عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 07:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 8 إلى 18]

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد...}
(تغيض) يقول: فما تنقص من التسعة الأشهر التي هي وقت الحمل (وما تزداد) أي تزيد على التسعة أولا ترى أن العرب تقول: غاضت المياه أي نقصت.
وفي الحديث: إذا كان الشتاء قيظاً، والولد غيظاً، وغاضت الكرام غيضاً وفاضت اللئام فيضاً. فقد تبيّن النقصان في الغيض). [معاني القرآن: 2/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وما تغيض الأرحام) أي ما تخرج من الأولاد ومما كان فيها.
{وما تزداد} أي ما تحدث وتحدث.
{وكلّ شئٍ عنده بمقدارٍ} أي مقدر وهو مفعال من القدر). [مجاز القرآن: 1/323]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تغيض الأرحام}: تنقص وقال المفسرون يزيد في الولد بقدر ما غاضت من الدم وينتقص إذا رأته). [غريب القرآن وتفسيره: 190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما تغيض الأرحام} أي ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر من السقط وغيره.
{وما تزداد} على التسعة. يقال: غاض الماء فهو يغيض إذا نقص، وغضته). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيء عنده بمقدار}
{وما تغيض الأرحام وما تزداد}.
معنى غاض في اللغة نقص.
وفي التفسير ما نقص الحمل من تسعة أشهر وما زاد عنها على التسعة.
وقيل ما نقص عن أن يتمّ حتى يموت، وما زاد حتى يتم الحمل). [معاني القرآن: 3/140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}
قال الحسن والضحاك هو نقصان الولد عن تسعة أشهر وزيادته عليها
وقال قتادة تغيض السقط وتزداد على التسعة أشهر
وقال مجاهد الغيض النقصان فإذا اهراقت المرأة الدم وهي حامل انتقص الولد وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم
وقال سعيد بن جبير إذا حملت المرأة ثم حاضت نقص ولدها ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به
وقال عكرمة الغيض أن ينقص الولد بمجيء الدم والزيادة أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه حتى تستكمل تسعة أشهر
سوى الأيام التي جاءها الدم فيها). [معاني القرآن: 3/475-476]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تغيض الأرحام} أي: تنقص من دم الحيض. {وما تزداد} أي: من دم الحيض). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وما تغيض الأرحام} أي ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر {وما تزداد} أي على التسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَغِيضُ}: تنقص). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سواء مّنكم مّن أسرّ القول ومن جهر به...}.
(من) و(من) في موضع
رفع، الذي رفعهما جميعاً سواء، ومعناهما: أن من أسرّ القول أو جهر به فهو يعلمه، وكذلك قوله: {ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار} أي ظاهر بالنهار.
يقول: هو يعلم الظاهر والسرّ وكلٌّ عنده سواء). [معاني القرآن: 2/59-60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وساربٌ بالنّهار} مجازه: سالك في سربه، أي مذاهبه ووجوهه، ومنه قولهم: أصبح فلان آمناً في سربه، أي في مذاهبه وأينما توجه، ومنه: انسرب فلان.
{له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} مجازه: ملائكة تعقّب بعد ملائكة، وحفظة تعقّب بالليل حفظة النهار تعقّب حفظة الليل، ومنه قولهم: فلان عقّبني، وقولهم: عقّبت في أثره).
[مجاز القرآن: 1/323-324]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سواء مّنكم مّن أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار}
وقال: {مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار} فقوله: {مستخفٍ} يقول: ظاهرٌ. و"السارب": المتواري. وقد قرئت (أخفيها) أي: أظهرها لأنك تقول "خفيت السّرّ" أي: أظهرته
وأنشد:

إن تكتموا الداء لا نخفه = وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
والضم أجود. وزعموا أنّ تفسير (أكاد): أريد وأنّها لغةٌ لأن "أريد" قد تجعل مكان "أكاد" مثل (جداراً يريد أن ينقض) أي: "يكاد أن ينقضّ" فكذلك "أكاد" إنّما هي: أريد.
وقال الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادةٍ = لو عاد من لهو الصبّابة ما مضى
وأمّا "المعقّبات" فإنما أنثت لكثرة ذلك منها نحو "النّسّابة" و"العلاّمة" ثم ذكر لأن المعنى مذكر فقال (يحفظونه من أمر الله) ). [معاني القرآن: 2/55-56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مستخف بالليل}: راكب رأسه في معاصيه.
{وسارب بالنهار}: سالك في سربه، أي في مذاهبه
ووجوهه. يقال أصبحت فانسرت). [غريب القرآن وتفسيره: 190-191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وساربٌ بالنّهار} أي متصرّف في حوائجه. يقال: سرب يسرب.
وقال الشاعر:
أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب أي ذاهب). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف باللّيل وسارب بالنّهار}
موضع " من " رفع بسواء، وكذلك (من) الثانية يرتفعان جميعا بسواء، لأن سواء يطلب اثنين، تقول: سواء زيد وعمرو، في معنى ذوا سواء زيد وعمرو.
لأن سواء مصدر فلا يجوز أن يرتفع ما بعده إلّا على الحذف، تقول: عدل زيد وعمرو، والمعنى ذوا عدل زيد وعمرو لأن المصادر ليست بأسماء الفاعلين، وإنما ترفع الأسماء أوصافها، فإذا رفعتها المصادر فهي على الحذف كما قالت الخنساء:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت= فإنما هي إقبال وإدبار
المعنى فإنما هي ذات إقبال وذات إدبار، وكذلك زيد إقبال وإدبار.
وهذا مما كثر استعماله أعني سواء، فجرى مجرى أسماء الفاعلين، ويجوز أن يرتفع على أن يكون في موضع مستو، إلا أن سيبويه يستقبح ذلك، لا يجيز مستو زيد وعمرو، لأن أسماء الفاعلين عنده إذا كانت نكرة لا يبتدأ بها لضعفها عن الفعل فلا يبتدأ بها، ويجريها مجرى الفعل.
ومعنى الآية إعلامهم أنّ اللّه عزّ وجلّ يعلم ما غاب عنهم وما شهد.
فقال عزّ وجلّ: {ومن هو مستخف باللّيل} أي من هو مستتر بالليل، والليل أستر من النهار ومن هو سارب بالنّهار.
أي من هو ظاهر بالنّهار في سربه، يقال: خلّ له سربه أي طريقه،
فالمعنى الظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات، والجاهر بنطقه والمضمر في نفسه علم الله فيهم جميعا سواء وذكر قطرب وجها آخر، ذكر أنه يجوز أن يكون " مستخف بالليل " ظاهرا بالليل، وهذا في اللغة جائز، ويكون مع هذا " وسارب بالنهار " أي مستتر، يقال: انسرب الوحشيّ إذا دخل في كناسه.
والأول بين، وهو أبلغ في وصف علم الغيب). [معاني القرآن: 3/141-142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار}
قال ابن عباس السارب الظاهر
قال قتادة السارب الظاهر الذاهب
وقال مجاهد ومن هو مستخف بالليل أي مستتر بالمعاصي وسارب بالنهار ظاهر
وقال بعض أهل اللغة ومن هو مستخف بالليل أي ظاهر من خفيته إذا أظهرته وسارب بالنهار أي مستتر من قولهم انسرب الوحش إذا دخل كناسه
قال أبو جعفر القول الأول أولى لجلالة من قال به وأشبه بالمعنى لأن المعنى والله أعلم سواء منكم من أسر منطقه أو
أعلنه واستتر بالليل أو ظهر بالنهار وكل ذلك في علم الله سواء
وهو في اللغة أشهر وأكثر
قال الكسائي يقال سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب
وحكى الأصمعي خل له سربه أي طريقه). [معاني القرآن: 3/476-477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وسارب بالنهار} أي متصرف في حوائجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُسْتَخْفٍ}: مستتر في دينه
{وسَارِبٌ}: ظاهر في عمله). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {له معقّباتٌ مّن بين يديه...}.
المعقّبات: الملائكة، ملائكة الليل تعقّب ملائكة النهار يحفظونه. والمعقّبات: ذكران إلاّ أنه جميع جمع ملائكة معقّبة، ثم جمعت معقّبة، كما قال: أبناوات سعدٍ، ورجالات جمع رجال.
ثم قال عزّ وجلّ: {يحفظونه من أمر اللّه} فرجع إلى التذكير الذي أخبرتك وهو المعنى. ويكون (ويحفظونه) ذلك الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عز وجلّ؛ كما تقول للرجل: أجيئك من دعائك إيّاي وبدعائك إيّاي والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 2/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يحفظونه من أمر الله} أي بأمر الله يحفظونه من أمره.
{وإذا أراد الله بقوم سوءًا} مضموم الأول، ومجازه: هلكة وكل جذام وبرص وعمىً، وكل بلاء عظيم فهو سوء مضموم الأول، وإذا فتحت أوله فهو مصدر سؤت القوم، ومنه قولهم: رجل سوءٍ قال الزّبرقان بن بدر:
قد علمت قيسٌ وخندف إنّني= وقيت إذا ما فارس السّوء أحجما).
[مجاز القرآن: 1/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {له معقبات من بين يديه ومن خلفه}: ملائكة بعد ملائكة يعقب الأولى الأخرى. حفظه الليل تعقب حفظه النهار وحفظه النهار تعقب حفظة الليل، ومن ذلك العقيب). [غريب القرآن وتفسيره: 191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {له معقّباتٌ من بين يديه} يعني: ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلف بعده فريق.
{يحفظونه من أمر اللّه} أي بأمر اللّه.
{وما لهم من دونه من والٍ} أي وليّ. مثل: قادر وقدير. وحافظ وحفيظ). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («من» مكان «الباء»
قال الله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي بأمر الله). [تأويل مشكل القرآن: 574]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال}
أي للإنسان ملائكة يعتقبون، يأتي بعضهم بعقب بعض {يحفظونه من أمر اللّه}.
المعنى حفظهم إياه من أمر الله، أي مما أمرهم الله تعالى به، لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر اللّه، كما تقول: يحفظونه عن أمر اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {وما لهم من دونه من وال} أي لا يلي أمرهم أحد من دون الله). [معاني القرآن: 3/142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}
في الآية ثلاثة أقوال
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ملائكة يحفظونه فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال بإذن الله وهي من أمر الله وهي ملائكة
قال الحسن عن أمر الله
قال مجاهد وقتادة وهذا لفظ قتادة وهي ملائكة تتعاقب بالليل والنهار عن أمر الله أي بأمر الله
فهذا قول
والقول الثاني أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} قال هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو السلطان المتحرس من الله وذلك أهل الشرك
وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة قال هم الأمراء
فهذان قولان والقول الثالث أن ابن جريج قال هو مثل قوله: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات
و يحفظونه أي يحفظون عليه كلامه وفعله
وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده وصحته
ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار وذكر الحديث
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال تدور كالحرس ملائكة الليل وملائكة النهار
وروى ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس انه قرأ معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه
فهذا قد بين المعنى
وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر الله وهذا قريب من الأول أي حفظهم إياه من عند الله لا من عند أنفسهم
وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} قال النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا يريد الملائكة أيضا
وعن بعضهم أنه قرأ معاقيب من بين يديه ومن خلفه ومعاقيب جمع معقب وتفسيره كتفسير الأول). [معاني القرآن: 3/477-480]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما لهم من دونه من وال} أي ليس أحد يتولاهم من دون الله
و«وال» وولي واحد كما يقال قدير وقادر وحفيظ وحافظ). [معاني القرآن: 3/480-481]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يحفظونه من أمر الله} قال أبو عبد الله: يحفظهم له من أمر الله، كأنه أمرهم بأن يحفظوا العبد). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {له معقبات من بين يديه} يعني ملائكة تعقب عليه بالليل والنهار، يخلف فريق فريقا. {يحفظونه من أمر الله} أي بأمر الله.
{من وال} أي من ولي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَقِّبَاتٌ}: ملائكة). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هو الّذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً...}:
خوفاً على المسافر وطمعاً للحاضر.
وقوله: {وينشئ السّحاب الثّقال} السحاب وإن كان لفظه واحداً فإنه جمع، واحدته سحابة. جعل نعته على الجمع كقوله: {متّكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسانٍ} ولم يقل: أخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذلك كان صواباً؛ كقوله: {جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون} فإذا كان نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلاّ على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول: هذا تمر طيّب، ولا تقول تمر
صغير ولا كبير من قبل أن الطّيب عامٌّ فيه، فوحّد، وأن الصغر والكبر والطول والقصر في كل تمرة على حدتها). [معاني القرآن: 2/60-61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريكم البرق خوفاً وطمعاً} أي ترهبونه وتطمعون أن يحييكم وأن يغيثكم.
{وينشىّ السّحاب} أي يبدأ السحاب، ويقال: إذا بدأ نشأ). [مجاز القرآن: 1/325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يريكم البرق خوفا}: ترهبونه {وطعما} لحياتكم وعيشكم.
{ينشئ السحاب}: يبدأ). [غريب القرآن وتفسيره: 191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يريكم البرق خوفاً} للمسافر، {وطمعاً} للمقيم). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هو الّذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السّحاب الثّقال}
خوفا للمسافر، لأن في المطر خوفا على المسافر، كما قال الله تعالى: {إن كان بكم أذى من مطر}.
وطمعا للحاضر لانتفاعه بالمطر.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - {خوفا وطمعا} خوفا لمن يخاف ضرّ المطر، لأنه ليس كل بلد ينتفع فيه بالمطر نحو مصر وما أشبهها، وطمعا لمن يرجو الانتفاع به.
{وينشئ السّحاب الثّقال} أي التي قد ثقلت بالماء). [معاني القرآن: 3/142-143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا}
قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر
والمعنى أن المسافر يخاف من المطر ويتأذى به
قال الله تعالى: {أذى من مطر}
والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق
ثم قال تعالى: {وينشئ السحاب الثقال}
قال مجاهد التي فيها المطر). [معاني القرآن: 3/481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خوفا وطمعا} أي خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خَوْفًا}: ترهبونه
{وَطَمَعًا}: يرجون مطره
{يُنْشِئُ}: يبدؤه). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويسبّح الرّعد بحمده} إما أن يكون اسم ملك قد وكّل بالرّعد وإما أن يكون صوت سحاب واحتجوا بآخر الكلام:
{والملائكة من خيفته} يقال: ألا ترى أن العرب تقول:
جون هزيمٌ رعده أجشّ
ولا يكون هكذا إلا الصوت.
{شديد المحال} أي العقوبة والمكر والنكال، قال الأعشى:
فرع تبعٍ يهتزّ في غصن المجد غزير النّدى شديد المحال
إن يعاقب يكن غراماً وإن يع= ط جزيلاً فإنه لا يبالي
غرام: هلاك وفي القرآن: (إنّ عذابها كان غراماً) أي هلاكاً وقد فسرناه في موضعه، وقال ذو الرّمّة:

أبرّ على الخصوم فليس خصمٌ= ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبسٍ بين أقوامٍ فكلٌ=أعدّ له الشّغازب والمحالا
والشّغزبة الالتواء). [مجاز القرآن: 1/325-326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {شديد المحال}: من المماحلة وهي المجادلة وفي الحديث" إن هذا القرآن شافع فمشفع وماحل فمصدق ومنه
" اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلا"). [غريب القرآن وتفسيره:192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهو شديد المحال} أي الكيد والمكر. وأصل المحال: الحيلة. والحول: الحيلة.
قال ذو الرّمة:
وليس بين أقوام فكلّ أعدّ له الشغازب والمحالا).
[تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والصاعقة: نار من السحاب، قال الله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}.
وأراها سمّيت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم، أي: قتلتهم). [تأويل مشكل القرآن: 501]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويسبّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال}
جاء في التفسير أنه ملك يزجر السحاب، وجائز أن يكون صوت الرعد تسبيحه لأن صوت الرعد من أعظم الأشياء.
وقد قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده}.
وخص ذكر الرعد لعظم صوته - واللّه أعلم.
{ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه}.
جائز أن يكون الواو واو حال.
فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في اللّه، وذلك أنه أتى في التفسير أن رجلا من الجاهلية يقال له " اربد " سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أخبرني عن ربنا أمن نحاس أم حديد؟ فأنزل اللّه عليه صاعقة فقتلته، فعلى هذا يجوز أن يكون الواو واو حال. ويجوز أن يكون: لما تمم الله أوصاف ما يدل على توحيده وقدرته على البعث قال بعد ذلك {وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال} أي شديد القدرة والعذاب.
ويقال في اللغة ماحلته محالا، إذا قاويته.
حتى يتبين له أيكما أشدّ. والمحل في اللغة الشدة، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 3/143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته}
روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله: {ويسبح الرعد بحمده}
وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته
وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي بالإبل
وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له
وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد
ثم قال تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله}
يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته
لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل الله صاعقة فقتلته
ويجوز أن يكون قوله: {وهم يجادلون في الله} منقطعا من الأول
ثم قال تعالى: {وهو شديد المحال}
قال ابن عباس أي الحول
وقال قتادة أي الحيلة
وقال الحسن المكر
وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك
وهذه أقوال متقاربة وأشبهها بالمعنى والله أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك
وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وأبو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى:
فرع نبع يهتز في غصن المجد = غزير الندى شديد المحال
وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس أن يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم
فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم
ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله
فأما معنى المكر من الله فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر). [معاني القرآن: 3/482-485]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قال: والمحال: المكر، والمكر من الله - جل وعز: التدبير بالحق). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شديد المحال} أي الكيد والمكر، وأصله من الحول، وقيل: من ''محل'' إذا مكر، وفيه اختلاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْمِحَالِ}: العقاب). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {له دعوة الحقّ...}
لا إله إلا الله {والّذين يدعون من دونه} يعني الأصنام لا تجيب داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء ليس معه ما يستقى به.
وذلك قوله عزّ وجلّ: {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء} ثم بيّن الله عزّ وجلّ ذلك: {ليبلغ فاه وما هو ببالغه}). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يدعون من دونه} مجازه: والذين يدعون غيره من دونه، أي يقصرون عنه. (يدعون) من الدعاء، ومجاز دونه مجاز عنه قال:
أتوعدوى وراء بني رياحٍ= كذبت لتقصرنّ يداك دوني
أي عنّي.
{لا يستجيبون} مجازه: لا يجيبون،
وقال كعب:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
). [مجاز القرآن: 1/326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يستجيبون لهم بشيءٍ إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلّا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغه فاه. والعرب تقول لمن طلب ما لا يجد: هو كالقابض على الماء.
قال الشاعر:
فإني وإيّاكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
لم تسقه: أي لم تحمله، والوسق: الحمل). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} أراد: كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فيبلّغه فاه.
قال ضابئ:
فإنّي وإياكم وشوقاً إليكم = كقابضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أناملُه
و(العرب) تقول لمن تعاطى ما لا يجد منه شيئا: هو كالقابض على الماء). [تأويل مشكل القرآن: 224]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {له دعوة الحقّ والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلّا في ضلال}
جاء في التفسير: دعوة الحق شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وجائز – واللّه أعلم - أن تكون دعوة الحقّ أنه من دعا اللّه موحّدا استجيب له دعاؤه.
{والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء}.
ثم بين الله عزّ وجلّ كيف استجابة الأصنام لأنّهم دعوا الأصنام من دون اللّه فقال: {إلّا كباسط كفّيه إلى الماء}، إلا كما يستجاب الذي يبسط كفّيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه.
والماء لا يستجيب، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فيه، {وما هو ببالغه}.
وقال بعضهم: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه كإنسان على شفير بئر يدعو الماء من قرار البئر ليبلغ فاه، والتفسيران واحد). [معاني القرآن: 3/143-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {له دعوة الحق}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا الله
وكذلك قال قتادة والضحاك
ثم قال تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه}
قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه
وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شيء). [معاني القرآن: 3/485-486]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} قال: معناه: أن يأتي إلى بئر فيها ماء لا ينال إلا بحبل ودلو، فيمد هو يده إلى الماء، فلا يقدر عليه، فضربه الله مثلا للكفار). [ياقوتة الصراط: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغ فاه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
فيقال: من الساجد طوعاً وكرهاً من أهل السموات والأرض؟ فالملائكة تسجد طوعاً، ومن دخل في الإسلام رغبة فيه أو ولد عليه من أهل الأرض فهو أيضاً طائع. ومن أكره على الإسلام فهو يسجد كرهاً (وظلالهم) يقول: كل شخصٍ فظلّه بالغداة والعشي يسجد معه. لأن الظلّ يفيء بالعشيّ فيصير فيئاً يسجد.
وهو كقوله: {عن اليمين والشّمائل} في المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} مجازه: إن الذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك ولا تسقه أنامله أي تجمعه، قال ضابيّ بن الحارث البرجميّ:
فإني وإيّاكم وشوقاً إليكم= كقابض ماءٍ لم تسقه أنامله
يقول: ليس في يدي من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء.
وقال:
فأصبحت مما كان بيني وبينها= من الودّ مثل القابض الماء باليد
{بالغدوّ والآصال} أي بالعشىّ. واحدها: أصل وواحد الأصل أصيل وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس،
وقال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله= وأقعد في أفيائه بالأصائل
وقال النّابغة:
وقفت فيها أصيلالاً أسائلها= عيّت جواباً وما بالرّبع من أحد
أصيلال: تصغير آصال). [مجاز القرآن: 1/327-328]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال}
وقال: {بالغدوّ والآصال} و{بالعشيّ والإبكار} فجعل "الغدوّ" يدل على الغداة وإنما "الغدوّ" فعلٌ، وكذلك "الإبكار" إنما هو من "أبكر" "إبكاراً"، والذين قالوا (الأبكار) احتجوا بأنهم جمعوا "بكراً" على "أبكار". و"بكرٌ" لا تجمع لأنه اسم ليس بمتمكن وهو أيضاً مصدر مثل "الإبكار" فأما الذين جمعوا فقالوا إنما جمعنا "بكرةً" و"غدوةً". ومثل "البكرة" و"الغدوة" لا يجمع هكذا. لا تجيء "فعلةٌ" و"أفعال" وإنما تجيء "فعلةٌ" و"فعل"). [معاني القرآن: 2/56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً} أي يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عز وجل: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها، وجاء أن من النّاس من دخل في الإسلام طوعا ومنهم من لم يدخل حتى فحص عن رأسه بالسيف، أي فسجد ودخل في الإسلام في أول أمره كرها.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون {طوعا وكرها} أن يكون السّجود الخضوع للّه، فمن الناس من يخضع ويقبل أمر اللّه فيما سهل عليه، ومنهم من تقبّله وإن كان عليه فيه كره.
{وظلالهم بالغدوّ والآصال} أي وتسجد ظلالهم. وجاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير اللّه، وظله يسجد للّه، وقيل وظلالهم أشخاصهم، وهذا مخالف للتفسير). [معاني القرآن: 3/144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها}
قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها
وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير الله فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه والله العظيم الكبير
والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شيء إلا وهو يخضع لله وينقاد له
ثم قال تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال}
يروى أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله وهذا من الانقياد والخضوع
وقيل الظلال ههنا الأشخاص). [معاني القرآن: 3/486-487]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {أم هل تستوي الظّلمات والنّور...}
ويقرأ (أم هل يستوي الظّلمات والنّور) وتقرأ (تستوي) بالتاء. وهو قوله: {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} وفي موضع آخر: (وأخذت) ). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل من رّبّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم مّن دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار}
وقال: {أم جعلوا للّه شركاء} فهذه "أم" التي تكون منقطعة من أول الكلام). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل من ربّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}
{أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي هل - أو أغير الله خلق شيئا فاشتبه عليهم خلق الله من خلق غيره.
وقوله عزّ وجلّ -: {قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}.
أي قل ذلك وبيّنه بما أخبر اللّه به من الدلالة على توحيده من أول هذه السورة بما يدل على أنه خالق كل شيء). [معاني القرآن: 3/144-145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم). [معاني القرآن: 3/487]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها...}
ضربه مثلا للقرآن إذا نزل عليهم لقوله: {فسالت أوديةٌ بقدرها} يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
وقوله: {فاحتمل السّيل زبداً} يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن في قلب من لم يؤمن وعبد آلهته وصار لا شيء في يده {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} فهذا مثل المؤمن.
ثم قال عزّ وجلّ: {وممّا يوقدون عليه في النّار} من الذهب والفضة والنّحاس زبد كزبد السيل يعني خبثه الذي تحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزبد في السيل.
وأمّا قوله: {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ} يقول: يوقدون عليه في النار يبتغون به الحلي والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله.
وقوله: {فيذهب جفاء} ممدود أصله الهمز يقول: جفأ الوادي غثاءه جفئا. وقيل: الجفاء: كما قيل: الغثاء: وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القماش والدّقاق والغثاء والحطام فهو مصدر. ويكون في مذهب اسم على هذا المعنى؛ كما كان العطاء اسماً على الإعطاء، فكذلك الجفاء والقماش لو أردت مصدره قلت: قمشته قمشاً. والجفاء أي يذهب سريعاً كما جاء). [معاني القرآن: 2/61-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاحتمل السّيل زبداً رابياً} مجازه: فاعلٌ من ربا يربو. أي ينتفخ.
(أو متاعٍ زبدٌ مثله)، وهو ما تمتعت به، قال المشعث:
تمتع يا مشعّث إنّ شيئاً=سبقت به الممات هو المتاع
(كذلك يضرب الله الحقّ والباطل) أي يمثّل الله الحق ويمثل الباطل.
(فأمّا الزّبد فيذهب جفآءً) قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها أو سكنت فلا يبقى منه شيء). [مجاز القرآن: 1/328-329]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رّابياً وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مّثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
وقال: {فسالت أوديةٌ بقدرها} تقول: "أعطني قدر شبرٍ" و"قدر شبرٍ" وتقول: "قدرت" و"أنا أقدر" "قدراً" فأما المثل ففيه "القدر" و"القدر".
وقال: {أو متاعٍ زبدٌ مّثله} يقول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زيدٌ مثله" قول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا"). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زبدا رابيا}: من ربا يربو.
{أو متاع}: ما متعت به.
{جفاء}: يقال قد أجفأ الناس وقد جفأتهم إذا سقتهم وقد أجفأت القدر إذا القدر إذا غلت فعلاها الزبد فإذا سكنت لم يبق منه شيء). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسالت أوديةٌ بقدرها} أي على قدرها في الصغر والكبر.
{فاحتمل السّيل زبداً رابياً} أي زبدا عاليا على الماء.
{ابتغاء حليةٍ} أي حلى، أو متاعٍ أو آنية. يعني: أن من فلزّ الأرض وجواهرها مثل الرصاص والحديد والصّفر والذهب والفضة - خبثا يعلوها إذا أذيبت، مثل زبد الماء.
والجفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته. يقال: أجفأت القدر بزبدها: إذا ألقت زبدها عنها). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمتاع: الآلات التي ينتفع بها، قال الله تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 512]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.
هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. يقول: الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، ومثل ذلك مطر جود، أسال الأودية بقدرها: الكبير على قدره، والصغير على قدره.
فاحتمل السّيل زبداً رابياً أي: عاليا على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق، ومن جواهر الأرض التي تدخل الكير ويوقد عليها. يعني الذهب والفضة للحلية، والشّبه والحديد للآلة، حيث يعلوها مثل زبد الماء.
فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً أي: يلقيه الماء عنه فيتعلّق بأصول الشّجر وبجنبات الوادي، وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير. فهذا مثل الباطل.
{وَأَمَّا مَا} الماء الذي {يَنْفَعُ النَّاسَ} وينبت المرعى {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} وكذلك الصّفو من الفلزّ يبقى خالصا لا شوب فيه. فهو مثل الحق). [تأويل مشكل القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال - عزّ وجلّ - ضاربا مثلا للكافرين والمؤمنين:
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السّيل زبدا رابيا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها}أي بما قدّر لها من ملئها، ويجوز بقدرها أي بقدر ملئها.
{فاحتمل السّيل زبدا رابيا} أي: طافيا عاليا فوق الماء.
{وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع} أي ابتغاء متاع.
(زبد مثله}.
والذي يوقد عليه في النار ابتغاء حلية: الذّهب والفضة، والذي يوقد عليه ابتغاء أمتعة الحديد والصفر والنحاس والرصاص.
و{زبد مثله} أي مثل زبد الماء.
{كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد} أي من زبد الماء، والزّبد من خبث الحديد، والصّفر والنحاس والرصاص.
{فيذهب جفاء} أي فيذهب ذلك لا ينتفع به، والجفاء ما جفا، الوادي، أي رمى به.
{وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وأما ما ينفع الناس من الماء والفضة والذهب والحديد وسائر ما ذكرنا فيمكث في الأرض.
فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء
المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الآلات التي ذكرت لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزّبد الذي يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد، وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به.
وموضع كذلك نصب، قال أبو زيد: يقال جفأت الرجل إذا صرعته وأجفات القدر بزبدها إذا ألقت زبدها فيه.
{فيذهب جفاء}. من هذا اشتقاقه.
وموضع {جفاء} نصب على الحال، وهو ممدود.
وزعم البصريون والكوفيون جميعا أنّ ما كان مثل القماش والقمام والجفاء فهذه الأشياء تجيء على مثال فعال). [معاني القرآن: 3/145-146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها}
قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها
قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها
وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى واحد
وقيل معناها بما قدر لها
ثم قال تعالى: {فاحتمل السيل زبدا رابيا}أي طالعا عاليا
قال مجاهد تم الكلام
ثم قال تعالى: {ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله}
قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص
قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة
ثم قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء}
قال مجاهد أي جمودا
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها
قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا
يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته
ثم قال تعالى: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}
قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء
ثم قال تعالى: {كذلك يضرب الله الأمثال} تم الكلام). [معاني القرآن: 3/488-490]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رابيا} عاليا على الماء.
{ابتغاء حلية} أي حلي {أو متاع} آنية من الرصاص والحديد حيث يعلوها -إذ أذيبت- مثل زبد السيل.
(والجفاء) ما رمى به الوادي في جانبيه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَّابِيًا}: زائداً
{جُفَاء}: يذهب به السيل). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
(18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت، والحسنى هي كل خير من الجنة فما دونها،
أي لهم الحسنى.
(المهاد) الفراش والبساط). [مجاز القرآن: 1/329]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: عزّ وجلّ: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}
أي لهم الجنة، وجائز أن يكون لهم جزاء المحسنين، وهو راجع إلى الجنة أيضا كما قال - عزّ وجلّ -: {هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان}.
{أولئك لهم سوء الحساب}.
وسوء الحساب ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم كما قال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.
وقيل سوء الحساب أن يستقصى عليه حسابه ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته، وكلاهما فيه عطب.
ودليل هذا القول الثاني من نوقش الحساب عذّب.
وتكون سوء الحساب المناقشة). [معاني القرآن: 3/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}قال قتادة هي الجنة
وقوله تعالى: {أولئك لهم سوء الحساب}
قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال
ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك
قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء). [معاني القرآن: 3/490-491]


رد مع اقتباس