عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 26 إلى 52]

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين أحسنوا الحسنى...}
في موضع رفع. يقال إن الحسنى الحسنة.{وزيادة} ... حدثني أبو الأحوص سلاّم بن سليم عن أبي إسحاق السبيعيّ عن رجل عن أبي بكر الصدّيق رحمه الله قال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة: النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى. ويقال {للذين أحسنوا الحسنى} يريد حسنة مثل حسناتهم {وزيادة} زيادة التضعيف كقوله: {فله عشر أمثالها} ). [معاني القرآن: 1/461]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ} يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفي القرآن: {ترهقها قترةٌ} [80: 41]، وهو الغبار قال الأخطل:


يعلو القناطر يبنيها ويهدمها.=.. مسوّماً فوقه الرايات والقتر
وقال الفرزدق:
متوّجٌ برداء الملك يتبعه.=.. موجٌ ترى فوقه الرايات والفترا
). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لّلّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}
وقال: {ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ} لأنه من "رهق" "يرهق" "رهقاً"). [معاني القرآن: 2/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يرهق وجوههم قتر}: يغشى و{القتر} الغبار). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {للّذين أحسنوا الحسنى} أي المثل.
{وزيادةٌ}: التّضعيف حتى تكون عشرا، أو سبعمائة، وما شاء اللّه. يدل على ذلك قوله: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها}.
{ولا يرهق وجوههم قترٌ} أي لا يغشاها غبار. وكذلك القترة). [تفسير غريب القرآن:195- 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}
الحسنى الجنة، و{زيادة} في التفسير النظر إلى وجه اللّه - جلّ وعزّ.
ويجوز أن تكون الزيادة تضعيف الحسنات لأنه قال - جلّ وعزّ:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
والقول في النظر إلى وجه الله كثير في التفسير وهو مرويّ بالأسانيد الصحاح)، لا يشك في ذلك.
{ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة}.
{القتر}: الغبرة التي فيها سواد، {ولا يرهق} لا يغشى). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث أن الحسنى
الجنة والزيادة النظر إلى الله جل اسمه حدثنا الحسين بن عمر قال نا هناد قال نا وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى في قول الله تعالى:
{للذين أحسنوا الحسنى} قال الجنة {وزيادة} قال النظر إلى الله جل وعز
حدثنا الحسين قال نا هناد قال نا قبيصة قال نا حماد بن سلمة وقرئ على ابن بنت منيع عن هدبة بن خالد قال نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف عن الحجاب ويتجلى فينظرون إليه جل وعز قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة
قال أبو جعفر وفي حديث ابن بنت منيع ويجرنا وفي
حديثه فينظرون إلى الله جل وعز
ثم قال جل وعز: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة}
قال ابن عباس القتر سواد الوجوه
وقال غيره القتر جمع قترة وهي الغبرة
ومعنى يرهق يغشى والذلة الهوان
وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال بعد نظرهم إلى ربهم
والعاصم المانع). [معاني القرآن: 3/288-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} يرهق: يغشى، والقتر: الغبار، والذلة: الذل، فهذه من صفة الكفار، وقد عدلت هذه الصفة عن المؤمنين، فوجوههم نضرة). [ياقوتة الصراط: 255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلاَ يَرْهَقُ} أي يغشى.
{قَتَرٌ} أي غبار يعلوه سواد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَرْهَقُ}: يغش
{القَتَرٌ}: الغبار). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها...}
رفعت الجزاء بإضمار {لهم} كأنك قلت: فلهم جزاء السيئة بمثلها؛ كما قال {ففدية من صيامٍ} و{فصيام ثلاثة أيام في الحج} والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، وعليه فدية.
وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله: {جزاء سيّئةٍ بمثلها} والأوّل أعجب إليّ.
وقوله: {كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً} و{قطعا}. والقطع قراءة العامّة. وهي في مصحف أبي {كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم} فهذه حجة لمن قرأ بالتخفيف.
وإن شئت جعلت المظلم وأنت تقول قطع قطعا من الليل، وإن شئت جعلت المظلم نعتا للقطع، فإذا قلت قطعا كان قطعا من الليل خاصة.
والقطع ظلمة آخر الليل {فأسر بأهلك بقطع من الليل} ). [معاني القرآن: 1/461-462]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قطعاً من اللّيل مظلماً} إذا أسكنت الطاء فمعناه بعضاً من الليل، والجميع: أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل،
يقال: أتيته بقطع من الليل؛ وهو في آية أخرى: {بقطعٍ من اللّيل}. ومن فتح الطاء فإنه يجعلها جميع قطعة والمعنيان واحد.
ويجعل مظلماً من صفة الليل وينصبها على الحال وعلى أنها نكرة وصفت به معرفة). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها وترهقهم ذلّةٌ مّا لهم مّن اللّه من عاصمٍ كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً مّن اللّيل مظلماً أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
وقال: {جزاء سيّئةٍ بمثلها} وزيدت الباء كما زيدت في قولك {بحسبك قول السوء}.
وقال: {كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً مّن اللّيل مظلماً} فالعين ساكنة لأنه ليس جماعة "القطعة" ولكنه "قطعٌ" اسمٌ على حياله. وقال عامّة الناس {قطعا} يريدون به جماعة "القطعة" ويقوي الأول قوله {مظلماً} لأن "القطع" واحد فيكون "المظلم" من صفته. والذين قالوا: "القطع" يعنون به الجمع وقالوا "نجعل مظلماً" حالا لـ"الليل". والأوّل أبين الوجهين).
[معاني القرآن: 2/33-34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قطعا من الليل}: جماعة قطعة ويقرأ قطعا وهو بعض الليل ومنه {فأسر بأهلك بقطع من الليل} ساعة من الليل وجمعه أقطاع). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما لهم من اللّه من عاصمٍ} أي مانع.
{كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً من اللّيل} جمع قطعة. ومن قرأها: {قطعا من الليل} أراد اسم ما قطع تقول: قطعت الشيء قطعا. فتنصب
أول المصدر. واسم ما قطعت [منه] فسقط: «قطع»). [تفسير غريب القرآن: 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ، لأهل النار: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئة بمثلها وترهقهم ذلّة ما لهم من اللّه من عاصم كأنّما أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل مظلما أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
{كأنّما أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل مظلما}.
ويقرأ قطعا من الليل مظلما من نعت القطع، ومن قرأ قطعا جعل مظلما حالا من الليل.
المعنى أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حال ظلمته). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما}
القطع جمع قطعة ومن قرأ قطعا فهو اسم ما قطع يقال قطعة قطعا واسم ما قطعت قطع). [معاني القرآن: 3/290-291]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ عَاصِمٍ} من مانع.
{قِطَعًا} جمع قطعة، ومن قرأ بإسكان الطاء فمعناه: بعض الليل وقطعة منه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قِطَعًا}: جمع قطعة). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فزيّلنا بينهم...}
ليست من زلت؛ إنما هي من زلت ذا من ذا: إذا فرّقت أنت ذا من ذا. وقال {فزيّلنا} لكثرة الفعل. ولو قلّ لقلت: زل ذا من ذا؛ كقولك: مز ذا من ذا.
وقرأ بعضهم {فزايلنا بينهم} وهو مثل قوله: {يراءون ويرءّون}{ولا تصعّر، ولا تصاعر} والعرب تكاد توفّق بين فاعلت وفعّلت في كثير من الكلام، ما لم ترد فعلت بي وفعلت بك، فإذا أرادوا هذا لم تكن إلا فاعلت. فإذا أردت: عاهدتك وراءيتك وما يكون الفعل فيه مفردا فهو الذي يحتمل فعلت وفاعلت.
كذلك يقولون: كالمت فلانا وكلّمته، وكانا متصارمين فصارا يتكالمان ويتكلمّان). [معاني القرآن: 1/462]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم مّا كنتم إيّانا تعبدون}
وقال: {مكانكم أنتم وشركاؤكم} لأنه في معنى "انتظروا أنتم وشركاؤكم"). [معاني القرآن: 2/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فزيلنا بينهم}: من المزايلة، زاله يزيله مثل مازه يميزه). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فزيّلنا بينهم} أي فرّقنا بينهم. وهو من زال يزول وأزلت). [تفسير غريب القرآن: 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويوم نحشرهم جميعا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون}
{جميعا} منصوب على الحال
{ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم}.
مكانكم منصوب على الأمر، كأنه قيل لهم انتظروا مكانكم حتى نفصل بينكم، والعرب تتوعد فتقول مكانك، وانتظر، فهي كلمة جرت على الوعيد.
{فزيّلنا بينهم}.
من قولك زلت الشيء عن مكانه أزيله، وزيّلت للكثرة، ومن هذا إذا نحيته عن مكانه). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم نقول للذين أشركوا مكانكم}
أي انتظروا مكانكم توعد فزيلنا بينهم من قولك زلت الشيء من الشيء أي نحيته وزيلت على التكثير). [معاني القرآن: 3/291]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} فرقنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَزَيَّلْنَا}: فرقنا وميزنا). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى {ما}...، وقال المفسرون: وتكون بمعنى لقد، كقوله: {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}
و{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} و{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}). [تأويل مشكل القرآن: 552]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين}
معناه كفى اللّه شهيدا، و {شهيدا} منصوب إن شئت على التمييز، وإن شئت على الحال.
{إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} معناه: ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم}لأنهم قالوا من يشهد لك أنك رسول الله). [معاني القرآن: 3/291]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ...}
قرأها عبد الله بن مسعود: {تتلو} بالتاء. معناها - والله أعلم -: تتلو أي يقرأ كلّ نفس عملها في كتاب؛ كقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
وقوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه}. وقوله: {اقرأ كتابك} قوّة لقراءة عبد الله. قرأها مجاهد {تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} أي تخبره وتراه. وكل حسن.
حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة عن مجاهد أنه قرأ {تبلو} بالباء.
حدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس: {تبلو} تخبر، وكذلك قرأها ابن عباس.
وقوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} {الحقّ} تجعله من صفات الله تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبا تريد: ردّ إلى الله حقا. وإن شئت: مولاهم حقا.
وكذلك وقوله: {فذلكم اللّه ربّكم الحقّ...} فيه ما في الأولى). [معاني القرآن: 1/463]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هنالك تبلو كلّ نفسٍ} أي تخبر وتجد. وتتلو تتبع). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هنالك تبلو كلّ نفسٍ مّا أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون}
وقال: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ مّا أسلفت} أي: تخبر. وقال بعضهم {تتلو} أي: تتبعه). [معاني القرآن: 2/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {هنالك تبلو كل نفس}: تخبر ومن قرأ {تتلوا} فقد يكون تقص، من القصص وقد يكون تتبع). [غريب القرآن وتفسيره: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت} أي تقرأ في الصحف، ما قدّمت من أعمالها.
ومن قرأ تبلوا بالباء، أراد: تختبر ما كانت تعمل.
وقال أبو عمرو: وتصديقها {يوم تبلى السّرائر} وهي قراءة أهل المدينة.
وكذلك حكيت عن مجاهد). [تفسير غريب القرآن: 196-197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {هنالك تبلو كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}
{هنالك} ظرف.
المعنى: في ذلك الوقت تبلو، وهو منصوب بـ تبلو إلا أنه غير متمكن، واللام زائدة، والأصل هناك، وكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة.
ومعنى {تبلو} تخبر، أي تعلم كل نفس ما قدمت.
ومثل هنالك قول زهير
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا= وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
وقرئت - هنالك {تتلو} بتاءين، وفسرها الأخفش وغيره من النحويين تتلو من التلاوة، أي تقرأ كل نفس، ودليل ذلك قوله: {وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه}-
إلى قوله: {اقرأ كتابك}.
وفسروه أيضا: تتبع كل نفس ما أسلفت.
ومثله قول الشاعر:
قد جعلت دلوي تستتليني= ولا أحب تبع القرين
أي تستتبعني، أي تستدعي اتباعي لها.
{وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ}.
القراءة {الحقّ} من صفة الله عزّ وجلّ - ويجوز الحقّ والحقّ.
والنصب من جهتين إحداهما ردّو حقا، ثم أدخلت الألف واللام، ويجوز على تقدير هو مولاهم الحق، أي يحق ذلك حقا، وفيه جهة ثالثة في النصب على المدح:
هي: اذكر مولاهم الحق.
ومن قرأ {الحقّ} - بضم القاف - فعلى هو مولاهم الحق، لا من جعلوا معه من الشركاء.
{وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}.
{فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
بعد أن قرّروا فقيل لهم:{قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ} ). [معاني القرآن: 3/16-18]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}
قال مجاهد أي تختبر
ومعناه تجده وتقف عليه
وفي تتلو قولان:
قال الأخفش أي تقرأ كما قال {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك}
والقول الآخر أن معنى تتلو تتبع كما قال:
قد جعلت دلوي تستتليني). [معاني القرآن: 3/291-292]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هنالك تبلو كل نفس} أي: تختبر). [ياقوتة الصراط: 255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتلُو} أي تقرأ في المصحف ما قدمت. ومن قرأ {تَبْلُو} أراد تختبر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبْلُو}: تخبر
{تتلو}: تقرأ عملها). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل من يرزقكم مّن السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون}
وقال: {أمّن يملك السّمع والأبصار} فإن قلت "كيف دخلت {أم} على {من} فلأن {من} ليست في الأصل للاستفهام وإنما يستغنى بها عن الألف فلذلك أدخلت عليها {أم} كما أدخلت على {هل} حرف الاستفهام وإنما الاستفهام في الأصل الألف. و{أم} تدخل لمعنى لا بد منه.
قال الشاعر:
أبا مالكٍ هل لمتني مذ حضضتني = على القتل أم هل لامني لك لائم).
[معاني القرآن: 2/34-35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
لما خوطبوا بما لا يقدر عليه إلا اللّه - جلّ وعزّ - كان فيه دليل على توحيده). [معاني القرآن: 3/18]

تفسير قوله تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ...}
قرأها عبد الله بن مسعود: {تتلو} بالتاء. معناها - والله أعلم -: تتلو أي يقرأ كلّ نفس عملها في كتاب؛ كقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
وقوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه}. وقوله: {اقرأ كتابك} قوّة لقراءة عبد الله. قرأها مجاهد {تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} أي تخبره وتراه. وكل حسن.
حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة عن مجاهد أنه قرأ {تبلو} بالباء.
حدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس: {تبلو} تخبر، وكذلك قرأها ابن عباس.
وقوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} {الحقّ} تجعله من صفات الله تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبا تريد: ردّ إلى الله حقا. وإن شئت: مولاهم حقا.
وكذلك وقوله: {فذلكم اللّه ربّكم الحقّ...} فيه ما في الأولى). [معاني القرآن: 1/463] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
لما خوطبوا بما لا يقدر عليه إلا اللّه - جلّ وعزّ - كان فيه دليل على توحيده). [معاني القرآن: 3/18] (م)

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله تعالى: {كذلك حقّت كلمة ربّك...}
وقد يقرأ {كلمة ربك} و{كلمات ربك}. قراءة أهل المدينة على الراجح.
وقوله: {على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون}: حقّت عليهم لأنهم لا يؤمنون، أو بأنهم لا يؤمنون، فيكون موضعها نصبا إذا ألقيت الخافض.
ولو كسرت فقلت: {إنهم} كان صوابا على الابتداء.
وكذلك قوله: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} وكسرها أصحاب عبد الله على الابتداء). [معاني القرآن: 1/463-464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حقّت كلمة ربّك} أي سبق قضاؤه). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كذلك حقّت كلمت ربّك على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون}
الكاف في موضع نصب، أي مثل أفعالهم جازاهم ربّك.
وقوله: {أنّهم لا يؤمنون} أي حق عليهم أنهم لا يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون بدل من كلمة ربّك.
أعلم اللّه أنهم بأعمالهم قد منعوا من الإيمان، وجائز أن تكون الكلمة حقت عليهم لأنهم لا يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون بدل من كلمة ربك وتكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب). [معاني القرآن: 3/18]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا}
ثم بين الكلمة فقال أنهم لا يؤمنون فالمعنى حق عليهم أنهم لا يؤمنون
ويجوز أن يكون المعنى لأنهم لا يؤمنون وتكون الكلمة العقاب). [معاني القرآن: 3/292]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَقَّتْ كَلِمَة رَبِّكَ} أي سبق قضاؤه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {هل}: تكون للاستفهام، ويدخلها من معنى التقرير والتّوبيخ ما يدخل الألف التي يستفهم بها،
كقوله تعالى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ}، وهذا استفهام فيه تقرير وتوبيخ.
وكذلك قوله تعالى: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). [تأويل مشكل القرآن: 538]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّن لاّ يهدّي إلاّ أن يهدى...}
يقول: تعبدون مالا يقدر على النقلة من مكانه، إلا أن يحوّل وتنقلوه). [معاني القرآن: 1/464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أمّن لا يهدّي} أراد من لا يهتدي. فأدغم التاء في الدال.
ومن قرأ «يهدي» خفيفة. فإنها بمعنى يهتدي [قال الكسائي: يقول قوم من العرب هديت الطريق بمعنى: اهتديت] ). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحقّ قل اللّه يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}
{قل اللّه يهدي للحقّ}.
تقول هديت إلى الحق، وهديت الحقّ بمعنى واحد، لأن " هديت " يتعدى إلى المهديين وإلى الحقّ. يتعدى بحرف جر.
المعنى يهدي من يشاء للحق.
{أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى}أي: قرروا، فقيل لهم: أيّ أولى بالاتباع؛ الذي يهدي أم الذي لا يهدي إلّا أن يهدى.
وجاء في التفسير أنه يعنى به الأصنام.
وفي يهدي قراءات، قرأ بعضهم أمّن لا يهدي بإسكان الهاء والدال.
وهذه القراءة مروية إلا أن اللفظ بها ممتنع، فلست أدري كيف قرئ بها وهي شاذّة. وقد حكى سيبويه أن مثلها قد يتكلم به.
وقرأ أبو عمرو بن العلاء أمّن لا يهدّي - بفتح الهاء - وهذا صحيح جيد بالغ - الأصل يهتدي فأدغم التاء في الدال وطرح فتحتها على الهاء والذين جمعوا بين ساكنين.
الأصل عندهم أيضا يهتدي، فأدغمت التاء في الدال وتركت الهاء ساكنة، فاجتمع ساكنان.
وقرأ عاصم أمّن لا يهدّي، وهي في الجودة كفتح الهاء في الجودة.
والهاء على هذه القراءة مكسورة لالتقاء السّاكنين.
ورويت عن عاصم أيضا " يهدّي " بكسر الهاء والياء.
أتبع الكسرة الكسرة، وهي رديئة لنقل الكسر في الياء.
وقرئت أمّن لا يهدي بدال خفيفة.
فهذه خمسة أوجه قد قرئ بها هذا الحرف
وقوله: {فما لكم كيف تحكمون}.
{ما لكم} كلام تام، كأنّه قيل لهم: أي شيء لكم في عبادة الأوثان، ثم قيل لهم: {كيف تحكمون} أي: على أي حال تحكمون، فموضع كيف نصب بـ {تحكمون} ).
[معاني القرآن: 3/19-20]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى...}
المعنى - والله أعلم -: ما كان ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى. وهو في معنى: ما كان هذا القرآن ليفترى. ومثله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أي ما كان ينبغي لهم أن ينفروا؛
لأنهم قد كانوا نفروا كافّة، فدلّ المعنى على أنه لا ينبغي لهم أن يفعلوا مرّة أخرى. ومثله {وما كان لنبيّ أن يغلّ} أي ما ينبغي لنبيّ أن يغلّ، ولا يغل. فجاءت {أن} على معنى ينبغي؛ كما قال {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} والمعنى: منعك، فأدخلت {أن} في {مالك} إذا كان معناها: ما منعك. ويدلّ على أن معناهما واحد أنه قال له في موضع: {ما منعك}، وفي موضع {مالك} وقصّة إبليس واحدة). [معاني القرآن: 1/464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه} أي يضاف إلى غيره، أو يختلق). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين}
هذا جواب لقولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}.
وجواب لقولهم افتراه، والمعنى وما كان هذا القرآن لأن يفترى من دون الله ويجوز أن يكون المعنى: وما كان هذا القرآن افتراء، كما تقول: وما كان هذا الكلام كذبا.
{ولكن تصديق الّذي بين يديه}.
وفيه وجهان:
أحدهما أن يكون تصديق الشيء الذي القرآن بين يديه، أي الذي قبل سماعكم القرآن، أي تصديق من أنباء الأمم السالفة وأقاصيص أنبائهم.
ويجوز أن يكون " ولكن تصديق الذي بين يدي القرآن "، أي تصديق الشيء الذي تقدمه القرآن أي يدل على البعث والنشور.
وقرئ ولكن تصديق الذي بين يديه، فمن نصب فإن المعنى ولكن كان تصديق الذي بين يديه، ومن رفع فعلى ولكن تصديق الذي هو بين يديه.
ومن رفع قال: {وتفصيل الكتاب} ). [معاني القرآن: 3/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} معناه لأن يفترى أي لأن يختلق
ويجوز أن يكون المعنى وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله كما تقول وما كان هذا القرآن كذبا
ثم قال جل وعز: {ولكن تصديق الذي بين يديه}
يجوز أن يكون المعنى ولكن تصديق الشيء الذي القرآن بين يديه أي يصدق ما تقدمه من الكتب وأنباء الأمم
ويجوز أن يكون المعنى أنه يصدق ما لم يأت من أمر الساعة). [معاني القرآن: 3/293]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا ريب فيه من ربّ العالمين}{أم يقولون}مجاز أم ها هنا مجاز الواو ويقولون). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {افتراه} أي اختلقه وابتشكه). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مّثله وادعوا من استطعتم مّن دون اللّه إن كنتم صادقين}
وقال: {فأتوا بسورةٍ مّثله} وهذا - والله أعلم - "على مثل سورته" وألقى السورة كما قال: {واسأل القرية} يريد "أهل القرية"). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين}
المعنى بل أيقولون افتراه هذا تقرير لهم لإقامة الحجة عليهم:
{قل فأتوا بسورة مثله} أي أتقولون النبي اختلقه وأتى به من ذات نفسه، فأتوا بسورة من مثله.
أي بسورة مثل سورة منه، وإنما قيل مثله، يراد سورة منه لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس.
{وادعوا من استطعتم} ممن هو في التكذيب مثلكم، وإن خالفكم في أشياء.
{إن كنتم صادقين} في أنّه اختلقه). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله}
المعنى بسورة مثل سوره مثل {واسأل القرية} والمراد الجنس
وقيل المعنى فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن والسورة قرآن فكنى عنها بالتذكير على المعنى ولو كان على اللفظ لقيل مثلها
ثم قال جل وعز: {وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}أي ادعوا من يعينكم ممن يذهب إلى مذهبكم إن كنتم صادقين أنه مفترى). [معاني القرآن: 3/293-294]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولمّا يأتهم تأويله} أي عاقبته). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله كذلك كذّب الّذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظّالمين}
هذا - واللّه أعلم - قيل في الذين كذبوا، وهم شاكون {ولمّا يأتهم تأويله}.
أي لم يكن معهم علم تأويله، وهذا دليل أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه، ويجوز أن يكون: {ولمّا يأتهم تأويله} لم يأتهم ما يؤول إليه أمرهم في التكذيب به من العقوبة.
ودليل هذا القول: {كذّب الّذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظّالمين}.
{كيف} في موضع نصب على خبر كان، ولا يجوز أن يعمل فيها.. " انظر " لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}
قيل يراد بهذا والله أعلم من كذب وهو شاك
وقيل بما لم يحيطوا بعلمه أي بما فيه من الوعيد على كفرهم
{ولما يأتهم تأويله} أي ما يؤول إليه ذلك الوعيد
وقيل {ولما يأتهم تأويله} أي لم يعرفوه فهذا يدل على
أنه يجب أن ينظر في التأويل
ويجوز أن يكون المعنى ولما يأتهم ما يؤول إليه أمرهم من العقاب). [معاني القرآن: 3/294-295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه} أي عاقبته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربّك أعلم بالمفسدين}
أي منهم من يعلم أنه حق فيصدّق به، أو يعاند فيظهر الكفر، {ومنهم من لا يؤمن به} أي منهم من يشك ولا يصدّق). [معاني القرآن: 3/21-22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين}
أي منهم من يعلم أنه حق ويظهر الكفر عنادا وإبقاء على رياسته ومنهم من لا يؤمن به في السر والعلانية
وقوله جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم} أي ظاهرهم ظاهر من يستمعون وهم لشدة عداوتهم وانحرافهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الصم).
[معاني القرآن: 3/295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} كيف دلّ على فضل السّمع على البصر، حين جعل مع الصمم فقدان العقل، ولم يجعل مع العمى إلا فقدان النظر) ). [تأويل مشكل القرآن: 7]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصّمّ ولو كانوا لا يعقلون}
أي ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم وبغضهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسوء استماعهم بمنزله الصّم.
{ولو كانوا لا يعقلون} أي ولو كانوا مع ذلك جهّالا.
وهذا مثل قول الشّاعر:
أصم عما ساءه سميع). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو كانوا لا يعقلون}.
أي ولو كانوا مع هذا جهالا). [معاني القرآن: 3/296]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} كيف دلّ على فضل السّمع على البصر، حين جعل مع الصمم فقدان العقل، ولم يجعل مع العمى إلا فقدان النظر) ). [تأويل مشكل القرآن: 7] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون}
أي يقبل عليك بالنظر وهو كالأعمى من بغضه لك وكراهته لما يراه من آياتك،
كما قال اللّه - جل ثناؤه -{ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت} ). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون}
ومنهم من ينظر إليك أي يديم النظر إليك كما قال تعالى: {ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} ). [معاني القرآن: 3/296]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ اللّه لا يظلم النّاس شيئاً ولكنّ النّاس...}
للعرب في {لكن} لغتان: تشديد النون وإسكانها. فمن شدّدها نصب بها الأسماء، ولم يلها فعل ولا يفعل. ومن خفّف نونها وأسكنها لم يعملها في شيء اسمٍ
ولا فعل، وكان الذي يعمل في الاسم الذي بعدها ما معه، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه؛ من ذلك قوله: {ولكن الناس أنفسهم يظلمون} {ولكن اللّه رمى} {ولكن الشياطين كفروا} رفعت هذه الأحرف بالأفافيل التي بعدها. وأمّا قوله: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول اللّه} فإنك أضمرت {كان} بعد {لكن} فنصبت بها، ولو رفعته على أن تضمر {هو}: ولكن هو رسول الله كان صوابا. ومثله {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه} و{تصديق}.
ومثله {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه} و{تصديق}.
فإذا ألقيت من {لكن} الواو التي في أوّلها آثرت العرب تخفيف نونها. وإذا أدخلوا الواو وآثروا تشديدها. وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عمّا أصاب أوّل الكلام، فشبّهت ببل إذ كان رجوعا مثلها؛ ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما بمعنى واحد، والواو لا تصلح في بل، فإذا قالوا ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بل) إذ لم تصلح الواو في (بل)، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها واو ودخلت لعطفٍ لا لمعنى بل.
وإنما نصبت العرب بها إذا شدّدت نونها لأن أصلها: إنّ عبد الله قائم، فزيدت على (إن) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا؛
ألا ترى أن الشاعر قال:
* ولكنني من حبّها لكميد *
فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ.
وهي فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر:
لهنّك من عبسيّةٍ لوسيمةٌ =على هنواتٍ كاذبٍ من يقولها
وصل (إنّ) ها هنا بلام وهاء؛ كما وصلها ثمّ بلام وكاف. والحرف قد يوصل من أوّله وآخره. فما وصل من أوله (هذا)، (ها ذاك)، وصل بـ (ها) من أوّله. ومما وصل من آخره.
قوله: {إمّا ترينّي ما يوعدون}، وقوله: لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وبـ (ما). ونرى أن قول العرب: كم مالك، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر بـ (كم) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها؛ كما قالوا: لم قلت ذاك؟ ومعناه: لم قلت ذاك، ولما قلت ذاك؟
قال الشاعر:
يا أبا الأسود لم أسلمتني =لهموم طارقات وذكر
وقال بعض العرب في كلامه وقيل له: منذ كم قعد فلان؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، فردّه الكاف في (مذ) يدلّ على أن الكاف في (كم) زائدة.
وإنهم ليقولون: كيف أصبحت، فيقول: كالخير، وكخير. وقيل لبعضهم: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهيّن). [معاني القرآن: 1/464-466]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلّا ساعة من النّهار يتعارفون بينهم قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه وما كانوا مهتدين}
أي قرب عندهم ما بين موتهم وبعثهم، كما قال - عزّ وجلّ: {لبثنا يوما أو بعض يوم}.
{يتعارفون بينهم}.
يعرف بعضهم بعضا، وفي معرفة بعضهم بعضا وعلم بعضهم بإضلال بعض، التوبيخ لهم وإثبات الحجة عليهم.
{قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه}.
يجوز - واللّه أعلم - أن يكون هذا إعلاما من اللّه - جلّ وعز - بعد أن بيّن الدلالة على أمر البعث والنشور، أنّه من كذب بعد هذه الآية فقد خسر ويجوز أن يكون - والله أعلم - بتعارفهم بينهم يقولون قد خسر الّذين كذبوا بلقاء اللّه). [معاني القرآن: 3/22-23]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} أي قريب ما بين موتهم ومبعثهم،
ثم قال {يتعارفون بينهم} أي يعرف بعضهم بعضا وهو أشد لتوبيخهم إذا عرف بعضهم بعضا بالإضلال والفساد). [معاني القرآن: 3/297]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيدٌ على ما يفعلون...}
{ثم} ها هنا عطف. ولو قيل: ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون. يريد: هنالك الله شهيد على ما يفعلون). [معاني القرآن: 1/466]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإمّا نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون}
يقال في التفسير إنه يعنى به وقعة بدر، وقيل إنّ اللّه - جلّ وعزّ – أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ينتقم من بعض هذه الأمّة ولم يعلمه أيكون ذلك قبل وفاته أم بعدها.
والذي تدل عليه الآية أنّ اللّه - جل وعز - أعلمه أنه إن لم ينتقم منهم في العاجل انتقم منهم في الآجل، لأن قوله: {أو نتوفّينّك فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون}
يدل على ذلك.
وقد أعلم كيف المجازاة على الكفر والمعاصي). [معاني القرآن: 3/23]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك}
قال مجاهد أي وإما نرينك العذاب في حياتك {أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم}
وقال غيره يريد بقوله جل وعز: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم} وقعة بدر والله أعلم). [معاني القرآن: 3/297-298]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولكلّ أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون}
المعنى - واللّه أعلم - أنّ كل رسول شاهد على أمّته بإيمانهم وكفرهم.
كما قال - جلّ وعزّ - {وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا}.
وكما قال جلّ وعزّ: {وقال الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا }.
ويجوز - واللّه أعلم - أنّ اللّه أعلم أنه لا يعذّب قوما إلا بعد الإعذار إليهم والإنذار، أي لم يعذبهم حتى يجيئهم الرسول،
كما قال - جلّ وعزّ -:{وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا}.
وكما قال: {رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل} ). [معاني القرآن: 3/23-24]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط}
قال مجاهد يعني يوم القيامة والمعنى على هذا فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم بالإيمان والكفر كما قال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}
وقال جل وعز: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}
وقال غير مجاهد يجوز أن يكون إنه لا يعذب أحدا حتى يجيئه الإعذار والإنذار وإنما يأتي بهذا الرسل). [معاني القرآن: 3/296-297]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً مّاذا يستعجل منه المجرمون...}
إن شئت جعلت {ماذا} استفهاما محضا على جهة التعجّب؛ كقوله: ويلهم ماذا أرادوا باستعجال العذاب؟! وإن شئت عظّمت أمر العذاب فقلت: بماذا استعجلوا!
وموضعه رفع إذا جعلت الهاء راجعة عليه، وإن جعلت الهاء في {منه} للعذاب وجعلته في موضع نصب أوقعت عليه الاستعجال). [معاني القرآن: 1/467]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن أتاكم عذابه بياتاً} أي بيّتكم ليلا وأنتم بائتون). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً مّاذا يستعجل منه المجرمون}
وقال: {ماذا يستعجل منه المجرمون} فإن شئت جعلت {ماذا} اسما بمنزلة {ما} وإن شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي"). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}
البيات كل ما كان بليل، وهو منصوب على الوقت.
وقوله: {ماذا يستعجل منه المجرمون}.
{ما} في موضع رفع من جهتين:
إحداهما أن يكون ذا بمعنى.. " ما الّذي "
يستعجل منه المجرمون، ويجوز أن يكون " ماذا " اسما واحدا، ويكون المعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون والهاء في منه يعود على العذاب نصب،
فيكون المعنى: أي شيء يستعجل المجرمون من اللّه - جلّ وعزّ -.
والأجود أن تكون الهاء تعود على العذاب، لقوله: {أثمّ إذا ما وقع آمنتم به}.
وقوله: {آلآن وقد كنتم به تستعجلون}.
المعنى: آلآن تؤمنون، فزعم القراء أن.. " آلأن " إنما هو " أأن كذا
وكذا "، وأن الألف واللام دخلت على جهة الحكاية.
وما كان على جهة الحكاية نحو قولك " قام " إذا سميت به فجعلته مبنيا على الفتح لم تدخله الألف واللام.
و " الآن " عند سيبويه مبني على الفتح. نحو " نحن لن الآن نصير إليك). فتفتح لأن الألف واللام إنما تدخل لعهد.
و " الآن " لم تعهده قبل هذا
الوقت، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت.
والمعني نحن من هذا الوقت نفعل، فلما تضمنت معنى هذا، وجب أن تكون موقوفة ففتحت لالتقاء السّاكنين، وهما الألف واللام). [معاني القرآن: 3/24-25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}
يجوز أن يكون المعنى ماذا يستعجل من الله
ويجوز أن يكون ماذا يستعجل من العذاب المجرمون
قال أبو جعفر وهذا أشبه بالمعنى لقوله تعالى: {أثم إذا ما وقع آمنتم به} ). [معاني القرآن: 3/298]

تفسير قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الآن وقد كنتم به تستعجلون...}
{الآن} حرف بني على الألف واللام لم تخلع منه، وترك على مذهب الصفة؛ لأنه صفة في المعنى واللفظ؛ كما رأيتهم فعلوا في (الذي) و(الذين) فتركوهما على مذهب الأداة،
والألف واللام لهما غير مفارقتين.
ومثله قال الشاعر:

فإن الألاء يعلمونك منهم =كعلمي مظّنّوك ما دمت أشعرا
فأدخل الألف واللام على {ألاء} ثم تركها مخفوضة في موضع النصب؛ كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام.
ومثله قوله:

وأني حبست اليوم والأمس قبله =ببابك حتى كادت الشمس تغرب
فأدخل الألف واللام على (أمس) ثم تركه مخفوضا على (جهته الأولى).
ومثله قول الآخر:
تفقّأ فوقه القلع السواري =وجنّ الخازباز به جنونا
فمثل (الآن) بأنها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف واللام، ثم أدخلتهما فلم يغيراها. وأصل الآن إنما كان (أوان) حذفت منها الألف وغيّرت واوها إلى الألف؛
كما قالوا في الراح: الرياح؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسي:
كأن مكاكي الجواء غديّةً = نشاوى تساقوا بالرياح المفلفل
فجعل الرياح والأوان على جهة فعل ومرة على جهة فعال؛ كما قالوا: زمن وزمان. وإن شئت جعلت (الآن) أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثم تركتها على مذهب فعل فأتاها النصب من نصب فعل. وهو وجه جيّد؛ كما قالوا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال،
فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان. ولو خفضتا على أنهما أخرجتا من نيّة الفعل كان صوابا؛ سمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ بالفتح، ومن شبٍّ إلى دبٍّ؛ يقول: مذ كان صغيرا إلى أن دبّ، وهو فعل). [معاني القرآن: 1/467-469]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الآن
الآن: هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حدّ الزّمانين: حدّ الماضي من آخره، وحدّ الزمان المستقبل من أوله.
قال الفراء: «هو حرف بني على الألف واللام، ولم يخلعا منه، وترك على مذهب الصّفة، لأنه في المعنى واللفظ، كما رأيتهم فعلوا بالذي، فتركوه على مذهب الأداة، والألف واللام له لازمة غير مفارقة.
وأرى أصله: أوان، حذفت منه الألف، وغيّرت واوه إلى الألف، كما قالوا في الرّاح: الرّياح. وأنشد:
كأنّ مكاكيّ الجواء غديّة نشاوى تساقوا بالرّياح المفلفل
قال: فهي مرّة على تقدير (فعل) ومرّة على تقدير (فعال) كما قالوا: زمن، وزمان.
وإن شئت جعلتها من قولك: آن لك أن تفعل كذا وكذا، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب (فعل) منصوبة، كما قالوا:
«نهى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وكثرة السّؤال»
فكانتا كالاسمين وهما منصوبتان، ولو خفضتا على النّقل لهما من حدّ الأفعال إلى الأسماء في النّية- كان صوابا.
وسمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ، ومن شبّ إلى دبّ، مخفوض منون، يذهبون به مذهب الأسماء. والمعنى: مذ كان صغيرا فشبّ إلى أن دبّ كبيرا.
قال الله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} {آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي أفي هذا الوقت وفي هذا الأوان تتوب وقد عصيت قبل؟).
[تأويل مشكل القرآن: 523-524]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {الآن وقد كنتم به تستعجلون} وفي الكلام حذف والمعنى الآن تؤمنون به). [معاني القرآن: 3/298]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}


رد مع اقتباس