عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّموات وما في الأرض وكان اللّه غنيًّا حميدًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وللّه ملك جميع ما حوته السّموات السّبع والأرضون السّبع من الأشياء كلّها. وإنّما ذكر جلّ ثناؤه ذلك بعقب قوله: {وإن يتفرّقا يغن اللّه كلًّا من سعته} تنبيهًا منه خلقه على موضع الرّغبة عند فراق أحدهم زوجته، ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوحشة بفراق سكنه وزوجته، وتذكيرًا منه له أنّه الّذي له الأشياء كلّها وأنّ من كان له ملك جميع الأشياء فغير متعذّرٍ عليه أن يغنيه، وكلّ ذي فاقةٍ وحاجةٍ، ويؤنس كلّ ذي وحشةً. ثمّ رجع جلّ ثناؤه إلى عذل من سعى في أمر بني أبيرقٍ وتوبيخهم ووعيد من فعل فعل المرتدّ منهم فقال: {ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم} يقول: ولقد أمرنا أهل الكتاب وهم أهل التّوراة والإنجيل وإيّاكم، يقول: وأمرناكم وقلنا لكم ولهم: {اتّقوا اللّه} يقول: احذروا أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه، {وإن تكفروا} يقول: وإن تجحدوا وصيّته إيّاكم أيّها المؤمنون فتخالفوها {فإنّ للّه ما في السّموات وما في الأرض} يقول: فإنّكم لا تضرّون بخلافكم وصيّته غير أنفسكم، ولا تعدون في كفركم ذلك أن تكونوا مثال اليهود والنّصارى في نزول عقوبته بكم وحلول غضبه عليكم كما حلّ بهم، إذ بدّلوا عهده ونقضوا ميثاقه، فغيّر بهم ما كانوا فيه من خفض العيش وأمن السّرب، وجعل منهم القردة والخنازير؛ وذلك أنّ له ملك جميع ما حوته السّموات والأرض لا يمتنع عليه شيءٌ أراده بجميعه وبشيءٍ منه من إعزاز من أراد إعزازه وإذلال من أراد إذلاله، وغير ذلك من الأمور كلّها، لأنّ الخلق خلقه بهم إليه الفاقة والحاجة، وبه قوامهم وبقاؤهم وهلاكهم وفناؤهم، وهو الغنيّ الّذي لا حاجة تحلّ به إلى شيءٍ ولا فاقة تنزل به تضطرّه إليكم أيّها النّاس ولا إلى غيركم، والحميد الّذي استوجب عليكم أيّها الخلق الحمد بصنائعه الحميدة إليكم وآلائه الجميلة لديكم، فاستديموا ذلك أيّها النّاس باتّقائه، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه. كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيفٌ عن أبي روقٍ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه: {وكان اللّه غنيًّا حميدًا} قال: غنيًّا عن خلقه {حميدًا} قال: مستحمدًا إليهم). [جامع البيان: 7/577-578]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيًّا حميدًا (131)
قوله تعالى: وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ الأنباريّ، حدّثني محمّد بن الحسين، أنّه كتب لسفيان الثوري، فأملا عليه من أبي عبد اللّه إلى أبي فلانٍ، أمّا بعد فإنّي أوصيك بتقوى اللّه، فإنّها وصيّة اللّه خلقه يقول اللّه تبارك وتعالى: ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ لّلّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيًّا حميدًا إنّك إن اتّقيت اللّه كفاك اللّه ما همّك، وإن اتّقيت النّاس لم يغنوا عنك من اللّه شيئًا.
قوله تعالى: وكان اللّه غنيًّا حميدًا.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرٌو العنقزيّ عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ: وكان اللّه غنيًّا يعني قال: عن صدقاتكم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه تعالى: وكان اللّه غنيًّا قال: في سلطانه عمّا عندكم.
قوله تعالى: حميدًا.
- ذكر عبد اللّه بن هارون بن الأشعث، ثنا إسحاق بن الحجّاج، ثنا عبد اللّه ابن هاشمٍ، أنبأ سيفٌ، عن أبي روقٍ، عن أيّوب، عن عليٍّ وكان اللّه غنيًّا حميدًا أي قال: متحمّدًا إلى خلقه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1084-1085]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وكان الله غنيا} قال: غنيا عن خلقه {حميدا} قال: مستحمدا إليهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن علي، مثله). [الدر المنثور: 5/73]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وللّه ملك جميع ما حوته السّموات والأرض، وهو القيّم بجميعه، والحافظ لذلك كلّه، لا يعزب عنه علم شيءٍ منه، ولا يئوده حفظه وتدبيره. كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة: {وكفى باللّه وكيلاً} قال: حفيظًا
فإن قال قائلٌ: وما وجه تكرار قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض} في آيتين إحداهما في إثر الأخرى؟
قيل: كرّر ذلك لاختلاف معنى الخبرين عمّا في السّموات والأرض في الآيتين، وذلك أنّ الخبر عنه في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه، وفي الأخرى حفظ بارئه إيّاه به وعلمه به وتدبيره.
فإن قال: أفلا قيل: وكان اللّه غنيًّا حميدًا وكفى باللّه وكيلاً؟
قيل: إنّ الّذي في الآية الّتي قال فيها: {وكان اللّه غنيًّا حميدًا} ممّا صلح أن يختم ما ختم به من وصف اللّه بالغنى وأنّه محمودٌ ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتّدبير، فلذلك كرّر قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض}). [جامع البيان: 7/579-580]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلًا (132)
قوله تعالى: ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا
- حدنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ قال جبريل: يا محمّد، للّه الخلق كلّه والسّموات كلّهنّ ومن فيهنّ والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ، ومن بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1085]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {وكفى بالله وكيلا} قال: حفيظا). [الدر المنثور: 5/73]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {إن يشأ} اللّه أيّها النّاس {يذهبكم} أي يذهبكم بإهلاككم وإفنائكم {ويأت بآخرين} يقول: ويأت بناسٍ آخرين غيركم، لمؤازرة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونصرته. {وكان اللّه على ذلك قديرًا} يقول: وكان اللّه على إهلاككم وإفنائكم، واستبدال آخرين غيركم بكم قديرًا، يعني: ذا قدرةٍ على ذلك.
وإنّما وبّخ جلّ ثناؤه بهذه الآيات الخائنين الّذين خانوا الدّرع الّتي وصفنا شأنها، الّذين ذكرهم اللّه في قوله، {ولا تكن للخائنين خصيمًا} وحذّر أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكونوا مثلهم، وأن يفعلوا فعل المرتدّ منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين، وعرّفهم أنّ من فعل فعله منهم فلن يضرّ إلاّ نفسه ولن يوبق بردّته غير نفسه، لأنّه المحتاج مع جميع ما في السّموات وما في الأرض إلى اللّه، واللّه الغنيّ عنهم، ثمّ توعّدهم في قوله: {إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين} بالهلاك والاستئصال إن هم فعلوا فعل ابن أبيرقٍ طعمة المرتدّ، وباستبدال آخرين غيرهم بهم لنصرة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصحبته ومؤازرته على دينه، كما قال في الآية الأخرى: {وإن تتولّوا يستبدل قومًا غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم}.
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها لمّا نزلت، ضرب بيده على ظهر سلمان، فقال: هم قوم هذا يعني عجم الفرس
كذلك: حدّثت عن عبد العزيز بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال قتادة في ذلك بما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {إن يشأ يذهبكم}: أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديرًا قادرٌ واللّه ربّنا على ذلك، أن يهلك من يشاء من خلقه، ويأتي بآخرين من بعدهم). [جامع البيان: 7/580-581]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديرًا (133)
قوله تعالى: إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديرًا قال: قادرٌ واللّه ربّنا على ذلك أن يهلك من شاء من خلقه ويأت بآخرين من بعدهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1085]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين} قال: قادر والله ربنا على ذلك أن يهلك من خلقه ما شاء ويأت بآخرين من بعدهم). [الدر المنثور: 5/73]

تفسير قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعًا بصيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {من كان يريد} ممّن أظهر الإيمان لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل النّفاق الّذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون الإيمان {ثواب الدّنيا} يعني: عرض الدّنيا، بإظهار ما أظهر من الإيمان بلسانه {فعند اللّه ثواب الدّنيا}
يعني: جزاؤه في الدّنيا منها وثوابه فيها، هو ما يصيب من المغنم إذا شهد مع النّبيّ مشهدًا، وأمّنه على نفسه وذرّيّته وماله، وما أشبه ذلك. وأمّا ثوابه في الآخرة فنار جهنّم.
فمعنى الآية: من كان من العاملين في الدّنيا من المنافقين يريد بعمله ثواب الدّنيا وجزاءها من عمله، فإنّ اللّه مجازيه بها جزاءه في الدّنيا من الدّنيا، وجزاءه في الآخرة من العقاب والنّكال وذلك أنّ اللّه قادرٌ على ذلك كلّه، وهو مالكٌ جميعه، كما قال في الآية الأخرى: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الّذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون}.
وإنّما عنى بذلك جلّ ثناؤه الّذين سعوا في أمر بني أبيرقٍ، والّذين وصفهم في قوله: {ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسهم إنّ اللّه لا يحبّ من كان خوّانًا أثيمًا يستخفون من النّاس ولا يستخفون من اللّه وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول} ومن كان من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم.
وقوله: {وكان اللّه سميعًا بصيرًا} يعني: وكان اللّه سميعًا لما يقول هؤلاء المنافقون الّذين يريدون ثواب الدّنيا بأعمالهم، وإظهارهم للمؤمنين ما يظهرون لهم إذا لقوا المؤمنين وقولهم لهم آمنّا. {بصيرًا} يعني: وكان ذا بصرٍ بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمنين مما يكتمونه ولا يبدونه لهم من الغشّ والغلّ الّذي في صدورهم). [جامع البيان: 7/581-582]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعًا بصيرًا (134)
قوله تعالى: من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال محمد ابن إسحاق قوله: من كان يريد ثواب الدّنيا أي من كان منكم يريد الدّنيا ليست له رغبةٌ في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزقٍ، ولا حظّ له في الآخرة.
قوله تعالى: وكان اللّه سميعًا بصيرًا. [6075]
وبه ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق سميعًا أي سميعٌ ما تقولون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرأ هذه الآية سميعًا بصيرًا يقول: بكلّ شيءٍ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1086]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: ما هو؟ قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، وقال: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الصافات: 27]، وقال: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} [النساء: 42]، وقال: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23]، وقد كتموا في هذه الآية، وفي [النازعات: 27] {أم السماء بناها. رفع سمكها فسوّاها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها} فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين - إلى - طائعين} [فصلت: 9 - 11] فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السّماء، وقال: {وكان اللّه غفوراً رحيماً} [الأحزاب: 50] وقال: {وكان اللّه عزيزاً حكيماً} [الفتح: 19] وقال: {وكان اللّه سميعاً بصيراً} [النساء: 134] فكأنه كان، ثمّ مضى، قال ابن عباس: {فلا أنساب بينهم} في النفخة الأولى، ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون، ثم في النّفخة الآخرة: أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، وأما قوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} {ولا يكتمون اللّه حديثاً}، فإنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، فيقول المشرك: تعالوا نقول: ما كنّا مشركين، فيختم اللّه على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عرف أنّ الله لا يكتم حديثاً، وعنده: {ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين} وخلق الأرض في يومين، ثمّ استوى إلى السماء، فسواهن سبع سمواتٍ في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، أي: بسطها، وأخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار، والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] فخلقت الأرض وما فيها من شيءٍ في أربعة أيامٍ، وخلقت السّموات في يومين، وقوله: {وكان اللّه غفوراً رحيماً} سمّى نفسه ذلك، أي: لم يزل، ولا يزال كذلك، وإن الله لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد. ويحك، فلا يختلف عليك القرآن، فإنّ كلاً من عند الله. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(دحاها) دحا الأرض: بسطها.
(فصعق) صعق الإنسان: إذا غشي عليه. وإذا مات.
(الآكام):جمع أكمة، وهي الروابي الصغار.
(جوارحهم) الجوارح: جمع جارحة، وهي الأعضاء، كاليد والرجل ونحو ذلك). [جامع الأصول: 2/63-65] (م)


رد مع اقتباس