عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 157]

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
قال: {وإن كانت لكبيرةً}, يعني "القبلة", و لذلك أنث). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142)}
فيه قولان:
1- قيل يعني به: كفار أهل مكة،
2- وقيل يعني به: اليهود والسفهاء , واحدهم سفيه، مثل : شهيد وشهداء، وعليم وعلماء.

وقوله عزّ وجلّ: {ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}, معنى {ما ولّاهم}: ما عدلهم عنها يعني قبلة بيت المقدس.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بالصلاة إلى بيت المقدس؛ لأن مكة وبيت الله الحرام كانت العرب آلفة لحجّه، فأحبّ اللّه عزّ وجلّ أن يمتحن القوم بغير ما ألفوه , ليظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يتبعه، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}, فامتحن الله ببيت المقدس فيما روى لهذه العلة، والله أعلم
وقوله عزّ وجلّ: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
معناه: حيث أمر الله أن يصلّى ويتعبّد، فهو له، وعالم به، وهو فيه كماقال: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)}
وكما قال: {وهو معكم أين ما كنتم}
وكما قال:{ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم}
وقوله عزّ وجلّ: {إلى صراط مستقيم}: معناهّ: طريق مستقيم كما يحبّ الله). [معاني القرآن: 1/218-219]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً...}: يعني : عدلاً, {لّتكونوا شهداء على النّاس}, يقال: إن كلّ نبيّ يأتي يوم القيامة , فيقول: ((بلّغت))، فتقول أمّته: لا، فيكذّبون الأنبياء، ثم يجاء بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيصدّقون الأنبياء ونبيّهم, ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم , فيصدّق أمّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: {لّتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}، ومنه قول الله: {فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}). [معاني القرآن: 1/83]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم...}
أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى : فيمن مات من المسلمين قبل أن تحوّل القبلة, فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, يريد إيمانهم ؛ لأنهم داخلون معهم في الملّة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، تريد: قتلنا منكم، فتواجههم بالقتل, وهم أحياء). [معاني القرآن: 1/83-84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً، ومنه قولهم: فلان واسطٌ في عشيرته، أي: في خيار عشيرته.
وقال غيلان:
= وقد وسطت مالكاًوحنظلاً
أي: صرت من أوسطهم , وخيارهم, وواسط: في موضع وسط، كما قالوا: ناقة يبسٌ ويابسة الخلف). [مجاز القرآن: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({رءوفٌ}: فعول من الرأفة، وهي أشدّ الرحمة.
قال الكميت:
وهم الأرأفون بالناس في الرأ= فة والأحلمون في الأحلام). [مجاز القرآن: 1/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أمة وسطا} أي: عدلا وقالوا خيارا وقالوا فلان واسطا في عشيرته أي من خيارهم.
{رءوف}: من الرأفة وهي أشد الرحمة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلناكم أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً, ومنه قوله في موضع آخر: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبّحون}
أي: خيرهم, وأعدلهم, قال الشاعر:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم = إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
ومنه قيل للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: ((هو أوسط قريش حسباً)), وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.
{لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: على الأمم المتقدمة لأنبيائهم). [تفسير غريب القرآن: 64-65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}
معنى الأمة: الجماعة, أي: جماعة كانت إلا أن هذه الجماعة وصفت بأنها وسط.
وفي {أمّة وسطاً}, قولان:
1- قال بعضهم وسطاً: عدلاً.
2- وقال بعضهم: أخياراً, واللفظان مختلفان, والمعنى واحد؛ لأن العدل خير , والخير عدل.

وقيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : إنه من أوسط قومه جنساً, أي: من خيارها، والعرب تصف الفاضل النسب بأنه: من أوسط قومه، وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة؛ لأن العرب تستعمل التمثيل كثيرا "
فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه فخير الوادي وسطه فيقال: هذا من وسط قومه، ومن وسط الوادي، وسرر الوادي وسرارة الوادي وسر الوادي، ومعناه كله: من خير مكان فيه، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم من خير مكان في نسب العرب, {وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا}: أي: خياراً.
وقوله عزّ وجلّ: {لتكونوا شهداء على النّاس}
{تكونوا} في موضع نصب.
المعنى: جعلناكم خياراً؛ لأن شهداء، فنصب {تكونوا } بأن, و{شهداء} نصب خبر تكونوا، إلا أن {شهداء} لا ينون، لأنه لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم, ولم يلحق بعد الفراغ من الاسم فلذلك لم تنصرف {شهداء}.
فإن قال قائل: فلم جعل الجمع بألف التأنيث قيل: كما جعل التأنيث في نحو قولك جريب وأجربة، وغراب وأغربة , وضارب وضربة، وكاتب وكتبة.
وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.

2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه}
يعني: قبلة بيت المقدس، أي: وإن كان اتباعها لكبيرة.
المعنى: إنه كبير على غير المخلصين، فأما من أخلص , فليست بكبيرة عليه، كما قال: {إلّا على الّذين هدى الله}, أي: فليست بكبيرة عليهم.
وهذه اللام دخلت على " إن " لأن اللام إذا لم تدخل مع إن الخفيفة كان الكلام جحدا فلولا " اللام " كان المعنى " ما كانت كبيرة " فإذا جاءت إن واللام, فمعناه التوكيد للقصة، واللام تدخل في الخبر، ونحن نشرح دخولها على " الخفيفة " في موضعها إن شاء اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}
هذه اللام أهي، التي يسميها النحويون لام الجحود، وهي تنصب الفعل المستأنف, وقد أحكمنا شرحها قبل هذا الموضوع.
ومعنى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} أي: من كان صلّى إلى بيت المقدس قبل أن تحوّل القبلة إلى البيت الحرام بمكة , فصلاته غير ضائعة وثوابه قائم، وقيل: إنّه كان قوم قالوا: فما نصنع بصلاتنا التي كنا صليناها إلى بيت المقدس، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم},أي: تصديقكم بأمر تلك القبلة.
وقيل أيضا: إنّ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفّوا , وهم يصلون إلى بيت المقدس قبل نقل القبلة إلى بيت اللّه الحرام، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتهم , فأنزل الله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}: إن شئت قلت لرؤوف، وإن شئت لرووف رحيم, فهمزت , وخففت , ومعنى الرأفة كمعنى الرحمة). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ليضيع إيمانكم}, أي: صلاتكم إلى بيت المقدس,{والرأفة}أشد الرحمة، ومنه:{رؤوف}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَسَطاً}: عـــــدلاً, {الرَّأْفَةُ}: أشد الرحمة). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فولّوا وجوهكم شطره...}
يريد: نحوه وتلقاءه، ومثله في الكلام: ولّ وجهك شطره، وتلقاءه، وتجاهه). [معاني القرآن: 1/84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شطر المسجد الحرام}, أي: قصد المسجد الحرام، قال الهذليّ:
إنّ العسير بها داءٌ مخامرها= فشطرها نظر العينين محسور
العسير: الناقة التي لم تركب,شطرها: نحوها، وقال ابن أحمر:
تعدو بنا شطر جمعٍ وهي عاقدةٌ= قد كارب العقد من إيقادها الحقبا
إيقادها: سرعتها). [مجاز القرآن: 1/60]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شطر المسجد الحرام}: تلقاءه). [غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({شطر المسجد الحرام}: نحوه وقصده). [تفسير غريب القرآن: 65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافل عمّا يعملون}
المعنى: في النظر إلى السماء، وقيل: تقلب عينك، والمعنى واحد؛ لأن التقلب إنما كان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك الصلاة إلى بيت المقدس, فكان ينتظر أن ينزل عليه الوحي إلى أي قبلة يصلّي، وتقلب مصدر تقلّب تقلّباً, ويجوز في الكلام تقلاباً, ولا يجوز في القرآن لأنه تغيير للمصحف.
وقوله عزّ وجلّ: {فلنولّينّك قبلة ترضاها}: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين أمر بأن ينتقل عن الصلاة إلى بيت المقدس، فأمر بأن يصلي إلى بيت اللّه الحرام، وقيل في قوله: {ترضاها}, قولان :-
1- قال قوم معناه: تحبها، لا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن راضياً بتلك القبلة، لأن كل ما أمر الله الأنبياء " عليهم السلام " به , فهي راضية به , وإنما أحبها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها كانت -فيما يروى - قبلة الأنبياء؛
2- وقيل: لأنها كانت عنده ادعى لقومه إلى الإيمان.

وقوله عزّ وجلّ:{فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}
أي: المسجد الحرام، فأمر أن يستقبل - وهو بالمدينة - مكة، والبيت الحرام، وأمر أن يستقبل البيت حيث كان الناس،
ومعنى الشطر: النحو, وشطر منصوب على الظرف.

قال الشاعر:
إنّ العسير بها داء يخامرها= فشطرها نظر العينين محسور
أي: فنحوها، ولا اختلاف بين أهل اللغة أن الشطر : النحو، وقول الناس : فلان شاطر، معناه : قد أخذ في نحو غير الاستواء، فلذلك قيل شاطر ؛ لعدوله عن الاستواء، يقال: قد شطر الرجل يشطر شطارة وشطارة، ويقال: هؤلاء قوم مشاطرونا, أي: دورهم تتصل بدورنا ,كما تقول هؤلاء يناحوننا, أي: نحن نحوهم، وهم نحونا، فلذلك هم شاطرونا.
وقوله عزّ وجلّ:{إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}.
إن قال قائل ما معنى: {إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}, واللّه عزّ وجلّ قد علم ما يكون قبل كونه؟
فالجواب في ذلك: أن اللّه يعلم من يتبع الرسول ممن لا يتبعه من قبل وقوعه , وذلك العلم لا تجب به مجازاة في ثواب ولا عقاب , ولكن المعنى: ليعلم ذلك منهم شهادة , فيقع عليهم بذلك العلم : اسم مطيعين , واسم عاصين، فيجب ثوابهم على قدر عملهم.
ويكون معلوم ما في حال وقوع الفعل منهم علم شهادة كما قال عزّ وجلّ: {عالم الغيب والشهادة}, فعلمه به قبل وقوعه علم غيب، وعلمه به في حال وقوعه شهادة، وكل ما علمه الله شهادة , فقد كان معلوماً عنده غيباً؛ لأنه يعلمه قبل كونه، وهذا يبين كل ما في القرآن مثله نحو قوله تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمُمْتَرِينَ}: الشاكين, {شَطْرَ}: تلقاء). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك...}
أجيبت (لئن) بما يجاب به لو., ولو في المعنى ماضية، ولئن مستقبلة، ولكن الفعل ظهر فيهما بفعل , فأجيبتا بجواب واحدٍ، وشبّهت كلّ واحدة بصاحبتها, والجواب في الكلام في (لئن) بالمستقبل مثل قولك: لئن قمت لأقومنّ، ولئن أحسنت لتكرمنّ، ولئن أسأت لا يحسن إليك,
وتجيب لو بالماضي فتقول: لو قمت لقمت، ولا تقول: لو قمت لأقومنّ. فهذا الذي عليه يعمل، فإذا أجيبت لو بجواب لئن , فالذي قلت لك من لفظ فعليهما بالمضيّ، ألا ترى أنك تقول: لو قمت، ولئن قمت، ولا تكاد ترى تفعل تأتى بعدهما، وهي جائزة، فلذلك قال {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفرّاً لظلّوا} فأجاب (لئن) بجواب (لو)، وأجاب (لو) بجواب (لئن) , فقال:{ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} الآية).
[معاني القرآن: 1/84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بكلّ آيةٍ} أي: علامة، وحجة). [مجاز القرآن: 1/60]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن اتّبعت أهواءهم مّن بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لّمن الظّالمين}
قال: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك}؛ لأن معنى قوله: {ولئن أتيت}، ولو أتيت,ألا ترى أنك تقول: "لئن جئتني ما ضربتك" على معنى "لو" كما قال: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفرّاً لّظلّوا}, يقول: "ولو أرسلنا ريحاً" ؛ لأن معنى "لئن" مثل معنى "لو" ؛ لأنّ "لو" لم تقع , وكذلك "لئن" كذا يفسره المفسرون, وهو في الإعراب على أنّ آخره معتمد لليمين, كأنه قال "و الله ما تبعوا" , أي: ما هم بمتّبعين). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظّالمين}
زعم بعض النحويين، أن " لئن " أجيب بجواب " لو " ؛ لأن الماضي: وليها كما ولي " لو ", فأجيب بجواب " لو ", ودخلت كل واحدة منها على أختها , قال اللّه عزّ وجلّ: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرّا لظلّوا من بعده يكفرون}
فجرت مجرى: {ولو أرسلنا ريحاً}, وكذلك قال الأخفش بهذا القول،
قال سيبويه وجميع أصحابه: إن معنى {لظلّوا من بعده يكفرون}: ليظلّنّ , ومعنى (لئن) غير معنى " لو " في قول الجماعة، وإن كان هؤلاء قالوا : إنّ الجواب متفق؛ فإنهم لا يدفعون أن معنى {لئن}ما يستقبل , ومعنى " لو " ماض , وحقيقة معنى " لو " أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، تقول: لو أتيتني لأكرمتك، أي: لم تأتني فلم أكرمك، فإنما امتنع إكرامي لامتناع إتيانك.

ومعنى " إن " , و (لئن) أنه يقع الشيء فيهما، لوقوع غيره في المستقبل تقول إن تأتني أكرمك، فالإكرام يقع بوقوع الإتيان فهذه حقيقة معناهما.
فأما التأويل: فإنّ أهل الكتاب قد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق , وأن صفته ونبوته في كتابهم، وهم يحققون العلم بذلك , فلا تغني الآيات عند من يجد ما يعرف.
وقوله عزّ وجلّ: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض}؛ لأن أهل الكتاب تظاهروا على النبي صلى الله عليه وسلم , واليهود لا تتبع قبلة النصارى، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود، وهم مع ذلك في التظاهر على النبي متفقون.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّك إذا لمن الظّالمين} أي: أنك لمنهم أن اتبعت أهواءهم, وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, ولسائر أمّته؛ لأن ما خوطب به من هذا الجنس, فقد خوطب به الأمة , والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}, أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, وليس معه لفظ الأمة، وآخره دليل أن الخطاب عام). [معاني القرآن: 1/224]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{العلم} هاهنا: القرآن). [ياقوتة الصراط: 179]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {وإنّ فريقاً مّنهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون... الحقّ من رّبّك...}
المعنى: أنهم لا يؤمنون بأن القبلة التي صرف إليها محمد صلى الله عليه وسلم قبلة إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، ثم استأنف {الحقّ},فقال: يا محمد هو {الحقّ من رّبّك}، إنها قبلة إبراهيم , {فلا تكوننّ من الممترين}: فلا تشكّنّ في ذلك,والممتري: الشاك). [معاني القرآن: 1/85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}: يعني به: علماء اليهود, و (الذين) رفع بالابتداء، وخبر (الذين) : (يعرفونه)، وفي (يعرفونه) قولان:
1- قال بعضهم: يعرفون أن أمر القبلة ,وتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بيت المقدس إلى البيت الحرام حق, كما يعرفون أبناءهم.

2- وقيل معنى {يعرفونه}: يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم , وصحة أمره.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}
أي: يعلمون {أنّه الحق}, أي: يكتمون صفته، ومن لا يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم , وما جاء به , {وهم يعلمون}, أنّه الحق). [معاني القرآن: 1/225]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}
قال: {الحقّ من رّبّك} على ضمير الاسم , ولكن استغني عنه لما ذكره كأنه قال: "هو الحقّ من ربّك"). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الممترين}: الشاكين).[غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} أي: من الشاكين , والخطاب أيضاً عام , أي: فلا تكونوا من الشاكين). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الممترين}: الشاكين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكلٍّ وجهةٌ...}: يعني : قبلة .{هو مولّيها}: مستقبلها، الفعل لكلٍّ، يريد: مولٍّ وجهه إليها, والتولية في هذا الموضع : إقبال.
وفي {يولّوكم الأدبار}، {ثمّ ولّيتم مدبرين} انصراف, وهو كقولك في الكلام: انصرف إليّ، أي : أقبل إليّ، وانصرف إلى أهلك, أي: اذهب إلى أهلك, وقد قرأ ابن عباس وغيره :{هو مولاّها},وكذلك قرأ أبو جعفر محمد بن عليّ، فجعل الفعل واقعاً عليه, والمعنى واحد, والله أعلم).
[معاني القرآن: 1/85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أين ما تكونوا...}
إذا رأيت حروف الاستفهام قد وصلت بـ (ما)، مثل قوله: أينما، ومتى ما، وأيّ ما، وحيث ما، وكيف ما، و{أيّاًما تدعوا} كانت جزاء, ولم تكن استفهاماً, فإذا لم توصل بـ (ما) كان الأغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء, فإذا كانت جزاء جزمت الفعلين: الفعل الذي مع أينما وأخواتها، وجوابه؛ كقوله: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه} , فإن أدخلت الفاء في الجواب رفعت الجواب؛ فقلت في مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك, كذلك قول الله - تبارك وتعالى - {ومن كفر فأمتّعه}.
فإذا كانت استفهاما رفعت الفعل الذي يلي أين وكيف، ثم تجزم الفعل الثاني؛ ليكون جوابا للاستفهام، بمعنى الجزاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم} , ثم أجاب الاستفهام بالجزم؛ فقال تبارك وتعالى : {يغفر لكم ذنوبكم}.
فإذا أدخلت في جواب الاستفهام فاءً نصبت كما قال الله تبارك وتعالى: {لولا أًخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأًصّدّق} فنصب.
فإذا جئت إلى العطوف التي تكون في الجزاء , وقد أجبته بالفاء كان لك في العطف ثلاثة أوجه؛ إن شئت رفعت العطف؛ مثل قولك: إن تأتني فإني أهل ذاك، وتؤجر وتحمد، وهو وجه الكلام. وإن شئت جزمت، وتجعله كالمردود على موضع الفاء, والرفع على ما بعد الفاء, وقد قرأت القرّاء:{من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم}, رفع وجزم, وكذلك: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم ويكفّر} جزم ورفع. ولو نصبت على ما تنصب عليه عطوف الجزاء إذا استغنى لأصبت؛ كما قال الشاعر:
فإن يهلك النعمان تعر مطّيةٌ = وتخبأ في جوف العياب قطوعها
وإن جزمت عطفاً بعد ما نصبت تردّه على الأوّل، كان صواباً؛ كما قال بعد هذا البيت:
وتنحط حصانٌ آخر اللّيل نحطةً = تقصّم منها أو تكاد ضلوعها
وهو كثير في الشعر والكلام, وأكثر ما يكون النصب في العطوف إذا لم تكن في جواب الجزاء الفاء، فإذا كانت الفاء فهو الرفع والجزم.
وإذا أجبت الاستفهام بالفاء , فنصبت , فانصب العطوف، وإن جزمتها فصواب,من ذلك قوله في المنافقين: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن}, رددت "وأكن" على موضع الفاء؛ لانها في محلّ جزمٍ؛ إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جزم, والنصب على أن تردّه على ما بعدها، فتقول: "وأكون" , وهي في قراءة عبد الله بن مسعود :{وأكون}بالواو، وقد قرأ بها بعض القرّاء قال: وأرى ذلك صواباً, لأن الواو ربما حذفت من الكتاب وهي تراد؛ لكثرة ما تنقص وتزاد في الكلام؛ ألا ترى أنهم يكتبون "الرحمن" وسليمن بطرح الألف والقراءة بإثباتها؛ فلهذا جازت, وقد أسقطت الواو من قوله: {سندع الزّبانية}, ومن قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ} الآية، والقراءة على نيّة إثبات الواو, وأسقطوا من الأيكة ألفين فكتبوها في موضع ليكة، وهي في موضع آخر الأيكة، والقرّاء على التمام، فهذا شاهد على جواز "وأكون من الصّالحين".
وقال بعض الشعراء:
فأبلوني بليّتكم لعلّي = أصلكم وأستدرج نويّا
فجزم (وأستدرج), فإن شئت رددته إلى موضع الفاء المضمرة في لعلّى، وإن شئت جعلته في موضع رفع , فسكّنت الجيم لكثرة توالى الحركات, وقد قرأ بعض القراء :{لا يحزنهم الفزع الأكبر}بالجزم وهم ينوون الرفع، وقرءوا :{أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}, والرفع أحبّ إليّ من الجزم). [معاني القرآن: 1/84-85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكلٍّ وجهةٌ...}: العرب تقول: هذا أمر ليس له وجهة، وليس له جهة، وليس له وجه؛ وسمعتهم يقولون: وجّه الحجر، جهةٌ مّاله، ووجهة مّاله، ووجهٌ مّاله, ويقولون: ضعه غير هذه الوضعة، والضّعة، والضعة, ومعناه: وجّه الحجر فله جهة؛ وهو مثل، أصله في البناء يقولون: إذا رأيت الحجر في البناء لم يقع موقعه , فأدره , فإنك ستقع على جهته, ولو نصبوا على قوله: وجّهه جهته , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/90]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها}, أي: موجّهها). [مجاز القرآن: 1/60]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} على: "ولكل أمّةٍ وجهةٌ" , وقد قال قوم {ولكلّ وجهةٍ} , فلم ينونوا "كلّ", وهذا لا يكون ؛ لأنك لا تقول: "لكلّ رجلٍ هو ضاربه", ولكن تقول: لكلّ رجلٍ ضاربٌ" , فلو كان "هو مولٍّ" كان كلاماً, فأما "مولّيها" على وجه ما قرأ , فليس بجائز). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({هو موليها}: موجهها وجهة إليها والفعل " لكل" والتولية في هذا الموضع إقبال وفي قوله ثم {وليتم مدبرين} و{يولوكم الأدبار}: فرار وهو قولك في الكلام: كان فلان موليا معرضا عني فانصرف إلي أي أقبل إلي، وانصرف إلى أهله أي ذهب إليهم). [غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لكلٍّ وجهةٌ},أي: قبلة, {مولّيها},أي: موليها وجهه ,أي: مستقبلها, يريد : أن كل ذي ملّة له قبلة). [تفسير غريب القرآن: 65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولكلّ وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
يقال: هذه جهة و وجهة و وجهة، وكذلك يقال: ضعة ووضعة وضعة.
وقيل في قوله:{هو موليها}, قولان: -
1- قال بعض أهل اللغة , وهو أكثر القول: هو "لكل: المعنى: هو موليها وجهه، أي : وكل أهل وجهة هم الذين ولوا وجوههم إلى تلك الجهة , وقد قرئ أيضاً:هو مولّاها, وهو حسن.
2- وقال قوم: أي اللّه - على ما يزعمون - يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد، وكلا القولين جائز، واللّه أعلم.

وقوله عزّ وجلّ:{فاستبقوا الخيرات} أي: فبادروا إلى القبول من الله عزّ وجلّ، وولّوا وجوهكم حيث أمركم أن تولوا.
وقوله عزّ وجلّ: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً},أي: يرجعكم إليه.
{إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}: فتوفون ما عملتم , وأينما تجزم ما بعدها؛ لأنها إذا وصلت ب " ما " جزمت ما بعد, وكان الكلام شرطاً, وكان الجواب جزماً كالشرط, وإن كانت استفهاماً نحو: أين زيد ؟, فإن أجبته أجبت بالجزم، تقول: أين بيتك أزرك؟, المعنى: إن أعرف بيتك أزرك.
وزعم بعض النحويين أن قوله: {هّل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}, جوابه :{يغفر لكم}
وهذا خطأ لأنه ليست بالدلالة تجب المغفرة , إنما تجب المغفرة بقبولهم ما يؤدي إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن {يغفر لكم ذنوبكم}جواب {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون}: فإنه أمر في لفظ خبر.
المعنى: آمنوا باللّه ورسوله , وجاهدوا , يغفر لكم). [معاني القرآن: 1/225-226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولكل وجهة هو موليها}, أي: قبلة هو موليها وجهه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وِجْهَةٌ}: قبلـــة, {مُوَلِّيهَـــا}: موجههـــا). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشطر: الجانب، والشطر: النصف). [ياقوتة الصراط: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم...}
يقول القائل: كيف استثنى الذين ظلموا في هذا الموضع؟ , ولعلهم توهّموا أن ما بعد إلاّ يخالف ما قبلها؛ فإن كان ما قبل إلاّ فاعلا كان الذي بعدها خارجاً من الفعل الذي ذكر، وإن كان قد نفى عما قبلها الفعل ثبت لما بعد إلا؛ كما تقول: ذهب الناس إلاّ زيداً, فزيد خارج من الذهاب، ولم يذهب الناس إلا زيد، فزيد ذاهب، والذهاب مثبت لزيد.
فقوله: {إلاّ الّذين ظلموا}معناه: إلا الذين ظلموا منهم, فلا حجّة لهم , {فلا تخشوهم} , وهو كما تقول في الكلام: الناس كلّهم لك حامدون إلا الظالم لك المعتدي عليك، فإن ذلك لا يعتدّ بعداوته , ولا بتركه الحمد لموضع العداوة, وكذلك الظالم لا حجّة له, وقد سمّي ظالماً.
وقد قال بعض النحويين: إلا في هذا الموضع بمنزلة الواو؛ كأنه قال: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ}, ولا للذين ظلموا, فهذا صواب في التفسير، خطأ في العربية؛ إنما تكون إلا بمنزلة الواو إذا عطفتها على استثناء قبلها، فهنالك تصير بمنزلة الواو؛ كقولك: لي على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة، تريد بـ (إلاّ) الثانية أن ترجع على الألف، كأنك أغفلت المائة , فاستدركتها , فقلت: اللهمّ إلا مائ, فالمعنى : له عليّ ألف ومائة، وأن تقول: ذهب الناس إلا أخاك، اللهمّ إلا أباك, فتستثنى الثاني، تريد: إلا أباك وإلا أخاك؛ كما قال الشاعر:
ما بالمدينة دار غير واحدةٍ = دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه أراد: ما بالمدينة دار إلا دار الخليفة , ودار مروان). [معاني القرآن: 1/89-90]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واخشوني...}
أثبتت فيها الياء , ولم تثبت في غيرها، وكلّ ذلك صواب، وإنما استجازوا حذف الياء ؛ لأن كسرة النون تدلّ عليها، وليست تهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسوراً, من ذلك {ربّي أكرمن} , و{ أهانن} في سورة "الفجر" وقوله: {أتمدّونن بمالٍ} , ومن غير النون "المناد" و"الداع" وهو كثير، يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها، ومن الواو بضمّة ما قبلها؛ مثل قوله:
{سندع الزّبانية . ويدع الإنسان} , وما أشبهه، وقد تسقط العرب الواو , وهي واو جماع، اكتفي بالضمّة قبلها , فقالوا في ضربوا: قد ضرب، وفي قالوا: قد قال ذلك، وهي في هوازن وعليا قيس؛ أنشدني بعضهم:
إذا ما شاء ضرّوا من أرادوا = ولا يألو لهم أحد ضرارا
وأنشدني الكسائي:
متى تقول خلت من أهلها الدار= كأنهم بجناحى طائر طاروا
وأنشدني بعضهم:
فلو أن الأطبّا كان عندي = وكان مع الأطباء الأساة
وتفعل ذلك في ياء التأنيث؛ كقول عنترة:
إن العدوّ لهم إليك وسيلة = إن يأخذوك تكحّلي وتخضّب
يحذفون ياء التأنيث, وهي دليل على الأنثى اكتفاء بالكسرة). [معاني القرآن: 1/90-91]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم},موضع (إلاّ) ها هنا ليس بموضع استثناء، إنما هو موضع واو الموالاة، ومجازها: لئلا يكون للناس عليكم حجة، وللذين ظلموا، وقال الأعشى:
إلاّ كخارجة المكلّف نفسه= وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
ومعناه: وخارجة، وقال عنز بن دجاجة المازنيّ:
من كان أسرع في تفّرق فالجٍ= فلبونه جربت معاً وأغدّت
إلاّ كناشرة الذي ضيّعتم... كالغصن في غلوائه المتنبّت
غلوائه: سرعة نباته، يريد: وناشرة الذي ضيعتم، لأن بني مازن يزعمون أن فالجا الذي في بني سليم، وناشرة الذي في بني أسد: هما، ابنا مازنٍ.
{أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة}, يقول: ترحّمٌ من ربهم، قال الأعشى:
تقول بنتي إذا قرّبت مرتتحلاً= يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضى= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
فمن رفع (مثل) جعله: عليك مثل ذلك قلت لي ودعوت لي به، ومن نصبه جعله أمراً يقول: عليك بالترحم والدعاء للي). [مجاز القرآن: 1/60-62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}
وقال: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا} , فهذا معنى "لكنّ", وزعم يونس أنه سمع أعرابياً فصيحا يقول: "ما أشتكي شيئاً إلاّ خيراً" , وذلك أنه قيل له: "كيف تجدك؟", وتكون "إلاّ" بمنزلة الواو نحو قول الشاعر:
وأرى لها داراً بأغدرة السـ = ـيدان لم يدرس لها رسم
إلاّ رماداً هامداً دفعت = عنه الرياح خوالدٌ سحم
أراد: أرى لها داراً ورماداً.
وقال بعض أهل العلم : إن الذين ظلموا ههنا: هم ناس من العرب كانوا يهوداً أو نصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه، فأما سائر العرب فلم يكن لهم حجة , وكانت حجة من يحتج منكسرة, إلا أنك تقول لمن تنكسر حجته: إن لك علي الحجة , ولكنها منكسرة , وإنك تحتج بلا حجة , وحجتك ضعيفة.

وقال: {ولأتمّ نعمتي عليكم} , يقول: لأن لا يكون للناس عليكم حجة, ولأتمّ نعمتي عليكم, عطف على الكلام الأول). [معاني القرآن: 1/119-120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلّا الّذين ظلموا}, أي: إلّا أن يحتج عليكم الظالمون بباطل من الحجج, وهو قول اليهود: كنت , وأصحابك تصلون إلى بيت المقدس، فإن كان ذلك ضلالاً, فقد مات أصحابك عليه, وإن كان هدى فقد حوّلت عنه.
فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, أي: صلاتكم, فلم تكن لأحد حجة). [تفسير غريب القرآن: 65-66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}
{لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة}: أي: قد عرفكم اللّه أمر الاحتجاج في القبلة مما قد بيّنّاه ؛ لئلا يكون للناس على اللّه حجة في قوله: {ولكلّ وجهة هو مولّيها}, أي: هو موليها لئلا يكون.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم}
قال بعضهم : لكن الذين ظلموا منهم , فلا تخشوهم، والقول عندي: أن المعنى في هذا واضح, المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة، إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول: ما لك على من حجة إلا الظلم، أي: إلا أن تظلمني، المعنى: ما لك عليّ من حجة ألبتّة، ولكنك تظلمني، وما لك على حجة إلا ظلمي, وإنما سميّ ظلمة هنا حجة ؛ لأن المحتج به سماه حجة وحجّته داحضة عند اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {حجّتهم داحضة عند ربّهم}: سميت حجة إلا أنها حجة مبطلة, فليست بحجة موجبة حقاً.
وهذا بيان شاف إن شاء اللّه.
وقوله عزّ وجلّ:{ولأتمّ نعمتي عليكم}, أي عرفتكم لئلا يكون عليكم حجة , {ولأتمّ نعمتي عليكم},{ولعلّكم تهتدون}). [معاني القرآن: 1/225-227]

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كما أرسلنا فيكم...}
جواب لقوله: {فاذكروني أذكركم}: كما أرسلنا، فهذا جواب مقدّم ومؤخّر.
وفيها وجه آخر: تجعلها من صلة ما قبلها لقوله: {أذكركم} , ألا ترى أنه قد جعل لقوله: {اذكروني} جواباً مجزوماً, فكان في ذلك دليل على أن الكاف التي في (كما) لما قبلها؛ لأنك تقول في الكلام: كما أحسنت فأحسن, ولا تحتاج إلى أن تشترط لـ (أحسن)؛ لأن الكاف شرط، معناه:افعل كما فعلت, وهو في العربية أنفذ من الوجه الأوّل مما جاء به التفسير؛ وهو صواب بمنزلة جزاء يكون له جوابان؛ مثل قولك: إذا أتاك فلان فأته ترضه, فقد صارت (فأته) , و(ترضه) جوابين). [معاني القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كما أرسلنا فيكم رسولاً مّنكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}
قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولاً مّنكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة} , {فاذكروني أذكركم}, أي: كما فعلت هذا, فاذكرونني). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ ونجل: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)}: (كما) تصلح أن تكون جوابا لما قبلها، فيكون: {لعلّكم تهتدون}., {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم}, والأجود أن تكون (كما) معلقة بقوله عزّ وجلّ {فاذكروني أذكركم}.
أي: فاذكروني بالشكر والإخلاص كما أرسلنا فيكم.
فإن قال قائل فكيف يكون جواب {كما أرسلنا}: {فاذكروني أذكركم}, جواب ههنا إنما يصلح أن يكون جوابين ؛ لأن قوله:{فاذكروني} أمر، وقوله :{أذكركم}جزاء اذكروني,والمعنى :إن تذكروني أذكركم..
ومعنى الآية: أنها خطاب لمشركي العرب، فخاطبهم اللّه عزّ وجلّ بمادلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا أقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب، فكما أنعمت عليكم بإرساله فاذكروني بتوحيدي، وتصديقه صلى الله عليه وسلم.
{اشكروا لي}: أذكركم برحمتي , ومغفرتي , والثناء عليكم.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تكفرون}: الأكثر الذي أتى به القرّاء حذف الياءات مع النون). [معاني القرآن: 1/228]

تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واشكروا لي...}
العرب لا تكاد تقول: شكرتك، إنما تقول: شكرت لك، ونصحت لك. ولا يقولون: نصحتك، وربما قيلتا؛ قال بعض الشعراء:
هم جمعوا بؤسي ونعمي عليكم = فهلاّ شكرت القوم إذ لم تقاتل
وقال النابغة:
نصحت بني عوفٍ فلم يتقبّلوا = رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي). [معاني القرآن: 1/92]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153)}
{يا أيّها} نداء مفرد مبهم , و {الذين} في موضع رفع صفة لـ{أيّها}, هذا مذهب الخليل, وسيبويه.
وأما مذهب الأخفش, فالذين صلة لأي , وموضع الذين رفع بإضمار الذكر العائد على أي , كأنّه على مذهب الأخفش بمنزلة قولك: يا من الذين، أي: يا من هم الذين.
و " ها " لازمة لأي عوض عما حذف منها للإضافة، وزيادة في التنبيه.
وأي في غير النداء لا يكون فيها " هاء " , ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول أضرب أيّهم أفضل، وأيّهم هو أفضل, تري:د الذي هو أفضل .
وأجاز المازني أن تكون صفة , أي: نصباً, فأجاز: يا أيها الرجل أقبل، وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب،
ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله، ولا تابعة عليه أحد بعده , فهذا مطروح مرذول لمخالفته كلام العرب, والقرآن, وسائر الأخبار.

ومعنى {استعينوا بالصبر والصلاة} أي: بالثبات على ما أنتم عليه, وإن نالكم فيه مكروه في العاجل، فإن الله مع الصابرين.
وتأويل إن اللّه معهم أي يظهر دينه على سائر الأديان.
لأن من كان الله معه , فهو الغالب, كما قال عزّ وجلّ: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}.
ومعنى: استعينوا بالصلاة، أي: أنكم إذا صليتم , تلوتم في صلاتكم ما تعرفون به فضل ما أنتم عليه, فكان ذلك لكم عوناً). [معاني القرآن: 1/229]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ...}: رفع بإضمار مكني من أسمائهم؛ كقولك: لا تقولوا: هم أموات بل هم أحياء, ولا يجوز في الأموات النصب؛ لأن القول لا يقع على الأسماء إذا أضمرت وصوفها , أو أظهرت؛ كما لا يجوز قلت عبد الله قائما، فكذلك لا يجوز نصب الأموات؛ لأنك مضمر لأسمائهم، إنما يجوز النصب فيما قبله القول إذا كان الاسم في معنى قولٍ؛ من ذلك: قلت خيراً , وقلت شرّاً, فترى الخير والشرّ منصوبين؛ لأنهما قول، فكأنك قلت: قلت كلاما حسنا أو قبيحا. وتقول: قلت لك خيرا، وقلت لك خير، فيجوز، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت: قلت لك كلاماً, فإذا رفعته فليس بالقول، إنما هو بمنزلة قولك: قلت لك مال, فابن على ذا ما ورد عليك؛ من المرفوع قوله: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم} , و"خمسةٌ" و"سبعةٌ"، لا يكون نصباً؛ لأنه إخبار عنهم فيه أسماء مضمرة؛ كقولك: هم ثلاثة، وهم خمسة,
وأمّا قوله تبارك وتعالى :{ويقولون طاعةٌ}, فإنه رفع على غير هذا المذهب, وذلك أن العرب كانوا يقال لهم: لا بدّ لكم من الغزو في الشتاء والصيف، فيقولون: سمع وطاعة؛ معناه: منّا السمع والطاعة، فجرى الكلام على الرفع, ولو نصب على: نسمع سمعاً, ونطيع طاعة كان صواباً.

وكذلك قوله تبارك وتعالى في سورة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم: {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروف}, عيّرهم , وتهدّدهم بقوله: "فأولى لهم"، ثم ذكر ما يقولون فقال: يقولون إذا أمروا "طاعة", "فإذا عزم الأمر" نكلوا وكذبوا فلم يفعلوا, فقال الله تبارك وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم}، وربما قال بعضهم: إنما رفعت الطاعة بقوله: لهم طاعة، وليس ذلك بشيء, والله أعلم,ويقال أيضاً: "وذكر فيها القتال" و"طاعة" فأضمر الواو، وليس ذلك عندنا من مذاهب العرب، فإن يك موافقاً للتفسير , فهو صواب). [معاني القرآن: 1/93-94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لاّ تشعرون}, قال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ} على: ولا تقولوا هم أمواتٌ, وقال: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً} نصب على "تحسب"، ثم قال: {بل أحياءٌ}, أي: بل هم أحياءٌ, ولا يكون أن تجعله على الفعل؛ لأنه لو قال: "بل احسبوهم أحياء" ,كان قد أمرهم بالشك).
[معاني القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)}: بإضمار مكنيهم، أي: لا تقولوا هم أموات، فنهاهم اللّه أن يسمّوا من قتل في سبيل الله ميتاً, وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال:{بل أحياء عند ربّهم يرزقون}, فأعلمنا أن من قتل في سبيل اللّه حي.
فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثة غير متصرفة؟, فإن دليل ذلك : مثل ما يراه الإنسان في منامه، وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى ,واللّه عزّ وجلّ قد توفى نفسه في نومه , فقال تعالى:
{اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها}, وينتبه المنتبه من نومه , فيدركه الانتباه , وهو في بقية من ذلك، فهذا دليل أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم، وهم عند اللّه أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يجب أن يقال له : ميت , لكن يقال له: شهيد , وهو عند الله حي.
وقد قيل فيها قول غير هذا , وهذا القول الذي ذكرته آنفا هو الذي أختاره, قالوا : معنى الأموات , أي: لا تقولوا هم أموات في دينهم، بل قولوا : إنهم أحياء في دينهم.
وقال أصحاب هذا القول: دليلنا والله أعلم - قوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}, فجعل المهتدي حياً, وانّه حين كان على الضلالة كان ميتا، والقول الأول أشبه بالدين, وألصق بالتفسير.
قوله عزّ وجلّ: {ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع}
اختلف النحويون في فتح هذه الواوي:
فقال سيبويه: إنها مفتوحة لالتقاء السّاكنين.
وقالّ غيره من أصحابه: أنها مبنية على الفتح، وقد قال سيبويه في لام يفعل؛ لأنها مع ذلك قد تبنى على الفتحة، فالذين قالوا من أصحابه إنها مبنية على الفتح غير خارجين من قول له,وكلا القولين جائز).
[معاني القرآن: 1/229-230]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنبلونّكم بشيءٍ مّن الخوف والجوع ونقصٍ مّن الأموال والأنفس والثّمرات...}
ولم يقل (بأشياء) لاختلافها, وذلك أن من تدلّ على أن لكل صنفٍ منها شيئا مضمراً, بشيء من الخوف وشيء من كذا، ولو كان بأشياء , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155)}
ولم يقل بأشياء، فإنما جاء على الاختصار، والمعنى يدل على أنّه , وشيء من الخوف , وشيء من الجوع , وشيء من نقص الأموال والأنفس، وإنما جعل الله هذا لابتلاء ؛ لأنه أدعى لمن جاء بعد الصحابة , ومن كان في عصر صلى الله عليه وسلم إلى أتباعهم ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصبر على هذه الأشياء إلا من قد وضح له الحق , وبان له البرهان، -واللّه عزّ وجلّ يعطيهم ما ينالهم من المصائب في العاجل والآجل، وما هو أهم نفعاً لهم , فجمع بهذا الدلالة على البصيرة , وجوز الثواب للصابرين على ذلك الابتلاء , فقال عزّ وجلّ:
{وبشّر الصّابرين}: بالصلاة عليهم من ربّهم , والرحمة, وبأنهم المهتدون). [معاني القرآن: 1/231]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا إنّا للّه...}
لم تكسر العرب (إنا) إلا في هذا الموضع مع اللام في التوجّع خاصّة, فإذا لم يقولوا (للّه) فتحوا , فقالوا: إنا لزيد محبّون، وإنا لربّنا حامدون عابدون, وإنما كسرت في {إنّا للّه}؛ لأنها استعملت فصارت كالحرف الواحد، فأشير إلى النون بالكسر لكسرة اللام التي في "للّه"؛ كما قالوا: هالك وكافر، كسرت الكاف من كافر لكسرة الألف؛ لأنه حرف واحد، فصارت "إنا للّه" كالحرف الواحد ؛ لكثرة استعمالهم إياها، كما قالوا: الحمد للّه). [معاني القرآن: 1/94-95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فقال عزّ وجلّ: {الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون}, أي: نحن وأموالنا للّه , ونحن عبيده يصنع بنا ما شاء، وفي ذلك صلاح لنا وخير.
{وإنّا إليه راجعون} أي: نحن مصدقون بأنا نبعث , ونعطي الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به). [معاني القرآن: 1/231]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عليهم صلوات من ربهم}أي: ترحم).[غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم} أي : مغفرة, والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
والصلاة في اللغة على ضربين:
1-
أحدهما الركوع , والسجود،
2- والآخر: الرحمة ,والثناء , والدعاء,
فصلاة الناس على الميت إنما معناها: الدعاء , والثناء على الله صلاة،
والصلاة من اللّه عزّ وجلّ على أنبيائه, وعباده, معناها: الرحمة لهم، والثناء عليهم، وصلاتنا الركوع , والسجود كما وصفنا, والدعاء صلاة, قال الأعشى:

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
ويروى مثل الذي صليت، فمن قال عليك مثل الذي صليت، فمعناه: أنه يأمرها بأن تدعو له مثل الذي دعا لها, أي: تعيد الدعاء له, ومن روى عليك مثل الذي صليت؛ فهو رد عليها.
كأنه قال عليك مثل دعائك، أن ينالك من الخير مثل الذي أردت لي بهذه , ودعوت به لي.
وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه = ربّ كريم وشفيع مطاع
المعنى: عليه الرحمة من اللّه , والثناء الجميل.
وأصل هذا كله عندي من اللزوم, يقال: صلي, وأصلى, واصطلى، إذا لزم, ومن هذا ما يصلى في النار، أي أنه يلزم.
وقال أهل اللغة في الصلاة: هي من الصّلوين، وهما مكتنفاًذنب الناقة, وأول موصل الفخذ من الإنسان، وكأنهما في الحقيقة مكتنف العصعص, والأصل عندي القول الأول.
ألا ترى أن الاسم للصيام هو: الإمساك عن الطعام والشراب،
وأصل الصيام: الثبوت على الإمساك عن الطعام،
وكذلك الصلاة: إنما هي لزوم ما فرض اللّه، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه,
وأما المصلي الذي يأتي في أثر السابق من الخيل , فهو مسمى من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفاذنب الفرس، فكأنة يأتي مع ذلك المكان.

قال الشاعر في الصيام الذي هو ثبوت على القيام:
خيل صيام وخيل غير صائمة= تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقوله تعالى: {وإنّا إليه راجعون}
الأكثرون في قوله:{إنّا للّه}, تفخيم الألف ولزوم الفتح, وقد قيل: وهو كثير في كلام العرب: إنّ اللّه بإمالة الألف إلى الكسر، وكان ذلك في هذا الحرف بكثرة الاستعمال، وزعم بعض النحويين أن النون كسرت، ولم يفهم ما قاله القوم, إنما الألف ممالة إلى الكسرة.
وزعم أن هذا مثل قولهم:" الحمد لله "، فهذا صواب , أعني : قولهم (إنّا للّه) بالكسر , وقولهم " الحمد لله من أعظم الخطأ، فكيف يكون ما هو صواب بإجماع كالخطأ). [معاني القرآن: 1/232-233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صلوات} أي: مغفرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَلَــــوَاتٌ}: رحمـــة). [العمدة في غريب القرآن: 85]


رد مع اقتباس