عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ ورزقناهم من الطّيّبات فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (93)}
يخبر تعالى عمّا أنعم به على بني إسرائيل من النّعم الدّينيّة والدّنيويّة ف {مبوّأ صدقٍ} قيل: هو بلاد مصر والشّام، ممّا يلي بيت المقدس ونواحيه، فإنّ اللّه تعالى لمّا أهلك فرعون وجنوده استقرّت يد الدّولة الموسويّة على بلاد مصر بكمالها، كما قال اللّه تعالى: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [الأعراف: 137] وقال في الآية الأخرى: {فأخرجناهم من جنّاتٍ وعيونٍ وكنوزٍ ومقامٍ كريمٍ كذلك وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 57-59] ولكن استمرّوا مع موسى، عليه السّلام، طالبين إلى بلاد بيت المقدس [وهي بلاد الخليل عليه السّلام فاستمرّ موسى بمن معه طالبًا بيت المقدس] وكان فيه قومٌ من العمالقة، [فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة] فشرّدهم اللّه تعالى في التّيه أربعين سنةً، ومات فيه هارون، ثمّ، موسى، عليهما السّلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نونٍ، ففتح اللّه عليهم بيت المقدس، واستقرّت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصّر حينًا من الدّهر، ثمّ عادت إليهم، ثمّ أخذها ملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم مدّةً طويلةً، وبعث اللّه عيسى ابن مريم، عليه السّلام، في تلك المدّة، فاستعانت اليهود -قبّحهم اللّه -على معاداة عيسى، عليه السّلام، بملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم، وأوحوا إليهم أنّ هذا يفسد عليكم الرّعايا فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه اللّه إليه، وشبّه لهم بعض الحواريّين بمشيئة اللّه وقدره فأخذوه فصلبوه، واعتقدوا أنّه هو، {وما قتلوه يقينًا بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} [النّساء: 157، 158] ثمّ بعد المسيح، عليه السلام بنحو [من] ثلثمائة سنةٍ، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان -في دين النّصرانيّة، وكان فيلسوفًا قبل ذلك. فدخل في دين النّصارى قيل: تقيّةً، وقيل: حيلةً ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعةً وبدعًا أحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصّغار، والصّوامع والهياكل، والمعابد، والقلايات. وانتشر دين النّصرانيّة في ذلك الزّمان، واشتهر على ما فيه من تبديلٍ وتغييرٍ وتحريفٍ، ووضعٍ وكذبٍ، ومخالفةٍ لدين المسيح. ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلّا القليل من الرّهبان، فاتّخذوا لهم الصّوامع في البراري والمهامّة والقفار، واستحوذت يد النّصارى على مملكة الشّام والجزيرة وبلاد الرّوم، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينيّة، والقمامة، وبيت لحمٍ، وكنائس [بلاد] بيت المقدس، ومدن حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءاتٍ هائلةً محكمةً، وعبدوا الصّليب من حينئذٍ، وصلّوا إلى الشّرق، وصوّروا الكنائس، وأحلّوا لحم الخنزير، وغير ذلك ممّا أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة الحقيرة، الّتي يسمّونها الكبيرة، وصنّفوا له القوانين،
وبسط هذا يطول.
والغرض أنّ يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصّحابة، رضي اللّه عنهم، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، وللّه الحمد والمنّة.
وقوله: {ورزقناهم من الطّيّبات} أي: الحلال، من الرّزق الطّيّب النّافع المستطاب طبعًا وشرعًا.
وقوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم} أي: ما اختلفوا في شيءٍ من المسائل إلّا من بعد ما جاءهم العلم، أي: ولم يكن لهم أن يختلفوا، وقد بيّن اللّه لهم وأزال عنهم اللّبس. وقد ورد في الحديث: أنّ اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقةً، وأنّ النّصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقةً، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، منها واحدةٌ في الجنّة، وثنتان وسبعون في النّار. قيل: من هم يا رسول اللّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللّفظ، وهو في السّنن والمسانيد ولهذا قال اللّه تعالى: {إنّ ربّك يقضي بينهم} أي: يفصل بينهم {يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 294-296]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (94) ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين (95) إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم (97)}
قال قتادة بن دعامة: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا أشكّ ولا أسأل"
وكذا قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن البصريّ، وهذا فيه تثبيتٌ للأمّة، وإعلامٌ لهم أنّ صفة نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم موجودةٌ في الكتب المتقدّمة الّتي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} الآية [الأعراف: 157]. ثمّ مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرّفونه ويبدّلونه، ولا يؤمّنون به مع قيام الحجّة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} أي: لا يؤمنون إيمانًا ينفعهم، بل حين لا ينفع نفسًا إيمانها؛ ولهذا لمّا دعا موسى، عليه السّلام، على فرعون وملئه قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]، كما قال تعالى: {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 296]


رد مع اقتباس