عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 12:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} آية وعيد، التقدير: واذكر يوم نبعث ويرد شهيدا على كفرهم وإيمانهم، فـ "شهيد" بمعنى "شاهد"، وذكر الطبري أن المعنى: ثم ينكرونها اليوم، ويوم نبعث، أي: ينكرون كفرهم فيكذبهم الشهيد. وقوله: {ثم لا يؤذن} أي لا يؤذن للذين كفروا أي في المعذرة، وهذا في موطن دون موطن; لأن في القرآن أن كل نفس تأتي تجادل عن نفسها ويترتب أن تجيء كل نفس تجادل، فإذا استقرت أقوالهم بعث الله الشهود من الأمم فتكذب الكفار فلا يؤذن للكاذبين بعد في معذرة، ولا هم يستعتبون بمعنى: يعتبون، تقول: "عتبت الرجل" إذا كفيته ما عتب فيه، كما تقول: "أشكيته ما شكا"، كأنه قال: ولا هم يكفون ما يعتبون فيه ويشق عليهم، والعرب تقول: استفعل بمعنى أفعل، تقول: أدنيت الرجل واستدنيته، وقال قوم: لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا استعتاب معناه طلب عتباه، وقال الطبري: معناه: يطلبون الرجوع إلى الدنيا فلا يعطون فيقع منهم توبة عمل). [المحرر الوجيز: 5/396]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب}، أخبر الله تعالى في هذه الآية أن هؤلاء الكفرة الظالمين في كفرهم إذا أراهم الله عذاب النار وشارفوها وتحققوا كنه شدتها، فإن ذلك الأمر الهائل الذي نزل بهم لا يخفف بوجه ولا يؤخر عنهم، وإنما مقصد الآية الفرق بين ما يحل بهم وبين رزايا الدنيا، فإن الإنسان لا يتوقع أمرا من
[المحرر الوجيز: 5/396]
خطوب الدنيا إلا وله طمع في أن يتأخر عنه، وأن يجيئه في أخف ما يتوهم برجائه، وكذلك متى حل به كان طامعا في أن يخف، وقد يقع ذلك في خطوب الدنيا كثيرا، فأخبر الله تعالى أن عذاب الآخرة -إذا عاينه الكافر- لا طماعية فيه بتخفيف ولا تأخير). [المحرر الوجيز: 5/397]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}
أخبر سبحانه وتعالى أنهم إذا رأوا يوم القيامة بأبصارهم الأوثان والأصنام وكل معبود من دون الله -لأنها تحشر معهم توبيخا لهم على رؤوس الأشهاد- أشاروا إليهم وقالوا: هؤلاء كنا نعبدهم من دون الله، كأنهم أرادوا بذلك تذنيب المعبودين وإدخالهم في المعصية، وأضافوا الشركاء إلى أنفسهم من حيث هم جعلوهم شركاء، وهذا كما يصف رجل آخر بأنه خير فتقول له أنت: ما فعل خيرك؟ فأضفته إليه من حيث وصفه هو بتلك الصفة، والضمير في "القول" عائد على الشركاء، فمن كان من المعبودين من البشر ألقى القول المعهود بلسانه، وما كان من الجمادات تكلمت بقدرة الله بتكذيب المشركين في وصفهم بأنهم آلهة وشركاء لله، ففي هذا وقع الكذب لا في العبادة. وقال الطبري: المعنى: إنكم لكاذبون، ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فكأنهم كذبوهم في التذنيب لهم). [المحرر الوجيز: 5/397]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وألقوا إلى الله}، الضمير في "ألقوا" عائد على المشركين، والمعنى: ألقوا إليه الاستسلام، وألقوا ما بأيديهم وذلوا لحكمه ولم تكن لهم حيلة ولا دفع، و"السلم": الاستسلام، وقرأ الجمهور: "السلم" بفتح اللام، وروى يعقوب عن أبي عمرو سكون اللام، وقرأ مجاهد: "السلم" بضم السين واللام). [المحرر الوجيز: 5/397]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {الذين كفروا} الآية في ضمن قوله: {وضل عنهم ما كانوا يفترون} أنه
[المحرر الوجيز: 5/397]
حل بهم عذاب الله وباشروا نقمته، ثم فسره فأخبر أن الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الدخول في الدين وسلوك سبيل الله زادهم عذابا أجل من العذاب العام لجميع الكفار عقوبة على إفسادهم، فيحتمل أن يكون قوله: "الذين" بدلا من الضمير في "يفترون"، و"زدناهم" فعل مستأنف إخباره، ويحتمل أن يكون "الذين" ابتداء "زدناهم"، وروي في ذلك أن الله تعالى سلط عليهم عقارب وحيات لها أنياب كالنخل الطوال، قاله ابن مسعود، وقال عبيد بن عمير: حيات لها أنياب كالنخل، وعقارب كالبغال الدلم، ونحو هذا، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب، فيفر الكفار إلى السواحل من النار، فتتلقاهم هذه الحيات والعقارب، فيفرون منها إلى النار، فتتبعهم حتى تجد حر النار فترجع، قال: وهي في أسراب). [المحرر الوجيز: 5/398]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ويوم نبعث} الآية، في ضمنها وعيد، والمعنى: واذكر يوم نبعث في كل أمة شهيدا عليها، وهو رسولها الذي شاهد في الدنيا تكذيبها وكفرها، وإيمانها وهداها، ويجوز أن يبعث الله شهيدا من الصالحين مع الرسل، وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه، فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة.
قوله: {من أنفسهم} بحسب أن بعثة الرسل كذلك هي في الدنيا، وذلك أن الرسول الذي من نفس الأمة في اللسان والسيرة وفهم الأغراض والإشارات متمكن له إفهامهم والرد على معاندتهم، ولا يتمكن ذلك من غير من هو من الأمة، فلذلك لم يبعث الله نبيا قط إلا من الأمة المبعوث إليهم. وقوله: "هؤلاء" إشارة إلى هذه الأمة. و"الكتاب": القرآن، وقوله: "تبيانا" اسم وليس بمصدر، كالنقصان، والمصادر في مثل هذا التأويل منها مفتوحة كالترداد والتكرار، ونصب "تبيانا" على الحال، وقوله: {لكل شيء} مما نحتاج في الشرع ولا بد منه في الملة، كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين، وقال
[المحرر الوجيز: 5/398]
ابن مسعود رضي الله عنه: "أنزل في هذا القرآن كل علم، وكل شيء قد بين لنا في القرآن"، وتلا هذه الآية). [المحرر الوجيز: 5/399]

رد مع اقتباس