عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 11 إلى 25]

({وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) })

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير...}
يقول: لو أجيب الناس في دعاء أحدهم على ابنه وشبهه بقولهم. أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاك الله لهلكوا. و{استعجالهم} منصوب بوقوع الفعل: {يعجل}؛
كما تقول: قد ضربت اليوم ضربتك، والمعنى: ضربت كضربتك وليس المعنى ها هنا كقولك: ضربت ضربا؛ لأن ضربا لا تضمر الكاف فيه؛ لأنك لم تشبهه بشيء،
وإنما شبهت ضربك بضرب غيرك فحسنت فيه الكاف.
وقوله: {لقضي إليهم أجلهم} ويقرأ: {لقضى إليهم أجلهم}. ومثله {فيمسك التي قضى عليها الموت} و {قضي عليها الموت} ). [معاني القرآن: 1/458]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لقضي إليهم أجلهم} مجازه: لفزغ ولقطع ونبذ إليهم، وقال أبو ذؤيب:

وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السوابغ تبّع).
[مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} أي لو عجل اللّه للناس الشر إذا دعوا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لقضي إليهم أجلهم} أي لماتوا). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
يريد أن الناس عند الغضب وعند الضّجر، قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وبالخزي وتعجيل البلاء، كما قد يدعونه بالرزق والرحمة وإعطاء السّؤل.
يقول: فلو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير- لقضي إليهم أجلهم، أي لهلكوا.
وفي الكلام حذف للاختصار، كأنه قال: ولو يعجّل الله للنّاس إجابتهم بالشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير، لهلكوا). [تأويل مشكل القرآن: 393]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}
يروى أنهم لو أجيبوا في الدعاء على أنفسهم وأهليهم، كقول الرجل لابنه وحميمه: أماتك اللّه، وفعل بك كذا وكذا.
وجائز أن يكون عنى قوله: {فأمطر علينا حجارة من السّماء}، وما أشبه ذلك فلو عجل الله ذلك كما يعجّل لهم الخير لأهلكهم به.
ونصب {استعجالهم} على مثل استعجالهم بالخير، أي على نعت مصدر محذوف.
والمعنى: ولو يعجّل اللّه للنّاس الشر تعجيلا مثل استعجالهم بالخير، {لقضي إليهم أجلهم}.
ويقرأ: لقضى إليهم أجلهم جميعا، جيّدتان، ولقضي أحسنهما، لأن
قوله: {ولو يعجل اللّه للناس الشر} يتصل به {لقضي إليهم أجلهم}.
{فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}.
الطغيان في كل شيء ارتفاعه وعلوّه.
والعمه التحير.
المعنى فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في غلوهم وكفرهم يتحيرون). [معاني القرآن: 3/8-9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}
قال مجاهد وهو دعاء الرجل عند الغضب على أهله وولده فلو عجل لهم ذلك لماتوا
وقيل إنه قولهم {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء}
فلو عجل لهم هذا لهلكوا). [معاني القرآن: 3/280]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مرّ كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه...}
يقول: استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء). [معاني القرآن: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً} مجازه: دعانا على إحدى هذه الحلات، ومجاز دعانا لجنبه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: دعانا وهو مضطجع لجنبه.
{مرّ كأن لمّ يدعنا} أي استمر فمضى). [مجاز القرآن: 1/275]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}
وقال: {كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه} و{كأن لّم يلبثوا إلاّ ساعةً} وهذا في الكلام كثير وهي {كأنّ} الثقيلة ولكنه اضمر فيها فخفف كما تخفف {أنّ} ويضمر فيها وإنما هي {كأنه لم} وقال الشاعر:
*وي كأن من يكن له نشبٌ يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ*
وكما قال
[وصدرٍ مشرق النّحر] كأن ثدياه حقّان
أي: كأنه ثدياه حقّان. وقال بعضهم "كأن ثدييه" فخففها واعلمها ولم يضمر فيها كما قال: {إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ}
أراد معنى الثقيلة فأعملها كما يعمل الثقيلة ولم يضمر فيها). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}
المعنى - واللّه أعلم -: وإذا مسّ الإنسان الضر من حال من الأحوال فجائز أن يكون دعانا لجنبه، ودعانا وهو سطيح، أو دعانا قائما.
ويجور أن يكون: وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو مسّه قاعدا، أو مسّه قائما، دعانا.
{فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه}.
المعنى مر في العافية على ما كان عليه قبل أن يبتلى، ولم يتعظ بما ناله.
وقوله: {كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}.
ويجوز زيّن للمسرفين.
موضع الكاف نصب على مفعول ما لم يسم فاعله المعنى زين للمسرفين عملهم كذلك أي مثل ذلك، أي جعل جزاءهم الإضلال بإسرافهم بكفرهم). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}
ويجوز أن يكون المعنى وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا
ويجوز أن يكون التقدير دعانا على إحدى هذه الأحوال
ثم قال جل وعز: {فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه}
روى أبو عبيد عن أبي عبيدة أن مر من مذهب استمر
وقال الفراء أي استمر على ما كان عليه من قبل أن يمسه الضر). [معاني القرآن: 3/280-281]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبيّنات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}
المعنى كالمعنى من قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}.
أعلم اللّه - جل ثناؤه أنهم لا يؤمنون ولو أبقاهم أبدا. فجائز أن يكون جعل جزاءهم الطبع على قلوبهم، وجائز أن يكون أعلم ما قد علم منهم.
والدّليل على أنّه طبع على قلوبهم جزاء لهم
قوله: {كذلك نجزي القوم المجرمين}.
قوله: {كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه}.
{كأن} مخففة من الشديدة، المعنى كأنّه لم يدعنا.
قالت الخنساء:

كأن لم يكونوا حمى يتّقى= إذ الناس إذ ذاك من عزّ بزّا
أي كأنهم لم يكونوا). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا}
قوله تعالى: {وما كانوا ليؤمنوا} فيه قولان:
أحدهما الله جل وعز أخبر بما يعلم منهم لو بقاهم
والآخر أنه جازاهم على كفرهم بأن طبع على قلوبهم
ويدل على هذا أنه قال كذلك نجزي القوم المجرمين). [معاني القرآن: 3/281-282]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}
موضع {كيف} نصب بقوله {تعملون} لأنها حرف استفهام، ولا يعمل فيها {لننظر} لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل في الاستفهام.
ولو قلت: لننظر أخيرا تعملون أم شرّا كان العامل في خير وشيء تعملون). [معاني القرآن: 3/10]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من تلقاء نفسي} أي من عند نفسي). [مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من تلقاء نفسي}: عند نفسي). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو بدّله} كانوا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه وسلم: اجعل آية عذاب آية رحمة، وآية رحمة آية عذاب).
[تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات قال الّذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم}
منصوب على الحال.
{قال الّذين لا يرجون لقاءنا} لا يؤمنون بالبعث والنشور.
{ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}.أي إيت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور وليس فيه عيب آلهتنا.. أو " بدّله " أي أو بدل منه ذكر البعث والنشور.
{قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ}تأويله: إنّ الّذي أتيت به من عند اللّه لا من عندي فأبدله). [معاني القرآن: 3/10-11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله}
قال قتادة الذين قالوا هذا مشركو أهل مكة
وقال غيره أي ائت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور ولا سب آلهتنا قال الله جل وعز: {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي}). [معاني القرآن: 3/282]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أن أبدله} أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء - قال: يقال أبدلت الخاتم بالحلقة، إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه، وبدلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم، إذا أذبتها وجعلتها خاتما. قال ثعلب: وحقيقة أن ' بدلت ' إذا غيرت الصورة إلى صورة غيرها، والجوهرة بعينها، و' أبدلت ' إذا نحيت الجوهرة،
وجعلت مكانها جوهرة أخرى، قال: ومنه قول القائل: نحى السديس وانتحى للمعدل عزل الأمير للأمر المبدل وقال: ألا ترى أنه قد نحى جسما، وجعل مكانه جسما غيره ؟
قال أبو عمر: فعرضت الكلام على محمد بن يزيد المبرد، فاستحسنه، وقال فيه: قد بقيت فيه فاصلة أخرى على أحمد ابن يحيى، قلت: وما هي، أعزك الله ؟
قال: بقي أن العرب قد جعلت ' بدلت ' بمعنى ' أبدلت ' وهو قوله - عز وجل: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} ألا ترى أنه - تبارك وتعالى - قد أزال السيئات، وجعل مكانها حسنات ؟ قال: وأما شرط لك أحمد بن يحيى فهو بمعنى قوله - عز وجل: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}
قال: فهذه هي الجوهرة، وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها، لأنها كانت ناعمة، فاسودت بالعذاب، فردت صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة مختلفة). [ياقوتة الصراط:251- 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تِلْقَاء نَفْسِي}: عند نفسي). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لّو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به...}
وقد ذكر عن الحسن أنه قال: "ولا أدرأتكم به" فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الحسن ذهب إليها. وأما أن تصلح من دريت أو أدريت فلا؛ لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحّتا ولم تنقلبا إلى ألف؛ مثل قضيت ودعوت. ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها؛ لأنها تضارع درأت الحدّ وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز؛ سمعت امرأة من طيء تقول: رثأت زوجي بأبياتٍ. ويقولون لبّأت بالحج وحلأت السويق فيغلطون؛ لأن حلأت قد يقال في دفع العطاش من الإبل، ولبّأت ذهب إلى اللبأ الذي يؤكل، ورثأت زوجي ذهبت إلى رثيئة اللبن؛ وذلك إذا حلبت الحليب على الرائب). [معاني القرآن: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا أدراكم به} مجازه: ولا أفعلكم به؛ من دريت أنا به.
{عمراً} أي حيناً طويلاً، مجازه من قولهم: مضى علينا حين من الدهر، والعمر والعمر والعمر ثلاث لغات). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({عمرا}: حينا). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا أدراكم به} أي ولا أعلمكم به). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون}
ويجوز {عمرا} بإسكان الميم، أي قد لبثت فيكم من قبل أن يوحى إليّ لا أتلو كتابا ولا أخطه بيميني، وهذا دليل على أنه أوحي إليّ؛ إذ كنتم تعرفونني بينكم، نشأت لا أقرأ كتابا، وإخباري إياكم أقاصيص الأولين من غير كتاب ولا تلقين يدل على أنّ ما أتيت به من عند اللّه وحي). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به}
قال الضحاك أي ولا أشعركم به ولا أعلمكم به
ثم قال جل وعز: {فقد لبثت فيكم عمرا من قبله}
قال قتادة لبث فيهم أربعين سنة وأقام سنتين يرى رؤيا الأنبياء وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة). [معاني القرآن: 3/282-283]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فقد لبثت} أي: فقد أقمت، ويقال منه: فعل يفعل فعالا ووفعلا وفعالة). [ياقوتة الصراط: 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عُمُرًا}: حيناً). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويعبدون من دون الله مالا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} مجاز ما ها هنا مجاز الذين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال: هؤلاء شفعاؤنا، ومثله في آية أخرى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، وفي آية أخرى: {إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} والمستعمل في الكلام: ما تنطق هذه، ورأيتهن لي ساجدات،
وقال:

تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
وفي آية أخرى {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان} والمستعمل: ادخلن مساكنكن لا يحطمنكن سليمان). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
المعنى: ما لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه.
{ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض}.
أي أتعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يميّز، وتزعمون أنها تشفع عند اللّه، فتخبرون بالكذب). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم}
أي ما لا يضرهم إن لم يعبدوه ولا ينفعهم إن عبدوه
ثم قال جل وعز: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض}
أي أتعبدون ما لا يشفع ولا ينصر ولا يميز وتقولون هو يشفع لنا عند الله فتكذبون وهل يتهيأ لكم أن تنبؤه بما لا يعلم). [معاني القرآن: 3/283]

تفسير قوله تعالى: روَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً فاختلفوا ولولا كلمةٌ سبقت من رّبّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون}
وقال: {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً} على خبر "كان" كما قال: {إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً}. [أي] "إن كانت تلك إلا صيحة واحدة"). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو لا كلمةٌ سبقت من ربّك} أي نظرة إلى يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان النّاس إلّا أمّة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون}
قيل يعنى بالناس ههنا العرب الذين كانوا على الشرك.
اختلفوا: آمن بعض وكفر بعض.
وقيل: ما كان الناس إلا أمّة واحدة، أي ولدوا على الفطرة، واختلفوا بعد الفطرة.
{ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم}.
ويجوز لقضى بينهم، أي لولا أنّ اللّه - جلّ وعزّ - جعل لهم أجلا في - القضاء بينهم، لفصل بينهم في وقت اختلافهم.
و{بين} منصوبة لأنها ظرف). [معاني القرآن: 3/11-12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا}
فيه ثلاثة أقوال:
أبينها : قول مجاهد وهو أنهم كانوا في وقت آدم على دين واحد ثم اختلفوا
والقول الثاني : أن هذا عام يراد به الخاص وأنه يراد بالناس ههنا العرب خاصة
والقول الثالث: أنه مثل قوله كل مولود يولد على الفطرة أي ثم يختلفون بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/283-284]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا أذقنا النّاس رحمةً مّن بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مّكرٌ...}
العرب تجعل {إذا} تكفى من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذلك: اكتفى بـ {إذا} من {فعلوا} ولو قيل {من بعد ضراء مستهم مكروا} كان صوابا. وهو في الكلام والقرآن كثير. ونقول: خرجت فإذا أنا بزيد. كذلك يفعلون بـ {إذ}؛ كقول الشاعر:
بينما هنّ الأراك معا = إذا أتى راكب على جمله
وأكثر الكلام في هذا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال:

بينا تبغيّه العشاء وطوفه =وقع العشاء به على سرحان
ومعناهما واحد بـ (إذ) وبطرحها). [معاني القرآن: 1/459-460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا} مجاز المكر ها هنا مجاز الجحود بها والرد لها.
{قل الله أسرع مكراً} أي أخذاً وعقوبة واستدراجاً لهم). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أذقنا النّاس رحمةً} يعني: فرجا من بعد كرب.
{إذا لهم مكرٌ في آياتنا} يعني: قولا بالطعن والحيلة يجعل لتلك الرحمة سببا آخر). [تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء، فمن الشدّة: قحط المطر، قال الله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ}أي: مطرا من بعد قحط وجدب). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذا أذقنا النّاس رحمة من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكر في آياتنا قل اللّه أسرع مكرا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون}
يعنى بالناس ههنا الكافرون.
وقوله: {إذا لهم مكر في آياتنا} جواب الجزاء،
وهو كقوله:{وإن تصبهم سيّئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون}المعنى وإن تصبهم سيئة قنطوا، وإذا أذقنا الناس رحمة مكروا.
فإذا تنوب عن جواب الشرط كما ينوب الفعل). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم}
يراد بالناس ههنا الكفار كما قال تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود}
وقال الحسن ذلك المنافق
والرحمة ههنا الفرج ومن بعد ضراء أي من بعد كرب إذا لهم مكر في آياتنا أي يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في غير موضعه
قال مجاهد إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب). [معاني القرآن: 3/284-285]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يسيّركم...}
قراءة العامّة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت {ينشركم} قرأها أبو جعفر المدنيّ كذلك. وكلّ صواب إن شاء الله.
وقوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ} يعني الفلك؛ فقال: جاءتها، وقد قال في أوّل الكلام {وجرين بهم} ولم يقل: وجرت، وكلّ صواب؛ تقول: النساء قد ذهبت، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر، وتكون واحدة وتكون جمعا. وقال في يس {في الفلك المشحون} فذكّر الفلك، وقال ها هنا: جاءتها، فأنث. فإن شئت جعلتها ها هنا واحدة، وإن شئت: جماعا. وإن شئت جعلت الهاء في {جاءتها} للريح؛ كأنك قلت: جاءت الريح الطيّبة ريح عاصف. والله أعلم بصوابه. والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح، وعصفت. وبالألف لغة لبني أسد؛ أنشدني بعض بني دبير: حتى إذا
أعصفت ريح مزعزعة =فيها قطار ورعد صوته زجل).
[معاني القرآن: 1/460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنّهم أحيط بهم} مجازه: دنوا للهلاك، ويقال: إنه محاط بك، والإدراك أي إنك مدرك فمهلك). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وإنما قال: {وجرين بهم} لأن {الفلك} يكون واحدا وجماعة. قال: {في الفلك المشحون} وهو مذكر. وأما {حتّى إذا كنتم في الفلك} فجوابه قوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ}.
وأما قوله: {دعوا اللّه} فجواب لقوله: {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} وإنما قال: {بهم} وقد قال: {كنتم} لأنه يجوز أن تذكر غائبا ثم تخاطب إذا كنت تعنيه، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً = لدينا ولا مقليّةً أن تقلّت).
[معاني القرآن: 2/32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحيط بهم}: دنوا من الهلكة يقال قد أحيط بك أي إنك هالك). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} أي دنوا للهلكة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة).
[تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفرح: المسرّة، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} أي سرّوا). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي دنوا من الهلاك. وأصل هذا: أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة. وقال في موضع آخر: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب:
كقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا}.
وقوله: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
قال الشاعر:

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند = أقوت وطال عليها سالف الأبد
وكذلك أيضا تجعل خطاب الغائب للشاهد:
كقول الهذليّ:
يا ويحَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ = وبياضُ وَجْهِكَ للتُّرَابِ الأَعْفَرِ)
. [تأويل مشكل القرآن: 289-290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
ويجوز هو الذي يسيركم، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{حتّى إذا كنتم في الفلك}.
الفلك يكون واحدا ويكون جمعا، كما أن فعلا في قولك أسد، جمع أسد، وفعل وفعل من باب واحد، جاز أن يكون جمع الفلك فلكا.
{وجرين بهم}.
ابتداء الكلام خطاب، وبعد ذلك إخبار عن غائب لأن من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يردّه إلى الغائب.
قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت= عسرا على طلابك ابنة مخرم
ومثل الآية قول كثير.
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة= لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
وقرأ بعضهم: هو الذي ينشركم.
وأكثر ما جاء في التفسير في قوله: {وما كان النّاس إلّا أمّة واحدة} يعنى به آدم عليه السلام.
{فاختلفوا} اختلف هابيل وقابيل.
وقوله: {جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان} المعنى من كل أمكنة الموج.
{وظنّوا أنّهم أحيط بهم} يقال لكل من وقع من بلاء قد أحيط به، أي أحاط به البلاء وقيل أحاطت بهم الملائكة). [معاني القرآن: 3/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}
قيل المعنى حتى إذا كنتم في الفلك ثم حولت المخاطبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار المعنى وجرين بهم يا محمد
وقيل العرب تقيم الغائب مقام الشاهد فتخاطبه مخاطبته ثم ترده إلى الغائب
وقوله عز وجل: {وظنوا أنهم أحيط بهم}
يقال لمن وقع في بلية قد أحيط به كأن البلاء أحاط به وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله). [معاني القرآن: 3/285]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله عز وجل: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) قال ثعلب والمبرد: خرج من المخاطبة إلى الإخبار، فالمخاطبة {حتى إذا كنتم في الفلك} . {وجرين بهم}: إخبار). [ياقوتة الصراط: 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ} دنوا من الهلكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ}: دنوا من الهلاك). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم...}
إن شئت جعلت خبر {البغي} في قوله {على أنفسكم} ثم تنصب {متاع الحياة الدينا} كقولك: متعةً في الحياة الدنيا. ويصلح الرفع ها هنا على الاستئناف؛
كما قال {لم يلبثوا إلا ساعة من نهارٍ بلاغ} أي ذلك {بلاغ} وذلك {متاع الحياة الدنيا} وإن شئت جعلت الخبر في المتاع. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/461]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
وقال: {إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا} أي: وذلك متاعٌ الحياة الدنيا. وأراد "متاعكم متاع الحياة الدّنيا"). [معاني القرآن: 2/32]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
المعنى فلمّا أنجاهم بغوا، والبغي التّرامي في الفساد.
قال الأصمعي:
يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد.
وبغت المرأة بغاء إذا فجرت.
وقوله: {إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا}.
وتقرأ {متاع الحياة الدنيا}، خبرا لقوله: {بغيكم على أنفسكم}.
ويجوز أن يكون خبر الابتداء {على أنفسكم}.
ويكون {متاع الحياة الدنيا} على إضمار هو.
ومعنى الكلام أن ما تنالونه بهذا الفساد والبغي إنما تتمتعون به في الدنيا {ثمّ إلينا مرجعكم}.
ومن نصب {متاع الحياة الدنيا} فعلى المصدر، المعنى تتمتعون متاع الحياة الدنيا، لأن قوله {إنما بغيكم على أنفسكم} يدل على أنهم يتمتعون.
ومعنى {بغيكم على أنفسكم} أي عملكم بالظلم عليكم يرجع، كما قال جلّ وعزّ: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} ). [معاني القرآن: 3/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق}
البغي الترامي إلى الفساد قال الأصمعي يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد
ثم قال جل وعز: {يا أيها إنما الناس بغيكم على أنفسكم}
أي عملكم بالظلم يرجع عليكم). [معاني القرآن: 3/286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {متاع الحياة الدنيا}
أي ما تنالون بالبغي والفساد فإنما هو شيء تتلذذون به في الدنيا هذا قول أهل اللغة
وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا
كما يقال البغي مصرعة وقال جل وعز: {ثم بغي عليه لينصرنه الله}). [معاني القرآن: 3/286-287]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجعلّناها حصيداً} أي مستأصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء في هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال: حصائد الزرع، اللواتي تحصد). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لّم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يتفكّرون}
وقال: {كماء أنزلناه} يريد: كمثل ماء.
وقال: {وازّيّنت} يريد "وتزيّنت" ولكن أدغم التاء في الزاي لقرب المخرجين فلما سكن أولها زيد فيها ألف وصل وقال: {وازّيّنت} ثقيلة "ازّيّناً" يريد المصدر وهو من "التزين" وإنما زاد الألف حين أدغم ليصل الكلام لأنه لا يبتدئ بساكن). [معاني القرآن: 2/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حصيدا}: الحصيد المستأصل). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاختلط به نبات الأرض} يريد أن الأرض أنبتت بنزول المطر فاختلط النبات بالمطر، واتصل كل واحد بصاحبه.
{حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها} أي زينتها بالنبات. وأصل الزخرف: الذهب. ثم يقال للنّقش وللنور والزهر وكل شيء زين: زخرف.
يقال: أخذت الأرض زخرفها وزخارفها: إذا زخرت بالنبات كما تزخر الأودية بالماء.
{وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها} أي [على] ما أنبتته من حب وثمر.
{كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني المنازل. واحدها مغنى. وغنيت بالمكان: إذا أقمت به). [تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون}
{حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت} ويقرأ، وأزينت.
والزخرف كمال حسن الشيء، فمن قرأ و " وازّيّنت " فالمعنى وتزينت فأدغمت التاء في الزاي، وسكنت الزاي فاجتلبت لها ألف الوصل، ومن قرأ: {وأزينت} بالتخفيف فهو على أفعلت أي جاءت بالزينة، وازّيّنت بالتشديد أجود في العربية، لأن أزينت الأجود فيه في الكلام أزانت.
{وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها} أي قادرون على الانتفاع بها.
وقوله: {كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تعمر بالأمس، والمغاني المنازل التي يعمرها الناس بالنزول بها، يقال: غنينا بمكان كذا وكذا إذا نزلوا به). [معاني القرآن: 3/14-15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام}
اختلط النبات مع المطر والمطر مع النبات
وقوله جل وعز: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها}الزخرف في اللغة كمال الحسن ومنه قيل للذهب زخرف
ثم قال جل وعز: {كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تنعم
والمعنى عند أهل اللغة كأن لم تعمر
والمغاني المنازل التي يعمرها الناس وغنيت بالمنزل أقمت به وعمرته). [معاني القرآن: 3/287-288]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زُخْرُفَهَا} زينتها بالنبات.
{كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني: المنازل، يقال: غنينا بالمكان: أقمنا به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصِيدًا}: مستأصلاً). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه يدعو إلى دار السّلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
السّلام: هو اللّه جلّ وعزّ - فاللّه يدعو إلى داره، وداره الجنة.
وجوز - واللّه أعلم - أن يكون دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والله يدعو إلى دار السلام}.
قال قتادة دار السلام الجنة والسلام الله عز وجل
قال أبو جعفر المعنى على هذا والله يدعو إلى داره
وإعادة الاسم إذا لم يكن مشكلا أفخم
قال أبو إسحاق ويجوز أن يكون المعنى والله أعلم يدعو إلى الدار التي يسلم فيها من الآفات). [معاني القرآن: 3/288]


رد مع اقتباس