عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 05:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا}
"ألم تر" معناه: انتبه، والرؤية هنا رؤية القلب، وأدغم عيسى بن عمر: "ربك كيف"، قال أبو حاتم: والبيان أحسن، و"مد الظل" بإطلاق، هو ما بين أول الإسفار إلى بزوغ الشمس، ومن بعد مغيبها مدة يسيرة، فإن في هذين الوقتين ظل ممدود على الأرض مع أنه نهار، وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة، و"المد" و"القبض" مطرد فيها، وهو عندي المراد في الآية، والله أعلم.
ومن الظل الممدود ما ذكر الله تبارك وتعالى في هواء الجنة؛ لأنها لما كانت لا شمس فيها كان ظلها ممدودا أبدا.
وتظاهرت أقوال المفسرين على أن هذا الظل هو من الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك معترض بأن ذلك في غير نهار، بل في بقايا الليل، فلا يقال له ظل.
وقوله تعالى: {ولو شاء لجعله ساكنا} أي ثابتا غير متحرك ولا منسوخ، ولكنه جعل الشمس ونسخها إياه وطردها له من موضع إلى موضع دليلا عليه مبينا لوجوده ولوجه العبرة فيه، وحكى الطبري أنه لولا الشمس لم يعلم أن الظل شيء؛ إذ الأشياء تعرف بأضدادها). [المحرر الوجيز: 6/442]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قبضا يسيرا} يحتمل أن يريد: لطيفا، أي: شيئا بعد شيء في مرة واحدة لا بعنف، قال مجاهد: ويحتمل أن يريد: معجلا، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أن يريد: سهلا قريب التناول). [المحرر الوجيز: 6/442]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قال الطبري: ووصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها. و"السبات" ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضا فشبه النائم به، والسبت: الإقامة بالمكان، فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه. و"النشور" في هذا الموضع الإحياء، شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة والتوفي اللذين يتضمنهما النوم والسبات، ويحتمل أن يريد بالنشور وقت انتشار وتفرق لطلب المعاش وابتغاء فضل الله، والنهار نشورا وما قبله من باب: ليل نائم ونهار صائم). [المحرر الوجيز: 6/443]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا}
قرأت فرقة: "الرياح"، وقرأت فرقة: "الريح" على الجنس، فهي بمعنى الرياح، وقد نسبنا القراءة في سورة الأعراف، وقراءة الجمع أوجه؛ لأن عرف "الريح" متى وردت في القرآن مفردة فإنما هي للعذاب، ومتى كانت للمطر والرحمة فإنما هي رياح؛ لأن ريح المطر تتشعب وتتداءب وتتفرق وتأتي لينة من ها هنا وها هنا، وشيئا إثر شيء، وريح العذاب حرجف لا تتداءب، وإنما تأتي جسدا واحدا، ألا ترى أنها تحطم ما تجد وتهدمه؟ قال الرماني: جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة لواقح: الجنوب والصبا والشمال، وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة، لا تلقح، وهي الدبور.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
"ويرد" على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها
[المحرر الوجيز: 6/443]
ريحا. واختلف القراء في "النشر" في النون والباء وغير ذلك اختلافا قد ذكرناه في سورة الأعراف، و"نشرا" معناه: منتشرة متفرقة.
و"الطهور" بناء مبالغة في "طاهر"، وهذه المبالغة اقتضت في ماء السماء وفي كل ما هو منه وبسبيله أن يكون طاهرا ومطهرا). [المحرر الوجيز: 6/444]

تفسير قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ووصف البلدة بالميت لأنه جعله كالمصدر الذي يوصف به المذكر والمؤنث، وجاز ذلك من حيث "البلدة" بمعنى "البلد"، وقرأ طلحة بن مصرف: "لننشئ به بلدة ميتا ونسقيه" بضم النون، وهي قراءة الجمهور، ومعناه: نجعله لهم سقيا، هذا قول بعض اللغويين في "أسقى"، قالوا: و"سقى" معناه للشفة، وقال الجمهور: سقى وأسقى بمعنى واحد، وينشد على ذلك بيت لبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال
وقرأ أبو عمرو: "نسقيه" بفتح النون، وهي قراءة ابن مسعود، وابن أبي عبلة، وأبي حيوة، ورويت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و"أناسي" قيل: هو جمع إنسان، والياء المشددة بدل من النون في الواحد، قاله سيبويه، وقال المبرد: هو جمع إنسي، فكان القياس أن يكون "أناسية"، كما قالوا في مهلبي: مهالبة، وحكى
[المحرر الوجيز: 6/444]
الطبري عن بعض اللغويين في جمع إنسان: أناسين بالنون، كسرحان وبستان، وقرأ يحيى بن الحارث: "أناسي" بتخفيف الياء). [المحرر الوجيز: 6/445]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "صرفناه" قال ابن عباس، ومجاهد: هو عائد على الماء المنزل من السماء، المعنى أن الله تبارك وتعالى جعل لهم إنزال الماء تذكرة بأن يصرفه عن بعض المواضع إلى بعض، وهو كله في كل عام بمقدار واحد، وقاله ابن مسعود، وقوله -على هذا التأويل-: {فأبى أكثر الناس إلا كفورا} أي في قولهم: بالأنواء والكواكب، قاله عكرمة، وقيل: "كفورا" على الإطلاق لما تركوا التذكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الضمير في "صرفناه" للقرآن، وإن كان لم يتقدم له ذكر لوضوح الأمر، ويعضد ذلك قوله بعد ذلك: {وجاهدهم به}، وعلى التأويل الأول الضمير في "به" يراد به القرآن على نحو ما ذكرناه. وقال ابن زيد: يراد به الإسلام. وقرأ عكرمة: "صرفناه" بتخفيف الراء، وقرأ حمزة، والكسائي، والكوفيون: "ليذكروا" بسكون الذال، وقرأ الباقون: "ليذكروا" بشد الذال والكاف). [المحرر الوجيز: 6/445]

رد مع اقتباس