عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين (85)}
قال محمّد بن إسحاق: هم من سلالة "مدين بن إبراهيم". وشعيبٌ هو ابن ميكيل بن يشجر قال: واسمه بالسّريانيّة: "يثرون".
قلت: وتطلق مدين على القبيلة، وعلى المدينة، وهي الّتي بقرب "معان" من طريق الحجاز، قال اللّه تعالى: {ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّةً من النّاس يسقون} [القصص: 23] وهم أصحاب الأيكة، كما سنذكره إن شاء اللّه، وبه الثّقة.
{قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره} هذه دعوة الرّسل كلّهم، {قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم}؛ أي: قد أقام اللّه الحجج والبيّنات على صدق ما جئتكم به. ثمّ وعظهم في معاملتهم النّاس بأن يوفوا المكيال والميزان، ولا يبخسوا النّاس أشياءهم، أي: لا يخونوا النّاس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسًا، كما قال تعالى: {ويلٌ للمطفّفين * الّذين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظنّ أولئك أنّهم مبعوثون * ليومٍ عظيمٍ يوم يقوم النّاس لربّ العالمين} [المطفّفين: 1-6] وهذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ، نسأل اللّه العافية منه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 446-447]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجًا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86) وإن كان طائفةٌ منكم آمنوا بالّذي أرسلت به وطائفةٌ لم يؤمنوا فاصبروا حتّى يحكم اللّه بيننا وهو خير الحاكمين (87)}
ثمّ قال تعالى إخبارًا عن شعيبٍ، الّذي يقال له: "خطيب الأنبياء"، لفصاحة عبارته، وجزالة موعظته {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجًا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86)} ينهاهم شعيبٌ، عليه السّلام، عن قطع الطّريق الحسّيّ والمعنويّ، بقوله: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون} أي: توعدون النّاس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم. قال السّدّيّ وغيره: كانوا عشّارين. وعن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنه] ومجاهدٍ وغير واحدٍ: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون} أي: تتوعّدون المؤمنين الآتين إلى شعيبٍ ليتّبعوه. والأوّل أظهر؛ لأنّه قال: {بكلّ صراطٍ} وهي الطّرق، وهذا الثّاني هو قوله: {وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجًا} أي: وتودّون أن تكون سبيل اللّه عوجًا مائلةً. {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم} أي: كنتم مستضعفين لقلّتكم فصرتم أعزّةً لكثرة عددكم، فاذكروا نعمة اللّه عليكم في ذلك، {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} أي: من الأمم الخالية والقرون الماضية، ما حلّ بهم من العذاب والنّكال باجترائهم على معاصي اللّه وتكذيب رسله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 447]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن كان طائفةٌ منكم آمنوا بالّذي أرسلت به وطائفةٌ لم يؤمنوا} أي: [قد] اختلفتم عليّ {فاصبروا} أي: انتظروا {حتّى يحكم اللّه بيننا} أي: يفصل، {وهو خير الحاكمين} فإنّه سيجعل العاقبة للمتّقين، والدّمار على الكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 447-448]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال الملأ الّذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا قال أولو كنّا كارهين (88) قد افترينا على اللّه كذبًا إن عدنا في ملّتكم بعد إذ نجّانا اللّه منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه ربّنا وسع ربّنا كلّ شيءٍ علمًا على اللّه توكّلنا ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين (89)}
هذا إخبارٌ من اللّه [تعالى] عمّا واجهت به الكفّار نبيّ اللّه شعيبًا ومن معه من المؤمنين، في توعّدهم إيّاه ومن معه بالنّفي من القرية، أو الإكراه على الرّجوع في ملّتهم والدّخول معهم فيما هم فيه. وهذا خطابٌ مع الرّسول والمراد أتباعه الّذين كانوا معه على الملّة.
وقوله: {أولو كنّا كارهين} يقول: أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنّا كارهين ما تدعونا إليه؟ فإنّا إن رجعنا إلى ملّتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه، فقد أعظمنا الفرية على اللّه في جعل الشّركاء معه أندادًا. وهذا تعبيرٌ منه عن أتباعه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 448]

تفسير قوله تعالى: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه ربّنا} وهذا ردٌّ إلى المشيئة، فإنّه يعلم كلّ شيءٍ، وقد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا، {على اللّه توكّلنا} أي: في أمورنا ما نأتي منها وما نذر {ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ} أي: افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، {وأنت خير الفاتحين} أي: خير الحاكمين، فإنّك العادل الّذي لا يجور أبدًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 448]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الملأ الّذين كفروا من قومه لئن اتّبعتم شعيبًا إنّكم إذًا لخاسرون (90) فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (91) الّذين كذّبوا شعيبًا كأن لم يغنوا فيها الّذين كذّبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين (92)}
يخبر تعالى عن شدّة كفر قوم شعيبٍ وتمرّدهم وعتوّهم، وما هم فيه من الضّلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحقّ، ولهذا أقسموا وقالوا: {لئن اتّبعتم شعيبًا إنّكم إذًا لخاسرون} فلهذا عقّب ذلك بقوله: {فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 449]

تفسير قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}
أخبر تعالى هاهنا أنّهم أخذتهم الرّجفة كما أرجفوا شعيبًا وأصحابه وتوعّدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة "هودٍ" فقال: {ولمّا جاء أمرنا نجّينا شعيبًا والّذين آمنوا معه برحمةٍ منّا وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}[هودٍ: 94] والمناسبة في ذلك -واللّه أعلم -أنّهم لمّا تهكّموا بنبيّ اللّه شعيبٍ في قولهم: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرّشيد} [هودٍ: 87] فجاءت الصّيحة فأسكتتهم.
وقال تعالى إخبارًا عنهم في سورة الشّعراء: {فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ} [الشّعراء: 189] وما ذاك إلّا لأنّهم قالوا له في سياق القصّة: {فأسقط علينا كسفًا من السّماء إن كنت من الصّادقين} [الشّعراء: 187] فأخبر أنّه أصابهم عذاب يوم الظّلّة، وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه: أصابهم عذاب يوم الظّلّة،" وهي سحابةٌ أظلّتهم فيها شررٌ من نارٍ ولهب ووهج عظيمٍ، ثمّ جاءتهم صيحةٌ من السّماء ورجفةٌ من الأرض شديدةٌ من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النّفوس وخمدت الأجساد، {فأصبحوا في دارهم جاثمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 448-449]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {كأن لم يغنوا فيها} أي: كأنّهم لمّا أصابتهم النّقمة لم يقيموا بديارهم الّتي أرادوا إجلاء الرّسول وصحبه منها.
ثمّ قال مقابلًا لقيلهم: {الّذين كذّبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 449]

تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم فكيف آسى على قومٍ كافرين (93)}
أي: فتولّى عنهم "شعيبٌ" عليه السّلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنّقمة والنّكال، وقال مقرّعًا لهم وموبّخًا: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم} أي: قد أديت إليكم ما أرسلت به، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به، ولهذا قال: {فكيف آسى على قومٍ كافرين}؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 449]


رد مع اقتباس