الموضوع: فضل القرآن
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 26 ذو الحجة 1435هـ/20-10-2014م, 08:10 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

فصل: هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟

كلام الزركشى: {
وقد اختلف الناس في ذلك:...}
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ):
( النوع الثامن والعشرون: هل في القرآن شيء أفضل من شيء

وقد اختلف الناس في ذلك:
- فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر، وأبو حاتم بن حبان، وغيرهم إلى أنه: لا فضل لبعض على بعض؛ لأن الكل كلام الله، وكذلك أسماؤه تعالى لا تفاضل بينهما. وروى معناه عن مالك، قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ. وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها، احتجوا بأن الأفضل يشعر بنقص المفضول وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه.
قال ابن حبان في حديث أبى بن كعب رضي الله عنه: "ما أنزل الله في التوارة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن" إن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطى لقارئ أم القرآن؛ إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه. قال: وقوله "أعظم سورة" أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
- وقال قوم بالتفضيل؛ لظواهر الأحاديث، ثم اختلفوا، فقال بعضهم: الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب، بحسب انفعالات النفس وخشيتها، وتدبرها، وتفكرها عند ورود أوصاف العلا. وقيل: بل يرجع لذات اللفظ وأن ما تضمنه قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وما كان مثلها، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة وهذا هو الحق.
وممن قال بالتفضيل: إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء.
- وتوسط الشيخ عز الدين فقال: كلام الله في الله أفضل من كلام الله في غيره، فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أفضل من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وعلى ذلك بنى الغزالي كتابه المسمى بـ"جواهر القرآن". واختاره القاضي أبو بكر بن العربي لحديث أبي سعيد بن المعلى في صحيح البخاري: ((إني لأعلمك سورة هي أعظم السور في القرآن)) قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ولحديث أبي بن كعب في الصحيحين: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أي آية في كتاب الله أعظم؟)) قلت: الله ورسوله أعلم! قال: ((يا أبي أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟)) قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: فضرب في صدري وقال: ((ليهنك العلم أبا المنذر))
وأخرج الحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي هريرة: "سيدة آي القرآن آية الكرسي"
وفي الترمذي غريبا عنه مرفوعا: "لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة فيها آية الكرسي"
وروى ابن عيينة في جامعه عن أبي صالح عنه: "فيها آية الكرسي وهي سنام أي القرآن ولا تقرأ في دار فيها شيطان إلا خرج منها" وهذا لا يعارض ما قبله بأفضلية الفاتحة؛ لأن تلك باعتبار السور وهذه باعتبار الآيات.
وقال القاضي شمس الدين الخويي: كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين، وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض؟
جوزه بعضهم لقصور نظرهم، وينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل "هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام" أن هذا في موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه، فإن من قال إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أبلغ من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافرين، وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟! وكذلك في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} في باب الدعاء والخسران ونظر إلى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده علم البيان.
قلت: ولعل الخلاف في هذه المسألة يلفت عن الخلاف المشهور إن كلام الله شيء واحد أولا عند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته إنما هو بحسب متعلقاته.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فجعله شيئين وأنتم تقولون بعدمه وأنه صفة واحدة.
قلنا: من حيث أنه كلام الله لا مزية لشيء منه على شيء ثم قولنا: شيء منه يوهم التبعيض، وليس لكلام الله الذي هو صفته بعض، ولكن بالتأويل والتفسير وفهم السامعين اشتمل على جميع أنواع المخاطبات، ولولا تنزله في هذه المواقع لما وصلنا إلى فهم شيء منه.
وقال الحليمي: قد ذكرنا أخبار تدل على جوار المفاضلة بين السور والآيات وقال الله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ومعنى ذلك يرجع إلى أشياء:
أحدها: أن تكون آيتا عمل ثابتتان في التلاوة إلا أن إحداهما منسوخة والأخرى ناسخة فنقول إن الناسخ خير أي أن العمل بها أولى بالناس وأعود عليهم، وعلى هذا فيقال: آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأن القصص إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص، فكل ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خير لهم مما يحصل تبعا لما لا بد منه.
والثاني: أن يقال: إن الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته وقدسيته أفضل أو خير بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرا.
والثالث: أن يقال: سورة خير من سورة أو آية خير من آية، بمعنى أن القارئ يتعجل بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل، ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين، فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله جل ثناؤه ويتأدى بتلاوتها منه لله تعالى عبادة لما فيها من ذكر اسم الله تعالى جده بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها، وسكون النفس إلى فضل الذكر وبركته.
فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم.
قال: ثم لو قيل في الجملة: إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والثواب بحسب بقراءته لا بقراءتها أو أنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث وتلك الكتب لم تكن معجزة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها وكان ذلك أيضا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة لأن الله تعالى اعتد قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا، كما يقال: إن قوما أفضل من قوم وشهرا أفضل من شهر، بمعنى أن العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره، والذنب يكون أعظم من الذنب منه في غيره وكما يقال إن الحرم أفضل من الحل؛ لأنه يتأدى فيه من المناسك مالا يتأدى في غيره والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره والله أعلم.).[البرهان في علوم القرآن: 1/438-442]
كلام الزركشى: {
فصل: في أعظمية آية الكرسي...}
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): ( النوع الثامن والعشرون: هل في القرآن شيء أفضل من شيء
فصل: في أعظمية آية الكرسي
قال ابن العربي: إنما صارت آية الكرسي أعظم لعظم مقتضاها، فإن الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته وهي في أي القرآن كـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في سوره، إلا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين:
أحدهما: أنها سورة وهذه آية فالسورة أعظم من الآية لأنه وقع التحدي بها فهي أفضل من الآية التي لم يتحد بها.
والثاني: أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا، وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبر عنه مكتوب مدده السبعة الأبحر لا ينفد عدد حروفه خمسون كلمة ثم يعبر عن معنى الخمسين كلمة خمسة عشر كلمة وذلك كله بيان لعظم القدرة والانفراد بالوحدانية.
وقال أبو العباس أحمد بن المنير المالكي: كان جدي رحمه الله يقول: اشتملت آية الكرسي على ما لم يشتمل عليه اسم من أسماء الله تعالى وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا؛ فيها اسم الله ظاهرا في بعضها، ومستكنا في بعض، ويظهر للكثير من العادين فيها ستة عشر إلا على حاد البصيرة لدقة استخراجه: 1: "الله"، 2: "هو"، 3: "الحي"، 4: "القيوم"، 5: ضمير "لا تأخذه"، 6: ضمير "له"، 7: ضمير "عنده"، 8: ضمير "إلا بإذنه"، 9: ضمير "يعلم"، 10: ضمير علمه، 11: ضمير شاء، 12: ضمير "كرسيه، 13: ضمير "يؤوده"، 14: وهو، 15: العلي، 16: العظيم، فهذه عدة الأسماء.
وأما الخفي في الضمير الذي اشتمل عليه المصدر في قوله "حفظهما" فإنه مصدر مضاف إلى المفعول وهو الضمير البارز ولا بد له من فاعل وهو والله ويظهر عند فك المصدر فتقول ولا يؤوده أن يحفظهما هو
قال: وكان الشيخ أبو عبد الله محمد بن الفضل المرسي قد رام الزيادة على هذا العدد لما أخبرته عن الجد، فقال: يمكن أن تعد ما في الآية من الأسماء المشتقة كل واحد منها باثنين؛ لأن كل واحد منها يحمل ضميرا ضرورة كونه مشتقا، وذلك الضمير إنما يعود إلى الله وهو باعتبار ظهورها اسم، وقد اشتملت على آخر مضمر فتكون جملة العدد على هذا أحدا وعشرين اسما، فأجريت معه وجها لطيفا؛ وهو أن الاسم المشتق لا يحتمل الضمير بعد صيرورته بالتسمية علما على الأصح، وهذه الصفات كلها أسماء الله تعالى، ثم ولو فرضناها محتملة للضمائر بعد التسمية على سبيل التنزل، فالمشتق إنما يقع على موصوفه باعتبار تحمله ضميره، ألا تراك إذا قلت: "زيد كريم" إذا وجدت كريما إنما يقع على زيد؛ لأن فيه ضميره حتى لو جردت النظر إليه لم تجده مختصا بزيد، بل لك أن توقعه على كل موصوف بالكرم من الناس، ولا تجده مختصا بزيد إلا باعتبار اشتماله على ضميره فليس المشتق إذا مستقلا بوقوعه على موصوفه إلا بضميمة الضمير إليه، فلا يمكن أن تجعله له حكم الانفراد عن الضمير مع الحكم برجوعه إلى معين البتة. قال: فرضي عن هذا البحث وصوبه.
**وقال الغزالي في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس)): إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك. واستحسنه فخر الدين الرازي.
قال الجويني: سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "آل حم ديباج. القرآن".
وقال ابن عباس: "لكل شيء لباب ولباب القرآن آل حم أو قال الحواميم".
وقال مسعر بن كدام: كان يقال لهن العرائس.
روى ذلك كله أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن.
وقال حميد بن زنجويه: حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله، قال: إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا، فمر بأثر غيث، فبينما هو يسير فيه، ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات، فقال: عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب، فقيل له: إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن، وإن مثل هذه الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن. أورده البغوي.
وروى أبو عبيد عن بعض السلف، منهم محمد بن سيرين كراهة أن يقال "الحواميم" وإنما يقال "آل حم".**للجمع
وفي الترمذي عن ابن عباس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله قد شبت قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)) خص هذه السور بالشيب لأنهن أجمع لكيفية القيامة وأهوالها من غيرهن، ولهذا قال في حديث آخر ((من أحب أن يرى القيامة رأي العين فليقرأ : {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}))
وروى الترمذي من حديث ابن عباس ومن حديث أنس: "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن وقل يأيها الكافرون تعدل ربعه " وقال: في كل منهما غريب.
وقد تكلم ابن عبد البر على حديث: "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن" وحكى خلاف الناس فيه فقيل لأنه سمع شخصا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن فخرج الجواب على هذا.
وفيه بعد عن ظاهر الحديث.
قيل: لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات، و(قل هو الله أحد) كلها صفات؛ فكانت ثلثا بهذا الاعتبار، واعترض على ذلك باستلزام كون آية الكرسي وآخر الحشر ثلث القرآن ولم يرد فيه.
وقيل: تعدل في الثواب وهو الذي يشهد لظاهر الحديث.
قلت: ضعف ابن عقيل هذا وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات)).
ثم قال ابن عبد البر على أني أقول السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم، ثم أسند إلى إسحاق بن منصور: قلت: لأحمد بن حنبل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)) ما وجهه؟ فلم يقم لي فيها على أمر.
وقال لي إسحاق بن راهويه معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام؛ جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه تحريضا على تعلمه لا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميع،ه هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة.
قال أبو عمرو: وهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة.
قلت: وأحسن ما قيل فيه أن القرآن قسمان: خبر وإنشاء. والخبر قسمان: خبر عن الخالق، وخبر عن المخلوق. فهذه ثلاثة وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق، فهي بهذا الاعتبار ثلث القرآن.
فائدة: في أي آية في القرآن أرجى **** لقسم عد الآي ****
اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا:
الأول: آية الدين ومأخذه أن الله تعالى أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أن أمرهم بكتابة الدين الكبير والحقير فبمقتضى ذلك يرجى عفو الله تعالى عنهم لظهور أمر العناية العظيمة بهم حتى في مصلحتهم الحقيرة.
الثاني: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} وهذا رواه مسلم في الصحيح أثر حديث الإفك عن الإمام الجليل عبد الله بن المبارك.
الثالث: قال الشبلي: في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}
فالله تعالى لما أذن الكافرين بدخول الباكل إذا أتوا بالتوحيد والشهادة أتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها
الرابع: قوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ}.
الخامس: قوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
السادس: قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.
السابع: قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}.
الثامن: قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
حكى هذه الأقوال الخمسة الأخيرة الشيخ محيى الدين في رءوس المسائل.
التاسع: رأيت في مناقب الشافعي للإمام أبي محمد إسماعيل الهروي صاحب الحاكم بإسناده عن ابن عبد الحكم قال: سألت الشافعي: أي آية أرجى؟ قال: قوله تعالى: {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } قال: وسألته عن أرجى حديث للمؤمن؟ قال: حديث: ((إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فيذهب به إلى النار))
العاشر: والحادي عشر: روى الحاكم في مستدركه عن محمد بن المنكدر قال: التقى ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص، فقال ابن عباس: أي آية في كتاب الله أرجى عندك؟ فقال عبد الله بن عمرو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}. قال: لكن قول إبراهيم: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} هذا لما في الصدور من وسوسة الشيطان فرضي الله تعالى من إبراهيم بقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى}. وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال النحاس في سورة الأحقاف: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} فقال: إن هذه الآية من أرجى آية في القرآن إلا أن ابن عباس قال: أرجى آية في القرآن: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}.
وأما أخوف آية؛ فعن الإمام أبي حنيفة أنه قال هي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ولو قيل إنها {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} لكان له وجه ولهذا قال بعضهم: لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم). [البرهان في علوم القرآن: 1/438-448](م)

*** لعد الآي ؟ أسماء السور؟
كلام السيوطى: {
واختلف في تفاضل الآيات والسور على بعض:...}
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع الثالث والرابع والخامس والثمانون: أفضل القرآن وفاضله ومفضوله
هذه الأنواع من زيادتي، ويُشبهها من علم الحديث: الكلام على أصح الأسانيد.
واختلف في تفاضل الآيات والسور على بعض:
- فذهب كثيرون إلى القول به منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر ابن العربي، والشيخ عز الدين بن عبد السلام.
- وقال القرطبي: إنه الحق ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين.
- وقال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة بالتفصيل، قال البيهقي في شُعب الإيمان: قال الحليمي: ومعنى التفصيل يرجع إلى أشياء:
أحدها: أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس، وعلى هذا يقال: آيات الأمر والنهي، والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأنها إنما أُريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يُستغنون عن القصص، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيرا ًلهم مما يُجعل تبعاً لما لا بد منه.
الثاني: أن يقال: الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفصل، بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدراً وعلى هذا نحا ابن عبد السلام في قوله الآتي.
الثالث: أن يقال: إن سورة خير من سورة، أو آية خير من آية، يعني أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة، كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله، ويتأدى بتلاوتها عبادة لله لما فيها من ذكره سبحانه بالصفات العُلى عل سبيل الاعتقاد لها وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر.
وذهبت طائفة إلى أنه لا تفاضل لأن الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه.
ونُقل عن الأشعري والباقلاني وابن حبان ورُوي عن مالك وعلى الأول: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: القرآن على قسمين: فاضل: وهو كلام الله في الله ـ ومفضول وهو: كلامه عن غيره كقوله تعالى حكاية عن فرعون: {ما علمت لكم من إله غيري..} وكحكاياته عن الكفار ونحو ذلك.
قلت: بل هو ثلاثة أقسام: أفضل، وفاضل، ومفضول، لأن كلامه تعالى فيه بعض أفضل من بعض كتفضيل الفاتحة والإخلاص كما سنذكره.
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد المُعلى: أعظم سورة في القرآن الفاتحة، وكذا رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وأُبي وأحمد من حديث عبد الله بن جابر العبدي ولفظه: أخير سورة في القرآن.
وفي صحيح مسلم وغيره من طريق مرفوعاً: أعظم آية في القرآن آية الكرسي.
وروى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس: أعظم آية في القرآن البسملة.
وعند الترمذي: سيدة آي القرآن آية الكرسي، وسنام القرآن سورة البقرة، وقلب القرآن يس.
وكذا وردت أحاديث مشعرة بالتفضيل، ككون "الإخلاص" تعدل ثلث القرآن.
وذكر في حكمة ذلك: أن القرآن توحيد وأحكام ووعظ، وسورة الإخلاص فيها التوحيد كله.
وفي مسند عبد بن حميد: أن الفاتحة تعدل ثلثيه وفي المستدرك أحاديث: أن الزلزلة تعدل نصفه، والكافرين تعدل ربعه، والمعوذتين تعدل ثلثه، وألهاكم تعدل ألف آية وعند الترمذي: {إذا جاء نصر الله} تعدل ربعه). [التحبير في علم التفسير:305-309]
كلام السيوطى: {...اختلف الناس هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟...}
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ):
(النوع الثالث والسبعون
في: أفضل القرآن وفاضله

اختلف الناس هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟
- فذهب الإمام أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر الباقلاني وابن حبان إلى المنع؛ لأن الجميع كلام الله، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه
وروي هذا القول عن مالك، قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها.
- وقال ابن حبان في حديث أبي بن كعب "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن": إن الله لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي القارئ أم القرآن؛ إذ الله سبحانه وتعالى بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه. قال: وقوله "أعظم سورة" أراد به الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
- وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث، منهم إسحاق بن راهوية وأبو بكر بن العربي والغزالي.
- وقال القرطبي: إنه الحق ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين.
- وقال الغزالي في جواهر القرآن: لعلك أن تقول قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض، والكلام كلام الله، فكيف يفارق بعضها بعضا وكيف يكون بعضها أشرف من بعض، فاعلم أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت، وترتاع على اعتقاد الفرق نفسك الخوارة المستغرقة بالتقليد؛ فقلد صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فهو الذي أنزل عليه القرآن وقال: يس قلب القرآن، وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن، وآية الكرسي سيده آي القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، والأخبار الواردة في فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى. انتهى.
- وقال ابن الحصار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك مع النصوص الواردة بالتفضيل.
- وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، و{قل هو الله أحد} أفضل من {تبت يدا أبي لهب}.
- وقال الخويي: كلام الله أبلغ ن كلام المخلوقين، وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض الكلام؟ جوزه قوم لقصور نظرهم. وينبغي أن تعلم أن معنى قول القائل هذا الكلام أبلغ من هذا أن هذا في موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه.
قال: فإن من قال: إن {قل هو الله أحد} أبلغ من {تبت يدا أبي لهب} يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب، وبين التوحيد والدعاء على الكافر، وذلك غير صحيح بل ينبغي أن يقال: {تبت يدا أبي لهب} دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟! وكذلك في {قل هو الله أحد} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى {تبت يدا أبي لهب} في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى {قل هو الله أحد} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر. انتهى.
- وقال غيره: اختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم الفضل راجع إلى عظم الأجر، ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس، وخشيتها، وتدبرها، وتفكرها عند ورود أوصاف العلا.
- وقيل: بل يرجع لذات اللفظ، وأن ما تضمنه قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد} الآية، وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في {تبت يدا أبي لهب}، وما كان مثلها فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها.
- وقال الحليمي، ونقله عنه البيهقي: معنى التفضيل يرجع إلى أشياء:
أحدها: أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس.
وعلى هذا يقال آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خبر من آيات القصص؛ لأنها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول؛ خيرا لهم مما يجعل تبعا لما لا بد منه.
الثاني: أن يقال الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل؛ بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرا.
الثالث: أن يقال سورة خير من سورة، أو آية خير من آية؛ بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله، ويتأدى بتلاوتها عبادة الله لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها، وسكون النفس إلى فضل ذلك بالذكر وبركته.
فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم.
ثم لو قيل في الجملة إن: القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور؛ بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والثواب بحسب قراءته، لا بقراءتها أو أنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث، وتلك الكتب لم تكن معجزة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها لكان ذلك أيضا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة لأن الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا، كما يقال إن يوما أفضل من يوم وشهرا أفضل من شهر؛ بمعنى العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره، والذنب فيه أعظم منه في غيره، وكما يقال إن الحرم أفضل من الحل؛ لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره، والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره. انتهى كلام الحليمي.
- وقال ابن التين في حديث البخاري ((لأعلمنك سورة هي أعظم السور)): معناه أن ثوابها أعظم من غيرها.
- وقال غيره: إنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن؛ ولذلك سميت أم القرآن.
- وقال الحسن البصري إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علوم القرآن الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة. أخرجه البيهقي.
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله تعالى بما هو أهله وعلى التعبد بالأمر والنهي وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخلو عن أحد هذه الأمور
- وقال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر لله تعالى فقوله: {الحمد لله رب العالمين} يدل على الإلهيات وقوله: {مالك يوم الدين} يدل على المعاد وقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} يدل على نفي الجبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وهذه السورة مشتملة عليها؛ سميت أم القرآن.
- وقال البيضاوي: هي مشتملة على الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء، ومنازل الأشقياء.
- وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته، وإليها الإشارة بقوله: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم}، ومعرفة النبوة وهي المرادة بقوله: {أنعمت عليهم}، ومعرفة المعاد وهو المومئ إليه قوله: {مالك يوم الدين}.
وثانيها: علم الفروع وأسه العبادات، وهو المراد بقوله: {إياك نعبد}.
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال، وهو علم الأخلاق، وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقه والاستقامة فيها، وإليه الإشارة بقوله: {وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}.
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وهو
المراد بقوله: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
- وقال الغزالي: مقاصد القرآن سنة، ثلاثة مهمة، وثلاثة متمة:
الأولى: تعريف المدعو إليه كما أشير إليه بصدرها، وتعريف الصراط المستقيم وقد صرح به فيها، وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهو الآخرة، كما أشير إليه بـ {مالك يوم الدين}.
والأخرى: تعريف أحوال المطيعين كما أشير إليه بقوله: {الذين أنعمت عليهم}، وحكاية أقوال الجاحدين وقد أشير إليها بـ {المغضوب عليهم ولا الضالين}، وتعريف منازل الطريق كما أشير إليه بقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}. انتهى.
ولا ينافي هذا وصفها في الحديث الآخر بكونها ثلثي القرآن؛ لأن بعضهم وجهه بأن دلالات القرآن الكريم إما أن تكون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام، وهذه السورة تدل على جميع مقاصد القرآن بالتضمن والالتزام دون المطابقة والاثنان من الثلاثة ثلثان. ذكره الزركشي في شرح التنبيه وناصر الدين بن الميلق. قال: وأيضا الحقوق ثلاثة: حق الله على عباده، وحق العباد على الله، وحق بعض العباد على بعض، وقد اشتملت الفاتحة صريحا على الحقين الأولين فناسب كونها بصريحها ثلثين.
وحديث [قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين] شاهد لذلك.
- قلت: ولا تنافي أيضا بين كون الفاتحة أعظم السور، وبين الحديث الآخر أن البقرة أعظم السور؛ لأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام، وضربت الأمثال وأقيمت الحجج؛ إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه ولذلك سميت فسطاط القرآن.
- قال ابن العربي في أحكامه: سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، ولعظيم فقهها أقام ابن عمر ثماني سنين على تعليمها. أخرجه مالك في الموطأ.
- وقال ابن العربي أيضا: إنما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها؛ فإن الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه وتعلقاته، وهي في آي القرآن كسورة الإخلاص في سورة إلا أن سورة الإخلاص تفضلها بوجهين:
أحدهما: أنها سورة، وهذه آية والسورة أعظم؛ لأنه وقع التحدي بها فهي أفضل من الآية التي لم يتحد بها.
والثاني: أن سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا، وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا، فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبر عنه بخمسين حرفا ثم يعبر عنه بخمسة عشر وذلك بيان لعظيم القدرة والانفراد بالوحدانية.
- وقال ابن المنير: اشتملت آية الكرسي على ما لم تشمل عليه آية من أسماء الله تعالى؛ وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض وهي: {الله}، {هو}، {الحي}، {القيوم}، ضمير {لا تأخذه}، و{له}، و{عنده}، و{بإذنه}، و{يعلم}، و{علمه}، و{شاء}، و{كرسيه}، و{يؤوده}، ضمير {حفظهما} المستتر الذي هو فاعل المصدر، {وهو}، {العلي}، {العظيم}.
وإن عددت الضمائر المتحملة في {الحي القيوم}، {العلي العظيم}، والضمير المقدر قبل {الحي} على أحد الأعاريب صارت اثنين وعشرين.
- وقال الغزالي: إنما كانت آية الكرسي سيدة الآيات؛ لأنها اشتملت على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط، ليس فيها غير ذلك ومعرفة ذلك هي المقصد الأقصى في العلوم وما عداه تابع له.
* و"السيد" اسم للمتبوع المقدم فقوله: {الله} إشارة إلى الذات.
* {لا إله إلا هو}: إشارة إلى توحيد الذات.
* {الحي القيوم}: إشارة إلى صفة الذات وجلاله؛ فإن معنى {القيوم}: الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيره، وذلك غاية الجلال والعظمة.
* {لا تأخذه سنة ولا نوم}: تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة.
* {له ما في السموات وما في الأرض}: إشارة إلى الأفعال كلها وإن جميعها منه وإليه.
* {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}: إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وأن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والإذن فيها وهذا نفي الشركة عنه في الحكم والأمر.
* {يعلم ما بين أيديهم} إلى قوله {شاء}: إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات والانفراد بالعلم، حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته.
* {وسع كرسيه السموات والأرض}: إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته.
* {ولا يؤده حفظهما}: إشارة إلى صفة القدرة وكمالها، وتنزيهها عن الضعف والنقصان.
* {وهو العلي العظيم}: إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات.
فإذا تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة؛ فإن {شهد الله} فيها إلا التوحيد، وسورة الإخلاص ليس فيها إلا التوحيد والتقديس، و{قل اللهم مالك الملك} ليس فيها إلا الأفعال، والفاتحة فيها الثلاثة لكن غير مشروحة بل مرموزة، والثلاثة مجموعة مشروحة في آية الكرسي.
والذي يقرب منها في جمعها آخر الحشر، وأول الحديد، ولكنها آيات لا آية واحدة؛ فإذا قابلت آية الكرسي بإحدى تلك الآيات وجدتها أجمع للمقاصد فلذلك استحقت السيادة على الآي كيف وفيها {الحي القيوم}، وهو الاسم الأعظم، كما ورد به الخبر. انتهى كلام الغزالي.
ثم قال: إنما صلى الله عليه وسلم قال في الفاتحة أفضل، وفي آية الكرسي سيدة لسر؛ وهو أن الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل، فإن الفضل هو الزيادة، والأفضل هو الأزيد، وأما السؤدد فهو رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة، فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى، التي هي المقصودة المتبوعة التي يتبعها سائر المعارف؛ فكان اسم "السيد" بها أليق. انتهى.
ثم قال في حديث ((قلب القرآن يس)): إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك. واستحسنه الإمام فخر الدين.
- وقال النسفي: يمكن أن يقال إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة: الوحدانية، والرسالة، والحشر، وهو القدر الذي يتعلق بالقلب والجنان، وأما الذي باللسان وبالأركان ففي غير هذه السورة، فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبا؛ ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة، والأعضاء ساقطة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى، ورجع عما سواه؛ فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة. انتهى.
واختلف الناس في معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن:
= فقيل: كأنه صلى الله عليه وسلم سمع شخصا يكررها تكرار من "يقرأ ثلث القرآن" فخرج الجواب على هذا.
وفيه بعد عن ظاهر الحديث وسائر طرق الحديث ترده.
= وقيل: لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات، وسورة الإخلاص كلها صفات؛ فكانت ثلثا بهذا الاعتبار.
= وقال الغزالي في الجواهر: معارف القرآن المهمة ثلاثة: معرفة التوحيد، والصراط المستقيم، والآخرة ، وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثا.
وقال أيضا فيما نقله عنه الرازي: القرآن مشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته؛ إما صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل، وإما صفات الحكم.. فهذه ثلاثة أمور وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث.
= وقال الخويي: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان؛ وهي معرفة الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاد القيام بين يدي الله تعالى؛ فإن من عرف أن الله واحد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، وأن الدين واقع صار مؤمنا حقا ومن أنكر شيئا منها كفر قطعا، وهذه السورة تفيد الأصل الأول فهي ثلث القرآن من هذا الوجه.
= وقال غيره: القرآن قسمان: خبر وإنشاء، والخبر قسمان: خبر عن الخالق، وخبر عن المخلوق؛ فهذه ثلاثة أثلاث وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهي بهذا الاعتبار ثلث، وقيل تعدل في الثواب، وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنصر والكافرين. لكن ضعف ابن عقيل ذلك، وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن، لقوله ((من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات)).
= قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم. ثم أسند إلى إسحاق بن منصور: قلت لأحمد بن حنبل: قوله: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن ما وجهه؟ فلم يقل لي فيها على أمر، وقال لي إسحاق بن راهويه معناه أن: الله لما فضل كلامه على سائر الكلام، جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب، لمن قرأه تحريضا على تعليمه، لا أن من قرأ {قل هو الله أحد} ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه! هذا لا يستقيم، ولو قرأها مائتي مرة.
قال ابن عبد البر: فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة.
= وقال ابن الميلق في حديث إن الزلزلة نصف القرآن: لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، وهذه السورة تشتمل على أحكام
الآخرة كلها إجمالا، وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار.
وأما تسميتها في الحديث الآخر "ربعا" فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر)) فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.
وقال أيضا في سر كون {ألهاكم} تعدل ألف آية: إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن، وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن؛ فإنها فيما ذكره الغزالي ستة: ثلاث مهمة، وثلاث متمة.. وتقدمت، وأحدها: معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة، والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس.
وقال أيضا في سر كون سورة الكافرين ربعا وسورة الإخلاص ثلثا مع أن كلا منهما يسمى الإخلاص أن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه الكافرون.
وأيضا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود، وتقديسه، ونفي إلهية ما سواه، وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره، والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس؛ فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع. انتهى.
تذنيب
ذكر كثيرون في أثر أن الله جمع علوم الأولين والآخرين في الكتب الأربعة وعلومها في القرآن وعلومه في الفاتحة فزادوا علوم الفاتحة في البسملة وعلوم البسملة في بائها، ووجه بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الرب وذلك كمال المقصود. ذكره الإمام الرازي وابن النقيب في تفسيرهما). [الإتقان في علوم القرآن: 6/2139-2158]

رد مع اقتباس