معناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم لأنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء). [معاني القرآن: 3/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} أي لست تقدر على هداية من أردت). [معاني القرآن: 3/460-459]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلّا ذكر للعالمين}
أي وما تسألهم على القرآن وتلاوته وهدايتك إيّاهم من أجر.
{إن هو إلّا ذكر للعالمين} أي ما هو إلا تذكرة لهم، بما هو صلاحهم ونجاتهم من النّار ودخولهم
الجنة، وإنذارهم وتبشيرهم، فكل الصلاح فيه). [معاني القرآن: 3/131-130]

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وكأيّن مّن آيةٍ في السّماوات والأرض...}
فآيات السّموات الشمس والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذلك). [معاني القرآن: 2/55]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكأيّن من آيةٍ} أي كم من دليل وعلامة في خلق {السّماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون} ).
[تفسير غريب القرآن: 223-222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وكأيّن من آية في السّماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون}
أي من علامة ودلالة تدلّهم على توحيد اللّه، من أمر السّماء وأنها بغير عمد لا تقع على الأرض، وفيها من مجرى الشمس والقمر ما فيها، وفيها أعظم البرهان والدليل على أن الّذي خلقها واحد، وأن لها خالقا، وكذلك فيما يشاهد في الأرض من نباتها وبحارها وجبالها.
{وهم عنها معرضون} أي لا يفكرون فيما يدلّهم على توحيد اللّه - عزّ وجلّ - والدليل على أنهم لا يفكرون فيما يستدلون به قوله عزّ وجلّ:
{وما يؤمن أكثرهم باللّه إلّا وهم مشركون} ). [معاني القرآن: 3/131]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}
أي فكم من آية في رفع السموات بغير عمد ومجاري الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض من نخلها وزرعها أي يعلمونها). [معاني القرآن: 3/460]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وكأين من آية} معناه: وكم من آية). [ياقوتة الصراط: 277]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلاّ وهم مّشركون...}
يقول: إذا سألتهم من خلقكم؟ قالوا: الله، أو من رزقكم؟ قالوا: الله، وهم يشركون به فيعبدون الأصنام. فذلك قوله: {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلاّ وهم مّشركون} ). [معاني القرآن: 2/55]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلّا وهم مشركون} يريد: إذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: اللّه. ثم يشركون بعد ذلك.
أي يجعلون للّه شركاء). [تفسير غريب القرآن: 223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فمن الإيمان: تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين. يقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}،
أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب.
ومن الإيمان: تصديق باللسان والقلب. يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان: تصديق ببعض وتكذيب ببعض. قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}، يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم؟
قالوا: الله، وهم مع ذلك يجعلون له شركاء.
وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرّسل والكتب، ويكفرون ببعض. قال الله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}، يعني: ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلّهم).
[تأويل مشكل القرآن: 482-481]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلّا وهم مشركون}
أي إن اعترفوا بأن الله خالقهم وخالق السّماوات والأرض، أشركوا في عبادته الأصنام، وأشركوا غير الأصنام). [معاني القرآن: 3/131]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
قال عكرمة هو قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}
فإذا سئلوا عن صفته وصفوة بغيرها ونسبوه إلى أن له ولدا
وقال أبو جعفر يذهب عكرمة إلى أن الإيمان ههنا إقرارهم). [معاني القرآن: 3/460]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غاشيةٌ من عذاب الله} : مجلّلةٌ.
{أو تأتيهم السّاعة بغتةً} أي فجأة، قال ابن ضبّة وهو يزيد ابن مقسم الثّقفي، وأمه ضبة التي قامت عنه أي ولدته:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتةً= وأفظع شئٍ حين يفجأك البغت).
[مجاز القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غاشية من عذاب الله}: مجللة). [غريب القرآن وتفسيره: 188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {غاشيةٌ من عذاب اللّه} أي مجلّلة تغشاهم. ومنه قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية} أي خبرها).
[تفسير غريب القرآن: 223]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب اللّه أو تأتيهم السّاعة بغتة وهم لا يشعرون }
أي أن يأتيهم ما يعجزهم من العذاب {أو تأتيهم السّاعة بغتة}.
أي فجأة، و (بغتة) مصدر منصوب على الحال، تقول لقيته بغتة وفجأة، ومعناه من حيث لم أتوقع أن ألقاه). [معاني القرآن: 3/131]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله}
قال مجاهد أي تغشاهم
قال أبو جعفر ومعناه تجللهم ومنه هل أتاك حديث الغاشية
ثم قال تعالى: {أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون}
أي فجأة من حيث لا يقدروا). [معاني القرآن: 3/461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غاشية} أي مجللة تغشاهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غَاشِيَةٌ}: مجللة). [العمدة في غريب القرآن: 164]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنا ومن اتّبعني...}
يقول: أنا ومن اتّبعني، فهو يدعو على بصيرة كما أدعوا). [معاني القرآن: 2/55]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قل هذه سبيلي} قال أبو عمرو: تذكر وتؤنّث، وأنشدنا:
فلا تبعد فكل فتى أناسٍ= سيصبح سالكاً تلك السبيلا
{على بصيرةٍ أنا} يعني على يقين). [مجاز القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أدعوا إلى اللّه على بصيرةٍ} أي على يقين. ومنه يقال: فلان مستبصر في كذا، أي مستيقن له). [تفسير غريب القرآن: 223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة} أي على يقين ومنه فلان مستبصر بهذا). [معاني القرآن: 3/461]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولدار الآخرة...}
أضيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة وقد تضيف العرب الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} والحقّ هو اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى،
وعام الأوّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميع الأيّام تضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعرب تقول في كلامها - أنشدني بعضهم -:

أتمدح فقعساً وتذمّ عبساً =ألا لله أمّك من هجين
ولو أقوت عليك ديار عبس= عرفت الذلّ عرفان اليقين
وإنما معناه عرفاناً ويقيناً). [معاني القرآن: 2/56-55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للّذين اتّقوا أفلا تعقلون}
{ولدار الآخرة خير للّذين اتّقوا}.
وفي غير موضع وللدار الآخرة، فمن قال الدار الآخرة فالآخرة نعت للدار، لأن لجميع الخلق دارين، الدار التي خلقوا فيها وهي الدّنيا، والدار الآخرة التي يعادون فيها خلقا جديدا، ومن قال " دار الآخرة " فكأنّه قال: ودار الحياة الآخرة، لأنّ للناس حياتين، حياة الدنيا وحياة الآخرة، ومثل هذا في الكلام الصلاة الأولى، وصلاة الأولى.
فمن قال الصّلاة الأولى جعل الأولى نعتا للصلاة، ومن قال صلاة الأولى أراد صلاة الفريضة الأولى، والساعة الأولى). [معاني القرآن: 3/132-131]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا...}
خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل، وقرأها ابن عباس بالتخفيف، وفسّرها: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا.
وحكيت عن عبد الله (كذّبوا) مشدًّدة وقوله: {فنجي من نشاء} القراءة بنونين والكتاب أتى بنون واحدة.
وقد قرأ عاصم (فنجّي من نّشاء) فجعلها نوناً، كأنه كره زيادة نون ف (من) حينئذ في موضع رفع.
وأما الذين قرءوا بنونين فإن النون الثانية، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى، فلمّاً خفيت حذفت، ألا ترى أنك لا تقول فننجي بالبيان.
فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابهما واحداً). [معاني القرآن: 2/56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى إذا استيأس الرّسل} مفسّر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ}.
قد تكلم المفسرون في هذه الآية بما فيه مقنع وغناء عن أن يوضّح بغير لفظهم.
فروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، أنه قال: {اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} من قومهم {وَظَنُّوا} أي: علموا {أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} وكان يقرؤها بالتشديد.
وروى عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: استيئس الرّسل ممن كذّبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّت الرّسل أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. وكانت تقرأ فكذبوا بضم الكاف وتشديد الذال.
وروى حجّاج، عن ابن جريج: عن ابن أبي مليكة، عن عروة، عن (عائشة)، أنها قالت: لم يزل البلاء بالرّسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم.
وروى حجّاج، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه قرأها قد كذبوا بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال، يريد: حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم فظنّ قومهم أنّ الرّسل قد كذبوا فيما بلّغوا عن الله عز وجل.
وروى حجّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس أنه قرأ: كذبوا بضم الكاف، وكسر الذال، وتخفيفها. وقال: كانوا بشرا، يعني الرسل، يذهب إلى أن الرسل ضعفوا فظنّوا أنهم قد أخلفوا.
وهذه مذاهب مختلفة، والألفاظ تحتملها كلّها، ولا نعلم ما أراد الله عز وجل، غير أنّ أحسنها في الظاهر، وأولاها بأنبياء الله صلوات الله عليهم، ما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها). [تأويل مشكل القرآن: 412-410]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين}
قرئت كذبوا وكذّبوا، بالتخفيف والتشديد، وقرئت " كذبوا " فأمّا من قرأ وظنوا أنهم قد كذبوا بالتشديد - فالمعنى حتى إذا استيأس الرّسل من أن يصدّقهم قومهم جاءهم نصرنا.
ومن قرأ قد كذبوا بالتخفيف، فالمعنى وظن قومهم أنهم قد كذبوا فيما وعدوا، لأن الرسل لا يظنون ذلك.
وقد قال بعضهم وظنوا أنهم قد أخلفوا أي ظن الرسل، وذلك بعيد في صفة الرسل.
يروى عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوعد شيئا أخلف فيه وفي الخبر:
ومعاذ اللّه أن يظنّ الرسل هذا بربّها.
ومعنى: (وظنّوا أنّهم قد [كذبوا]) ظنّ قومهم أيضا أنهم قد كذبوا.
وقوله عزّ وجلّ: {فنجّي من نشاء}.
قرئت فننجّي، وفننجي، وقرئت فنجا من نشاء.
وقرأ عاصم (فنجّي من نشاء) بفتح الياء.
فأمّا من قرأ (فننجي) فعلى الاستقبال، والنون نون الاستقبال.
أعني النون الأولى، ومن قرأ (فننجّي) - بإسكان الياء - فحذف النون الثانية لاجتماع النونين، كما تقول: أنت تبيّن هذا الأمر، تريد تتبيّن، فحذف لاجتماع تاءين، ومن قرأ (فنجا من نشاء) عطف على قوله جاءهم نصرنا فنجا من نشاء على لفظ الفعل الماضي،
ومن قرأ (فننجّي من نشاء) فبمعنى الماضي على ما لم يسمّ فاعله، ويكون موضع " من " رفعا.
ويعلم بالمعنى أن اللّه عزّ وجلّ - نجّاهم). [معاني القرآن: 3/133-132]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}
روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في قوله جل وعز: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}
قالت استيأس الرسل من إيمان من كذبهم من قومهم وظنوا أن من آمن من قومهم قد كذبوهم لما لحقهم من البلاء والامتحان
وروى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت لحق المؤمنين البلاء والضرر حتى ظن الرسل انهم قد كذبوهم لما لحقهم
وقال قتادة حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا
يذهب قتادة إلى أن الظن ههنا يقين وذلك معروف في اللغة والمعنى أن الرسل كانوا يترجون أن يؤمن قومهم ثم استيأسوا من ذلك فجاءهم النصر
والقول الأول أشبه بالمعنى وهو أعلى إسنادا والله أعلم بما أراد
وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف وضم الكاف
قال أبو جعفر في معناه عن ابن عباس روايتان: أ. روى ابن أبي مليكة عنه أنهم ضعفوا قال إنهم بشر، ب. والقول الثاني أنه روي عن سفيان عن عطاء عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم قد كذبوا جاءهم نصرنا
قال أبو جعفر الضمير في كذبوا يعود على القوم على هذا
وقرأ مجاهد وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف وفتح الكاف
وفسره وظن قومهم أنهم قد كذبوا وهو كالذي قبله في المعنى
وروي عنه في قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} قولان:
أحدهما حتى إذا استيأس الرسل أن يأتي قومهم العذاب
والقول الثاني أحسن وهو حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم). [معاني القرآن: 3/464-461]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق...}
منصوب، يراد به: ولكن كان تصديق ما بين يديه من الكتب: التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كان صواباً كما تقول: ما كان هذا قائماً ولكن قاعداً وقاعد.
وكذلك قوله: {ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله} و{رسول الله} فمن رفع لم يضمر كان أراد: ولكن هو رسول الله). [معاني القرآن: 2/57-56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما كان حديثاً يفترى} أي يختلق ويصنع). [تفسير غريب القرآن: 223]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ - {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل كلّ شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
{ولكن تصديق الّذي بين يديه} أي الذي تقدمه من الكتب.
ونصب " تصديقا " على معنى كان، المعنى: ما كان حديثا يفترى ولكن كان تصديق الذي بين يديه.
ويجوز: {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الّذي بين يديه}.
فمن قرأ هكذا رفع الباقي المعطوف على تصديق، ويكون مرتفعا على معنى ولكن هو تصديق الذي بين يديه.
ويكون ([وتفصيل] كلّ شيء وهدى [ورحمة] لقوم يؤمنون) نسقا عليه.
وهذا لم تثبت بقراءته رواية صحيحة، وإن كان جائزا في العربية لا اختلاف بين النحويين في أنه جيّد بالغ، فلا تقرأنّ به ولا تخالف الإجماع بمذاهب النحويين). [معاني القرآن: 3/133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} قال مجاهد يعني يوسف وإخوته
ثم قال جل وعز ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه
قال سفيان يعني التوراة والإنجيل والكتب وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). [معاني القرآن: 3/464]


رد مع اقتباس