عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22 ذو الحجة 1434هـ/26-10-2013م, 06:23 PM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي

بيان قول الكلابية في القرآن، والردّ عليهم

قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): (( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيْلاً )، ( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيْسى بنَ مَرْيَمَ )، (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقولُهُ: ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ).
( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ )، ( وَلَمَّا جَاءَ مُوْسَى لِمِيْقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ).
( وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيّاً )، وقَوْلُهُ: ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوْسَى أَنِ ائْتِ القَوْمَ الظَّالِمِينَ)، (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ )، وقَوْلُهُ: ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقولُ مَاذا أَجَبْتُمُ المُرْسَلينَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : ( والِكُلاَّبيَّةُ وَمَن وَافَقَهُم مِن أصْحَابِ الأئمَّةِ الأرْبعةِ يَقُولُونَ: إِنَّه لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئتِه وَقُدرَتِه؛ بل الْكَلاَمُ المُعَيَّنُ لازِمٌ لِذَاتِه كَلُزومِ الْحَياةِ لِذَاتِه، وَعِندَهم لمَّا جَاءَ مُوسَى لِميقَاتِ رَبِّه سَمِعَ النِّداءَ الْقَديِمَ لا أَنَّه حِينَئذٍ نُودِيَ ولهَذَا يَقُولُونَ إِنَّه يُسْمِعُ كَلامَه لِخلْقِه، بَدَلَ قَوْلِ النَّاسِ يُكَلِّمُ خَلْقَهُ، وهؤلاء يَردُّونَ عَلَى الْخَلْقِيَّة الذين يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخلوقٌ .
ويَقُولُونَ عَن أَنْفُسِهم: إِنَّهم أَهْلُ السُّنَّةِ المُوافِقونَ للسَّلفِ الذين قالوا: الْقُرْآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مَخْلوقٍ ولَيْسَ قَولُهم قولَ السَّلفِ لَكِنْ قَولُهم أقربُ إلى قولِ السَّلَفِ مِن وَجهٍ، وهم يَقُولُونَ: الْكَلاَمُ عِندنا صِفةُ ذاتٍ لا صِفةُ فِعْلٍ والخَلْقِيَّةُ يَقُولُونَ صِفَةُ فِعْلٍ لا صِفَةُ ذَاتٍ، ومَذْهَبُ السَّلَفِ أَنَّه صِفَةُ فِعْلٍ وصِفَةُ ذاتٍ مَعًا فكُلٌّ منهما مُوافِقٌ للسَّلَفِ مِن وَجْهٍ دونَ وَجْهٍ .
فكُلٌّ مِن الْمُعْتَزِلَةِ والأشْعَريَّةِ فِي جِنْسِ مَسائلِ الْكَلاَمِ وأفعالِ اللهِ وافَقُوا السَّلَفَ والأئمَّةَ مِن وَجْهٍ وخالَفُوهم مِن وَجْهٍ، ولَيْسَ قولُ أحدِهم قولَ السَّلَفِ دونَ الآخَرِ؛ لكِنَّ الأشْعَرِيَّةَ فِي جِنْسِ الصِّفاتِ والقَدَرِ أقْربُ إلى قَوْلِ السَّلَفِ والأئمَّةِ مِن الْمُعْتَزِلَةِ.). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)


قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنهُ)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمُعونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ )، (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ )، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرَائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ مخْتَلِفونَ )، ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )، ( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )، (وَإِذا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408) : ( وقَولُهُ: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)
ش: ... وفيه الرَّدُّ على مَن زعمَ أن‎ هذا الموجودَ بين أيدِينا هو عبارةٌ عن كلامِ اللهِ أو حكايةٍ له، فإنَّه -سُبْحَانَهُ- أخبرَ أنَّ الَّذي يُسمعُ كلامُ اللهِ، وعندهم أنَّ الَّذي يُسمعُ ليسَ كلامَ اللهِ على الحقيقةِ، وإنَّما هو مخلوقٌ حُكِيَ به كلامُ اللهِ على أحدِ قَولِهِم، وعِبارةٌ عُبِّرَ بها عن كلامِ اللهِ على القولِ الآخرِ، وهي مخلوقةٌ على القوليْنِ، فالمقروءُ، المكتوبُ والمسموعُ والمحفوظُ ليسَ كلامَ اللهِ، وإنَّما هو عبارةٌ عُبِّرَ بها عنه، كما يُعَبَّرُ عن الَّذي لا ينطقُ ولا يتكلَّمُ مِن أخرسَ أو عاجزٍ، تعالى اللهُ عن قَولِهِم عُلوًّا كبيرًا.
...
قَولُهُ: (قُلْ نَزَّلَهُ)
ش: أي القرآنَ، والتَّنزيلُ والإنزالُ هو مجيءُ الشَّيءِ من أعلى إلى أسفلَ.
(رُوحُ القُدُسِ)
ش: أي جبريلُ عليه السَّلامُ، فجبريلُ سمعَهُ من اللهِ والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمعه من جبريلَ، وهو الَّذي نَزَل بالقرآنِ على محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كما نصَّ على ذلك أحمدُ وغيرُه من الأئمَّةِ، وجبريلُ هو الرُّوحُ الأمينُ المذكورُ في قَولِهِ سُبْحَانَهُ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ) الآيةَ.
ولم يقلْ أحدٌ من السَّلفِ: إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمعَهُ من اللهِ، وإنَّما قال ذلك بعضُ المتأخِّرين، والآيةُ تَرُدُّ عليه. ... وفيها الدَّليلُ على بُطلانِ قولِ مَن يقولُ: إنَّ القرآنَ العربيَّ ليس مُنزَّلاً مِن اللهِ بل مَخلوق، إمَّا في جبريلَ أو محمَّدٍ أو جُرْمٍ آخرَ كالهواءِ، كما يقولُ ذلك الكُلاَّبيَّةُ والأَشعريَّةُ القائلونَ بأنَّ القرآنَ العربيَّ ليسَ هو كلامَ اللهِ، وإنَّما كلامُه المعنى القائمُ بذاتِه، والقرآنُ العربيُّ خُلقَ ليدلَّ على ذلك المَعنى، وهذا يُوافقُ قولَ المعتزلةِ ونحوِهم في إثباتِ خلقِ القرآنِ، وفيها أنَّ السَّفيرَ بينَ اللهِ ورسولِه محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- هو جبريلُ عليه السَّلامُ. ). [التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : ( وفِي قَوْلِهِ :{ مُنَزَّلٌ مِن رَّبِّكَ }
ش: ...كما تُبطِلُ قَوْلَ مَن يَجعلُه فَاضَ عَلَى نفسِ النَّبِيِّ مِن العقلِ الفَعَّالِ أو غيرِه، وقَوْلُ مَن قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ العربيَّ لَيْسَ مُنَزَّلاً مِن اللهِ بل مخلوقٌ إِمَّا فِي جبريلَ أو مُحَمَّدٍ أو جسمٍ غيرِهما كما يَقُولُ ذَلِكَ الكُلاَّبيَّةُ والأشْعَرِيَّةُ، الذين يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ العربيَّ لَيْسَ هُوَ كَلاَمَ اللهِ وإِنَّما كلامُه المَعنىّ القائمُ بذاتِه، والْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ خُلِقَ لِيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ المَعْنى، ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلَقَ بَعْضَ الأجسامِ الهواءَ أو غيرَه، أو ألْهَمَهُ جبريلَ فعَبَّرَ عنه بالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ، أو أَنْ يَكُونَ جبريلُ أخذَهُ مِن اللَّوحِ المحفوظِ أو غيرِه. ). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)

قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( ومِن الإِيمانِ باللهِ وكُتُبِهِ الإِيمانُ بأَنَّ القرآنَ: كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلوقٍ، منهُ بَدَأَ، وإِليهِ يَعودُ، وأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقيقةً، وأَنَّ هذا القرآنَ الَّذي أَنْزَلَهُ على محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُو كلامُ اللهِ حقيقةً، لا كَلامَ غيرِهِ.
ولا يجوزُ إِطلاقُ القَوْلِ بأَنَّهُ حِكايةٌ عَنْ كلامِ اللهِ، أَو عِبارَةٌ، بلْ إِذا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ في المصاحِفِ؛ لمْ يخْرُجْ بذلك عنْ أَنْ يَكونَ كَلامَ اللهِ تعالى حَقيقةً، فإِنَّ الكلامَ إِنَّما يُضَافُ حقيقةً إِلى مَنْ قالَهُ مُبْتَدِئاً، لا إِلى مَن قالَهُ مُبَلِّغاً مُؤدِّياً.
وهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُروفُهُ، ومَعانيهِ، ليسَ كَلامُ اللهِ الحُروفَ دُونَ المَعاني، ولا المَعانِيَ دُونَ الحُروفِ). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408) : ( فقولُه: (ولا يجوزُ إطلاقُ القولِ بأنَّه حكايةٌ عن كلامِ اللَّهِ أو عبارةٌ)
ش: كما تقولُه الأشاعرةُ والكلابيَّةُ، فالأشاعرةُ يقولون: إنَّ هَذَا الموجودَ المقروءَ عبارةٌ عن كلامِ اللَّهِ، والكلابيَّةُ يقولون: حكايةٌ عن كلامِ اللَّهِ، وبعضُ هؤلاء يقولُ: الخلافُ لفظيٌّ لا طائلَ تحتَه، فالأشاعرةُ والكلابيَّةُ يقولون: القرآنُ نوعانِ ألفاظٌ ومعاني، فالألفاظُ مخلوقةٌ وَهِيَ هَذِهِ الألفاظُ الموجودةُ، والمعاني قديمةٌ قائمةٌ بالنَّفْسِ، وَهِيَ معنى واحدٌ لا تَبَعُّضَ فيه ولا تَعدُّدَ، إنْ عُبِّرَ عنه بالعربيَّةِ كان قرآنا، وإنْ عُبِّرَ عنه بالعبرانيَّةِ كان توراةً، أو بالسُّرْيانيَّةِ كان إنجيلاً، وهَذَا القولُ تصوُّرُهُ كافٍ بمعرفةِ بُطلانِه، وليس لهم دليلٌ ولا شبهةٌ إلا بيتٌ يُنسَبُ للأخطلِ النَّصرانيِّ وهُوَ قولُه:

إنَّ الكلامَ لَفِي الفُؤادِ وإنَّما جُعِلَ اللِّسانُ على الفؤادِ دَليلا

وهَذَا البيتُ إنْ ثَبَتَ فمعناه: إنَّ الكلامَ يَخرجُ مِن القلبِ ويُعَبِّرُ عنه اللِّسانُ، وأمَّا الكلامُ الذي في اللِّسانِ فقط فهُوَ يُشبِهُ كلامَ النائمِ والهاذي ونحوِهما، وأدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ تَرُدُّ هَذَا القولَ، والذي يَعقلُه العقلاءُ أنَّ الكلامَ صفةُ المتكلِّمِ المسموعِ منه، وأنَّ ما في النَّفْسِ لا يُسمَّى كلامًا بوجهٍ مِن الوجوهِ، كما في حديثِ: ((عُفِيَ لأُمَّتِي عَنِ الخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لم تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ)) فهَذَا صريحٌ بأنَّ ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ليس بكلامٍ.
إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدلَّةِ الدَّالَّةِ على بطلانِه، وأيضًا فإنَّ الحكايةَ تُماثِلُ المَحْكِيَّ، فمَن قال: إنَّ القرآنَ حكايةُ كلامِ اللَّهِ بهَذَا المعنى فقد ضَلَّ ضلالاً مُبِينًا، فإنَّ القرآنَ لا يَقدِرُ أحدٌ على أنْ يأتيَ بمِثلِه، ولا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يأتيَ بما يَحكِيه، وأوَّلُ مَن قال إنَّه حكايةٌ عن كلامِ اللَّهِ عبدُ اللَّهِ بنُ سعيدِ بنِ كِلابٍ.
وأمَّا القولُ: بأنَّه عبارةٌ عن كلامِ اللَّهِ كما هُوَ قولُ الأشاعرةِ فإنَّه يَلزَمُ عليه أنَّ كُلَّ تالٍ مُعبِّرا عمَّا في نَفْسِ اللَّهِ، والمعبِّرُ عن غيرِه هُوَ المُنْشِئ للعبارةِ، فيكونُ كُلُّ قارئٍ هُوَ المُنْشِئُ لعبارةِ القرآنِ، وهَذَا معلومُ الفسادِ بالضَّرورةِ.
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الصَّواعقِ": وهَذَا المذهبُ مبنيٌّ على مسألةِ إنكارِ قيامِ الأفعالِ الاختياريَّةِ باللَّهِ، ويُسمُّونَها مسألةَ حلولِ الحوادثِ، وحقيقتُها إنكارُ أفعالِه -سبحانَهُ وتعالَى- ورُبُوبِيَّتِه ومَشيئَتِه. انتهى.
وأوَّلُ مَن قال بالعبارةِ هُوَ الأشعريٌّ، وهُوَ قولٌ باطلٌ كالقولِ بالحكايةِ، فإنَّ الأدلَّةَ دلَّتْ على أنَّ القرآنَ لفظُه ومعناه كلامُ اللَّهِ.
وأمَّا القولُ بأنَّ القرآنَ عبارةٌ عن كلامِ اللَّهِ أو حكايةٌ فهُوَ قولٌ مبتدَعٌ باطلٌ تَردُّهُ الأدلَّةُ، ولم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ بِذَلِكَ.
قال الإمامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: القرآنُ كَيْفَ تُصُرِّفَ فيه، فهُوَ غيرُ مخلوقٍ ولا نرى القولَ بالحكايةِ والعبارةِ، وغَلَّطَ مَن قال بهما وجَهَّلَه، وقال: هَذِهِ بدعةٌ لم يَقُلْ بها السَّلَفُ.
قال الحافظُ ابنُ حجَرٍ العسقلانيُّ في "الفتحِ" المنقولُ عن السَّلَفِ اتِّفاقُهم على أنَّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ غيرُ مخلوقٍ، تَلقَّاهُ جبريلُ عن اللَّهِ وبلَّغهُ جبريلُ إلى مُحَمَّدٍ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وبلَّغَه مُحَمَّدٌ إلى أُمَّتِه، انتهى.
قال اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ) ولم يَقُلْ ما هُوَ عبارةٌ عن كلامِ اللَّهِ والأصلُ الحقيقةُ، ومَن قال إنَّ المكتوبَ في الصُّحفِ عبارةٌ عن كلامِ اللَّهِ أو حكايةٌ عن كلامِ اللَّهِ وليس فيها كلامُ اللَّهِ، فقد خالَفَ الكِتابَ والسُّنَّةَ وسلَفَ الأمَّةِ، وكفى بِذَلِكَ ضلالاً.
قال ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ):
زَعَمُوا القُرآنَ عبارةً وحكايةً قُلنا كما زَعَموه قرآنانِ
هَذَا الذي نَتلُوه مخلوقٌ كما قال الوليدُ وبعدَه الفِئَتانِ
والآخرُ المعنى القديمُ فقائمٌ بالنَّفسِ لم يُسمعْ مِن الدَّيَّانِ
ودَليلُهم في ذَاكَ بيتٌ قالَه فيما يُقالُ الأخطلُ النَّصراني.

ولو كان ما في المصحفِ عبارةً عن كلامِ اللَّهِ، وليس هُوَ كلامَ اللَّهِ لِمَا حُرِّمَ على الجُنُبِ والمُحْدِثِ مَسُّهُ؟ ولو كان ما يَقرأُ القارئُ ليس هُوَ كلامَ اللَّهِ لَمَا حُرِّمَ على الجُنُبِ؟ بل القرآنُ كلامُ اللَّهِ محفوظٌ في الصُّدورِ، ومقروءٌ بالألسُنِ، مكتوبٌ في المصاحِفِ كما قال أبو حنيفةَ في "الفِقهِ الأكبرِ" وغيرُه: وهُوَ في هَذِهِ المواضِع كُلِّها حقيقةٌ لا يَصِحُّ نفيُه، والمجازُ يَصِحُّ نفْيُه، فلا يجوزُ أنْ يُقالَ ليس في المصحفِ كلامُ اللَّهِ ولا ما قَرأَ القارئُ كلامَ اللَّهِ.). [التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : (وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ القَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَن كَلامِ اللَّهِ كَمَا تَقُولُهُ الكُلاَّبِيَّةُ , أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ كَمَا تَقُولُهُ الأَشَاعِرَةُ.
فَمَذْهَبُ الكُلاَّبِيَّةُ أَتْبَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلابٍ أَنَّ القُرْآنَ مَعْنىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ لا يَتَعَلَّقُ بِالقُدْرَةِ وَالمَشِيئَةِ وَأَنَّهُ لازِمٌ لذَاتِ الرَّبِّ كلزُومِ الحَيَاةِ وَالعِلْمِ وَأَنَّهُ لا يُسْمَعُ عَلَى الحَقِيقَةِ , وَالحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ حِكَايَةٌ لهُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، وَهُوَ أَرْبَعُ مَعَانٍ فِي نَفْسِهِ: الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالخَبَرُ وَالاسْتِفْهَامُ، فَهِيَ أَنْوَاعٌ لذَلكَ المَعْنَى القَدِيمِ الذي لا يُسْمَعُ، وَذَلكَ المَعْنَى هُوَ المَتْلُوُّ المَقْرُوءُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَالأَصْوَاتُ وَالحُرُوفُ هِيَ تِلاوَةُ العِبَادِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، وَهَذَا المَذْهَبُ أَوَّلُ مَن يُعْرَفُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ ابْنُ كُلابٍ، وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ الكَلامَ لا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالمُتَكَلِّمِ , وَالحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ حَادِثَةٌ فَلا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى؛ لأَنَّهُ ليْسَ مَحَلاًّ للْحَوَادِثِ فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَن الرَّبِّ، وَالقُرْآنُ اسْمٌ لذَلكَ المَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
...
(( وَلا المَعَانِي دُونَ الحُرُوفِ ))
ش: كَمَا هُوَ قَوْلُ مَن يَقُولُ: بِأَنَّهُ مَعْنىً وَاحِدٌ قَدِيمٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ هُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالخَبَرُ وَالاسْتِخْبَارُ إِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالعَرَبِيَّةِ كَانَ قرآناً، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالعِبْرَانِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً،وَهَذَا قَوْلُ ابْن كُلابٍ وَمَن وَافَقَهُ كَالأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، فَأَشَارَ المُؤَلِّفُ فِي عِبَارَتِهِ هَذِهِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَن يَقُولُ إِنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ أَزَليَّةٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الأَزَلِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن أَهْلِ الكَلامِ وَأَهْلِ الحَدِيث. ذَكَرَهُ الأَشْعَرِيُّ فِي المَقَالاتِ عَن طَائِفَةٍ. وَهُوَ الذي يُذْكَرُ عَن السَّالمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ وَكَذَلكَ أَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الكُلاَّبِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةِ.
فَإِنَّ أَوَّلَ مَن عُـرِفَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ قَدِيمٌ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلاَّبٍ ثُمَّ افْتَرَقَ الذين شَارَكُوهُ فِي هَذَا القَوْلِ فَمِنْهُمْ مَن قَالَ: الكَلامُ مَعْنىً وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِ الرَّبِّ وَمَعْنَى القُرْآنِ كُلِّهِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ وَكَلامِهِ هُوَ ذَلكَ المَعْنَى الوَاحِدُ الذي لا يَتَعَدَّدُ وَلا يتبَعَّضُ، وَالقُرْآنُ العَرَبِيُّ لمْ يَتَكَلَّمِ اللَّهُ بِهِ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ جُمْهُورُ العُقَلاءِ: هَذَا القَوْلُ مَعْلُومُ الفَسَادِ بالاضْطِرارِ فَإِنَّهُ مِن المَعْلُومِ بِصَرِيحِ العَقْلِ أَنَّ مَعْنَى آيَةَ الكُرْسِيِّ ليْسَ مَعْنَى آيَةَ الدَّيْنِ وَلا مَعْنَى { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } مَعْنَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لهَبٍ } فَكَيْفَ بِمَعَانِي كَلامِ اللَّهِ كُلِّهِ فِي الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ وَخِطَابِهِ لمَلائِكَتِهِ وَحِسَابِهِ لعِبَادِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ وَغَيْرِ ذَلكَ مِن كَلامِهِ .
وَمِنْهُمْ مَن قَالَ: هُوَ حُرُوفٌ أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَليَّةٌ لازِمَةٌ لذَاتِهِ لمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ مَوْصُوفاً بِهَا.
وَكِلاَ الحِزْبَيْنِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ لمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ يَقُولُ: يَا نُوحُ يَا إِبْرَاهِيمُ يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِن السَّلَفِ بِهَذَيْنِ القَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِن السَّلَفِ: إِنَّ هَذَا القُرْآنَ عِبَارَةٌ عَن كَلامِ اللَّهِ وَلا حِكَايَةٌ لهُ، وَلا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ لفْظِي بِالقُـرْآنِ قَدِيمٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَضْلاً عَن أَنْ يَقُولَ:إِنَّ صَوْتِي بِهِ قَدِيمٌ أَوْ غَيْرٌ مَخْلُوقٍ بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِن أَنَّ هَذَا القُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَهُ بِأَصْوَاتِهِمْ وَيَكْتُبُونَهُ بِمِدَادِهِمْ وَمَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ كَلامُ اللَّهِ وَكَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)


كذب من زعم أن هذا القرآن المتلو بألسنتنا المكتوب في المصاحف حكاية للقرآن الذي في اللوح المحفوظ
قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ (360هـ): ( وكذا من قال: إن هذا القرآن الذي يقرءوه الناس، وهو في المصاحف حكاية لما في اللوح المحفوظ، فهذا قول منكر، ينكره العلماء يقال لقائل هذه المقالة القرآن يكذبك، ويرد قولك، والسنة تكذبك وترد قولك قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، فأخبر الله تعالى: إنه إنما يسمع الناس كلام الله، ولم يقل: حكاية كلام الله، وقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} فأخبر أن السامع إنما يسمع القرآن، ولم يقل: حكاية القرآن.
وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} ، وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا: يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه، يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم}، وقال تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن، فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به} ولم يقل يستمعون حكاية القرآن ولا قالت الجن: إنا سمعنا حكاية القرآن، كما قال من ابتدع بدعة ضلالة، وأتى بخلاف الكتاب والسنة وبخلاف قول المؤمنين وقال تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}.
قال محمد بن الحسين: وهذا في القرآن كثير لمن تدبره، وقال النبي: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وقال: «إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء، كالبيت الخرب» وقال: «مثل القرآن مثل الإبل المعقلة، إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو» وقال: في حديث آخر «لا تسافروا بالمصاحف إلى العدو، فإني أخاف أن ينالوها» وقال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار» وقال: «إن الله تعالى: قرأ طه، ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن، قالوا: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا» وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «تعلموا القرآن واتلوه، فإن لكم بكل حرف عشر حسنات" وفي السنن مما ذكرناه كثير، والحمد لله.
قال محمد بن الحسين: فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله تعالى، ويتعلموا القرآن، ويتعلموا أحكامه، فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه، ويعملوا بمحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه، ولا يماروا فيه، ويعلموا أنه كلام الله تعالى، غير مخلوق، فإن عارضهم إنسان جهمي فقال: مخلوق، أو قال: القرآن كلام الله ووقف، أو قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو قال: هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ فحكمه أن يهجر ولا يكلم، ولا يصلى خلفه، ويحذر منه، وعليكم بعد ذلك بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله تعالى عنهم، وقول التابعين، وقول أئمة المسلمين مع ترك المراء والخصومة والجدال في الدين، فمن كان على هذا الطريق رجوت له من الله تعالى كل خير، وسأذكر بعد ذلك ما لا بد لمن كان هذا مذهبه وعلمه، عمل به من معرفة الإيمان، وشريعة الإسلام، حالا بعد حال، والله الموفق لكل رشاد، والمعين عليه إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.). [الشريعة للآجري: ؟؟] (م)
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): ( بابٌ ذكر اللّفظيّة والتّحذير من رأيهم ومقالاتهم
واعلموا رحمكم اللّه أنّ صنفًا من الجهميّة اعتقدوا بمكر قلوبهم، وخبث آرائهم، وقبيح أهوائهم، أنّ القرآن مخلوقٌ، فكنّوا عن ذلك ببدعةٍ اخترعوها، تمويهًا وبهرجةً على العامّة، ليخفى كفرهم، ويستغمض إلحادهم على من قلّ علمه، وضعفت نحيزته، فقالوا: إنّ القرآن الّذي تكلّم اللّه به وقاله، فهو كلام اللّه غير مخلوقٍ، وهذا الّذي نتلوه ونقرؤه بألسنتنا، ونكتبه في مصاحفنا ليس هو القرآن الّذي هو كلام اللّه، هذا حكايةٌ لذلك، فما نقرؤه نحن حكايةٌ لذلك القرآن بألفاظنا نحن، وألفاظنا به مخلوقةٌ، فدقّقوا في كفرهم، واحتالوا لإدخال الكفر على العامّة بأغمض مسلكٍ، وأدقّ مذهبٍ، وأخفى وجهٍ، فلم يخف ذلك بحمد اللّه ومنّه وحسن توفيقه على جهابذة العلماء والنّقّاد العقلاء، حتّى بهرجوا ما دلّسوا، وكشفوا القناع عن قبيح ما ستروه، فظهر للخاصّة والعامّة كفرهم وإلحادهم، وكان الّذي فطن لذلك وعرف موضع القبيح منه الشّيخ الصّالح، والإمام العالم العاقل أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ رحمه اللّه، وكان بيان كفرهم بيّنًا واضحًا في كتاب اللّه عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وقد كذّبهم القرآن والسّنّة بحمد اللّه، قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6] ولم يقل: حتّى يسمع حكاية كلام اللّه.
وقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204]، فأخبر أنّ السّامع إنّما يسمع إلى القرآن، ولم يقل: إلى حكاية القرآن.
وقال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا} [الإسراء: 45] وقال عزّ وجلّ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29]

وقال تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به} [الجن: 2] ولم يقل: إنّا سمعنا حكاية قرآنٍ عجبٍ.
وقال تعالى: {فاقرءوا ما تيسّر من القرآن} وقال تعالى: {وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده} [الإسراء: 46] وقال تعالى: {وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين} [الإسراء: 82] ولم يقل: من حكاية القرآن.
ومثل هذا في القرآن كثيرٌ، من تدبّره عرفه. وجاء في سنّة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم، وكلام الصّحابة والتّابعين، وفقهاء المسلمين، رحمة اللّه عليهم أجمعين، ما يوافق القرآن ويضاهيه، والحمد للّه، بل أكثرهم لا يعلمون.

قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ قريشًا منعتني أن أبلّغ كلام ربّي» . ولم يقل حكاية كلام ربّي.
وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» ولم يقل: من تعلّم حكاية القرآن.
وقال «مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت» . وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدوّ، مخافة أن يناله العدوّ» . وقال اللّه تعالى: {إنّه لقرآنٌ كريمٌ في كتابٍ مكنونٍ لا يمسّه إلّا المطهّرون تنزيلٌ من ربّ العالمين} [الواقعة: 77] . فنهى أن يمسّ المصحف إلّا طاهرٌ، لأنّه كلام ربّ العالمين، فكلّ ذلك يسمّيه اللّه عزّ وجلّ قرآنًا، ويسمّيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنًا، ولا يقول: حكاية القرآن، ولا حكاية كتاب اللّه، ولا حكاية كلام اللّه.
وقال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ هذا القرآن كلام اللّه فلا تخلطوا به غيره. وقال عبد اللّه أيضًا: تعلّموا كتاب اللّه واتلوه، فإنّ لكم بكلّ حرفٍ عشر حسناتٍ. فهذا ونحوه في القرآن والسّنن، وقول الصّحابة والتّابعين، وفقهاء المسلمين، ما يدلّ العقلاء على كذب هذه الطّائفة من الجهميّة الّذين احتالوا ودقّقوا في قولهم: القرآن مخلوقٌ.
ولقد جاءت الآثار عن الأئمّة الرّاشدين وفقهاء المسلمين الّذين جعلهم اللّه هداةً للمسترشدين، وأنسًا لقلوب العقلاء من المؤمنين، ممّا أمروا به من إعظام القرآن وإكرامه، ممّا فيه دلالةٌ على أنّ ما يقرؤه النّاس ويتلونه بألسنتهم هو القرآن الّذي تكلّم اللّه به، واستودعه اللّوح المحفوظ، والرّقّ المنشور، حيث يقول اللّه تعالى: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ في لوحٍ محفوظٍ} [البروج: 21]، وقوله تعالى: {وكتابٍ مسطورٍ في رقٍّ منشورٍ} [الطور: 2]
- حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سلمان قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثني سلم بن سالمٍ، عن نوح بن أبي مريم، عن أبي شيبة، عن مكحولٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه رأى رجلًا يمحو لوحًا برجله، فنهاه وقال ابن عبّاسٍ: «لا تمح القرآن برجلك» فلو كان حكاية القرآن لما نهاه، أو قال: إنّ هذا حكاية القرآن، فلا تمحه.
- حدّثنا أبو ذرّ بن الباغنديّ، قال: حدّثنا سعدان بن نصرٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمر بن موسى، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكتب القرآن على الأرض».
- حدّثنا محمّد بن يحيى بن عمر بن عليّ بن حربٍ، قال: حدّثنا أبو داود الحفريّ، قال: حدّثنا سفيان يعني الثّوريّ، عن محمّد بن الزّبير، قال: مرّ عمر بن عبد العزيز على رجلٍ قد كتب في الأرض، يعني قرآنًا أو شيئًا من ذكر اللّه، فقال: «لعن اللّه من كتبه، ضعوا كتاب اللّه مواضعه».
- وأخبرني أبو صالحٍ محمّد بن أحمد بن ثابتٍ قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عمرو بن حمدون قال: أخبرنا عليّ بن عبد العزيز
البغويّ، عن أبي عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، عن محمّد بن الزّبير، عن عمر بن عبد العزيز، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تكتبوا القرآن إلّا في شيءٍ طاهرٍ»
قال: وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ.
- حدّثنا ابن أبي دارمٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن يحيى بن أبي رزمة، قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن الفضل، قال: أخبرنا زيدٌ العمّيّ، عن الحسن، عن خمسةٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن يمحى اسم اللّه بالبصاق ".
- حدّثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، قال: «كانوا يكرهون أن يمحى اسم اللّه بالرّيق».
- وحدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن مخلدٍ العطّار قال: حدّثنا عمر ابن أخت بشر بن الحارث قال: سمعت بشر بن الحارث، يقول: سمعت سليمان بن حربٍ، قال: رأيت ابن المبارك يغسل ألواحه بالماء لا يمحوها بريقه ".
- وحدّثنا ابن مخلدٍ، قال: حدّثنا عليّ بن إسماعيل البزّاز المعروف بعلّوية قال: حدّثني يحيى الصّامت، قال: سألت ابن المبارك عن الألواح، يكون فيها مكتوب القرآن، أيكره للرّجل أن يمحوه بالبزاق؟
قال: «نعم أكرهه، ليمسحها بالماء».
- قال: وسألت ابن المبارك عن الألواح يكون فيها مكتوب القرآن، أيكره أن يمحوه الرّجل برجله؟
قال: نعم، قال: ليمحه بالماء، ثمّ يضربه برجله ".
- أخبرني أبو القاسم الجابريّ، عن أبي بكرٍ الخلّال، قال: حدّثنا حرب بن إسماعيل، قال: قلت لإسحاق بن راهويه: الصّبيّ يكتب القرآن على اللّوح، أيمحوه بالبزاق؟
قال: «يمحوه بالماء، ولا يعجبني أن يبزق عليه»، وكره أن يمحوه بالبزاق.
- حدّثنا ابن مخلدٍ، قال: حدّثنا عمر، قال: سمعت بشرًا، يقول: «أكره أن يمحو الصّبيان، ألواحهم بأرجلهم في الكتّاب، وينبغي للمعلّم أن يؤدّبهم على هذا» .
قال الشّيخ: فتفهّموا رحمكم اللّه ما روي عن هؤلاء الأئمّة العلماء رحمهم اللّه من إعظام القرآن وإجلاله وتنزيهه، ولو كان حكاية القرآن لما احتاجوا إلى هذا التّشديد.). [الإبانة الكبرى: 5/ 318-329]




زعم الكلابية أن القرآن غير الكتاب

قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنهُ)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمُعونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ )، (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ )، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرَائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ مخْتَلِفونَ )، ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )، ( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )، (وَإِذا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408) : ( قَولُهُ: (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ)
ش: أي لا تُغيَّرُ ولا تُبَدَّلُ، كما قال سُبْحَانَهُ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) في هذه الآيةِ -كغيرِها- دليلٌ على أنَّ الكتابَ هو القرآنُ، خلافًا للكُلاَّبِيَّة فإنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- سمَّى نفسَ مَجْموعِ اللفظِ والمعنى قرآنًا وكتابًا وكلامًا، كما تقدَّمَ في قَولِهِ: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) الآيةَ فبيَّنَ أَنَّ الَّذي سَمِعوه هو القرآنُ، وهو الكتابُ، وقال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ). ). [التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : ( والْقُرْآنُ اسمٌ للقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ لَفْظِه وَمعْنَاه؛ بدليلِ قَوْلِه تَعَالَى :{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } وإِنَّما يُقرأُ الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ لا يُقرأُ مَعانِيهِ المُحَدَّدةُ وكذَلِكَ قَوْلُه :{ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } والْكِتَابُ اسمٌ للكَلاَمِ الْعَرَبِيِّ بالضَّرورةِ والاتِّفاقِ، فإِنَّ الكلاَّبيَّةَ أو بَعضَهم يُفرِّقُ بينَ كَلاَمِ اللهِ وكتابِ اللهِ؛ فيَقُولُ: كَلاَمُ اللهِ هُوَ المَعْنى القائمُ بالذَّاتِ وهُوَ غيرُ مخلوقٍ، وكتابُه هُوَ المَنظومُ المُؤلَّفُ الْعَرَبِيُّ وهُوَ المخلوقُ .

والْقُرْآنُ يُرادُ به تَارةً هَذَا وتارةً هَذَا، واللهُ تَعَالَى قد سَمَّى نَفْسَ مجموعِ اللَّفظِ والمَعْنى قُرآناً وكِتاباً وكَلاَماً فقَالَ :{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآن مُّبِينٍ } وقَالَ :{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِن الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } الآْيَةَ فَبيَّنَ أَنَّ الذي سَمِعوه هُوَ الْقُرْآنُ وهُوَ الْكِتَابُ .
لكن لفظُ الْكِتَابِ قد يُرادُ به المكتوبُ فيَكُونُ هُوَ الْكَلاَمَ، وقد يُرادُ به ما يُكتبُ فيه كقَوْله :{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } الآْيَةِ، وقَالَ:{ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتَاباً } الآْيَةَ فقَوْلُه :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } يتناولُ نزولَ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. فُعلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ يُنزَّلُ مِن اللهِ لا مِن الهواءِ ولا مِن اللَّوحِ ولا مِن جِسمٍ آخَرَ ولا مِن جبريلَ ولا مُحَمَّدٍ ولا غيرِهما .
وكَوْنُ الْقُرْآنِ مكتوباً فِي اللَّوحِ المَحفوظِ وفِي صُحُفٍ مُطَهَّرةٍ بأيدي الملائكةِ لا ينُافِي أَنْ يَكُونَ جبريلُ نَزلَ به مِن اللهِ سواءً كَتبَه اللهُ قبلَ أَنْ يُرْسِلَ به جبريلَ أو غيرَ ذَلِكَ . وإذا كَانَ قد أَنْزلَه مكتوباً إلى بيتِ العِزَّةَ جُملةً واحدةً فِي ليلةِ القَدْرِ فقد كَتَبه كُلَّهُ قَبلَ أَنْ يُنزلَه، واللهُ تَعَالَى يعلمُ ما كَانَ وما لا يَكُونُ أَنْ لو كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، وهُوَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ مَقاديرَ الخلائقِ وكَتَبَ أعمالَ الْعِبَادِ قبل أَنْ يَعملُوها، كما ثَبَتَ ذَلِكَ بالْكِتَابِ والسُّنَّةِ وآثارِ السَّلَفِ، ثُمَّ إِنَّه يأمرُ الملائكةَ بكتابَتِها بعدَ ما يَعملُونها فَيقابِلُ مِن الكتابةِ المُتقدِّمةِ عَلَى الوجودِ والْكتابةِ المُتأخِّرةِ عنها فلا يَكُونُ بينهما تَفاوتٌ . هكذا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُه مِن السَّلَفِ وهُوَ حقٌّ فإذا كَانَ ما يَخلقُه بائنِاً منه قد كُتِبَ قبْلَ أَنْ يَخلُقَه فكَيْفَ يُستبعدُ أَنْ يَكتبَ كلامَه الَّذِي يُرسلُ به مَلائكتَه، قَبْلَ أَنْ يُرسلَهم به .). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)


رد مع اقتباس