عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 03:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الكتاب" اسم جنس لجميع الكتب المنزلة، و"الميزان": العدل في تأويل أكثر المتأولين، وقال ابن زيد وغيره من المتأولين: أراد الموازين المصرفة بين الناس، وهذا خير من القول الأول، وقوله تعالى: {ليقوم الناس بالقسط} يقوي القول الأول.
وقوله تعالى: "وأنزلنا الحديد"، عبر تعالى عن خلقه واتخاذه بالإنزال، كما قال في الثمانية الأزواج من الأنعام وأيضا فإن الأمر بكون الأشياء لما كان يلقى من السماء، جعل الكل نزولا منها، وقال جمهور كثير من المفسرين: الحديد هنا أراد به جنسه من المعادن وغيرها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزل آدم عليه السلام من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة. قال حذاق من المفسرين: أراد به السلاح، ويترتب معنى الآية: فإن الله تعالى أخبر أنه أرسل رسلا، وأنزل كتبا وعدلا مشروعا، وسلاحا، يحارب بها من عاند ولم يهتد بهدي الله، فلم يبق عذر، وفي الآية -على هذا التأويل- حض على القتال وترغيب فيه، وقوله تعالى: {وليعلم الله من ينصره} يقوي هذا التأويل، ومعنى قوله تعالى: "وليعلم الله" أي: ليعلمه موجودا، فالتغير ليس في علم الله، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود، وقوله تعالى: "بالغيب" معناه: بما سمع من الأوصاف الغائبة فآمن بها لقيام الأدلة عليها، ثم وصف تبارك وتعالى نفسه بالقوة والعزة ليبين أنه لا حاجة به إلى النصرة لكنها نافعة من عظم بها نفسه من الناس). [المحرر الوجيز: 8/ 238-239]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى رسالة نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام تشريفا لهما بالذكر، ولأنهما من أول الرسل عليهم السلام، ثم ذكر تعالى نعمه على ذريتهما، وقوله تعالى: "والكتاب" يعني الكتب الأربعة أنهم مع ذلك منهم من فسق وعند، فكذلك -بل أحرى- جميع الناس ولذلك يشرع السلاح للقتال).[المحرر الوجيز: 8/ 239]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم}
"قفينا" معناه: جئنا بهم بعد الأولين، وهو مأخوذ من القفا، أي: جاء بالثاني في قفا الأول، فيجيء الأول بين يدي الثاني، ومنه القوافي التي تأتي أواخر أبيات الشعر، ثم ذكر تعالى عيسى عليه السلام تشريفا وتخصيصا، وقرأ الحسن: "الإنجيل" بفتح الهمزة، قال أبو الفتح: هذا مثال لا نظير له، و"رأفة ورحمة ورهبانية" مفعولات "جعلنا"، والجعل في هذه الآية بمعنى: الخلق، وقوله تعالى: "ابتدعوها" صفة لـ "رهبانية"، وخصها بأنها ابتدعت لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيهما، وأما الرهبانية فهي أفعال بدن مع شيء في القلب، ففيها موضع للتكسب، قال قتادة: الرأفة والرحمة من الله تعالى، والرهبانية هم ابتدعوها، والمراد بالرأفة والرحمة حب بعضهم في بعض وتوادهم، والمراد بالرهبانية رفض النساء واتخاذ الصوامع، والمعتزلة تعرب "رهبانية" أنها نصب بإضمار فعل يفسره "ابتدعوها" وليست بمعطوفة على الرأفة والرحمة، ويذهبون في ذلك إلى أن الإنسان يخلق أفعاله، فيعربون الآية على هذا، وكذلك أعربها أبو علي.
وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق: ففرقة قاتلت الملوك على الدين فغلبت وقتلت، وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه، ولم تقاتل، فأخذتها الملوك فنشرتها بالمناشير، وقتلوا، وفرقة خرجت إلى الفيافي وبنت الصوامع والديارات، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت وذاك وتسموا بالرهبان، واسمهم مأخوذ من الرهب وهو الخوف، فهذا هو ابتداعهم، ولم يعرض الله تعالى ذلك عليهم لكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله، هذا تأويل أبي أمامة وجماعة، وقال مجاهد: المعنى: كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله، فـ "كتب" -على هذا- بمعنى: قضى، ويحتمل اللفظ أن يكون المعنى: ما كتبناها عليهم إلا في عموم المندوبات; لأن ابتغاء رضوان الله تعالى بالقرب والنوافل مكتوب على كل أمة، فالاستثناء -على هذا الاحتمال- متصل.
واختلف الناس في الضمير الذي في قوله تعالى: {فما رعوها حق رعايتها}، من المراد به؟ فقيل: إن الذين ابتدعوا الرهبانية بأنفسهم لم يدوموا على ذلك ولا وفوه حقه، بل غيروا وبدلوا، قاله ابن زيد وغيره، والكلام سائغ وإن كان فيهم من رعى، أي: لم يرعوها بأجمعهم، وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتنقل وتطوع، أنه يلزمه أن يرعاه حق رعاية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: الضمير للملوك الذين حاربوهم وأجلوهم، وقال الضحاك وغيره: الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها، وباقي الآية بين، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "كتبناها عليهم لكن ابتدعوها").[المحرر الوجيز: 8/ 239-240]

رد مع اقتباس