عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 158 إلى 176]

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما...}
كان المسلمون قد كرهوا الطواف بين الصفا والمروة؛ لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذلك تعظيماً للصنمين، فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} , وقد قرأها بعضهم :{ألاّ يطّوف}, وهذا يكون على وجهين؛
أحدهما أن تجعل "لا" مع "أن" صلة على معنى الإلغاء؛ كما قال: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} , والمعنى: ما منعك أن تسجد,
والوجه الآخر أن تجعل الطواف بينهما يرخّص في تركه, والأوّل المعمول به).
[معاني القرآن: 1/95]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن تطوّع خيراً...}
تنصب على جهة فعل, وأصحاب عبد الله وحمزة :{ومن يطّوّع}؛ لأنها في مصحف عبد الله:{يتطوع}). [معاني القرآن: 1/95]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شعائر الله}: واحدتها شعيرة، وهي في هذا الموضع: ما أشعر لموقفٍ, أو مشعرٍ, أو منحرٍ , أي: أعلم لذاك, وفي موضع آخر: الهدى، إذا أشعرها، وهو أن يقلّدها، أو يحللّها, فأعلم أنها هدىٌ، والأصل: أن يشعرها بحديدة في سنامها من جانبها الأيمن: يطعنها حتى يخرج الدم). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ}
قال: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}, "إطّوّف" , "يطّوّف"؛ وهي من "تطوّف", فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها ألفاً حتى يقدر على الابتداء بها, وإنما قال:{لا جناح عليه}؛ لأن ذلك كان مكروهاً في الجاهلية في الجاهلية, فأخبر أنه ليس بمكروه عنده). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شعائر الله} واحدتها شعيرة وهي في هذا الموضع ما أشعر لموقف أو مسعى أو منحر أي صير علما، والمشاعر المواضع التي صيرت أعلاما مثل عرفة والمزدلفة وغير ذلك، وهي في موضع آخر الهدى إذ أشعرتها، والأشعار أن تبضع من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم.
والتقليد ما تقلد من نعل أو غيرها).
[غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا جناح عليه}, أي: لا إثم عليه.
{أن يطّوّف بهما}, أي: يتطوّف, فأدغمت التاء في الطاء, وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما، حتى أنزل اللّه هذا, وقرأ بعضهم: ألا يطوف بهما, وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يجعل الطواف مرخّصا في تركه بينهما.
والوجه الآخر: أن يجعل «لا» مع «أن» صلة, كما قال: {ما منعك ألّا تسجد}, هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 66-67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ اللّه شاكر عليم}
الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا، وهو جمع , واحدته: ضفاة وصفا، مث:ل حصاة وحصى،
والمروة والمرو: الحجارة اللينة.

وهذان الموضعان من شعائر اللّه، أي: من أعلام متعبداته , وواحدة الشعائر : شعيرة، والشعائر كلى ما كان من موقف , أو مسعى, أوذبح.
وإنما قيل شعائر : لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم شعرت به: علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات شعائر.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما، فقيل إنّ نصب الأوثان بيتهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام والمشاعر طهّرت بالإسلام من الأوثان وغيرها.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذين من شعائره , وأنه لا جناح في الطواف بينهما , وأن من تطوع بذلك, فاللّه شاكر عليم.
والشكر من الله عزّ وجلّ: المجازاة والثناء الجميل، والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا - والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة إلا أنه يطوف بالبيت الحاجّ والمعتمر، وغير الحاجّ والمعتمر، ومعنى قولهم حججت في اللغة قصدت، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف... قاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر في قوله اعتمر أي قصد:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله عزّ وجلّ: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
أي: لا إثم عليه،
والجناح: أخذ من جنح إذا مال, وعدل عن القصد, وأصل ذلك من جناح الطائر، و{أن يطّوّف بهما}, فيه غير وجه:
يجوز: أن يطوّف, وأن يطوّف، وأن يطوف بهما، فمن قرأ: أن يطوّف بهما, أراد: أن يتطوف , فأدمغت التاء في الطاء لقرب المخرجين،
ومن قرأ: أن يطوّف بهما, فهو من طوّف إذا أكثرا التّطواف.

وفي قوله عزّ وجلّ: {ومن تطوّع خيراً}, وجهان:-
إن شئت قلت: {ومن تطوّع خيراً} على لفظ المضي , ومعناه: الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء, فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال,
ومن قرأ: يطّوّع, فالأصل يتطوع , فأدغمت التاء في الطاء, ولست تدغم حرفاً من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه).
[معاني القرآن: 1/233-235]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والجناح: الإثم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشعائر: المناسك، واحدتها: شعيرة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا جناح}: فلا إثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ اللَّهِ}: مناســـك). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون...}
قال ابن عباس: {اللاعنون}: كلّ شيء على وجه الأرض إلا الثقلين,
قال عبد الله بن مسعود: إذا تلا عن الرجلان , فلعن أحدهما صاحبه , وليس أحدهما مستحقّ اللعن رجعت اللعنة على المستحقّ لها، فإن لم يستحقّها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تبارك وتعالى, فجعل اللعنة من المتلاعنين من الناس على ما فسّر).
[معاني القرآن: 1/95-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ويلعنهم اللّاعنون}, قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان, وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون}
هذا إخبار عن علماء اليهود الذين كتموا ما علموه من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: {من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب}, يعني: به القرآن.
ومعنى {ويلعنهم اللّاعنون}: فيه غير قول، أما ما يروى عن ابن عباس فقال: {اللّاعنون}: كل شيء في الأرض إلا الثقلين.
ويروى عن ابن مسعود أنه قال:{اللّاعنون}: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة بمستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما , رجعت على اليهود، وقيل:{اللّاعنون}, هم المؤمنون، فكل من آمن باللّه من الإنس والجن والملائكة فهم اللاعنون لليهود , وجميع الكفرة , فهذا ما روي في قوله: {اللّاعنون}, واللّه عزّ وجلّ أعلم). [معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}, أي: بيّنوا التوبة بالإخلاص ,والعمل). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}
{الذين} في موضع نصب على الاستثناء، والمعنى: أن من تاب بعد هذا, وتبين منهم أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم حق، قبل الله توبته.
فأعلم الله عزّ وجلّ: أنه يقبل التوبة ويرحم , ويغفر الذنب الذي لا غاية بعده).
[معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين...}
فـ "الملائكة والناس" في موضع خفض؛ تضاف اللعنة إليهم على معنى: عليهم لعنة الله , ولعنة الملائكة, ولعنة الناس, وقرأها الحسن:{لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعون}, وهو جائز في العربية , وإن كان مخالفاً للكتاب, وذلك أن قولك:{عليهم لعنة الله}, كقولك: يلعنهم الله , ويلعنهم الملائكة والناس,
والعرب تقول: عجبت من ظلمك نفسك، فينصبون النفس؛ لأن تأويل الكاف رففع, ويقولون: عجبت من غلبتك نفسك، فيرفعون النفس؛ لأن تأويل الكاف نصب, فابن على ذا ما ورد عليك.

ومن ذلك قول العرب: عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض، وبعضها على بعض, فمن رفع ردّ البعض إلى تأويل البيوت؛ لأنها رفع؛ ألا ترى أن المعنى: عجبت من أن تساقطت بعضها على بعض, ومن خفض أجراه على لفظ البيوت، كأنه قال: من تساقط بعضها على بعض.
وأجود ما يكون فيه الرفع أن يكون الأوّل الذي في تأويل رفع, أو نصب قد كنى عنه؛ مثل قولك: عجبت من تساقطها, فتقول ها هنا: عجبت من تساقطها بعضها على بعض؛ لأن الخفض إذا كنيت عنه قبح أن ينعت بظاهر، فردّ إلى المعنى الذي يكون رفعا في الظاهر، والخفض جائز, وتعمل فيما تأويله النصب بمثل هذا فتقول: عجبت من إدخالهم بعضهم في إثر بعض؛ تؤثر النصب في (بعضهم)، ويجوز الخفض). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
قال: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}؛ لأنه أضاف اللعنة , ثم قال: {خالدين فيها}نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/121]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} يعني: لم يتوبوا قبل موتهم من كفرهم.
{أولئك عليهم لعنة اللّه}: واللعنة هي إبعاد اللّه، وإبعاده عذابه.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة والنّاس أجمعين} ا لمعنى: لعنة الملائكة , ولعنة الناس أجمعين.
فإن قال قائل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟, قيل له: إنّهم يلعنونه في الآخرة، كما قال عزّ وجلّ:{ ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}
وقرأ الحسن: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}: وهو جيد في العربية إلا أني أكرهه لمخالفته المصحف، والقراءة، إنما ينبغي أن يلزم فيها السنة، ولزوم السنة فيها أيضًا أقوى عند أهل العربية؛ لأن الإجماع في القراءة إنما يقع على الشيء الجيّد البالغ , ورفع الملائكة في قراءة الحسن على تأويل: أولئك جزاؤهم أن لعنهم اللّه , والملائكة، فعطف الملائكة على موضع إعراب لله في التأويل.
ويجوز على هذا: عجبت من ضرب زيد وعمرو , ومن قيامك وأخوك, المعنى: عجبت من أن ضرب زيد وعمرو , ومن أن قمت أنت وأخوك.
ومعنى {خالدين فيها} أي: في اللعنة, وخلودهم فيها: خلود في العذاب). [معاني القرآن: 1/235-236]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}

تفسير قوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم}
أخبر عزّ وجلّ بوحدانيته , ثم أخبر بالاحتجاج في الدلالة على أنه واحد , فقال:{إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}). [معاني القرآن: 1/237]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتصريف الرّياح...}, تأتى مرّة جنوباً, ومرّة شمالاً,وقبولاً, ودبوراً, فذلك تصريفها). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفلك}: تقع على الواحد، وعلى الجميع، وهي السفينة والسّفن، والعرب تفعل ذلك قالوا: هي الطّرفاء، وهذه الطّرفاء.
{وبثّ فيها}, أي: فرّق وبسط، {وزرابيّ مبثوثةٌ}, أي: متفرقة مبسوطة). [مجاز القرآن: 1/62]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الفلك}: السفن وهو جميع واحدة فلكه ويذكر ويؤنث، قال {في الفلك المشحون} وفي موضع آخر {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ويقال الفلك واحد وجميع.
{وبث فيها}: فرق فيها ومنه {زرابي مبثوثة}). [غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والفلك}: السّفن، واحد , وجمع بلفظ واحد). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}
فهذه الآيات تدل على أنه واحد - عزّ وجلّ - فأما الآية في أمر السماء فمن أعظم الآية لأنهها سقف بغير عمد، والآية في الأرض عظيمة فيما يرى من سهلها وجبلها وبحارها. وما فيها من معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد اللاتي لا يمكن أحد أن ينشئ مثلها، وكذلك في تصريف الرياح، وتصريفها أنها تأتي من كل أفق فتكون شمالا مرة وجنوبا مرة ودبورا مرة وصبا مرة، وتأتي لواقح للسحاب.
فهذه الأشياء وجميع ما بث الله في الأرض دالة على أنه واحد.
كما قال عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد} - لا إله غيره لأنه لا يأتي آت بمثل هذه الآيات (إلا واحدا) ). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْفُلْكِ}: السفن, {وَبـــَثَّ}: فرق, {الأَسْبَابُ}: الحبال). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه...}
يريد - والله أعلم - يحبّون الأنداد، كما يحبّ المؤمنون الله, ثم قال: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه} من أولئك الأنداد). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب...}
يوقع "يرى" على "أن القوة لله وأن الله" وجوابه متروك, والله أعلم,و قوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت}, وترك الجواب في القرآن كثير؛ لأن معاني الجنة والنار مكرر معروف, وإن شئت كسرت إنّ , وإنّ وأوقعت "يرى" على "إذ" في المعنى , وفتح أنّ وأنّ مع الياء أحسن من كسرها.
ومن قرأ :{ولو ترى الّذين ظلموا} بالتاء كان وجه الكلام أن يقول: "إن القوة..." بالكسر ", وإن..."؛ لأن "ترى" قد وقعت على {الذين ظلموا}
فاستؤنفت "إن ", "وإنّ" , ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من "ترى" , ومن "يرى" لكان صواباً؛ كأنه قال: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يرون {أنّ القوّة للّه جميعاً}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولو يرى الذين ظلموا}, أي: يعلم، وليس برؤية عين.). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب}
قال: {ولو ترى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوّة للّه جميعاً}, فـ"إنّ" مكسورة على الابتداء إذ قال: {ولو ترى},
وقال بعضهم : {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة للّه جميعاً} , يقول: "ولو يرون أنّ القوّة للّه", أي: "لو يعلمون" ؛ لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قال: {ولو ترى}, فإنما يخاطب النبي صلى الله عله وسلم , ولو كسر "إنّ" إذا قال: {ولو يرى الذين ظلموا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم, وقد تكون في معنى لا يحتاج معها إلى شيء , تقول للرجل: "أما واللّه لو تعلم" , و"لو يعلم" , قال الشاعر:

إن يكن طبّك الدّلال فلوفي = سالف الدّهر والسنين الخوالي
فهذا ليس له جواب إلاّ في المعننى, وقال:
فبحظٍّ مما تعيش ولا تذ = هب بك التّرهات في الأهوال
فأضمر "فعيشي", وقال بعضهم {ولو ترى}, وفتح {أنّ} على {ترى}, وليس ذلك ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال: {أم يقولون افتراه} , ليخبر الناس عن جهلهم , وكما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض}). [معاني القرآن: 1/121-122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه شديد العذاب}
فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان؛ تتخذ من دونه الأنداد, وهي الأمثال، فأبان أن من الناس من يتخذ ندّا يعلم أنه لا ينفع , ولا يضر , ولا يأتي بشيء مما ذكرنا، وعنى بهذا مشركي العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {يحبّونهم كحبّ الله}
أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه, وهذا قول ليس بشيء, ودليل نقضه قوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه}
والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقاً.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو يرى الّذين ظلموا- إذ يرون العذاب - أنّ القوّة للّه جميعاً}.
في هذا غير وجه:
1- يجوز أنّ القوة للّه, وأن اللّه،
2- ويجوز أن القوة للّه, وإن الله، ولو ترى الذين ظلموا , وتفتح أن مع ترى، وتكسر، وكل ذلك قد قرئ به.

قرأ الحسن:{ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة، وإنّ اللّه}: ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا إن شاء اللّه.
من قرأ : {أنّ القوة}, فموضع أن نصب بقوله :{ولو يرى الذين ظلموا أن القوة للّه جميعاً}, وكذلك نصب أن الثانية , والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدّة عذاب اللّه وقوته , لعلموا مضرةاتخاذهم الأنداد، وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً}:
ويجوز أن يكون: العامل في أنّ الجواب على ما جاء في التفسير: يروى في تفسير هذا : أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة , لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعاً, ففتح أنّ أجود وأكثر في القراءة، وموضعها نصب في هاتين الجهتين على ما وصفنا،
ويجوز أن تكون: " إنّ " مكسورة مستأنفة، فيكون جواب {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}, لرأوا أمرا عظيماً لا تبلغ صفته؛ لأن جواب لو إنما يترك لعظيم الموصوف نحو قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى}

المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف, وتكون:{أنّ القوّة للّه جميعاً}, على الاستئناف.
يخبر بقوله: أن القوة للّه جميعاً, ويكون الجواب المتروك غير معلق بإنّ.
ومن قرأ:{ولو ترى الذين ظلموا}, فإن التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : يراد به الناس
كما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
فهو بمنزلة: ألم تعلموا, وكذلك : ولو ترى الذين ظلموا بمنزلة: ولو ترون, وتكون {أنّ القوّة للّه جميعاً} مستأنفة كما وصفنا.
ويكون الجواب - واللّه أعلم - : لرأيتم أمرا عظيما, كما يقول: لو رأيت فلانً, ا والسياط تأخذه، فيستغنى عن " الجواب ؛ لأن المعنى معلوم.
ويجوز فتح أن مع ترى , فيكون: لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة للّه جميعا، أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع، وإنما بلغت الغاية في الضرر ؛ لأن القوة للّه جميعا.
و{جميعا}منصوبة - على الحال: المعنى أن القوة ثابتة للّه عزّ وجلّ في حال اجتماعها). [معاني القرآن: 1/237-239]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا، واحدتها: وصلة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وتقطعت بهم الأسباب}: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا. والسبب الحبل وكل شيء بين اثنين من عهد أو رحم فهو سبب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)).). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وتقطّعت بهم}, يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا).[تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}
يعني به: السادة , والأشراف {من الّذين اتّبعوا}, وهم الأتباع, والسفلة.
{ورأوا العذاب}, يعنى به: التابعون , والمتبوعون، {وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: انقطع وصلهم الذي كان جمعهم.
كما قال:{لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} : فبينهم وصلهم, والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا.
وإنما ضمّت الألف في قوله {اتّبعوا}لضمّة التاء، والتاء ضمت علامة ما لم يسمّ فاعله.
فإن قال قائل: فما لم يسم فاعله مضموم الأول، والتاء المضمومة في {اتّبعوا} ثالثة، قيل إنما يضم لما لم يسم فاعله الأول من متحركات الفعل، فإذا كان في الأول ساكن اجتلبت له ألف الوصل، وضم ما كان متحركاً, فكان المتحرك من اتبعوا التاء الثانية فضمت دليلاً على ترك الفاعل، وأيضاً فإن في {اتّبعوا}ألف وصل دخلت من أجل سكون فاء الفعل؛ لأن مثاله من الفعل افتعلوا، فالألف ألف وصل, ولا يبنى عليه ضمة الأول في فعل لم يسمّ فاعله، والفاء ساكنة، والسّاكن لا يبنى عليه فلم يبق إلا الثالث، وهو التاء فضمت علماً للفعل الذي لم يسم فاعله، فكان الثالث لهذه العلة هو الأول). [معاني القرآن: 1/239-240]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حسراتٍ} : الحسرة: أشدّ الندامة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الحسرة): أشد الندامة). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لو أنّ لنا كرّةً}, أي: رجعة, {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم} ,يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالاً لغير اللّه، فضاعت, وبطلت). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار}
أي: عودة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، موضع "أن" رفع، المعنى : لو وقع لنا كرور , لتبرأنا منهم، كما تبرأوا منا، يقال : تبرأت منهم تبرؤا، وبرئت منه براءة , وبرئت من المرض , وبرأت أيضاً, لغتان: أبرأ، برءا، وبريت القلم , وغيره , وأبريه غير مهموز، وبرأ اللّه الخلق برءاً.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات}
أي: كـ تبرّي بعضهم من بعض , يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم؛ لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عزّ وجلّ:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {حبطت أعمالهم}, ومعنى:{أضلّ أعمالهم}, لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملاً, لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كرة}, أي: رجعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَسْـــــرَةِ}: أشد الندامـــة). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({خطوات الشّيطان}, هي الخطى، واحدتها: خطوة، ومعناها: أثر الشيطان). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خطوات الشيطان}: قالوا خطاه، وكل معصية فهي من خطوات الشيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}, أي: لا تتبعوا سبيله, ومسلكه, وهي جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين - بضم الخاء - , والخطوة: الفعلة الواحدة، بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها اللّه، ويحلون أشياء حرمها الله). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
هذا على ضربين: أحدهما الإباحة لأكل جميع الأشياء إلا ما قد حظر الله عزّ وجلّ من الميتة , وما ذكر معها، فيكون {طيّباً}نعتاً للحلال، ويكون طيباً نعتا لما يستطاب، والأجود أن يكون {طيّباً} من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا وتنفقوا مما يحرم عليكم , كقوله عزّ وجلّ:
{ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}: أكثر القراءة خطوات بضم الخاء والطاء، وإن شئت أسكنت الطاء.
{خطوات} لثقل الضمة، وإن شئت خطوات، وهي قراءة شاذة , ولكنها جائزة في العربية قوية، وأنشد الخليل, وسيبويه, وجميع البصريين النحويين:
ولما رأونا باديا ركباتنا= على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرقه، أي: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان). [معاني القرآن: 1/241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خطوات الشيطان}, أي: سبيله , ومسلكه، وهو جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين, والخطوة بالفتح: الفعلة الواحدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُطُــــوَاتِ}: طرق المعاصــي). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولو كان آباؤهم...}
تنصب هذه الواو؛ لأنها ولو عطفٍ أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست بـ (أو) التي واوها ساكنة؛ لأن الألف من , أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط؛ فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت.
وإنما عيّرهم الله بهذا لما قالوا: {بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا} , قال الله تبارك وتعالى: يا محمد قل {أولو كان آباؤهم}, فقال "آباؤهم" لغيبتهم، ولو كانت "آباؤكم" لجاز؛ لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا؛ مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم, ومثله:{أولو كان الشّيطان يدعوهم}، {أولم يسيروا}.
ومن سكّن الواو من قوله: {أو آباؤنا الأوّلون} في الواقعة , وأشباه ذلك في القرآن، جعلها "أو" التي تثبت الواحد من الاثنين, وهذه الواو في فتحها بمنزلة قوله: {أثمّ إذا ما وقع} دخلت ألف الاستفهام على "ثمّ" , وكذلك :{أفلم يسيروا}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألفينا عليه آباءنا}: أي: وجدنا). [مجاز القرآن: 1/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً}, الألف ليست ألف الاستفهام, أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريراً بغير الاستفهام,{أولو كان آباؤهم لا يعلقون شيئاً}, أي: وإن كان آباؤهم.
{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, إنما الذي ينعق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به وهي الغنم؛ تقول: كالغنم التي لا تسمع التي ينعق بها راعيها؛ والعرب تريد الشيء فتحوّله إلى شيء من سببه، يقولون: أعرض الحوض على الناقة وإنما تعرض الناقة على الحوض، ويقولون: هذا القميص لا يقطعني، ويقولون: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما أدخلت رأسك في القلنسوة، وكذلك الخفّ، وهذا الجنس؛ وفي القرآن:{ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة}, ما إنّ العصبة لتنوء بالمفاتح: أي: تثقلها, والنعيق: الصياح بها، قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما= منّتك نفسك في الخلاء ضلالا). [مجاز القرآن: 1/63-64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (في التفسير {ألفينا}: وجدنا). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا}, أي: وجدنا عليه آباءنا). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
معنى: {ألفينا}: صادفنا، فعنّفهم اللّه , وعاب عليهم تقليدهم آباءهم.
فقال: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
المعنى: أيتبعون آباءهم , وإن كانوا جهالاً, وهذه الواو مفتوحة ؛ لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف التوبيخ، وهي ألف الاستفهام , فبقيت الواو مفتوحة على ما يجب لها). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ألفينا عليه آباءنا},أي: وجدنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَلْفَيْنَـــا}: وجدنـــا). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق...}
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبّههم بالراعي,ولم يقل: كالغنم, والمعنى - والله أعلم - : مثل الذين كفرواكمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها, فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن , وإنذار الرسول, فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى - والله أعلم - في المرعي, وهو ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف, وقال الشاعر:
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذى المطارة عاقل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة , وعلٍ على مخافتي,وقال الآخر:
كانت فريضة ما تقول كما = كان الزناء فريضة الرّجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء, فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها ؛ لإتّضاح المعنى عند العرب, وأنشدني بعضهم:
إن سراجا لكريم مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين: لا تحلى به، إنما يحلى هو بها.
وفيها معنىً آخر: تضيف المثل إلى الذين كفروا, وإضافته في المعنى إلى الوعظ؛ كقولك : مثل وعظ الذين كفروا , وواعظهم كمثل الناعق؛ كما تقول: إذا لقيت فلاناً, فسلّم عليه تسليم الأمير, وإنما تريد به: كما تسلّم على الأمير,وقال الشاعر:
فلست مسلّما ما دمت حيّاً = على زيدٍ بتسليم الأمير
وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون...}
رفع؛ وهو وجه الكلام؛ لأنه مستأنف خبرٍ، يدلّ عليه قوله: {فهم لا يعقلون} كما تقول في الكلام: هو أصمّ فلا يسمع، وهو أخرس فلا يتكلّم, ولو نصب على الشتمّ مثل الحروف في أوّل سورة البقرة في قراءة عبد الله:{وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون صمّاً بكماً عمي}لجاز). [معاني القرآن: 1/100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كمثل الذي ينعق}: يصوت للغنم، كالراعي. شبه النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه من لا يتفهم عنه بالراعي يصوت للغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً}, أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم, فحذف «ومثلنا» اختصاراً, إذ كان في الكلام ما يدل عليه، على ما بينت في «تأويل المشكل».
{كمثل الّذي ينعق}, وهو: الراعي، يقال: نعق بالغنم ينعق بها إذا صاح بها.
{بما لا يسمع} , يعني: الغنم.
{إلّا دعاءً ونداءً}حسب، ولا يفهم قولاً). [تفسير غريب القرآن: 68-69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}
وضرب اللّه عزّ وجلّ لهم هذا المثل، وشبههم بالغنم المنعوق بها بما لا يسمع منه إلا الصوت، فالمعنى: مثلك يا محمد، ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به، بما لا يسمع، لأن سمعهم ما كان ينفعهم، فكانوا في شركهم ,وعدم قبول ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع، والعرب تقول لمن يسمع , ولا يعمل بما يسمع: أصم.
قال الشاعر:
= أصمّ عمّا ساءه سميع
وقوله عزّ وجلّ :{صمّ بكم عمي}
وصفهم بالبكم , وهو الخرس، وبالعمى؛ لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمي, وقد شرحنا هذا في أول السورة شرحا كافيا إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومثل الذين كفروا.. }الآية, أراد: ومثل الذين كفروا , ومثلنا في وعظهم كمثل الراعي الذي ينعق بما لا يسمع، وهي الغنم, وفي الكلام حذف, واختصار معجز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يَعْقِلُونَ}: لا يميزون, {يَنْعِقُ}: يصيح بالغنم). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير...}
نصب لوقوع "حرّم" عليها, وذلك أن قولك "إنّما" على وجهين:-
أحدهم: ا أن تجعل "إنّما" حرفا واحدا، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها في الأسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت؛ فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنّما مالي مالك, فهذا حرف واحد.
وأمّا الوجه الآخر: فأن بجعل "ما" منفصلة من (إنّ) , فيكون "ما" على معنى الذي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة؛ كقولك إنّ ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابّتك, تريد: إن الذي ركبت دابتك، وإن الذي أخذت مالك, فأجرهما على هذا.
وهو في التنزيل في غير ما موضع؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى: {إنّما الل‍ّه إلهٌ واحدٌ}، {إنّما أنت نذيرٌ} فهذه حرف واحد، هي وإنّ، لأن "الذي" لا تحسن في موضع "ما".
وأمّا التي في مذهب (الذي) فقوله: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحرٍ, ولو قرأ قارئ:{إنما صنعوا كيد ساحر}, نصباً, كان صواباً إذا جعل إنّ وما حرفاً واحداً, وقوله: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثاناً مودّة بينكم} قد نصب المودّة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله:{إنما مودّة بينكم في الحياة الدنيا}, فهذه حجّة لمن رفع المودّة؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الذي صنعتموه ليس بنافع، مودّة بينكم ثم تنقطع ببعد , فإن شئت رفعت المودّة بـ "بين"؛ وإن شئت أضمرت لها اسماً قبلها يرفعها؛ كقوله :{سورةٌ أنزلناها}, وكقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك}.
فإذا رأيت "إنّما" في آخرها اسم من الناس, وأشباههم ممّا يقع عليه "من" فلا تجعلنّ "ما" فيه على جهة (الذي)؛ لأن العرب لا تكاد تجعل "ما" للناس. من ذلك: إنّما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك؛ لأن "ما" لا تكون للناس.
فإذا كان الاسم بعد "إنّما" وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان؛ فقلت: إنّما سكنت دارك., وإن شئت: دارك, وقد تجعل العرب "ما" في بعض الكلام للناس، وليس بالكثير.
وفي قراءة عبد الله: {والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى}, وفي قراءتنا: {وما خلق الذّكر والأنثى}, فمن جعل {ما خلق} للذكر والأنثى , جاز أن يخفض "الذكر والأنثى", كأنه قال : والذي خلق الذكر والأنثى., ومن نصب "الذكر" جعل "ما" و"خلق" كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه, والخفض فيه على قراءة عبد الله حسن، والنصب أكثر.
ولو رفعت {إنّما حرّم عليكم الميتة}, كان وجهاً,
وقد قرأ بعضهم: {إنما حرّم عليكم المّيتة}, ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة , والدم؛ لأنك إن جعلت "إنّما"حرفا واحدا رفعت الميتة والدم؛ لأنه فعل لم يسمّ فاعله، وإن جعلت "ما" على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم؛ لأنه خبر لـ"ما").
[معاني القرآن: 1/100-102]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ به لغير اللّه...}
الإهلال: ما نودي به لغير الله على الذباح , وقوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}, غير في هذا الموضع حال للمضطرّ؛ كأنك قلت: فمن اضطرّ , لا باغياً, ولا عادياً, فهو له حلال, والنصب ها هنا بمنزلة قوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد}, ومثله : {إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , و"غير" ها هنا لا تصلح , "لا" في موضعها؛ لأنّ "لا" تصلح في موضع غير. وإذا رأيت "غير" يصلح "لا" في موضعها , فهي مخالفة "لغير" التي لا تصلح "لا" في موضعها.
ولا تحلّ الميتة للمضطرّ إذا عدا على الناس بسيفه، أو كان في سبيل من سبل المعاصي, ويقال: إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها، ولا أن يتزوّد منها شيئاً, إنما رخّص له فيما يمسك نفسه). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما أهلّ به},أي: وما أريد به، وله مجاز آخر، أي: ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم، ولم يرد به الله عز وجل, جاء في الحديث: أرأيت من لا شرب , ولا أكل , ولا صاح , فاستهلّ : أليس مثل ذلك يطل؟.
{غير باغٍ ولا عادٍ}, أي: لا يبغي , فيأكله غير مضطر إليه، ولا عادٍ شبعه). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {إنّما حرّم عليكم الميتة} , وإنما هي "الميّتة" خففت , وكذلك قوله: {بلدةً ميتاً} , يريد به "ميّتا" , ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" , و"ليّن": هين" و"لين" خفيفة, قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتٍ = إنّما الميت ميّت الأحياء
فثقل وخفف في معنى واحد, فأما {الميتة}, فهي الموت). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أهل به}: أريد به.
{غير باغ ولا عاد}: لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عاد شبعه). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن اضطرّ غير باغٍ}, أي: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه, ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع , ويتزوّد.
{وما أهلّ به لغير اللّه},أي: ما ذبح لغير اللّه, وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم اللّه، فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به, وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتّلبية, واستهلال الصبيّ منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء). [تفسير غريب القرآن: 69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
النّصب في {الميتة}, وما عطف عليها هو القراءة، ونصبه لأنه مفعول به، دخلت " ما " تمنع إنّ من العمل، ويليها الفعل، وقد شرحنا دخول ما مع إن، ويجوز : إنما حرم عليكم الميتة، والذي أختاره أن يكون ما تمنع أن من العمل، ويكون المعنى : ما حرم عليكم إلا الميتة، والدم , ولحم الخنزير؛ لأن " إنما " تأتي إثباتاً لما يذكر بعدها لما سواه.
قال الشاعر:
أنا الزائد الحامي الذمار وإنما= يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، فالاختيار ما عليه جماعة القراء ؛ لإتباع السنة، وصحته في المعنى..
ومعنى {ما أهلّ به لغير الله} أي: ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله عليه , وهذا موجود في اللغة, ومنه الإهلال بالحج , إنما هو رفع الصوت بالتلبية.
والميتة: أصلها الميّتة، فحذقت الياء الثانية استخفافاً, لثقل الياءين , والكسرة , والأجود في القراءة الميتة بالتخفيف.
وكذلك في قوله: {أومن كان ميتاً فأحييناه} أصله: أو من كان ميّتا بالتشديد، وتفسير الحذف, والتخفيف فيه كتفسيره في الميتة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}
في تفسيرها ’ ومعناها ثلاثة أوجه:
1- قال بعضهم: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}, أي : فمن اضطر جائعاً غير باغ - غير آكلها تلذذا - ولا عاد, ولا مجاوز ما يدفع عن نفسه الجوع، فلا إثم عليه.

2- وقالوا: {غير باغ}: غير مجاوز قدر حاجته , وغير مقصر عما يقيم به حياته،
3- وقالوا: أيضا: معنى غير باغ على إمام, وغير متعد على أمته.

ومعنى البغي في اللغة: قصد الفساد، يقال: بغى الجرح يبغي بغياً, إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة, ويقال: بغى الرجل حاجته يبغيها بغاء., والعرب تقول خرج في بغاء إبله , قال الشاعر:
لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم= إنّ الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
ويقال: بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت, قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً}أي: على الفجور .
ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا, أي: صلح له أن يفعل كذا, وكأنه قال: طلب فعل كذا , فانطلب له، أي: طاوعه، ولكن اجتزئ , بقولهم ابتغى،
والبغايا في اللغة شيئان:
1- البغايا الفواجر.
2- والبغايا الإماء، قال الأعشى:

والبغايا يركضن أكسية ألا= ضريج والشرعبيّ ذا الأذيال
ونصب {غير باغ} على الحال). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وما أهل به لغير الله} أي: ما ذبح لغير الله تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غير باغ}, أي: على المسلمين، مفارق للجماعة، {ولا عاد} عليهم بسيفه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ بِهِ}: أريد به, {بَاغٍ}: يأكل من غير مجاعة, {عَادٍ}: يشبع منها). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
يعني: علماء اليهود الذين كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ويشترون به ثمناً قليلاً} , أي: كتموه ؛ لأنهم أخذوا على كتمانه الرّشى.
{أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}: المعنى: أن الذين يأكلونه , يعذبون به، فكأنهم: إنما أكلوا النار, وكذلك قوله عزّ وجلّ:ئ{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}
أي: يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة.
و (الّذين) نصب ب (إنّ)، وخبر (إنّ) جملة الكلام , وهي {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}, و (أولئك) رفع بالابتداء , وخبر (أولئك}: {ما يأكلون في بطونهم إلّا الار}.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة}
فيه غير قول:
1-
قال بعضهم معناه يغضب عليهم، كما تقول: فلان لا يكلم فلاناً, تريد هو غضبان عليه.

2- وقال بعضهم معنى {لا يكلمهم اللّه يوم القيامة}: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية،
3- وجائز إن يكون: {لا يكلمهم الله}: لا يسمعهم الله كلامه، ويكون الأبرار , وأهل المنزلة الذين رضي اللّه عنهم يسمعون كلامه.

وقوله عزّ وجلّ: {ولا يزكّيهم}
أي: لا يثنى عليهم، ومن لا يثني اللّه عليه , فهو معذب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم}
معنى {أليم}: مؤلم , ومعنى مؤلم : مبالغ في الوجع). [معاني القرآن: 1/245]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار...}
فيه وجهان:
أحدهما معناه: فما الذي صبّرهم على النار؟,
والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! .

قال الكسائيّ: سألني قاضى اليمن وهو بمكّة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حقّ صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! , وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلامً, كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: (ما) في هذا الموضع في معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبّرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
قال: {فما أصبرهم على النّار}, فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجباً من كفره,وقال بعضهم {فما أصبرهم}, أي: ما أصبرهم، و: ما الذي أصبرهم). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فما أصبرهم على النار}: ما أجراهم عليها.
قالوا في التفسير ما أعملهم بأعمال أهل النار،
وقالوا معناها: فما الذي صبرهم على النار. ويقال اختصم رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له الآخر: ما أصبرك على الله أي ما أصبرك على عذاب الله كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم).
[غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: ما أجرأهم,
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه, فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه, ويقال منه قوله: {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} .

قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار, وهو وجه حسن, يريد ما أدومهم على أعمال النار, وتحذف الأعمال.
قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار، بمعنى : ما الذي أصبرهم على ذلك , ودعاهم إليه,وليس بتعجب). [تفسير غريب القرآن: 69-70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
{فما أصبرهم على النّار}: وفيه غير وجه:
1- قال بعضهم: أيّ شيء أصبرهم على النار؟.

2- وقال بعضهم: فما أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار ؛ لأن هؤلاء كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى النار.
كما تقول: ما أصبر فلاناً على الجنس ,أي: ما أبقاه منه). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فما أصبرهم على النار} , أي:
1-
أجرأهم,
2-وقيل: ما أعملهم بعمل أهل النار,
3-وقيل: المعنى ما الذي يصبرهم على ذلك، وهو تقرير بلفظ الاستفهام).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}
قال: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} , فالخبر مضمر , كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم : بأن الله نزل الكتاب؛ لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم , فالكتاب حق). [معاني القرآن: 1/122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
المعنى: الأمر ذلك، أو ذلك الأمر , فذلك مرفوع بالابتداء, أو بخبر الابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
بتباعد بعضهم في مشاقّة بعض؛ لأن اليهود والنصارى هم الّذين اختلفوا في الكتاب, ومشاقتهم بعيدة). [معاني القرآن: 1/246]


رد مع اقتباس