عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 6 إلى 12]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أآنذرتهم أم لم تنذرهم}: هذا كلام هو إخبارٌ، خرج مخرج الاستفهام؛ وليس هذا إلا في ثلاثة مواضع، هذا أحدها، والثاني: ما أبالي أقبلت أم أدبرت، والثالث: ما أدري أولّيت أم جاء فلان).
[مجاز القرآن: 1/31]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إن الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}
فأما قوله: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} فإنما دخله حرف الاستفهام وليس باستفهام لذكره "السواء"؛ لأنه إذا قال في الاستفهام: "أزيد عندك أم عمرو؟" -وهو يسأل أيهما عندك- فهما مستويان عليه، وليس واحد منهما أحق بالاستفهام من الآخر، فلما جاءت التسوية في قوله: {أأنذرتهم} أشبه بذلك الاستفهام، إذ أشبهه في التسوية، ومثلها: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} ولكن {أستغفرت} ليست بممدودة؛ لأن الألف التي فيها ألف وصل؛ لأنها من (استغفر يَستغفر) فالياء مفتوحة من "يفعل"، وأما {أأنذرتهم} ففيها ألفان: ألف (أنذرت) وهي مقطوعة؛ لأنه يقول "يُنذر" فالياء مضمومة، ثم جعلت معها ألف الاستفهام، فلذلك مددت وخففت الآخرة منهما؛ لأنه لا يلتقي همزتان، وقال: {أفلا تبصرون}، {أم أنا خيرٌ مّن هذا الّذي هو مهينٌ}، وقال بعضهم إنه على قوله: {أفلا تبصرون}، وجعل قوله: {أم أنا خيرٌ مّن هذا الّذي هو مهينٌ} بدلاً من {تبصرون}؛ لأن ذلك عنده بصراً منهم أن يكون عندهم هكذا، وهذه "أم" التي تكون في معنى "أيهما"، وقد قال قوم: "إنها يمانية"، وذلك أن أهل اليمن يزيدون "أم" في جميع الكلام. وأما ما سمعنا من اليمن فيجعلون "أم" مكان الألف واللام الزائدتين، يقولون "رأيت امرجل" و"قام امرجل" يريدون "الرجل"، ولا يشبه أن تكون (أم أنا خيرٌ) على لغة أهل اليمن. وقد زعم أبو زيد أنه سمع أعرابياً فصيحاً ينشدهم:


يا دهر أم كان مشيي رقصا = بل قد تكون مشيتي ترقّصا
فسأله فقال: معناه: ما كان مشيي رقصا، فـ"أم" ههنا زائدة، وهذا لا يعرف، وقال علقمة بن عبدة:

وما القلب أم ما ذكره ربعيّةً = يخطّ لها من ثرمداء قليب
يريد "ما ذكره ربيعةً " يجعله بدلاً من "القلب".
وقال بعض الفقهاء: "إن معناه: أنه قال فرعون: {أفلا تبصرون} أم أنتم بصراء"، وقال الشاعر:

فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ = وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم
يريد: "أأنت أحسن أم أمّ سالم" فأضمر "أحسن".
يريد: "أليس أنا خيراً من هذا الذي هو مهين"، ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام؛ كأنك تميل إلى أوله، قال: {لاريب فيه من رّبّ العالمين}، {أم يقولون افتراه} وهذا لم يكن قبله استفهام، وهذا قول العرب: "إنها لإبل"، ثم يقولون "أم شاءٌ"، وقولهم"لقد كان كذا وكذا أم حدّثت نفسي"، ومثل قول الشاعر:

كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ = غلس الظلام من الرّباب خيالا
وليس قوله: {أم يقولون افتراه}؛ لأنه شك، ولكنه قال هذا ليقبّح صنيعهم كما تقول: "ألست الفاعل كذا وكذا" ليس تستفهم إنما توبخّه، ثم قال: {بل هو الحقّ من رّبّك}، ومثل هذا في القرآن كثير، قال: {فذكّر فما أنت بنعمة ربّك بكاهنٍ ولا مجنونٍ}، ثم قال: {أم يقولون شاعرٌ نّتربّص به} و {أم عندهم خزائن ربّك} كل هذا على استفهام الاستئناف، وليس لـ"أم" غير هذين الموضعين؛ لأنه أراد أن ينبه، ثم ذكر ما قالوا عليه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل "ألخير أحبّ إليك أم الشرّ"؟، وأنت تعلم أنه يقول "الخير"، ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع، وأما قوله: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً}، فقد نهاه عن الآثم والكفور جميعاً، وقد قال بعض الفقهاء: إن "أو" تكون بمنزلة الواو، وقال:

يهينون من حقروا شأيه = وإن كان فيهم يفي أو يبرّ
يقول: "يفي ويبرّ"، وكذلك هي عندهم ههنا، وإنما هي بمنزلة "كل اللحم أو التمر" إذا رخصت له في هذا النحو، فلو أكل كله أو واحداً منه لم يعص، فيقع النهي عن كل ذا في هذا المعنى، فيكون إن ركب الكل أو واحداً قد عصى، كما كان في الأمر إن صنع واحداً أطاع، وقال: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون}، ومعناه "ويزيدون"، ومخرجها في العربية إنك تقول: "لا تجالس زيداً أو عمراً أو خالداً"، فإن أتى واحداً منهم أو كلّهم كان عاصياً، كما أنك إذا قلت: "اجلس إلى فلان أو فلان أو فلان" فجلس إلى واحد منهم أو كلهّم كان مطيعاً، فهذا مخرجه من العربية.
وأرى الذين قالوا: إنما "أو" بمنزلة (الواو) إنما قالوها؛ لأنهم رأوها في معناها، وأما {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون}، فإنما يقول {أرسلناه إلى مائة ألفٍ} عند الناس، ثم قال: {أو يزيدون} عند الناس؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ، وقد قال قوم: إنما "أو" ههنا بمنزلة "بل"، وقد يقول الرجل "لأذهبنّ إلى كذا وكذا"، ثم يبدو له بعد فيقول "أو أقعد"، فقال ههنا: {أرسلناه إلى مائة ألفٍ} عند الناس، ثم قال: {أو يزيدون} عند الناس، أي: أن الناس لا يشكون أنهم قد زادوا، والوجه الآخر "هكذا" أي: "فكذا حال الناس فيهم " أي: أن الناس يشكون فيهم، وكذا حال "أم" المنقطعة إن شئت جعلتها على "بل" فهو مذهب حسن، وقال متمّم بن نويرة:

فلو كان البكاء يردّ شيئاً = بكيت على جبيرٍ أو عفاقٍ
على المرأين إذ هلكا جميعا = بشأنهما وحزنٍ واشتياق
وقال ابن أحمر:

فقلت البثي شهرين أو نصف ثالثٍ = إلى ذاك ما قد غيّبتني غيابيا
وأما قوله: {أإنا لمبعوثون}، {أو آباؤنا الأوّلون} فإن هذه الواو واو عطف؛ كأنهم قالوا: {أأنا لمبعوثون} فقيل لهم: "نعم وآباؤكم الأوّلون"، فقالوا: {أو آباؤنا}، وقوله: {أولم ير الإنسان}، {أولم يهد لهم}، وأشباه هذا في القرآن كثير، فالواو مثل الفاء في قوله: {أفلم يهد لهم}، وقوله: {أفلم يدّبّروا القول}، وإن شئت جعلت هذه الفاءات زائدة، وإن شئت جعلتها جواباً لشيء، كنحو ما يقولون: "قد جاءني فلان" فيقول: "أفلم أقض حاجته؟" فجعل هذه الفاء معلقة بما قبلها). [معاني القرآن: 1/20-24]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)}
(إنّ) تنصب (الذين)، وهي تنصب الأسماء وترفع الأخبار، ومعناها في الكلام التوكيد، وهي آلة من آلات القسم، وإنّما نصبت ورفعت؛ لأنها تشبه بالفعل، وشبهها به أنها لا تلي الأفعال ولا تعمل فيها، وإنما يذكر بعدها الاسم والخبر كما يذكر بعد الفعل: الفاعل والمفعول، إلا أنه قدم المفعول به فيها؛ ليفصل بين ما يشبه بالفعل ولفظه لفظ الفعل، وبين ما يشبه به وليس لفظه لفظ الفعل، وخبرها ههنا جملة الكلام، أعني قوله:{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}.
وترفع {سواء} بالابتداء، وتقوم {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} مقام الخبر، كأنه بمنزلة قولك "سواء عليهم الإنذار وتركه".
و{سواء} موضوع موضع (مستو) لأنك لا تقيم المصادر مقام أسماء الفاعلين إلا وتأويلها تأويل أسمائهم.
فأما دخول ألف الاستفهام، ودخول "أم" التي للاستفهام والكلام خبر؛ فإنّما وقع ذلك لمعنى التسوية، والتسوية آلتها ألف الاستفهام و"أم"، تقول: أزيد في الدار أم عمرو؟، فإنما دخلت الألف وأم؛ لأن علمك قد استوى في زيد وعمرو.
وقد علمت أن أحدهما في الدار لا محالة ولكنك أردت أن تبين لك الذي علمت ويخلص لك علمه من غيره، فلهذا تقول: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو؟، وإنما تريد أن تسوّي عند من تخبره العلم الذي قد خلص عندك. وكذلك {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} دخلت الألف و"أم" للتسوية.
فأما {أأنذرتهم} فزعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة، ولا يجمع بين الهمزتين وإن كانتا من كلمتين، فأما أهل الحجاز فلا يحققون واحدة منهما، وأما بعض القراء - ابن أبي إسحاق وغيره - فيجمعون في القراءة بينهما، فيقرؤون (أأنذرتهم) وكثير من القراء يخفّف إحداهما.
وزعم سيبويه أن الخليل كان يرى تخفيف الثانية فيقول: (أانذرتهم) فيجعل الثانية بين الهمزة والألف، ولا يجعلها ألفا خالصة، ومن جعلها ألفاً خالصة فقد أخطأ من جهتين:
إحداهما: أنه جمع بين ساكنين، والأخرى: إنّه أبدل من همزة متحركة قبلها حركة ألفاً والحركة الفتح، وإنما حق الهمزة إذا حركت وانفتح ما قبلها: أن تجعل بين بين، أعني: بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها.
فتقول في سأل: "سال"، وفي رؤوف: "رووف"، وفي بئس: "بيس"، بين بين، وهذا في الحكم واحد وإنما تحكمه المشافهة.
وكان غير الخليل يجيز في مثل قوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} تخفيف الأولى.
وزعم سيبويه: أن جماعة من العرب يقرؤون: {فقد جاء أشراطها} يحققون الثانية ويخففون الأولى، وهذا مذهب أبى عمرو بن العلاء وأما الخليل فيقول بتحقيق الأولى فيقول: {فقد جاء أشراطها}.
قال الخليل: وإنّما اخترت تخفيف الثانية لإجماع الناس على بدل الثانية في قولك: آدم، وآخر؛ لأن الأصل في آدم: "أادم"، وفي آخر: "أاخر"، وقول الخليل أقيس، وقول أبى عمرو جيد أيضاً.
قال أبو إسحاق: الهمزة التي للاستفهام ألف مبتدأة، ولا يمكن تخفيف الهمزة المبتدأة، ولكن إن ألقي همزة ألف الاستفهام على سكون الميم من عليهم فقلت: "عليهم أنذرتهم" جاز. ولكن لم يقرأ به أحد، والهمزتان في قوله: {فقد جاء أشراطها} همزتان في وسط الكلمة ويمكن تخفيف الأولى.
فأما من خفف الهمزة الأولى قوله: {أأنذرتهم} فإنه طرحها ألبتّة وألقى حركتها على الميم، ولا أعلم أحداً قرأ بها، والواجب على لغة أهل الحجاز أن يكون "عليهمَ أنذرتهم" فيفتح الميم، ويجعل الهمزة الثانيةبين بين، وعلى هذا مذهب جميع أهل الحجاز.
ويجوز أن يكون {لا يؤمنون} خبر "إنّ"، كأنه قيل: "إنّ الذين كفروا لا يؤمنون، سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم".
هؤلاء قوم أنبأ اللّه -تبارك وتعالى- النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ: {ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد}.
فأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين نحو قوله عزّ وجلّ: {على البغاء إن أردن تحصّناً} وإذا كانتا مضمومتين نحو قوله: {أولياء أولئك} فإن أبا عمرو يخفف الهمزة الأولى فيهما فيقول: "على البغا إن أردن" ، "وأوليا أولئك " فيجعل الهمزة الأولى من البغاء بين الهمزة والياء ويكسرها، ويجعل الهمزة في قولك "أولياء أولئك" الأولى بين الواو والهمزة ويضمها.
وحكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يجعل مكان الهمزة الأولى كسرة في "البغاء إن" وضمة في "أولياء أولئك".
أبو عبيدة لا يحكي إلا ما سمع؛ لأنه الثقة المأمون عند العلماء، إلا إنّه لا يضبط مثل هذا الموضع؛ لأن الذي قاله محال، لأن الهمزة إذا سقطت وأبدلت منها كسرة وضمة -على ما وصف-: بقيت الحركتان في غير حرف، وهذا محال؛ لأن الحركة لا تكون في غير محرّك.
قال أبو إسحاق: والذي حكيناه آنفاً رواية سيبويه، عن أبي عمرو، وهو اضبط لهذا.
وأما قوله: {السفهاء ألا}، وقوله: {وإليه النشور * أأمنتم من في السماء أن} فإن الهمزتين إذا اختلفتا: حكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يبدل من الثانية فتحة، وهذا خلاف ما حكاه سيبويه، والقول فيه أيضاً محال؛ لأن الفتحة لا تقوم بذاتها، إنما تقوم على حرف.
وجملة ما يقول النحويون في المسالة الأولى في مثل قوله: {على البغاء إن} أو {أولياء أولئك} ثلاثة أقوال على لغة غير أهل الحجاز:-
فأحد هذه الثلاثة: وهو مذهب سيبويه والخليل: أن يجعل مكان الهمزة الثانية همزة بين بين، فإذا كان مضموماً جعل الهمزة بين الواو والهمزة، فقال: "أولياء أولئك"، وإذا كان مكسوراً جعل الهمزة بين الياء والهمزة، فقال: "على البغاءين"، وأمّا أبو عمرو فقرأ على ما ذكرناه، وأمّا ابن أبي إسحاق ومذهبه مذهب جماعة من القراء - فيجمع بين الهمزتين، فيقرأ (أولياء أولئك) و (على البغاء إن أردن) بتحقيق الهمزتين.
وأمّا اختلاف الهمزتين نحو (السفهاء ألا) فأكثر القراء على مذهب ابن أبي إسحاق، وأما أبو عمرو فيحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه، ويخفف
الأولى فيجعلها بين الواو والهمزة، فيقول: (السفهاء ألا) بين بين.
ويقول: (من في السماي أن) فيحقق الثانية، وأما سيبويه والخليل فيقولان: (السفهاء ولا) فيجعلان الهمزة الثانية واواً خالصة، وفي قوله: (من السماءين) ياء خالصة مفتوحة فهذا جميع ما في هذا الباب.
وقد ذكر أبو عبيدة أن بعضهم روى عن أبي عمرو أنه كان إذا اجتمعت همزتان طرحت إحداهما، وهذا ليس بثبت؛ لأن القياس لا يوجبه.
وأبو عبيد لم يحقق في روايته؛ لأنه قال: رواه بعضهم، وباب رواية القراءة عن المقرئ يجب أن يقل الاختلاف فيه.
فإن كان هذا صحيحاً عنه فهو يجوّزه في نحو: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، وفي مثل قوله: {آلذّكرين حرّم أم الأنثيين} فيطرح همزة الاستفهام؛ لأن "أم" تدل عليها.
قال الشاعر:

لعمرك ما أدري إن كنت داريا= شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
وقال عمر بن أبي ربيعة:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا= بسبع رمين الجمر أم بثمان
البيت الأول أنشده الخليل وسيبويه، والبيت الثاني صحيح أيضًا). [معاني القرآن: 1/78-82]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}
هم الكفار الذين ثبت في علم الله تعالى أنهم كفار، وهو لفظ عام يراد به الخاص، كما قال تعالى: {قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون}، ثم قال جل وعز: {ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد}.
وقال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}). [معاني القرآن: 1/86-87]


تفسير قوله تعالى:{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ...}
انقطع معنى "الختم" عند قوله: {وعلى سمعهم} ورفعت "الغشاوة" بـ"على"، ولو نصبتها بإضمار "وجعل" لكان صواباً، وزعم المفضّل أن عاصم بن أبى النّجود كان ينصبها، على مثل قوله في الجاثية: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً} ومعناهما واحد؛ والله أعلم.
وإنما يحسن الإضمار في الكلام الذي يجتمع ويدلّ أوّله على آخره؛ كقولك: قد أصاب فلان المال، فبنى الدور والعبيد والإماء واللباس الحسن؛ فقد ترى البناء لا يقع على العبيد والإماء ولا على الدوابّ ولا على الثياب، ولكنه من صفات اليسار؛ فحسن الإضمار لمّا عرف، ومثله في سورة الواقعة: {يطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون * بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معينٍ}، ثم قال: {وفاكهةٍ ممّا يتخيّرون * ولحم طيرٍ ممّا يشتهون * وحورٍ عينٍ}، فخفض بعض القراء ورفع بعضهم الحور العين، قال الذين رفعوا: الحور العين لا يطاف بهنّ؛ فرفعوا على معنى قولهم: "وعندهم حورٌ عينٌ"، أو "مع ذلك حور عينٌ"؛ فقيل: الفاكهة واللحم لا يطاف بهما، إنما يطاف بالخمر وحدها -والله أعلم- ثم أتبع آخر الكلام أوّله، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعض بني أسد يصف فرسه:

علفتها تبناً وماءً بارداً = حتى شتت همّالةً عيناها
والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر.
وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير لقلّة اجتمّاعه، فقولك: قد أعتقت مباركاً أمس وآخر اليوم يا هذا؛ وأنت تريد: واشتريت آخر اليوم؛ لأن هذا مختلف، لا يعرف أنك أردت ابتعت، ولا يجوز أن تقول: ضربت فلاناً وفلانًا؛ وأنت تريد بالآخر: وقتلت فلاناً؛ لأنه ليس هاهنا دليل، ففي هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/12-14]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم}: ثم انقطع النصب، فصار خبراً فارتفعت فصار {غشاوة}؛ كأنها في التمثيل، قال: {وعلى أبصارهم غشاوة} أي: غطاء، قال الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة:

تبعتك إذ عينى عليها غشاوة= فلما انجلت قطّعت نفسي ألومها
). [مجاز القرآن: 1/31]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ}
أما قوله: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ} فإن الختم ليس يقع على الأبصار، إنما قال: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم} ثم قال: {وعلى أبصارهم غشاوةٌ} مستأنفاً.
وقوله: {ختم اللّه}؛ لأن ذلك كان لعصيانهم الله فجاز ذلك اللفظ، كما تقول: "أهلكته فلانة" إذا أعجب بها وهي لا تفعل به شيئا؛ لأنه هلك في اتباعها، أو يكون "ختم" حكم بها أنها مختوم عليها). [معاني القرآن: 1/24]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({غشاوة}: غطاء).[غريب القرآن وتفسيره: 64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: (والخاتم بمنزلة الطّابع، وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها، فليست تعي خيراً ولا تسمعه، وأصل هذا: أن كلّ شيء ختمته، فقد سددته وربطته.
ثم قال عز وجل: وعلى {أبصارهم غشاوةٌ} ابتداء، وتمام الكلام الأول عند قوله: {وعلى سمعهم}.
والغشاوة: الغطاء، ومنه يقال: غشّه بثوب، أي: غطّه. ومنه قيل: غاشية السّرج، لأنها غطاء له، ومثله قوله: {لهم من جهنّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ}). [تفسير غريب القرآن: 40]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)}
معنى ختم في اللغة وطبع معنى واحد، وهو: التغطية على الشيء، والاستيثاق من ألا يدخله شيء، كما قال عزّ وجلّ: {أم على قلوب أقفالها}
وقال جلّ ذكره: {كلا بل ران على قلوبهم} معناه : غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون. وكذلك: {طبع عليها بكفرهم} وهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون، ولكنهم لم يستعملوا هذه الحواس استعمالاً يجزي عنهم، فصاروا كمن لا يسمع ولا يبصر. قال الشاعر:

....... = أصم عما ساءه سميع
وكذلك قوله جلّ وعزّ {وعلى أبصارهم غشاوة}: هي الغطاء، فأما قوله: {وعلى سمعهم} وهو يريد: "وعلى أسماعهم"، ففيه ثلاثة أوجه:
فوجه منها: أن السمع في معنى المصدر فوحّد، كما تقول: يعجبني حديثكم ويعجبني ضربكم فوحّد؛ لأنه مصدر.
ويجوز أن يكون لما أضاف السمع إليهم دل على معنى "أسماعهم". قال الشاعر:

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها= فبيض وأمّا جلدها فصليب
وقال الشاعر أيضاً:

لا تنكري القتل وقد سبينا= في حلقكم عظم وقد شجينا
معناه : في حلوقكم، وقال:

كأنه وجه تركيين قد غضبا= مستهدف لطعان غير تذييب
أما {غشاوة} فكل ما كان مشتملاً على الشيء: فهو في كلام العرب مبني على "فعالة "، نحو: الغشاوة والعمامة والقلادة والعصابة، وكذلك أسماء الصناعات؛ لأن معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها، نحو: الخياطة والقصارة، وكذلك على كل من استولى على شيء ما استولى عليه الفعالة، نحو: الحلاقة والإمارة.
والرفع في {غشاوة} هو الباب، وعليه مذهب القرّاء.
والنصب جائز في النحو على أن المعنى: {وجعل على أبصارهم غشاوة} كما قال اللّه عز وجل في موضع آخر: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} ومثيله من الشعر مما حمل على معناه، قوله:

يا ليت بعلك قد غدا= متقلدا سيفا ورمحا
معناه : متقلداً سيفاً، وحاملاً رمحاً.
ويروي: "غشوة"، والوجه ما ذكرناه. وإنما "غشوة" رد إلى الأصل؛ لأن المصادر كلها ترد إلى "فعلة"، والرفع والنصب في "غشوة" مثله في "غشاوة"). [معاني القرآن: 1/83-84]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم}
أي: طبع الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وغطى عليها، على جهة الجزاء بكفرهم وصدهم الناس عن دين الله.
وهؤلاء الكفار: هم الذين سبق في علمه من أنهم لا يؤمنون، ويكون مثل قولهم "أهلكه المال"، "وهب المال بعقله" أي: هلك فيه وبسبه، فهو كقوله: {فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصلاها إلا الأشقى} فإن ذلك من الله عن فعلهم في أمره). [معاني القرآن: 1/87-88]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}
قال سيبويه: غشاوة أي: غطاء). [معاني القرآن: 1/88]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والختم: منع القلب من الإيمان). [ياقوتة الصراط: 170]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ختم الله}: طبع الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غِشَاوَةٌ}: غطاء). [العمدة في غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}
ثم قال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر} فجعل اللفظ واحداً، ثم قال: {وما هم بمؤمنين} فجعل اللفظ جميعاً، وذلك أن (من)اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعاً في المعنى، ويكون اثنين، فإن لفظت بفعله على معناه: فهو صحيح، وإن جعلت فعله على لفظه واحداً: فهو صحيح، و مما جاء من ذلك قوله: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ فله أجره عند ربه و لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} وقال: {ومنهم مّن يستمعون إليك} وقال: {ومنهم مّن ينظر إليك} وقال: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين} فقال: {يقنت} فجعله على اللفظ؛ لأن اللفظ في {من} مذكر، وجعل {تعمل} و{نؤتها} على المعنى،
وقد قال بعضهم: (ويعمل) فجعله على اللفظ؛ لأن لفظ (من) مذكر، وقد قال بعضهم: (ومن تقنت) فجعله على المعنى؛ لأنه يعني: امرأة.
وهي حجة على من قال: لا يكون اللفظ في (من) على المعنى إلا أن تكون (من) في معنى (الذي)، فأما في المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في (من) على المعنى.
وقولهم هذا خطأ؛ لأن هذا الموضع الذي فيه (ومن تقنت) مجازاة، وقد قالت العرب: "ما جاءت حاجتك" فأنثوا "جاءت"؛ لأنها لـ"ما"، وإنما أنثوا؛ لأن معنى "ما" هو الحاجة، وقد قالت العرب أو بعضهم: "من كانت أمّك" فنصب، وقال الشاعر:

تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
ويروى "تعال فإن" وقد جعل "من" بمنزلة رجل، قال الشاعر:

ربّ من انضجت غيظاً صدره = قد تمنّى لي شرّاً لم يطع
فلولا أنها نكرة بمنزلة "رجل" لم تقع عليها "ربّ"، وكذلك (ما) نكرة إلا أنها بمنزلة "شيء"، ويقال: أن قوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ} على هذا، جعل (ما) بمنزلة "شيء" ولم يجعلها بمنزلة "الذي"، فقال: "ذا شيءٌ لديّ عتيد"، وقال الشاعر:

ربّ ما تكره النفوس من الأمر = له فرجةٌ كحل العقال
فلولا إنها نكرة بمنزلة "من" لم تقع عليها "ربّ"، وقد يكون {هذا ما لديّ عتيدٌ} على وجه آخر، أخبر عنهما خبراً واحداً كما تقول: "هذا أحمر أخضر"، وذلك أن قوماً من العرب يقولون: "هذا عبد اللّه مقبلٌ"، وفي قراءة ابن مسعود: {وهذا بعلي شيخٌ} كأنه أخبر عنهما خبراً واحداً، أو يكون كأنه رفعه على التفسير كأنه إذا قال: {هذا ما لديّ}، قيل: ما هو؟، أو علم أنه يراد ذلك منه فقال: {عتيد} أي: ما عندي عتيد، وكذلك {وهذا بعلي شيخٌ}، وقال الراجز:

من يك ذا بتٍّ فهذا بتّى = مقيّظٌ مصيّف مشتّى
وقال: {إن اللّه نعمّا يعظكم به}، فـ"ما" ههنا اسم ليست له صلة؛ لأنك إن جعلت {يعظكم به} صلة لـ(ما) صار كقولك: "إن الله نعم الشيء" أو "نعم شيئاً " فهذا ليس بكلام، ولكن تجعل (ما) اسماً وحدها كما تقول: "غسلته غسلاً نعمّا"، تريد به: "نعم غسلاً"، فإن قيل: كيف تكون (ما) اسما وحدها وهي لا يتكلم بها وحدها؟
قلت: "هي بمنزلة "يا أيّها الرجل"؛ لأن "أيّا" ههنا اسم، ولا يتكلم به وحده حتى يوصف فصار (ما) مثل الموصوف ههنا، لأنك إذا قلت "غسلته غسلاً نعمّا" فإنما تريد المبالغة والجودة، فاستغني بهذا حتى تكلم به وحده، ومثل "ما أحسن زيدا" (ما) ههنا وحدها اسم، وقوله "إني مما أن أصنع كذا وكذا" (ما) ههنا وحدها اسم كأنه قال: "إني من الأمر" أو "من أمري صنيعي كذا وكذا"،
ومما جاء على المعنى قوله: {كمثل الذي استوقد ناراً أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} لأن "الذي" يكون للجميع، كما قال: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون}). [معاني القرآن: 1/25-27]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8)}
عنى بذلك: المنافقين، وإعراب (من) الوقف إلا أنها فتحت لالتقاء السّاكنين: سكون النون من قولك (من)، وسكون النون الأولى من (الناس)، وكان الأصل أن يكسر لالتقاء السّاكنين، ولكنها فتحت لثقل اجتماع كسرتين لو كان: (مِنِ النّاسِ) لثقل ذلك.
فأما عن (الناس) فلا يجوز فيه إلا الكسر؛ لأن أول "عن" مفتوح، و(من) إعرابها الوقف؛ لأنها لا تكون اسما تاما في الخبر إلا بصلة، فلا يكون الإعراب في بعض الاسم.
فأما الإدغام في الياء في (من يقول) فلا يكون غيره، تقول: "من يقوّم" فتدغم بغنة وبغير غنة.
وقوله عزّ وجلّ: {وما هم بمؤمنين} دخلت الباء مؤكدة لمعنى النفي؛ لأنك إذا قلت: "ما زيد أخوك" فلم يسمع السامع " ما " ظن أنك موجب فإذا قلت: "ما زيد بأخيك" و{ما هم بمؤمنين} علم السامع أنك تنفي، وكذلك جميع ما في كتاب الله عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/83-85]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر}
روى إسماعيل السدي، عن ابن عباس قال: "هم المنافقون".
قال أهل اللغة: النفاق مأخوذ من نافقاء اليربوع، وهو جُحْرٌ يخرج منه اليربوع إذا أخذ عليه الجُحْر الذي يدخل فيه، فقيل: منافق؛ لأنه يدخل الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد). [معاني القرآن: 1/88]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما هم بمؤمنين} فنفى عنهم الإيمان؛ لأنهم لا اعتقاد لهم ولا عمل). [معاني القرآن: 1/89]

تفسير قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يخادعون} في معنى: يخدعون، ومعناها: يظهرون غير ما في أنفسهم، ولا يكاد يجئ يفاعل إلاّ من اثنين، إلا في حروف هذا أحدهما؛ قوله: {قاتلهم الله} معناها: قتلهم الله). [مجاز القرآن: 1/31]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون}
أما قوله: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا} ولا تكون المفاعلة إلا من شيئين، فإنه إنمّا يقول: {يخادعون اللّه} عند أنفسهم يمنونها أن لا يعاقبوا وقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم، ذلك لحجة الله الواقعة على خلقه بمعرفته.
{وما يخدعون إلاّ أنفسهم} وقال بعضهم: (يخادعون)، يقول: يخدعون أنفسهم بالمخادعة لها، وبها نقرأ.
وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة تقول: "باعدته مباعدةً" و"جاوزته مجاوزةً" في أشياء كثيرة، وقد قال: {وهو خادعهم} فذا على الجواب، يقول الرجل لمن كان يخدعه إذا ظفر به "أنا الذي خدعتك" ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، وكذلك {ومكروا ومكر اللّه} و{اللّه يستهزئ بهم} على الجواب، والله لا يكون منه المكر والهزء، والمعنى: أن المكر حاق بهم والهزء صار بهم).
[معاني القرآن: 1/26-28]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم} يريد: إنهم يخادعون المؤمنين باللّه فإذا خادعوا المؤمنين: فكأنهم خادعوا الله، وخداعهم إيّاهم: قولهم لهم إذا لقولهم: {قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم} أي: مردتهم، قالوا: {إنّا معكم، إنّما نحن مستهزؤن}.
وما يُخَادِعون إلّا أنفسهم لأن وبال هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم، وهم لا يشعرون). [تفسير غريب القرآن: 40]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون (9)}
يعني به: المنافقين أيضاً.
ومعنى {يخادعون}: يظهرون غير ما في نفوسهم، والتقية تسمّى -أيضاً- خداعاً، فكأنهم لمّا أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر صارت تقيتهم خداعاً، وجاء بـ"فاعل" لغير اثنين؛ لأن هذا المثال يقع كثيراً في اللغة للواحد نحو "عاقبت اللص" و"طارقت النعل".
وقوله عزّ وجلّ: {وما يخدعون إلّا أنفسهم} تأويله أن الخداع يرجع عليهم بالعذاب والعقاب، {وما يشعرون} أي: وما يعلمون أنه يرجع عليهم بالعذاب، يقال: "ما شعرت به" أي: ما علمت به، و"ليت شعري ما صنعت" معناه: ليت علمي). [معاني القرآن: 1/85]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا}
المخادعة في اللغة: إظهار خلاف الاعتقاد، وتسمى التقية خداعاً، وهو يكون من واحد.
قال ابن كيسان: لأن فيه معنى راوغت كأنه قابل شيئاً بشيء). [معاني القرآن: 1/89]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يخدعون إلا أنفسهم} أي أن عقوبة ذلك ترجع عليهم،
وفرق أهل اللغة بين "خادع" و"خدع"، فقالوا: "خادع" أي: قصد الخدع وإن لم يكن خدع، و"خدع" معناه: بلغ مراده.
والاختيار عندهم "يخادعون" في الأولى؛ لأنه غير واقع، والاختيار في الثاني "يخدعون"؛ لأنه أخبر تعالى أنه واقع بهم لما يطلع عليه من أخبارهم، فعاد ما ستروه وأظهروا غيره وبالاً عليهم .
وقال محمد بن يزيد: يجوز في الثاني: (وما يخادعون) أي: بتلك المخادعة بعينها إنما يخادعون أنفسهم بها؛ لأن وبالها يرجع عليهم.
ثم قال تعالى: {وما يشعرون} أي: وما يشعرون بذلك، والمعنى: ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم). [معاني القرآن: 1/89-90]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والخدع: منع الحق). [ياقوتة الصراط: 170]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُخَادِعُونَ}: ينافقون). [العمدة في غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في قلوبهم مرضٌ} أي: شكّ ونفاق.
{عذابٌ أليمٌ} أي: موجع من الألم، وهو في موضع "مفعل"، قال ذو الرمة:

ونرفع في صدور شمردلاتٍ= يصكّ وجوهها وهجٌ أليم
الشّمردلة: الطويلة من كل شيء). [مجاز القرآن: 1/32]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({في قلوبهم مّرضٌ فزادهم اللّه مرضاً ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون}
أما قوله: {فزادهم اللّه مرضاً}؛ فمن فخم: نصب الزاي، فقال: (زَادَهم)، ومن أمال: كسر الزاي، فقال: (زِادَهم)؛ لأنها من "زِدْت" أولها مكسور.
فناس من العرب يميلون ما كان من هذا النحو -وهم بعض أهل الحجاز- ويقولون أيضاً: {ولمن خاف مقام ربّه} و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء} و{وقد خاب} ولا يقولون (قِالَ) ولا (زِار)؛ لأنه يقول (قُلت) و(زُرت) فأوله مضموم، فإنما يفعلون هذا في ما كان أوله من "فعلت" مكسوراً، إلاّ أنهم ينحون الكسرة كما ينحون الياء في قوله: {وسقاهم ربّهم} و {قد أفلح من زكّاها} ويقرأ جميع ذلك بالتفخيم.
وما كان من نحو هذا من بنات الواو وكان ثالثاً نحو: {والقمر إذا تلاها} ونحو: {والأرض وما طحاها} فإن كثيراً من العرب يفخمه ولا يميله؛ لأنها ليست بياء فتميل إليها؛ لأنها من "طحوت" و"تلوت".
فإذا كانت رابعة فصاعداً؛ أمالوا وكانت الإمالة هي الوجه؛ لأنها حينئذ قد انقلبت إلى الياء، ألا ترى أنك تقول: "غزوت" و"أغزيت"، ومثل ذلك: {واللّيل إذا يغشاها} و{قد أفلح من تزكّى} و{والنّهار إذا تجلّى} أمالها؛ لأنها رابعة، و"تجلّى" فعلت منها بالواو؛ لأنها من "جلوت"، و"زكا" من "زكوت يزكو" و{واللّيل إذا يغشاها} من "الغشاوة".
وقد يميل ما كان منه بالواو نحو: {تلاها} و{طحاها} ناسٌ كثير؛ لأن الواو تنقلب إلى الياء كثيراً مثل قولهم في حور:حير، وفي مشوب: مشيب، وقالوا "أرضٌ مسنيّة" إذا كان يسنوها المطر، فأمالوها إلى الياء؛ لأنها تنقلب إليها، وأمالوا كل ما كان نحو: "فَعْلَى" و"فُعْلَى"، نحو: بشرى ومرضى وسكرى؛ لأن هذا لو ثنّي كان بالياء، فمالوا إليها.
وأما قوله: {بما كانوا يكذبون} فـ{يكذّبون}: يجحدون، وهو الكفر، وقال بعضهم: {يكذّبون} خفيفة، وبها نقرأ، يعني "يكذبون على الله وعلى الرسل" جعل "ما" والفعل اسماً للمصدر، كما جعل "أن" والفعل اسما للمصدر في قوله "أحبّ أن تأتيني".
وأما المعنى فإنما هو "بكذبهم" و"تكذيبهم", وأدخل "كان"؛ ليخبر أنه كان فيما مضى، كما تقول: "ما أحسن ما كان عبد الله" فأنت تَعْجَبُ من" عبد الله لا من "كونه"، وإنما وقع التعجب في اللفظ على كونه، وقال: {فاصدع بما تؤمر} وليس هذا في معنى "فاصدع بالذي تؤمر به"، لو كان هذا المعنى: لم يكن كلاماً حتى تجيء بـ"به"، ولكن "اصدع بالأمر" جعل "ما تؤمر" اسماً واحداً، وقال: {ولا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا} يقول: بالإتيان، يجعل "ما" و"أتوا" اسماً للمصدر، وإن شئت قلت: "أتوا" ههنا "جاءوا" كأنه يقول: "بما جاءوا" يريد "جاءوه" كما تقول "يفرحون بما صنعوا" أي: "بما صنعوه"، ومثل هذا في القرآن كثير، وتقديره "بكونهم يكذبون" فـ"يكذبون" مفعول لـ"كان" كما تقول: "سرني زيد بكونه يعقل" أي: بكونه عاقلاً). [معاني القرآن: 1/28-30]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يخادعون} يظهرون خلاف ما في نفوسهم.
{في قلوبهم مرض}: أي شك ونفاق.
{أليم}: موجع، في معنى "مؤلم"). [غريب القرآن وتفسيره: 65]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({في قلوبهم مرضٌ} أي: شك ونفاق، ومنه يقال: فلان يمرّض في الوعد وفي القول، إذا كان لا يصححه ولا يؤكده). [تفسير غريب القرآن: 41]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)} معناه: نفاق، وقد يقال: السّقم والمرض في البدن وفي الدّين جميعاً، كما يقال: الصحة في البدن والدّين جميعاً.
فمعنى قوله: {مرض} قال أبو عبيدة: معناه: شك ونفاق، والمرض في القلب: يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين.
وقوله: {فزادهم اللّه مرضاً} فيه جوابان:
قال بعضهم: زادهم الله بكفرهم. كما قال عزّ وجلّ: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم}.
وقال بعض أهل اللغة: فزادهم اللّه بما أنزل عليهم من القرآن، فشكوا فيه كما شكوا في الذي قبله. قال: والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {وإذا ما أنزلت سورة} إلى قوله: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} وهذا قول بين واضح، واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم} معناه موجع يصل وجعه إلى قلوبهم. وتأويل {أليم} في اللغة: مؤلم.
قال الشاعر- وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي- :

أمن ريحانة الداعي السميع= يؤرقني وأصحابي هجوع
معنى {السميع}: المسمع.
وقوله عزّ وجلّ: {بما كانوا يكذبون} ويقرأ: (يكذّبون).
فمن قرأ (يكذبون) بالتخفيف: فإن كذبهم قولهم: أنهم مؤمنون، قال الله عزّ وجلّ: {وما هم بمؤمنين}. وأما (يكذّبون) بالتثقيل، فمعناه: بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/86-87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}
روى السدي، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس قال: "يقول: في قلوبهم شك".
وقال غيره: المرض: النفاق والرياء، والمرض: في الجسد، كما أن العمى: في القلب، ويقال: مرض فلان: أصابته علة في بدنه .
فإن قيل: بم أصابهم المرض؟
قيل: فعل هذا بهم عقوبة. وقيل: بإنزال القرآن أصابهم المرض كما قال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}.
ثم قال تعالى: {ولهم عذاب أليم} يقال: آلم إذا أوجع، وهو مؤلم وأليم، والألم: الوجع، وجمع أليم: آلام كأشراف، والأليم: الشديد الوجع.
ثم قال تعالى: {بما كانوا يكذبون}
قال أبو حاتم: أي: بتكذيبهم الرسل، وردهم على الله، وتكذيبهم بآياته، قال: ومن خفف فالمعنى عنده: بكذبهم وقولهم آمنا ولم يؤمنوا فذلك كذب). [معاني القرآن: 1/90-92]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والمرض: الكفر، ومنه قوله عز وجل: {في قلوبهم مرض}). [ياقوتة الصراط: 171]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والأليم: المؤلم). [ياقوتة الصراط: 171]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّرَضٌ}: نفاق. {أَلِيمٌ}: مؤلم). [العمدة في غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}
أما قوله: {وإذا قيل لهم} فمنهم من يضم أوله؛ لأنه في معنى "فعل" فيريد أن يترك أوله مضموماً ليدل على معناه.
ومنهم من يكسره؛ لأن الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم، والكسر القياس.
ومنهم من يقول في الكلام: "قد قُولَ لَهُ" و"قد بوع المتاع" إذا أراد "قد بيع" و"قيل"، جعلها واواً حين ضم ما قبلها، لأن الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم.
ومنهم من يروم الضم في "قيل" مثل رومهم الكسر في "ردّ"، لغةٌ لبعض العرب أن يقولوا "ردّ" فيكسرون الراء ويجعلون عليها حركة الدال التي في موضع العين.
وبعضهم لا يكسر الراء ولكنه يشمها الكسر كما يروم في "قيل" الضم، وقال الفرزدق:

وما حلّ من جهل حبا حلمائنا = ولا قائل المعروف فينا يعنّف
سمعناه ممن ينشده من العرب هكذا). [معاني القرآن: 1/30-31]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون (11)} معناه: لا تصدوا عن دين اللّه، فيحتمل {إنّما نحن مصلحون} ضربين من الجواب:
أحدهما: أنهم يظنون أنهم مصلحون.
والثاني: أن يريدوا أن هذا الذي يسمونه إفساداً هو عندنا إصلاح.
فأما إعراب {قيل}: فآخره مبني على الفتح، وكذلك كل فعل ماضٍ مبني على الفتح، والأصل في قيل: "قول" ولكن الكسرة نقلت إلى القاف؛ لأن العين من الفعل في قولك: "قال" نقلت من حركة إلى سكون، فيجب أن تلزم هذا السكون في سائر تصرف الفعل.
وبعضهم يروم الضمة في "قيل"، وقد يجوز في غير القرآن: "قد قول ذاك "، وأفصح اللغات "قيل" و"غيض".
{وسيق الّذين اتقوا ربّهم}: إن شئت قلت: "قيل"، و"غيض"، و"سيق" تروم في سائر أوائل ما لم يسم فاعله الضم في هذا الباب).
[معاني القرآن: 1/87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} فيه قولان:
أحدهما: أنهم قالوا: نحن مصلحون، فليس من عادتنا الإفساد.
والآخر: أنهم قالوا هذا الذي تسمونه فسادا ًهو عندنا صلاح). [معاني القرآن: 1/92]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} معنى ذلك:
"ألا" التنبيه، كما قال الشاعر:

ألا إن الدهر يوم وليلة = وليس على شيء قويم بمستمر
وقوله تعالى: {ولكن لا يشعرون}
قال ابن كيسان: يقال: ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم، إنما يذم إذا علم أنه مفسد ثم أفسد على علم.
قال: ففيه جوابان:
أحدهما: أنهم كانوا يعملون الفساد ويظهرون الصلاح، وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي صلى الله عليه وسلم.
والوجه الثاني: أن يكون فسادهم عندهم صلاحاً وهم لا يشعرون أن ذلك فساد، وقد عصوا الله ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه).
[معاني القرآن: 1/93]


رد مع اقتباس