عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 208 إلى 218]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان...}أي: لا تتبعوا آثاره؛ فإنها معصية). [معاني القرآن: 1/124]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {السّلم}: الإسلام، والسّلم يؤنث ويذكر، قال حاجز الأزديّ:
وإنّ السّلم زائدةٌ نواه وفي موضع آخر الصلح،
{كافّةً}: جميعاً، يقال: إنه لحسن السّلم).
[مجاز القرآن: 1/71-72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مّبينٌ}
قال: {ادخلوا في السّلم كافّةً} و"السّلم": الإسلام. وقوله: {وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون} ذلك: الصلح.
وقد قال بعضهم في "الصلح": "السّلم.
وقال: {ويلقوا إليكم السّلم} وهو الاستسلام.
وقال: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} أي: قالوا "براءةً منكم" لأنّ "السّلام" في بعض الكلام هو: البراءة. تقول: "إنّما فلان سلامٌ بسلام" أي: لا يخالط أحداً. قال الشاعر:

سلامك ربّنا في كلّ فجرٍ = بريئا ما تغنّثك الذّموم
يعني تأوّبك، يقول: "براءتك".
وقال: {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ} وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيراً. كأنه - والله أعلم - سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف أنهم موحدون قال: "سلامٌ عليكم" فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء.
وقال بعضهم: "ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام". وهذا ضعيف ليس بحجة.
وقال: {فاصفح عنهم وقل سلامٌ} فهذا يجوز على معنى: "سلامٌ عليكم" في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبر المبتدأ كأنه قال "أمري سلامٌ". أي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر:

فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ = وبين النّقا آأنت أم أم سالم
على: "أأنت هي أم أم سالم" أي: أشكلت عليّ بشبه أمّ سالم بك. وكل هذا قد أضمر الخبر فيه.
ومثل ذلك {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} فلما قال: {أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} كان فيه دليلٌ على معنى {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح} "ومن أنفق من بعد الفتح" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.

وقال: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} لأن كل اسم على "فعلة" خفيف إذا جمع حرك ثانية بالضم نحو" ظلمات" و"غرفات" لأن مخرج الحرفين بلفظ واحد إذا قرب أحدهما من صاحبه [كان] أيسر عليهم.
وقد فتحه بعضهم فقال: "الركبات" و"الغرفات" و"الظلمات"،
وأسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو "كليات" أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فأسكنها في "خطوات" لأن الواو أخت الياء. وما كان على "فعلة" نحو: "سلوة" و"شهوة" حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو "سلوات" و"شهوات" فإذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو "كسره" و"كسرات"، و"سدرة"، و"سدرات".
وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين.
وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك، نحو: "دومة" و"دومات"، و"وعوذة" و"عوذات" وهي: المعاذة، و"بيضة" و"بيضات" و"ميتة" و"ميتات". لأن هذا لو حرّك لتغير وصار ألفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك.
وقالوا: "عضةٌ" و"عضات" فلم يحركوا لأن هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا أنه حرك لضعف وأكثر [ما] في "الظلمات" و"الكسرات" وما أشبههما أن يحرك الثاني على الأول.
وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا "أذكر" فضموا الألف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق.
وقد قال بعضهم: "أنا أنبوك" و"أنا أجوك" فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد، فهذا أشد من ذاك.
وقال: "هذا هو منحدرٌ من الجبل" يريد "منحدرٌ" فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في "أنبوك" و"أجوك").
[معاني القرآن: 1/134-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في السلم كافة}: السلم الإسلام. كافة جميعا). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ادخلوا في السّلم كافّةً} الإسلام. وتقرأ في السّلم بفتح السين أيضا وأصل السّلم والسّلم الصلح. فإذا نصبت اللام فهو الاستسلام والانقياد. قال: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام}[النساء: 94] أي: استسلم وانقاد.
{كافّةً} أي: جميعا). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
{كافة} بمعنى: الجميع الإحاطة،
فيجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعا،
ويجوز أن يكون معناه: ادخلوا في السلم كله، أي: في جميع شرائعه، ويقال السلم والسلم -
{جميعا}، ويعني به: الإسلام والصلح، وفيه ثلاث لغات:
يقال: السّلم، والسّلم، والسّلم، وقد قرئ به:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}.

ومعنى {كافة} في اشتقاق اللغة: ما يكف الشيء من آخره، من ذلك كفة القميص، يقال لحاشية القميص كفة، وكل مستطيل فحرفه كفه، ويقال في كل مستدير كفّه، وذلك نحو كفّة الميزان، ويقال إنّما سميت كفّة الثوب لأنها تمنعه أن ينتشر، وأصل الكف المنع، ومن هذا قيل لطرف اليد " كف " لأنها يكف بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأصابع، ومن هذا قيل رجل مكفوف، أي قد كف بصره من أن ينظر
فمعنى الآية: ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه، فكفوا من أن تعدوا شرائعه.

أو: ادخلوا كلكم حتى يكف عن عدد وأحد لم يدخل فيه.
وقيل في معنى الآية: أن قوما من اليهود أسلموا فأقاموا على تحريم السبت وتحريم أكل لحوم الإبل، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ - أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام
وقال بعض أهل اللغة: جائز أن يكون أمرهم - وهم مؤمنون - أن يدخلوا في الإيمان، أي بأن يقيموا على الإيمان ويكونوا فيما يستقبلون عليه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل}، وكلا القولين
جائز لأن الله عزّ وجلّ، قد أمر بالإقامة على الإسلام فقال: {ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}أي: لا تقتفوا آثاره، لأنّ ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان.
{خطوات}جمع خطوة، وفيها ثلاث لغات:
خطوات، وخطوات، وخطوات، وقد بيّنّا العلة في هذا الجمع فيما سلف (من الكتاب) ).
[معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}
قال مجاهد: يعني الإسلام.
وروى أبو مالك عن ابن عباس قال: يقول في الإسلام جميعا.
قال أبو جعفر: وأصل السلم الصلح والمسالمة،
فيجوز أن يكون المعنى: اثبتوا على الإسلام.
ويجوز أن يكون المعنى: لمن آمن بلسانه.

وقد روي أن قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم الله أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}
قال الضحاك: هي الخطايا التي يأمر بها.
قال أبو إسحاق، أي: لا تقفوا آثاره لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان). [معاني القرآن: 1/154]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والكافة: الجماعة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({في السلم} أي: الإسلام، وأصله الصلح، ومثله من فتح السين، وقيل: هما لغتان، وقيل: الفتح معناه الصلح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({السِّلْمِ}: الصلح. {كَافَّةً}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}
يقال زل يزل زلا وزللا جميعا، ومزلّة، وزل - في الطين زليلا، ومعنى {زللتم} تنحيتم عن القصد والشرائع.
{فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}.
ومعنى {عزيز}: لا يعجزونه ولا يعجزه شيء.
ومعنى{حكيم} أي: حكيم فيما فطركم عليه، وفيما شرع لكم من دينه).
[معاني القرآن: 1/280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} أي: تنحيتم عن القصد.
{فاعلموا أن الله عزيز} لا تعجزونه ولا يعجزه شيء.
{حكيم}
فيما فطركم عليه وشرع لكم من دينه).
[معاني القرآن: 1/154]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة...}
رفع مردود على (الله) تبارك وتعالى، وقد خفضها بعض أهل المدينة. يريد "في ظللٍ من الغمام وفي الملائكة". والرفع أجود؛ لأنها في قراءة عبد الله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظللٍ من الغمام}). [معاني القرآن: 1/124]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة} على "وفي الملائكة".
وقال بعضهم {والملائكة} أي: وتأتيهم الملائكة. والرفع هو الوجه وبه نقرأ. لأنه قد قال ذلك في غير مكان قال: {وجاء ربّك والملك} وقال: {إلاّ أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك} و"الملك" في هذا الموضع جماعة كما تقول: "أهلك الناس الدينار والدرهم" و"هلك البعير والشّاء" تريد: جماعة الإبل والشاء.
وقوله: {إلاّ أن يأتيهم اللّه} يعني أمره، لأنّ اللّه تبارك وتعالى لا يزول كما تقول: "قد خشينا أن تأتينا بنو أميّة". وإنما تعني حكمهم).
[معاني القرآن: 1/136-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه} أي: هل ينتظرون إلّا ذلك يوم القيامة.
{وقضي الأمر} أي: فرغ منه). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال أهل اللغة معناه: يأتيهم اللّه بما وعدهم من العذاب، والحساب كما قال: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: آتاهم بخذلانه إياهم.
و{ظلل} جمع ظلّة. و{الملائكة} تقرأ على وجهين:
بالضم والكسر.
فمن قرأ الملائكة بالرفع،
فالمعنى ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة، والرفع هو الوجه المختار عند أهل اللغة في القراءة،
ومن قرأ والملائكة، فالمعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وظلل من الملائكة.

ومعنى {وقضي الأمر} أي: فرغ لهم ما كانوا يوعدون.
ومعنى{وإلى اللّه ترجع الأمور}
وترجع الأمور - يقرأان جميعا – تردّ فإن قال قائل أليست الأمور - الآن وفي كل وقت - راجعة إلى الله عزّ وجلّ، فالمعنى في هذا: الإعلام في أمر الحساب والثواب والعقاب، أي إليه تصيرون فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء). [معاني القرآن: 1/280-281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام}
قال مجاهد: إن الله يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام.
وقيل هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحسنات والعذاب
فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، أي: بخذلانه إياهم وهذا قول أبي إسحاق
وقال الأخفش سعيد: أن يأتيهم الله يعني أمره لأن الله تعالى لا يزول كما تقول خشينا أن تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم
{وقضي الأمر} أي: فرغ لهم ما كانوا يوعدون). [معاني القرآن: 1/155-156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإلى الله ترجع الأمور} وهي راجعة إليه في كل وقت.
قال قطرب: المعنى أن المسألة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع إليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسؤولين عنها.
وقال غيره: وقد كانت في الدنيا أمور إلى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله إلى الله يحكم فيه بالحق.
3- وبعده وقضي بالحق، أي: فصل القضاء بالعدل الخلق). [معاني القرآن: 1/156]

تفسير قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {سل بني إسرائيل...}
لا تهمز في شيء من القرآن؛ لأنها لو همزت كانت "اسأل" بألفٍ. وإنما (ترك همزها) في الأمر خاصّة؛ لأنها كثيرة الدّور في الكلام؛ فلذلك ترك همزه كما قالوا: كل، وخذ، فلم يهمزوا في الأمر، وهمزوه في النهي وما سواه.
وقد تهمزه العرب. فأمّا في القرآن فقد جاء بترك الهمز. وكان حمزة الزّيات يهمز الأمر إذا كانت فيه الفاء أو الواو؛ مثل قوله: {واسأل القرية التي كنّا فيها} ومثل قوله: {فاسأل الّذين يقرءون الكتاب} ولست أشتهي ذلك؛ لأنها لو كانت مهموزة لكتبت فيها الألف كما كتبوها في قوله: {فاضرب لهم طريقاً}، {واضرب لهم مثلاً} بالألف).
[معاني القرآن: 1/124-125]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كم آتيناهم...}
معناه: جئناهم به [من آية]. والعرب تقول: أتيتك بآيةٍ، فإذا ألقوا الباء قالوا: آتيتك آية؛ كما جاء في الكهف "آتنا غداءنا" والمعنى: ايتنا بغدائنا). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فإنّ اللّه شديد العقاب}
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى له ولسائر المؤمنين وغيرهم. المعنى أنهم أعطوا آيات بينات قد تقدم ذكرها، وقد علموا صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجحدوا، وهم عالمون بحقيقته.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته}.
يعني به في هذا الموضع حجج اللّه الدالة على أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن الله شديد العقاب (أي شديد التعذيب) ). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}أي: في تصحيح أمر النبي صلى الله عليه وسلم
وقال مجاهد: ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود). [معاني القرآن: 1/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته}
قال مجاهد: أي يكفر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم). [معاني القرآن: 1/157]

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا...}
ولم يقل "زينت" وذلك جائز، وإنّما ذكّر الفعل والاسم مؤنث؛ لأنه مشتّق من فعل في مذهب مصدر. فمن أنّث أخرج الكلام على اللفظ، ومن ذكّر ذهب إلى تذكير المصدر.
ومثله {فمن جاءه موعظةٌ من ربّه فانتهى} و{قد جاءكم بصائر من ربّكم}، {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} على ما فسّرت لك.
فأمّا في الأسماء الموضوعة فلا تكاد العرب تذكّر فعل مؤنّثٍ إلا في الشعر لضرورته.

وقد يكون الاسم غير مخلوقٍ من فعلٍ، ويكون فيه معنى تأنيثٍ وهو مذكّر فيجوز فيه تأنيث الفعل وتذكيره على اللفظ مرّة وعلى المعنى مرّة؛ من ذلك قوله عزّ وجلّ: {وكذّب به قومك وهو الحق} ولم يقل "كذّبت" ولو قيلت لكان صوابا؛ كما قال {كذّبت قوم نوحٍ} و{كذّبت قوم لوطٍ} ذهب إلى تأنيث الأمّة، ومثله من الكلام في الشعر كثير؛ منه قول الشاعر:
فإن كلاباً هذه عشر أبطنٍ * وأنت برئ من قبائلها العشر
وكان ينبغي أن يقول: عشرة أبطنٍ؛ لأن البطن ذكر، ولكنه في هذا الموضع في معنى قبيلة، فأنّث لتأنيث القبيلة في المعنى. وكذلك قول الآخر:
وقائع في مضرٍ تسعة * وفي وائلٍ كانت العاشره
فقال: تسعة، وكان ينبغي له أن يقول: تسع؛ لأن الوقعة أنثى، ولكنه ذهب إلى الأيام؛ لأن العرب تقول في معنى الوقائع: الأيام؛ فيقال هو عالم بأيّام العرب، يريد وقائعها.
فأمّا قول الله تبارك وتعالى: {وجمع الشّمس والقمر} فإنه أريد به - والله أعلم -: جمع الضياءان. وليس قولهم: إنما ذكّر فعل الشمس لأن الوقوف لا يحسن في الشمس حتى يكون معها القمر بشيء، ولو كان هذا على ما قيل لقالوا: الشمس جمع والقمر. ومثل هذا غير جائزٍ، وإن شئت ذكّرته؛
لأن الشمس اسم مؤنث ليس فيها هاء تدلّ على التأنيث، والعرب ربما ذكّرت فعل المؤنث إذا سقطت منه علامات التأنيث. قال الفرّاء: أنشدني بعضهم:
فهي أحوى من الربعي خاذلة * والعين بالإثمد الحاري مكحول
ولم يقل: مكحولة والعين أنثى للعلة التي أنبأتك بها. قال: وأنشدني بعضهم:
فلا مزنةٌ ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها
قال: وأنشدني يونس - يعني النحويّ البصريّ - عن العرب قول الأعشى:
إلى رجلٍ منهم أسيفٍ كأنما * يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضبا
وأمّا قوله: {السّماء منفطرٌ به} فإن شئت جعلت السماء مؤنثة بمنزلة العين فلمّا لم يكن فيها هاء مما يدلّ على التأنيث ذكّر فعلها كما فعل بالعين والأرض في البيتين.
ومن العرب من يذكّر السماء؛ لأنه جمع كأن واحدته سماوة أو سماءة. قال: وأنشدني بعضهم:
فلو رفع السماء إليه قوما * لحقنا بالسماء مع السحاب
فإن قال قائل: أرأيت الفعل إذا جاء بعد المصادر المؤنثة أيجوز تذكيره بعد الأسماء كما جاز قبلها؟
قلت: ذلك قبيح وهو جائز، وإنما قبح لأن الفعل إذا أتى بعد الاسم كان فيه مكنّى من الاسم فاستقبحوا أن يضمروا مذكّرا قبله مؤنث، والذين استجازوا ذلك قالوا: يذهب به إلى المعنى، وهو في التقديم والتأخير سواء؛ قال الشاعر:

فإن تعهدي لامرئ لمّة * فإن الحوادث أزرى بها
ولم يقل: أزرين بها ولا أزرت بها. والحوادث جمع ولكنه ذهب بها إلى معنى الحدثان. وكذلك قال الآخر:
هنيئا لسعدٍ ما اقتضى بعد وقعتي * بناقة سعدٍ والعشيّة بارد
كأن العشية في معنى العشي؛ ألا ترى قول الله {أن سبّحوا بكرةً وعشيّاً} وقال الآخر:
إن السماحة والشجاعة ضمّنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح
ولم يقل: ضمنتا، والسماحة والشجاعة مؤنثتان للهاء التي فيهما. قال: فهل يجوز أن تذهب بالحدثان إلى الحوادث فتؤنّث فعله قبله فتقول أهلكتنا الحدثان؟ قلت نعم؛ أنشدني الكسائي:
ألا هلك الشهاب المستنير * ومدرهنا الكميّ إذا نغير
وحمّال المئين إذا ألمّت * بنا الحدثان والأنف النصور
فهذا كافٍ مما يحتاج إليه من هذا النوع. وأما قوله: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه} ولم يقل "بطونها" والأنعام هي مؤنثة؛ لأنه ذهب به إلى النعم والنعم ذكر وإنما جاز أن تذهب به إلى واحدها لأن الواحد يأتي في المعنى على معنى الجمع؛ كما قال الشاعر:
إذا رأيت أنجما من الأسد * جبهته أو الخرات والكتد
بال سهيلٌ في الفضيخ ففسد * وطاب ألبان اللقاح فبرد
ألا ترى أن اللبن جمع يكفى من الألبان. وقد كان الكسائيّ يذهب بتذكير الأنعام إلى مثل قول الشاعر:
ولا تذهبن عيناك في كل شرمح * طوالٍ فإن الأقصرين أمازره
ولم يقل: أمازرهم، فذكّر وهو يريد أمازر ما ذكرنا. ولو كان كذلك لجاز أن تقول هو أحسنكم وأجمله، ولكنه ذهب إلى أن هذا الجنس يظهر مع نكرةٍ غير مؤقّتة يضمر فيها مثل معنى النكرة؛ فلذلك قالت العرب: هو أحسن الرجلين وأجمله؛ لأن ضمير الواحد يصلح في معنى الكلام أن تقول هو أحسن رجل في الاثنين، وكذلك قولك هي أحسن النساء وأجمله. من قال وأجمله قال: أجمل شيء في النساء، ومن قال: وأجملهن أخرجه على اللفظ؛ واحتجّ بقول الشاعر:
* مثل الفراخ نتقت حواصله *
ولم يقل حواصلها. وإنما ذكّر لأن الفراخ جمع لم يبن على واحده، فجاز أن يذهب بالجمع إلى الواحد. قال الفرّاء: أنشدني المفضّل:
ألا إن جيراني العشية رائح * دعتهم دواعٍ من هوى ومنازح
فقال: رائح ولم يقل رائحون؛ لأن الجيران قد خرج مخرج الواحد من الجمع إذ لم يبن جمعه على واحده.
فلو قلت: الصالحون فإن ذلك لم يجز، لأن الجمع منه قد بني على صورة واحده. وكذلك الصالحات نقول، ذاك غير جائز؛ لأن صورة الواحدة في الجمع قد ذهب عنه توهّم الواحدة. ألا ترى أن العرب تقول: عندي عشرون صالحون فيرفعون ويقولون عندي عشرون جيادا فينصبون الجياد؛ لأنها لم تبن على واحدها، فذهب بها إلى الواحد ولم يفعل ذلك بالصالحين؛ قال عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً * سوداً كخافية العراب الأسحم
فقال: سودا ولم يقل: سود وهي من نعت الاثنتين والأربعين؛ للعلة التي أخبرتك بها. وقد قرأ بعض القرّاء {زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا} ويقال إنه مجاهد فقط). [معاني القرآن: 1/125-131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين اتّقوا فوقهم} أي: أفضل منهم.
{بغير حسابٍ} بغير محاسبة). [مجاز القرآن: 1/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بغير حساب}: بغير محاسبة). [غريب القرآن وتفسيره: 91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا ويسخرون من الّذين آمنوا والّذين اتّقوا فوقهم يوم القيامة واللّه يرزق من يشاء بغير حساب}
رفع على ما لم يسم فاعله، و (زيّن) جاز فيه لفظ التذكير، ولو كانت زيّنت لكان صوابا. وزين صواب حسن، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأن معنى الحياة ومعنى العيش واحد، وقد فصل أيضا بين الفعل وبين الاسم المؤنث.
وقيل في قوله {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا} قولان:
1- قال بعضهم زينها لهم إبليس، لأن اللّه عزّ وجلّ قد زهّد فيها وأعلم أنها متاع الغرور.
2- وقال بعضهم: معناه أن اللّه عزّ وجلّ خلق فيها الأشياء المعجبة فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدارها، ودليل قول هؤلاء قوله تعالى: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة}
وكلّ جائز.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسخرون من الّذين آمنوا}.
كان قوم من المشركين يسخرون من المسلمين لأن حالهم في ذات اليد كانت قليلة، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - بأن الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة. لأن المسلمين في عليين والفجّار في الجحيم، قال اللّه - عزّ وجلّ - {إنّ الّذين أجرموا كانوا من الّذين آمنوا يضحكو}
ومعنى: {واللّه يرزق من يشاء بغير حساب}أي: ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره.
فهذا معنى {بغير حساب} - أي: ليس يحاسبه بالرزق في الدنيا على قدر العمل، ولكن الرزق في الآخرة على قدر العمل وما يتفضل اللّه به جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 1/281-282]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا}
قال أبو إسحاق: أي: زينها لهم إبليس لأن الله قد زهد فيها وأعلم أنها متاع الغرور.
وقيل معناه أن الله خلق الأشياء المعجبة فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدورها). [معاني القرآن: 1/157-158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {ويسخرون من الذين آمنوا} قال، أي: في ذات اليد.
قال ابن جريح: يسخرون منهم في طلب الآخرة.
قال قتادة: {فوقهم} أي الجنة). [معاني القرآن: 1/158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {والله يرزق من يشاء بغير حساب}
ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره،أي: ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل.
وقال قطرب: المعنى والله أعلم أنه يعطي العباد من الشيء المقسوم لا من عدد أكثر منه أخذه منه كالمعطي من الآدميين الألف من الألفين.
قال: ووجه آخر أن من أنفق شيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب). [معاني القرآن: 1/158-159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حِسَـــابِ}: محاسبــــة). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه...}
ففيها معنيان؛
أحدهما: أن تجعل اختلافهم كفر بعضهم بكتاب بعضٍ {فهدى اللّه الّذين آمنوا} للإيمان بما أنزل كلّه وهو حقّ.
والوجه الآخر: أن تذهب باختلافهم إلى التبديل كما بدّلت التوراة.
ثم قال {فهدى اللّه الّذين آمنوا} به للحق مما اختلفوا فيه.
وجاز أن تكون اللام في الاختلاف ومن في الحق كما قال الله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} والمعنى - والله أعلم - كمثل المنعوق به؛ لأنه وصفهم فقال تبارك وتعالى: {صمّ بكم عمى} كمثل البهائم، وقال الشاعر:

كانت فريضة ما تقول كما * كان الزناء فريضة الرجم
وإنما الرجم فريضة الزناء، وقال:
إن سراجا لكريم مفخره * تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين لا تحلى إنما يحلى بها سراج، لأنك تقول: حليت بعيني، ولا تقول حليت عيني بك إلاّ في الشعر). [معاني القرآن: 1/131-132]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمةً واحدةً} أي: ملّةً واحدةً). [مجاز القرآن: 1/72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
قال: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم} يقول: "وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه بغياً بينهم من بعد ما جاءتهم البيّنات"). [معاني القرآن: 1/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كان الناس أمة واحدة}: ملة واحدة يعني على عهد آدم كانوا على الإسلام). [غريب القرآن وتفسيره:91-92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كان النّاس أمّةً واحدةً} أي: ملّة واحدة. يعني كانوا كفارا كلهم). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {كان النّاس أمّة واحدة فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيا بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} أي: على دين واحد، والأمة في اللغة أشياء،
فمنها الأمة الدين، وهو هذا،
والأمة القامة يقال فلان حسن الأمّة، أي حسن القامة.

قال الشاعر:
وأن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم أي طوال القامات، والأمة القرن من الناس، يقولون قد مضت أمم أي قرون، والأمة الرجل الذي لا نظير له.
ومنه قوله عزّ وجلّ - {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا}
قال أبو عبيدة: معنى {كان أمّة} كان إماما، والأمة في اللغة النعمة والخير.
قال عدي بن زيد.
ثم بعد الفلاح والرشد والأمّة وارتهم هناك القبور.
أي: بعد النعمة والخير، وذكر أبو عمرو الشيباني أن العرب تقول للشيخ إذا كان باقي القوة فلان بأمّة، ومعناه راجع إلى الخير والنعمة، لأن بقاء قوته من أعظم النعمة، وأصل هذا كله من القصد، يقال أممت الشيء إذا قصدته، فمعنى الأمة في الدين أن مقصدهم مقصد واحد، ومعنى الأمة في الرجل المنفرد الذي لا نظير له، أن قصده منفرد من قصد سائر الناس.
ويروى أن زيد بن عدي بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده وإنما ذلك لأنه أسلم في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فمات موحدا فهذا أمة في وقته لانفراده، وبيت النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
ويروى ذو أمة، وذو إمة، ويحتمل ضربين من التفسير: ذو أمة: ذو دين وذو أمة: ذو نعمة أسديت إليه، ومعنى الأمة القامة: سائر مقصد الجسد.
فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى أممت أي قصدت، ويقال إمامنا هذا حسن الأمة أي يقوم بإمامته بنا في صلاته ويحسن ذلك.
وقالوا في معنى الآية غير قول:
1- قالوا كان الناس فيما بين آدم ونوح عليهما السلام - كفارا، فبعث الله النبيين يبشرون من أطاع بالجنة، وينذرون من عصي بالنار،
2- وقال قوم: معنى كان الناس أمّة واحدة، كان كل من بعث إليه الأنبياء كفارا:
{فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}
ونصب (مبشّرين ومنذرين) على الحال، فالمعنى أن أمم الأنبياء الذين بعث إليهم الأنبياء كانوا كفارا - كما كانت هذه الأمة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله عزّ وجلّ: {ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه}أي: ليفصل بينهم بالحكمة.
وقوله عزّ وجلّ: ({وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه} أي: ما اختلف في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الذين أعطوا علم حقيقته.
وقوله: {بغيا بينهم} نصب (بغيا) على معنى مفعول له، المعنى لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي، لأنهم عالمون حقيقة أمره في كتبهم.
وقوله عزّ وجلّ: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ} أي: للحق الذي اختلف فيه أهل الزيغ.
وقوله عزّ وجلّ: {بإذنه} أي: بعلمه، أي: من الحق الذي أمر به.
وقوله عزّ وجلّ: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}أي: إلى طريق الدين الواضح، ومعنى (يهدي من يشاء): يدله على طريق الهدى إذا طلبه غير متعنت ولا باغ). [معاني القرآن: 1/282-285]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة}
قال مجاهد: آدم أمة واحدة.
وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا
قال أبو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته
فمعنى أمة: أن مقصدهم واحد، ويقال للمنفرد أمة، أي: مقصده غير مقصد الناس.
الأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن الإمة بالكسر النعمة لأن الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لأن الناس يقصدون قصد ما يفعل). [معاني القرآن: 1/159-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}أي: يفصل الكتاب بالحكم.
وقرأ الجحدري (ليحكم) بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرزدق:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها = وقضى عليك به الكتاب المنزل). [معاني القرآن: 1/160-161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} أي: وما اختلف في الكتاب إلا الذين أعطوه.
قال أبو إسحاق: أي: وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة والسلام
بغيا بينهم أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي). [معاني القرآن: 1/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}
وروى أبو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخول الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى))
وفي بعض الحديث ((هدانا الله ليوم الجمعة))
وقال زيد بن أسلم: اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى الله أمة محمد للجمعة.
واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار.
واختلفوا في إبراهيم فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
قال أبو زيد: واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى الله المؤمنين.
قال أبو إسحاق: {بإذنه} أي: بعلمه). [معاني القرآن: 1/162-163]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُمَّــــةً}: ................). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم حسبتم...}
استفهم بأم في ابتداءٍ ليس قبله ألف فيكون أم ردّاً عليه، فهذا مما أعلمتك أنه يجوز إذا كان قبله كلام يتّصل به. ولو كان ابتداء ليس قبله كلام؛ كقولك للرجل: أعندك خير؟ لم يجز ها هنا أن تقول: أم عندك خير. ولو قلت: أنت رجل لا تنصف أم لك سلطان تدلّ به، لجاز ذلك؛ إذ تقدّمه كلام فاتّصل به.
وقوله: {أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مّثل الّذين خلوا من قبلكم} [معناه: أظننتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب الذين قبلكم] فتختبروا.
ومثله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}
وكذلك في التوبة {أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم}).
[معاني القرآن: 1/132]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول...}
قرأها القرّاء بالنصب إلا مجاهدا وبعض أهل المدينة فإنهما رفعاها. ولها وجهان في العربية: نصب، ورفع.
فأمّا النصب: فلأن الفعل الذي قبلها مما يتطاول كالترداد. فإذا كان الفعل على ذلك المعنى نصب بعده بحتّى وهو
في المعنى ماضٍ.
فإذا كان الفعل الذي قبل حتى لا يتطاول وهو ماضٍ رفع الفعل بعد حتّى إذا كان ماضيا.

فأمّا الفعل الذي يتطاول وهو ماضٍ فقولك: جعل فلان يديم النظر حتى يعرفك؛ ألا ترى أن إدامة النظر تطول. فإذا طال ما قبل حتّى ذهب بما بعدها إلى النصب إن كان ماضيا بتطاوله. قال: وأنشدني [بعض العرب وهو] المفضّل:
مطوت بهم حتّى تكلّ غزاتهم * وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
فنصب (تكلّ) والفعل الذي أدّاه قبل حتّى ماض؛ لأنّ المطو بالإبل يتطاول حتى تكلّ عنه. ويدلّك على أنه ماض أنك تقول: مطوت بهم حتى كلّت غزاتهم. فبحسن فعل مكان يفعل تعرف الماضي من المستقبل. ولا يحسن مكان المستقبل فعل؛ ألا ترى أنك لا تقول: أضرب زيدا حتى أقرّ، لأنك تريد: حتى يكون ذلك منه.
وإنما رفع مجاهد لأنّ فعل يحسن في مثله من الكلام؛ كقولك: زلزلوا حتى قال الرسول. وقد كان الكسائيّ قرأ بالرفع دهرا ثم رجع إلى النصب. وهي في قراءة عبد الله: "وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول الرسول" وهو دليل على معنى النصب.
ولحتى:
ثلاثة معان في يفعل.
وثلاثة معان في الأسماء.
فإذا رأيت قبلها فعل ماضيا وبعدها يفعل في معنى مضي وليس ما قبل (حتّى يفعل) يطول فارفع يفعل بعدها؛ كقولك جئت حتى أكون معك قريبا. وكان أكثر النحويين ينصبون الفعل بعد حتّى وإن كان ماضيا إذا كان لغير الأوّل، فيقولون: سرت حتى يدخلها زيد، فزعم الكسائيّ أنه سمع العرب تقول: سرنا حتى تطلع لنا الشمس بزبالة، فرفع والفعل للشمس، وسمع: إنا لجلوس فما نشعر حتى يسقط حجر بيننا، رفعا. قال: وأنشدني الكسائي:

وقد خضن الهجير وعمن حتى * يفرّج ذاك عنهنّ المساء
وأنشد (قول الآخر):
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا * من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
فنصب ها هنا؛ لأنّ الإنكار يتطاول. وهو الوجه الثاني من باب حتى.
وذلك أن يكون ما قبل حتى وما بعدها ماضيين، وهما مما يتطاول، فيكون يفعل فيه وهو ماضٍ في المعنى أحسن من فعل، فنصب وهو ماضٍ لحسن يفعل فيه.
قال الكسائيّ: سمعت العرب تقول: إنّ البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجّه. وهو أمر قد مضى، و(يجعل) فيه أحسن من (جعل). وإنما حسنت
لأنها صفة تكون في الواحد على معنى الجميع، معناه: إنّ هذا ليكون كثيراً في الإبل.
ومثله: إنّ الرجل ليتعظّم حتى يمرّ فلا يسلم على الناس. فتنصب (يمرّ) لحسن يفعل فيه وهو ماضٍ؛ وأنشدني أبو ثروان:

أحبّ لحبّها السودان حتى * أحبّ لحبّها سود الكلاب
ولو رفع لمضيه في المعنى لكان صوابا. وقد أنشدنيه بعض بني أسد رفعا. فإذا أدخلت فيه "لا" اعتدل فيه الرفع والنصب؛ كقولك: إنّ الرجل ليصادقك حتى لا يكتمك سرّا، ترفع لدخول "لا" إذا كان المعنى ماضيا. والنصب مع دخول لا جائز.
ومثله ما يرفع وينصب إذ دخلت "لا" في قول الله تبارك وتعالى: {وحسبوا ألاّ تكون فتنة} رفعا ونصبا. ومثله: "أفلا يرون ألاّ يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا" ينصبان ويرفعان، وإذا ألقيت منه "لا" لم يقولوه إلاّ نصبا؛ وذلك أنّ "ليس" تصلح مكان "لا" فيمن رفع بحتّى وفيمن رفع بـ "أن"؛ ألا ترى أنك تقول: إنه ليؤاخيك حتى ليس يكتمك شيئا، وتقول في "أن": حسبت أن لست تذهب فتخلّفت. وكلّ موضع حسنت فيه "ليس" مكان "لا" فافعل به هذا: الرفع مرّة، والنصب مرّة. ولو رفع الفعل في "أن" بغير "لا" لكان صوابا؛ كقولك حسبت أن تقول ذاك؛ لأنّ الهاء تحسن في "أن" فتقول حسبت أنه يقول ذاك؛ وأنشدني القاسم بن معنٍ:
إني زعيم يا نويـ * قة إن نجوت من الزواح
وسلمت من عرض الحتو * ف من الغدوّ إلي الرواح
أن تهبطين بلاد قو * م يرتعون من الطلاح
فرفع (أن تهبطين) ولم يقل: أن تهبطي.
فإذا كانت "لا" لا تصلح مكانها "ليس" في "حتى" ولا في "أن" فليس إلا النصب، مثل قولك: لا أبرح حتى لا أحكم أمرك. ومثله في "أن": أردت أن لا تقول ذاك. لا يجوز ههنا الرفع.
والوجه الثالث: في يفعل من "حتى" أن يكون ما بعد "حتى" مستقبلا، - ولا تبال كيف كان الذي قبلها - فتنصب؛ كقول الله جل وعز {لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى}، و{فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي} وهو كثير في القرآن.
وأمّا الأوجه الثلاثة في الأسماء:
1- فإن ترى بعد حتى اسما وليس قبلها شيء يشاكله يصلح عطف ما بعد حتّى عليه، أو أن ترى بعدها اسما وليس قبلها شيء.

فالحرف بعد حتّى مخفوض في الوجهين؛ من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {تمتّعوا حتى حينٍ} و{سلامٌ هي حتّى مطلع الفجر} لا يكونان إلا خفضا؛ لأنه ليس قبلهما اسم يعطف عليه ما بعد حتى، فذهب بحتى إلى معنى "إلى".
والعرب تقول: أضمنه حتى الأربعاء أو الخميس، خفضا لا غير، وأضمن القوم حتى الأربعاء.
والمعنى: أن أضمن القوم في الأربعاء؛ لأنّ الأربعاء يوم من الأيام، وليس بمشاكل للقوم فيعطف عليهم.

والوجه الثاني: أن يكون ما قبل حتى من الأسماء عددا يكثر ثم يأتي بعد ذلك الاسم الواحد أو القليل من الأسماء. فإذا كان كذلك فانظر إلى ما بعد حتى؛ فإن كانت الأسماء التي بعدها قد وقع عليها من الخفض والرفع والنصب ما قد وقع على ما قبل حتى ففيها وجهان: الخفض والإتباع لما قبل حتى؛ من ذلك: قد ضرب القوم حتى كبيرهم، وحتى كبيرهم، وهو مفعول به، في الوجهين قد أصابه الضرب. وذلك أنّ إلى قد تحسن فيما قد أصابه الفعل، وفيما لم يصبه؛ من ذلك أن تقول: أعتق عبيدك حتى أكرمهم عليك. تريد: وأعتق أكرمهم عليك، فهذا مما يحسن فيه إلى، وقد أصابه الفعل. وتقول فيما لا يحسن فيه أن يصيب الفعل ما بعد حتى: الأيام تصام كلها حتى يوم الفطر وأيام التشريق. معناه يمسك عن هذه الأيام فلا تصام. وقد حسنت فيها إلى.
والوجه الثالث: أن يكون ما بعد حتى لم يصبه شيء مما أصاب ما قبل حتّى؛ فذلك خفض لا يجوز غيره؛ كقولك: هو يصوم النهار حتى الليل، لا يكون الليل إلا خفضا، وأكلت السمكة حتى رأسها، إذا لم يؤكل الرأس لم يكن إلا خفضا.
وأمّا قول الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب تسبّني * كأنّ أباها نهشل أو مجاشع
فإنّ الرفع فيه جيّد وإن لم يكن قبله اسم؛ لأنّ الأسماء التي تصلح بعد حتى منفردة إنما تأتى من المواقيت؛ كقولك: أقم حتى الليل. ولا تقول أضرب حتى زيدٍ؛ لأنه ليس بوقت؛ فلذلك لم يحسن إفراد زيد وأشباهه، فرفع بفعله، فكأنه قال: يا عجبا أتسّبني اللئام حتى يسبني كليبيّ. فكأنه عطفه على نيّة أسماء قبله. والذين خفضوا توهموا في كليبٍ ما توهموا في المواقيت، وجعلوا الفعل كأنه مستأنف بعد كليبٍ، كأنه قال: قد انتهى بي الأمر إلى كليبٍ، فسكت، ثم قال: تسبني). [معاني القرآن: 1/132-138]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} أي أحسبتم {أن تدخلوا الجنّة}.
{خلوا من قبلكم}أي: مضّوا.
{وزلزلوا} أي: خوّفوا). [مجاز القرآن: 1/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مسّتهم البأساء}: الشدة. {والضّرّاء}: البلاء.
{وزلزلوا}: خوّفوا وأرهبوا). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب}
معناه: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم}.
معنى {مثل الذين} أي: صفة الذين، أي ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين خلوا من قبلكم، و{خلوا} - مضوا.
{مسّتهم البأساء والضّرّاء} البأساء والضراء: القتل والفقر.
و {زلزلوا} معنى {زلزلوا} - خوّفوا وحركوا بما يؤذي،.
وأصل الزلزلة في اللغة: من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلة فتأويله كررت زلزلته من مكانه، وكل ما فيه ترجع كررت فيه فاء التفعيل، تقول أقل فلان الشيء إذا رفعه من مكانه فإذا كرر رفعه ورده قيل قلقله، وكذا صل، وصلصل وصر وصرصر، فعلى هذا قياس هذا الباب.

فالمعنى أنه يكرر عليهم التحريك بالخوف.
وقوله عزّ وجلّ: {حتى يقول الرسول}. قرئت حتى يقول الرسول - بالنصب - ويقول - بالرفع.
وإذا نصبت بحتى فقلت سرت حتى أدخلها.
فزعم سيبويه والخليل وجميع أهل النحو الموثوق بعلمهم أن هذا ينتصب على وجهين:
فأحد الوجهين: أن يكون الدخول غاية السير، والسير والدخول قد نصبا جميعا، فالمعنى: سرت إلى دخولها، وقد مضى الدخول، فعلى هذا نصبت الآية: المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرسول. وكأنه حتى قول الرسول.
ووجهها الآخر: في النصب أعني سرت حتى أدخلها أن يكون السير قد وقع والدخول لم يقع، ويكون المعنى سرت كي أدخلها - وليس هذا وجه نصب الآية.

ورفع ما بعد حتى على وجهين، فأحد الوجهين هو وجه الرفع في الآية.
والمعنى سرت حتى أدخلها، وقد مضى السير والدخول كأنّه بمنزلة قولك سرت فأدخلها. بمنزلة: (سرت) فدخلتها، وصارت حتى ههنا مما لا يعمل في الفعل شيئا، لأنها تلي الجمل، تقول سرت حتى أني داخل – وقول الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب تسبّني... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع
فعملها في الجمل في معناها لا في لفظها.
والتأويل سرت حتى دخولها وعلى هذا وجه الآية.
ويجوز أن يكون السير قد مضى والدخول واقع الآن وقد انقطع السير، تقول سرت حتى أدخلها الآن ما أمنع فهذه جملة باب حتى..

ومعنى الآية: أن الجهد قد بلغ بالأمم التي قبل هذه الأمة حتى استبطأوا النصر، فقال الله عزّ وجلّ: {ألا إنّ نصر اللّه قريب}.
فأعلم أولياءه أنّه ناصرهم لا محالة، وأن ذلك قريب منهم كما قال: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}). [معاني القرآن: 1/285-287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة}
(أم) ههنا للخروج من حديث إلى حديث). [معاني القرآن: 1/163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
حكى النضر بن شميل أن مثل يكون بمعنى صفه.
ويجوز أن يكون المعنى: ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا، أي: مضوا.
{مستهم البأساء والضراء} أي: الفقر والمرض.
{وزلزلوا} خوفوا وحركوا بما يؤذي.
قال أبو إسحاق: أصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه). [معاني القرآن: 1/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي: بلغ الجهد بهم حتى استبطأوا النصر). [معاني القرآن: 1/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} أي: هو ناصر أوليائه لا محالة). [معاني القرآن: 1/165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وزلزلوا} خوفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يسألونك ماذا ينفقون...}
تجعل "ما" في موضع نصب وتوزقع عليها "ينفقون"، ولا تنصبها بـ (يسألونك) لأنّ المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون. وإن شئت رفعتها من وجهين؛
أحدهما: أن تجعل "ذا" اسما يرفع ما، كأنك قلت: ما الذي ينفقون. والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي؛ فيقولون: ومن ذا يقول ذاك؟ في معنى: من الذي يقول ذاك؟ وأنشدوا:

عدس ما لعبّادٍ عليك إمارة * أمنت وهذا تحملين طليق
كأنه قال: والذي تحملين طليق.
والرفع الآخر: أن تجعل كلّ استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا؛ لأنّ الفعل لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام، فجعلوه بمنزلة الذي؛ إذ لم يعمل فيه الفعل الذي يكون بعدها. ألا ترى أنك تقول: الذي ضربت أخوك، فيكون الذي في موضع رفع بالأخ، ولا يقع الفعل الذي يليها عليها. فإذا نويت ذلك رفعت قوله: {قل العفو كذلك}؛ كما قال الشاعر:

ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطل
رفع النحب؛ لأنه نوى أن يجعل "ما" في موضع رفع. ولو قال: أنحبا فيقضى أم ضلالا وباطلا كان أبين في كلام العرب.
وأكثر العرب تقول: وأيّهم لم أضرب وأيّهم إلاّ قد ضربت رفع؛ للعلّة من الاستئناف من حروف الاستفهام وألاّ يسبقها شيء.

ومما يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخّر عنه الفعل الذي يقع عليه قولهم: كلّ الناس ضربت. وذلك أن في (كلّ) مثل معنى هل أحدٌ [إلاّ] ضربت، ومثل معنى أي رجل لم أضرب، وأيّ بلدة لم أدخل؛ ألا ترى أنك إذا قلت: كلّ الناس ضربت؛ كان فيها معنى: ما منهم أحد إلا قد ضربت، ومعنى أيهم لم أضرب. وأنشدني أبو ثروان:
وقالوا تعرّفها المنازل ممن منىً * وما كلّ من يغشى منىً أنا عارف
رفعا، ولم أسمع أحدا نصب كل. قال: وأنشدونا:
وما كلّ من يظّنّني أنا معتب * وما كلّ ما يروى عليّ أقول
ولا تتوهّم أنهم رفعوه بالفعل الذي سبق إليه؛ لأنهم قد أنشدونا:
قد علقت أمّ الخيار تدّعي * عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
رفعا. وأنشدني أبو الجراح:
أرجزا تريد أم قريضا * أم هكذا بينهما تعريضا
* كلاهما أجد مستريضا *
فرفع كلاّ وبعدها (أجد)؛ لأن المعنى: ما منهما واحد إلا أجده هيّنا مستريضا. ويدلّك على أن فيه ضمير جحد قول الشاعر:
فكلهم جاشاك إلا وجدته * كعين الكذوب جهدها واحتفالها). [معاني القرآن: 1/138-140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسألونك ما ذا ينفقون} أي: ماذا يعطون ويتصدقون؟
{قل ما أنفقتم}: ما أعطيتم.
{من خيرٍ}أي: من مال).
[تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه به عليم}
قيل إنهم كانوا سألوا: على من ينبغي أن يفضلوا - فأعلم اللّه عزّ وجل أن أول من تفضّل عليه الوالدان والأقربون، فقال: {قل ما أنفقتم من خير} أي: من مال: {فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه به عليم} أي: يحصيه، وإذا أحصاه جازى عليه، كما قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} أي: يرى المجازاة عليه، لأن رؤية فعله الماضي لا فائدة فيه.
ولا يرى لأنه قد مضى.
ومعنى " ماذا " في اللغة على ضربين:
فأحدهما: أن يكون " ذا " في معنى الذي، ويكون ينفقون من صلته، المعنى يسألونك أي شيء الذي ينفقون كأنه أي شيء وجه الذي ينفقون، لأنهم يعلمون ما المنفق ولكنهم أرادوا علم اللّه وجهه.

ومثل جعلهم " ذا " في معنى الذي قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة... أمنت وهذا تحملين طليق
والمعنى: والذي تحملينه طليق، فيكون ما رفعا بالابتداء، ويكون ذا خبرها.
وجائز أن يكون: " ما " " مع " " ذا " بمنزلة اسم واحد، ويكون الموضع نصبا بـ (ينفقون).
المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون، وهذا إجماع النحويين، وكذلك الوجه الأول إجماع أيضا، ومثل جعلهم ذا بمنزلة اسم واحد، قول
الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه... ولكن بالمغيب فنبئيني
كأنه بمنزلة: دعي الذي علمت.
وجزم (وما تفعلوا) بالشرط، واسم الشرط " ما " والجواب (فإنّ اللّه به عليم) وموضع " ما " نصب بقوله (تفعلوا) ). [معاني القرآن: 1/287-288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون} أي: يتصدقون ويعطون {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل}
قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا؟
فقيل أولى من أفضل عليه هؤلاء ثم قال تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} أي: يحصيه وإذا أحصاه جازى عليه).[معاني القرآن: 1/165-166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ماذا ينفقون} أي: يعطون ويتصدقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لّكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لّكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم}.
وقال بعضهم {حملته أمه كرها}.
وقال بعضهم: {كرها} وهما لغتان: مثل "الغسل" و"الغسل"، و"الضعف" و"الضّعف" إلا أنه قد قال بعضهم أنه إذا كان في موضع المصدر كان "كرهاً" كما تقول: "لا تقوم إلا كرهاً" وتقول: "لا تقوم إلا على كرهٍ" وهما سواء مثل "الرّهب" و"الرّهب".
وقال بعضهم: "الرّهب" كما قالوا: "البخل" و"البخل" و"البخل".
وإنما قال: {كرهٌ لكم} أي: ذو كرهٍ وحذف "ذو".
كما قال: {وسئل القرية}).
[معاني القرآن: 1/137-138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم الجهاد،
{وهو كرهٌ لكم} أي: مشقّة).
[تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
معنى {كتب عليكم}: فرض عليكم، والكره يقال فيه كرهت الشيء كرها وكرها، وكراهة، وكراهية، وكل ما في كتاب الله عزّ وجلّ من الكره فالفتح جائز فيه، تقول الكره والكره إلا أن هذا الحرف الذي في هذا الآية - ذكر أبو عبيدة - أن الناس مجمعون على ضمه، كذلك قراءة أهل الحجاز وأهل الكوفة جميعا {وهو كره لكم} فضموا هذا الحرف.
ارتفع (كره) لأنه خبر الابتداء - وتأويله ذو كره - ومعنى كراهتهم القتال أنهم إنما كرهوه على جنس غلظه عليهم ومشقته، لا أن المؤمنين يكرهون فرض اللّه - عزّ وجلّ - لأن اللّه - عزّ وجلّ - لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والصلاح.
وقوله: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}.
{وهو خير لكم} يعني به ههنا القتال، فمعنى الخير فيه، أن من قتل فهو شهيد وهذا غاية الخير، وهو إن قتل مثاب (أيضا) وهادم أمر الكفر.
وهو مع ذلك يغنم، وجائز أن يستدعي دخول من يقاتله في الإسلام، لأن أمر قتال أهل الإسلام كله كان من الدلالات التي تثبت أمر النبوة - والإسلام، لأن الله أخبر أنّه ينصر دينه، ثم أبان النصر بأن العدد القليل يغلب العدد الكثير فهذا ما في القتال من الخير الذي كانوا كرهوه.
ومعنى: {وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم}أي: عسى أن تحبوا القعود عن القتال فتحرموا ما وصف من الخير الذي في القتال). [معاني القرآن: 1/288-289]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}
أكثر أهل التفسير على أن: الجهاد فرض وأن المعنى فرض عليكم القتال إلا أن بعضهم يكفي من بعض.
قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله}
قال أبو طلحة في قوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا} ما سمعت الله عذر أحدا.
إلا أن سفيان الثوري قال: الجهاد تطوع ومعنى {كتب عليكم القتال} على تفضيله.
ثم قال: {وهو كره لكم}
قال أبو إسحاق: التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية.
وقال الكسائي: كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه.
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}أي: إن قتل كان شهيد وإن قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الإسلام.
{وعسى أن تحبوا شيئا} القعود عن القتال). [معاني القرآن: 1/166-167]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم. و(الكره) بالضم: المشقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه...}
وهي في قراءة عبد الله "عن قتال فيه" فخفضته على نيّة (عن) مضمرة.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه}
ففي الصدّ وجهان:
1- إن شئت جعلته مردودا على الكبير، تريد: قل القتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله وكفر به.
2- وإن شئت جعلت الصدّ كبيرا؛ تريد: قل القتال فيه كبير؛ وكبير الصدّ عن سبيل الله والكفر به.

{والمسجد الحرام} مخفوض بقوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد. فقال الله تبارك وتعالى: {وإخراج أهله}، أهل المسجد {منه أكبر عند اللّه} من القتال في الشهر الحرام. ثم فسّر فقال تبارك وتعالى: {والفتنة} - يريد الشرك - أشدّ من القتال فيه). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}مجرور بالجوار لما كان بعده (فيه) كنايةٌ للشهر الحرام، وقال الأعشى:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته... تقضّى لباناتٍ ويسأم سائم
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت وذهبت). [مجاز القرآن: 1/72-73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولـئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
قال: {وصدٌّ عن سبيل اللّه}.
وقال: {وكفرٌ به والمسجد الحرام} على "وصدٌّ عن المسجد الحرام".
ثم قال: {وإخراج أهله منه أكبر} على الابتداء.
وقال: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم} فضعّف لأن أهل الحجاز إذا أسكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ههنا ساكنة أسكنها بالجزاء.
وقال: {ومن يرتدّ منكم عن دينه فسوف} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف كثير).
[معاني القرآن: 1/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({حبطت أعمالهم}: بطلت أعمالهم). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ} أي: القتال فيه عظيم عند اللّه. وتم الكلام.
ثم قال {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام} وخفض المسجد الحرام نسقا على سبيل اللّه. فكأنه قال: صدّ عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام، وكفر به، أي: باللّه.

{وإخراج أهله منه} أي: أهل المسجد منه، {أكبر عند اللّه} يريد: من القتال في الشهر الحرام.
{والفتنة أكبر من القتل} أي: الشرك أعظم من القتل.
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
{قتال} مخفوض على البدل من الشهر الحرام.
المعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، وقد فسرنا ما في هذه الآية فيما مضى من الكتاب.
ورفع {قل قتال فيه كبير} {قتال} مرتفع بالابتداء، و {كبير} خبره.
ورفع {وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به} على الابتداء، وخبر هذه الأشياء {أكبر عند اللّه} والمعنى: وصد عن سبيل اللّه، وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند اللّه، أي: أعظم إثما.
{والفتنة أكبر من القتل}أي: والكفر أكبر من القتل، المعنى وهذه الأشياء كفر، والكفر أكبر من القتل.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر}.
يرتدد جزم بالشرط، والتضعيف يظهر مع الجزم، لسكون الحرف الثاني - وهو أكثر في اللغة - وقرئ: {يا أيها الذين امنوا من يرتدّ} بالإدغام والفتح وهي قراءة الناس إلا أهل المدينة فإن في مصحفهم من يرتدد وكلاهما صواب، والذي في سورة البقرة لا يجوز فيه إلا من يرتدد لإطباق أهل الأمصار على إظهار التضعيف وكذلك هو في مصاحفهم، والقراءة سنة لا تخالف، إذا كان في كل المصحف الحرف على صورة لم تجز القراءة بغيره.
ويجوز أن تقول: من يرتدّ منكم فتكسر لالتقاء السّاكنين إلا أن الفتح أجود لانفتاح التاء، وإطباق القراء عليه). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}.
روى سعيد عن قتادة قال: فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}.
روى أبو السيار عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: ((لا تكرهن أصحابك على المسير)) فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال: سمعا وطاعة لله ورسوله، قال: فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب، فقال المشركون: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام} الآية.
وقيل إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله} إلى آخر الآية.
قال مجاهد: {قل قتال فيه كبير} أي: عظيم.
وتم الكلام ثم ابتداء فقال: {وصد عن سبيل الله وكفر به} أي: بالله.
{والمسجد الحرام} أي: وصد عن المسجد الحرام

{وإخراج أهله منه} يعني: المسجد الحرام {أكبر عند الله} من القتل في الشهر الحرام {والفتنة أكبر من القتل}
قال الشعبي: أي: الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام). [معاني القرآن: 1/168-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}
قال مجاهد: يعني كفار قريش). [معاني القرآن: 1/170]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَبِطَتْ}: بطلت). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه واللّه غفور رحيم}
{الذين} نصب بأنّ، و {أولئك} رفع بالابتداء، و {يرجون} خبر {أولئك} و{أولئك يرجون} خبر {إنّ الذين} - وإنما قيل في المؤمنين المجاهدين ههنا أنهم إنما يرجون رحمة اللّه لأنهم عند أنفسهم غير بالغين ما يجب للّه عليهم، ولا يعملون ما يختمون به أمرهم.
وجملة ما أخبر الله به عن المؤمنين العاملين الصالحات أنّهم يجازون بالجنة.
قال الله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة (7) جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن} ). [معاني القرآن: 1/290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله}
ومعنى يرجون رحمة الله وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به). [معاني القرآن: 1/170]


رد مع اقتباس