عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 06:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 6]

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}

تفسير قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الر تلك آيات الكتاب المبين}
المعنى هذه الآيات، تلك الآيات. " المبين " الذي وعدتم به في التوراة كما قال: {الم ذلك الكتاب} ). [معاني القرآن: 3/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: {آلر}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس أنا الله أرى
وقد تقدم شرح هذه الحروف
وقوله جل وعز: {تلك آيات الكتاب المبين}
أي هذه تلك الآيات والتي كنتم توعدون بها في التوراة). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون}
هذه الهاء تصلح لشيئين، أحدهما أن تكون للكتاب، المعنى إنا أنزلنا الكتاب قرآنا عربيا.
ومعنى {قرآنا} مجموع، ويجوز: أن يكون {إنا أنزلناه} أي أنزلنا خبر يوسف وقصته.
ويروى أن علماء اليهود قالوا. لكبراء المشركين: سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر، وعن قصة يوسف فقال اللّه عزّ وجلّ:{إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا} ودليل هذا القول قوله - عزّ وجلّ -: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسّائلين}. [معاني القرآن: 3/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنا أنزلناه قرءانا عربيا}
يجوز أن يكون المعنى إنا أنزلنا القرآن عربيا ويجوز أن يكون المعنى إنا أنزلنا خبر يوسف وهذا أشبه بالمعنى لأنه يروى أن اليهود قالوا سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن خبر يوسف فأنزل الله جل وعز هذا بمكة موافقا لما في التوراة وفيه زيادة ليست عندهم فكأن هذا النبي إذ أخبرهم ولم يقرأ كتابا قط ولا هو في موضع كتاب بمنزلة إحياء عيسى عليه السلام الميت). [معاني القرآن: 3/396-395]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قول الله عزّ وجلّ: {بما أوحينا إليك هذا القرآن...}
{هذا القرآن} منصوب بوقوع الفعل عليه. كأنك قلت: بوحينا إليك هذا القرآن. ولو خفضت (هذا) و(القرآن) كان صواباً: تجعل (هذا) مكروراً على (ما) تقول: مررت بما عندك متاعك تجعل المتاع مردوداً على (ما) ومثله في النحل: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب} و(الكذب) على ذلك.
وقوله: {يا أبت} لا تقف عليها بالهاء وأنت خافض لها في الوصل؛ لأن تلك الخفضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلّم. ولو قرأ قارئ (يا أبت) لجاز (وكان الوقف على الهاء جائزاً). ولم يقرأ به أحد نعلمه. ولو قيل: (يا أبت) لجاز الوقوف عليها (بالهاء) من جهة، ولم يجز من أخرى. فأمّا جواز الوقوف على الهاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوي أن تصلها بألف الندبة فكأنه كقول الشاعر:

* كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب *
وأمّا الوجه الذي لا يجوز الوقف على الهاء فأن تنوي: يا أبتاه ثم تحذف الهاء والألف؛ لأنها في النّيّة متّصلة بالألف كاتّصالها في الخفض بالياء من المتكلّم). [معاني القرآن: 2/32-31]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {نحن نقصّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين}
وقال: {بما أوحينا إليك} يقول {نقصّ عليك} بوحينا {إليك هذا القرآن} وجعل (ما) اسما للفعل وجعل (أوحينا) صلة). [معاني القرآن: 2/48]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يخاطب الواحد بلفظ الجميع:
كقوله سبحانه: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} وأكثر من يخاطب بهذا الملوك، لأنّ من مذاهبهم أن يقولوا: نحن فعلنا. بقوله الواحد منهم يعني نفسه، فخوطبوا بمثل ألفاظهم. يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، و{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
ومن هذا قوله عز وجل: {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَإهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}، وقوله: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ}، وقوله: {فَأْتُوا بِآَبَائِنَا} ).[تأويل مشكل القرآن: 294-293] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين}
أي نبين لك أحسن البيان والقاصّ الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
{بما أوحينا إليك هذا القرآن} أي بوحينا إليك هذا القرآن.
القراءة نصب القرآن ويجوز الجر والرفع جميعا.
ولا أعلم أحدا قرأ بهما.
فأمّا الجر فعلى البدل من قوله: {بما أوحينا إليك} فيكون المعنى نحن نقص عليك أحسن القصص بهذا القرآن، ولا تقرأنّ بها.
والرفع على ترجمة ما أوحينا إليك، كأن قائلا قال: ما هو؟ وما هذا فقيل هذا القرآن، ولا تقرأنّ بها أيضا.
{وإن كنت من قبله لمن الغافلين} أي من الغافلين عن قصة يوسف وإخوته، لأنه عليه السلام إنما علم ذلك بالوحي). [معاني القرآن: 3/88-87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {نحن نقص عليك أحسن القصص} أي نبين لك والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها
ثم قال جل وعز: {بما أوحينا إليك هذا القرآن} أي بوحينا
ثم قال وإن كنت من قبله لمن الغافلين
أي لمن الغافلين عن قصة يوسف لأنه لم يقرأ كتابا قبل ذلك وإنما علمها بالوحي). [معاني القرآن: 3/397-396]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وأمّا قوله: {إنّي رأيت أحد عشر كوكباً...}
فإن العرب تجعل العدد بين أحد عشر إلى تسعة عشر منصوباً في خفضه ورفعه. وذلك أنهم جعلوا اسمين معروفين واحداً، فلم يضيفوا الأوّل إلى الثاني فيخرج من معنى العدد.
ولم يرفعوا آخره فيكون بمنزلة بعلبكّ إذا رفعوا آخرها. واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بكّ) لأن هذا لا يعرف فيه الانفصال من ذا، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة، فجعلوها بإعراب واحد؛ لأن معناهما في الأصل هذه عشرة وخمسة، فلمّا عدلا عن جهتهما أعطيا إعراباً واحداً في الصرف كما كان إعرابهما واحداً قبل أن يصرفا.
فأمّا نصب كوكب فإنه خرج مفسّراً للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرت عنه. وهو في الكلام بمنزلة قولك: عندي كذا وكذا درهماً. خرج الدرهم مفسراً لكذا وكذا؛ لأنها واقعة على كلّ شيء. فإذا أدخلت في أحد عشر الألف واللام أدخلتهما في أوّلها فقلت: ما فعلت الخمسة عشر. ويجوز ما فعلت الخمسة العشر، فأدخلت عليهما الألف واللام مرّتين لتوهّمهم انفصال ذا من ذا في حال. فإن قلت: الخمسة العشر لم يجز لأن الأوّل غير الثاني؛ ألا ترى أن قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تجد الخمسة هي الأثواب ولا تجد العشر الخمسة. فلذلك لم تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضاً في الدرهم الذي يخرج مفسراً فتقول: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم؟.
وإذا أضفت الخمسة العشر إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول: ما فعلت الخمسة عشري؟: ورأيت خمسة عشري، (ومررت بخمسة عشري) وإنما عرّبت الخمسة لإضافتك العشر، فلمّا أضيف العشر إلى الياء منك لم يسقم للخمسة أن تضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسماً، كما صار ما بعدها بالإضافة اسماً. سمعتها من أبي فقعس الأسديّ وأبي الهيثم العقيليّ: ما فعلت خمسة عشرك؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما؛ لأن إعرابيهما قد اختلفا. ب: اختلف، وإنما يخرج الدرهم والكوكب مفسراً لهما جميعاً كما يخرج الدرهم من عشرين مفسراً لكلّها. فإذا أضفت العشرين دخلت في الأسماء وبطل عنها التفسير. فخطأ أن تقول: ما فعلت عشروك درهماً، أو خمسة عشرك درهماً.
ومثله أنك تقول: مررت بضارب زيداً. فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصلح أن يقع على زيد أبداً.
ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر في شعر لجاز، فقلت: ما رأيت خمسة عشرٍ قطّ خيراً منها، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يجوز للمفسّر أن يدخل ها هنا كما لم يجز في الإضافة؛
أنشدني العكليّ أبو ثروان:
كلّف من عنائه وشقوته=بنت ثماني عشرةٍ من حجتّه

ومن القرّاء من يسكّن العين من عشر في هذا النوع كلّه، إلاّ اثنا عشر. وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات، ووجدوا الألف في (اثنا) والياء في (اثني) ساكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن (ولا يجوز تسكين العين في مؤنّث العدد لأن الشين من عشرة يسكن فلا يستقيم تسكين العين والشين معاً).
وأمّا قوله: {رأيتهم لي ساجدين} فإن هذه النون والواو إنما تكونان في جمع ذكران الجنّ والإنس وما أشبههم. فيقال: الناس ساجدون، والملائكة والجنّ ساجدون: فإذا عدوت هذا
صار المؤنّث المذكّر إلى التأنيث. فيقال: الكباش قد ذبّحن وذبّحت ومذبّحات. ولا يجوز مذبّحون. وإنما جاز في الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى أن السجود والركوع لا يكون إلاّ من الآدميين فأخرج فعلهم على فعال الآدميّين) ومثله {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} فكأنهم خاطبوا رجالا إذا كلّمتهم وكلّموها.
وكذلك {يأيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} فما أتاك مواقعاً لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.
[قوله] (يا بنيّ) و(يا بنيّ) لغتان، كقولك: يا أبت ويا أبت لأن من نصب أراد النّدبة: يا أبتاه فحذفها.
وإذا تركت الهمزة من (الرؤيا) قالوا: الرّويا طلبا للهمزة. وإذا كان من شأنهم تحويل الهمزة: قالوا: لا تقصص ريّاك في الكلام، فأمّا في القرآن فلا يجوز لمخالفة الكتاب.
أنشدني أبو الجرّاح:

لعرض من الأعراض يمسي حمامه =ويضحى على أفنانه العين يهتف
أحبّ إلى قلبي من الديك ريّة =وبابٍ إذا ما مال للغلق يصرف
أراد: رؤية، فلمّا ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مشدّدة، كما يقال: لويته ليّا وكويته كيّا والأصل كويا ولويا. وإن أشرت إلى الضمّة قلت: ريّا فرفعت الراء فجائز.
وتكون هذه الضمّة مثل قوله (وحيل) (وسيق) وزعم الكسائيّ أنه سمع أعرابيّاً يقول {إن كنتم للرّيّا تعبرون} ). [معاني القرآن: 2/36-32]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}
وقال: {إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} فكرر الفعل وقد يستغني بأحدهما. وهذا على لغة الذين قالوا "ضربت زيداً ضربته" وهو توكيد مثل
{فسجد الملائكة كلّهم أجمعون} وقال بعضهم (أحد عشر) واسكن العين وكذلك {تسعة عشر} إلى العشرين لما طال الاسم وكثرت متحركاته اسكنوا. ولم يسكنوا في قولهم "اثني عشر" و"اثنتا عشرة" للحرف الساكن الذي قبل العين وحركة العين في هذا كله هو الأصل.
وأمّا قوله: {رأيتهم لي ساجدين} فإنه لما جعلهم كمن يعقل في السجود والطواعية جعلهم كالإنس في تذكيرهم إذا جمعهم كما قال: {علّمنا منطق الطّير}.
وقال الشاعر:
صدّها منطق الدّجاج عن القصد = وضرب الناقوس فاجتنبا
وقال: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} إذا تكلمت نملة فصارت كمن يعقل وقال: {في فلكٍ يسبحون} لما جعلهم يطيعون شبههم بالإنس مثل ذلك {قالتا أتينا طائعين} على هذا القياس إلا أنه ذكر وليس مذكرا كما يذكر بعض المؤنث. وقال قوم: إنما قال: {طائعين} لأنهما أتتا وما فيهما فتوهم بعضهم "مذكّرا" أو يكون كما قال: {وسأل القرية} وهو يريد أهلها. وكما تقول "صلى المسجد" وأنت تريد أهل المسجد إلاّ أنّك تحمل الفعل على الآخر، كما قالوا: "اجتمعت أهل اليمامة" وقال: {ومن آياته اللّيل والنّهار والشّمس والقمر لا تسجدوا للشّمس ولا للقمر واسجدوا للّه الّذي خلقهنّ} لأن الجماعة من غير الإنس مؤنثة. وقال بعضهم "للّذي خلق الآيات" ولا أراه قال ذلك إلا لجهله بالعربية.
قال الشاعر:
إذ أشرف الديك يدعوا بعض أسرته = إلى الصياح وهم قومٌ معازيلٌ
فجعل "الدجاج" قوما في جواز اللغة.
وقال الآخر وهو يغني الذيب:
وأنت امرؤٌ تعدو على كلّ غرّةٍ = فتخطئ فيها مرّةً وتصيب
وقال الآخر:
فصبّحت والطّير لم تكلّم = جابيةً طمّت بسيلٍ مفعم).
[معاني القرآن: 2/49-48]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنّي رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}
يجوز أن يكون موضع " إذ " نصبا.
المعنى نقصّ عليك إذ قال يوسف لأبيه ويجوز أن يكون على معنى اذكر إذ قال يوسف لأبيه.
{يا أبت إنّي}.
في قوله: {يا أبت إنّي} قراءتان: (يا أبت إنّي)، (يا أبت إنّي) – بالخفض والنصب. وأجاز بعض أهل العربية يا أبة إنّي.
فمن قرأ (يا أبت إنّي) - بكسر التاء - فعلى الإضافة إلى نفسه وحذف الياء، لأن ياء الإضافة تحذف في النداء، وقد ذكر ذلك فيما سلف من الكتاب، وأما إدخال التأنيث في الأب فإنما دخلت في النداء خاصة، والمذكر قد سمّي باسم لمؤنث فيه علامة التأنيث، ويوصف بما فيه هاء التأنيث.
فأما المذكر الذي يسمى بمؤنث فقولهم عين ونفس يراد به الرجل.
وأما الصّفة فقولهم غلام يفعة، ورجل ربعة.
والتاء كثرت ولزمت في الأب عوضا من تاء الإضافة.
والوقف عليها يا أبه وإن كانت في المصحف بالتاء.
وزعم الفراء أنك إذا كسرت وقفت بالتاء لا غير، وإذا فتحت وقفت بالتاء والهاء، ولا فرق بين الكسر والفتح.
وزعم قطرب أن الفتح على جهات:
إحداها أنك أردت يا أبة ثم حذفت التنوين، وعلى يا أبتاه وعلى قولٍ قولُ الطرماح.
يا دار أقوت بعد أصرامها= عاما وما يبكيك من عامها
وهذا الذي قاله قطرب خطأ كله.
التنوين لا يحذف من المنادى المنصوب، لأن النصب إعراب المنادى، ولا يجوز معرب منصرف غير منون في حال النصب وأما قوله: يا دار أقوت، بنصب الدار - فلم يروه أحد من أصحابنا ولا أعرف له وجها.
أنشد سيبويه والخليل وجميع البصريين يا دار أقوت، بضم الراء.
وأما يا أبتاه، فالنّدبة ههنا - لا معنى لها.
ولكن الفتح يجوز على أنه أبدل من تاء الإضافة ألفا ثم حذف الألف وبقيت الفتحة، كما تحذف بالإضافة.
وأمّا " يا أبة إني " بالرفع فلا يجوز إلا على ضعف، لأن الهاء ههنا جعلت بدلا من ياء الإضافة.
{إني رأيت أحد عشر كوكبا}.
القراءة بفتح العين وفتح جميع الحروف في أحد عشر.
وقد روي بتسكين العين في القراءة: (أحد عشر كوكبا " قرأ بها بعض أهل المدينة وهي غير منكرة ما كان قبل العين حرف متحرك لكثرة الحركات في قوله أحد عشر فأمّا اثنا عشر فلا يجوز فيها. الإسكان في العين.
وقد رويت لغة أخرى وهي، أحد عشر وهذه الرواية في الرداءة وترك الاستعمال بمنزلة الحمد للّه، لا يلتفت إليها.
فأمّا التسكين في العين فقراءة صحيحة كثيرة ولكنّ سيبويه والخليل وجميع أصحابهم لا يجيزون إلا فتح العين، إلّا أن قطربا قد روى إسكان العين ورواه الفراء أيضا، وقد قرئ به.
فأمّا ما لا اختلاف فيه ففتح العين.
و{كوكبا} منصوب على التمييز.
{والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}.
فكرر رأيتهم توكيدا، المعنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين فكرر (رأيتهم) لما طال الكلام.
فأمّا قوله {ساجدين} فحقيقته فعل كلّ ما يعقل، وجمعه وجمع ضميره بالواو والنون في الرفع، والياء والنون في النصب والجر.
فإذا وصف غير الناس والملائكة بأنه يعبد ويتكلم فقد دخل في المميزين وصار الإخبار عنه كالإخبار عنهم.
فمن ذلك قوله: {قالت نملة يا أنها النمل ادخلوا مساكنكم}
وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}
وقال: {وكل في فلك يسبحون}.
فالواو والنون دخلتا لما وصفنا من دخولهم في التمييز، والألف والتاء والنون لكل مؤنث ولكل موات لا يعقل غير المميزين، فإذا جعل اللّه عزّ وجل غير المميزة كالمميزة فكذلك تكون أفعالها والأنباء عنها). [معاني القرآن: 3/91-88]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ذكره: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}
قال قتادة والضحاك وهذا لفظ قتادة الأحد عشر كوكبا إخوته والشمس والقمر أبوه وأمه
قال معمر وقال غير قتادة أبوه وخالته
وقال غيره أول لأحد عشر كوكبا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالكواكب وأول القمر أباه وأول الشمس أمه أو خالته
وقال عبد الله بن شداد بن الهاد كان تفسير رؤيا يوسف بعد أربعين سنة وذلك منتهى الرؤيا). [معاني القرآن: 3/397]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إنّ الشّيطان للإنسان عدوٌّ مّبينٌ}
وقال: {فيكيدوا لك كيداً} أي: فيتخذوا لك كيدا. وليست مثل {إن كنتم للرّؤيا تعبرون}. أراد أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل بـ"إلى" كما تقول: "قدّمت له طعاماً" تريد: "قدّمت إليه".
وقال: {يأكلن ما قدّمتم لهنّ} ومثله {قل اللّه يهدي للحقّ} وإن شئت كان {فيكيدوا لك كيداً} في معنى "فيكيدوك" وتجعل اللام مثل {لربّهم يرهبون}
وقوله: {لربّهم يرهبون} إنّما هو: "لمكان ربّهم يرهبون"). [معاني القرآن: 2/50-49]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فيكيدوا لك كيداً} أي يحتالوا لك ويغتالوك). [تفسير غريب القرآن: 212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} أي فيحتالوا عليك). [معاني القرآن: 3/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فيكيدوا لك كيدا} أي يحتالوا ويغتالوك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 111]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك يجتبيك ربّك...}
جواب لقوله: {إنّي رأيت أحد عشر كوكباً} فقيل له: وهكذا يجتبيك ربّك. كذلك وهكذا سواء في المعنى. ومثله في الكلام أن يقول الرجل قد فعلت اليوم كذا وكذا من الخير فرأيت عاقبته محمودة، فيقول له القائل: هكذا السعادة، هكذا التوفيق و{كذلك} يصلح فيه. و{يجتبيك} يصطفيك). [معاني القرآن: 2/36]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكذلك يجتبيك ربّك} أي يختارك.
{وعلى آل يعقوب} أي على أهل يعقوب، والدليل على ذلك إنك إذا صغرت آل قلت أهيل، وعلى أهل ملته أيضاً). [مجاز القرآن: 1/302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يجتبيك ربك}: يختارك). [غريب القرآن وتفسيره: 180]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكذلك يجتبيك ربّك} أي يختارك.
{ويعلّمك من تأويل الأحاديث} أي من تفسير غامضها، وتفسير الرؤيا). [تفسير غريب القرآن: 212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وكذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إنّ ربّك عليم حكيم}
معناه يختارك ويصطفيك، وهو مشتق من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك، ومنه جبيت الماء في الحوض.
وموضع الكاف في قوله " كذلك "
نصب، المعنى ومثل ما رأيت تأويله، {يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الأحاديث}
قيل يعلمك تأويل الرؤيا وقيل يعلمك تأويل أحاديث الأنبياء والأمم، يعني الكتب وكلاهما جائز - واللّه أعلم -.
{ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق}.
المعنى يتمها كما أتمها على أبويك، فقد فسّر له يعقوب الرؤيا.
والتأويل أنه لما قال له إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، فتأوّل الأحد عشر كوكبا أحد عشر نفسا لهم فضل وأنهم يستضاء بهم، لأنّ الكواكب لا شيء أضوأ منها وبها يهتدى.
قال اللّه جلّ وعزّ: {وبالنّجم هم يهتدون}.
فتأول الشمس والقمر أبويه. فالقمر الأب والشمس الأم والأخذ عشر كوكبا إخوته، فتأوّل له أنه يكون نبيّا، وأن إخوته يكونون أنبياء لأنه أعلمه أن اللّه يتمّ نعمته عليه وعلى إخوته كما أتمّها على أبويه إبراهيم وإسحاق، فإتمام النعمة عليهم أن يكونوا أنبياء إذ قال:{كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق}.
وقوله: {لا تقصص رؤياك على إخوتك}.
الرؤيا فيها أربع لغات " رؤيا بالهمز، ورويا بالواو بلا همز، وهاتان يقرأ بهما وريّاك بالإدغام، وريّاك بكسر الراء - ولا تقرأ بهاتين.
ويوسف فيه لغتان، يوسف بضم السّين ويوسف بكسر السّين وكذلك يونس، ويونس. وحكوا يونس بفتح النون، حكاها قطرب وهي شاذة). [معاني القرآن: 3/92-91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وكذلك يجتبيك ربك}
أي يختارك وأصله من جبيت الشيء أي حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض
ثم قال جل وعز: {ويعلمك من تأويل الأحاديث}
قال مجاهد أي تأويل الرؤيا
وقال غيره أي أخبار الأمم
ثم قال جل ذكره: {ويتم نعمته عليك}
فأخبره أنه يكون نبيا لأنه قال كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق). [معاني القرآن: 3/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يجتبيك} أي يختارك.
{تأويل الأحاديث} أي تفسير الرؤيا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 111]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَجْتَبِيكَ}: يختارك). [العمدة في غريب القرآن: 159]


رد مع اقتباس