عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 18 محرم 1432هـ/24-12-2010م, 10:23 PM
مجاهدة مجاهدة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: مصر...أرض الكنانة
المشاركات: 1
افتراضي [الآيات من 93 إلى 101]

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه...}
يذكر في التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه، فلمّا برأ حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وكان أحبّ الطعام والشراب إليه). [معاني القرآن: 1/226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
قال تعالى: {كلّ الطّعام كان حلاًّ لّبني إسرائيل} لأنه يقال: "هذا حلالٌ" و: "هذا حلٌّ"، و"هذا حرام" و"هذا حرمٌ" ويقال {وحرامٌ على قريةٍ} [ويقال] {وحرمٌ على قرية} وتقول: "حرمٌ عليّكم ذاك" ولو قال: {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزا [ولو قال] {وحرمٌ على قريةٍ} كان جائزاً أيضاً). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({كلّ الطّعام كان حلًّا} أي: حلالا {لبني إسرائيل}.
ومثله: الحرم والحرام، واللّبس واللّباس. {إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه}، قالوا: لحوم الإبل). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كلّ الطّعام كان حلّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
موضع " ما " نصب، المعنى: إلا الطعام الذي حرّمه إسرائيل على نفسه.
ويروى: أنه وجد وجعا، وقيل في التفسير: إن ذلك الوجع كان عرق النساء فنذر إن أبرأه اللّه أن يترك أحبّ الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها، فحرم اللّه ذلك عليهم بمعاصيهم كما قال: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}.
وأعلم الله أن الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان من قبل أن تنزل التوراة، وفيه أعظم آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أنبأهم بأنهم يدعون أن في كتابهم ما ليس فيه، ودعاهم مع ذلك إلى أن يأتوا بكتابهم فيتلوه ليبين لهم كذبهم فأبوا.
فكان إباؤهم دليلا على علمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صدق فيما أنبأهم به، ولو أتوا بها لم يكونوا يخلون من أحد أمرين:
1- إما أن يزيدوا فيها ما ليس فيها في ذلك الوقت فيعلم بعضهم أنه قد زيد
2- أو ينزل اللّه بهم عقوبة تبين أمرهم، أو أن يأتوا بها على جملتها فيعلم بطلان دعواهم منها. فقصتهم في هذه الآية كقصة النصارى في المباهلة).
[معاني القرآن: 1/443-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة}
قال ابن عباس: كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى لئن برأ من ذلك لا أكل عرقا.
وقال مجاهد: الذي حرم على نفسه الأنعام.
قال عطاء: حرم لحوم الإبل وألبانها.
وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه إلى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند.
وقال الضحاك: قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله وأخبر أن إسرائيل حرمه على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ودعاهم إلى إحضارها فقال قل {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}). [معاني القرآن: 1/440-441]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: اختلق). [مجاز القرآن: 1/97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون} أي: من بعد ما ذكرنا من ظهور الحجة في افترائه: {فأولئك هم الظّالمون} ). [معاني القرآن: 1/444]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فمن افترى على الله الكذب} أي: كذب على الله - تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
قال الله {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً} نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حنيفا}: قالوا متبعا حجاجا وأنهم سموا بقوم كانوا يأتون الحج يسمون الحنفاء). [غريب القرآن وتفسيره:107-108]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{حنيفا} أي: مستقيما على الإسلام). [ياقوتة الصراط: 190]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حَنِيفاً}: الذي لا يرجع عن دينه). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس...}
يقول: إنّ أوّل مسجد وضع للناس {للّذي ببكّة} وإنما سمّيت بكّة لازدحام الناس بها؛ يقال: بكّ الناس بعضهم بعضا: إذا ازدحموا.
وقوله: {هدىً} موضع نصب متبعة للمبارك. ويقال إنما قيل: مباركا لأنه مغفرة للذنوب). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذي ببكّة}: هي اسم لبطن مكة، وذلك لأنهم يتباكّون فيها ويزدحمون). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى لّلعالمين}
قال تعالى: {إنّ أول بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة} فهذا خبر "إنّ".
ثم قال: {مباركاً} لأنه قد استغنى عن الخبر، وصار {مباركاً} نصبا على الحال.
{وهدىً لّلعالمين}
في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء).
[معاني القرآن: 1/177-178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بكة}
قال بعض المفسرون: إن موضع الطواف بكة لأنه يبك بعض الناس بعضا وهو الازدحام، واسم القرية مكة، ويقال بكة مأخوذ من بككت الرجل، أي: وضعت ورردت نخوته، وكأنها تضع من نخوة المتجبرين وأنشد الشاهد عن أبي عبدالله:

إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكة
{على شفا جرف}: حرف وشفا البئر حرفها). [غريب القرآن وتفسيره: 108]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {بكّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمّد راسه وسبّده، إذا استأصله. وشر لازم وزب.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ - {إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا وهدى للعالمين}
ويقال: بكة: موضع المسجد، ومكة: البلد حوله). [تفسير غريب القرآن:107-108]
قيل: إنه أول مسجد وضع للناس.
وقيل: إنه أول بيت وضع للحج.

ويقال: إنه البيت المعمور وأن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم، وإنه البيت العتيق. فأما بناؤه فلا شك أن إبراهيم بناه.
قال اللّه تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} أي يقولان: ربّنا تقبّل منّا.
فأما المقدس فسليمان بناه.
وخبر (إنّ) هو {للّذي ببكّة}
وهذه لام التوكيد، وقيل: إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة.
والإجماع أن: بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إليه، وهي البلدة، قال اللّه - عزّ وجلّ: {ببطن مكة} وقال: {للّذي ببكّة مباركا}.

فأما اشتقاقه في اللغة:
1-
فيصلح أن يكون الاسم اشتق من إليك، وهوبك الناس بعضهم بعضا في الطواف، أي: دفع بعضهم بعضا.
2- وقيل: إنما سميت ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.

ونصب {مباركا} على الحال.
المعنى: الذي بمكة في حال بركته.
{وهدى للعالمين} يجوز أن يكون {هدى للعالمين}: في موضع رفع.
المعنى: وهو هدى للعالمين.
فأما مكة - بالميم فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل من الباء، يقال: ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " أمتك الفصيل " ما في ضرع الناقة إذا مص مصا شديدا حتى لا يبقي فيه شيئا. فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها -
والقول الأول: أعني البدل أحسن.
ومعنى {أوّل} في اللغة: على الحقيقة ابتداء الشيء فجائز أن يكون المبتدأ له آخر، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع، وقولك: هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون بعده كسب، ولكن إرادتك: (هذا ابتداء كسبي).
ولو قال قائل: أول عبد أملكه فهو حرّ، فملك عبدا أعتق ذلك العبد، لأنه قد ابتدأ الملك فجائز أن يكون {أوّل بيت} هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره). [معاني القرآن: 1/444-446]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا}
قال أبو ذر: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الأرض أول؟ فقال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بيت المقدس)) قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد))
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال: سأل رجل عليا عن {أول بيت وضع للناس للذي ببكة} أهو أول بيت في الأرض؟ قال: لا ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وأن الله أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه أن ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس فنظرت موضع البيت.
قال أبو الحسن قال أبو بكر الخجوج: التي تخج في هبوبها، أي: تلتوي يقال خجت تخج ولو ضوعفت لقيل:
خجخجت والخجخجة توصف بها السرعة
وقال عطية: بكة موضع البيت ومكة ما حوليه.
وقال عكرمة: بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك.
والذي عليه أكثر أهل اللغة: بكة ومكة واحد، وأنه يجوز أن تكون: الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استأصله
وقال سعيد بن جبير: سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها.
وقال غيره: سميت بكة لأنها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء.
ويجوز أن يكون: من قولهم أمتك الفصيل الناقة إذا اشتد مصه إياها.
والأول: أحسن). [معاني القرآن: 1/441-444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَكَّةَ}: موضع الطواف). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فيه آياتٌ بيّناتٌ...}
يقال: الآيات المقام والحجر والحطيم، وقرأ ابن عباس "فيه آية بيّنة" جعل المقام هو الآية لا غير.
وقوله: {ومن كفر} يقول: من قال ليس عليّ حجّ فإنما يجحد بالكفر فرضه لا يتركه). [معاني القرآن: 1/227]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين}
قال تعالى: {فيه آياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم} فرفع {مّقام إبراهيم} لأنه يقول: {فيه آياتٌ بيّناتٌ} منها {مّقام إبراهيم} على الإضمار). [معاني القرآن: 1/178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال مجاهد في قوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين}: هو من إن حج لم يره برّا، وإن قعد لم ير قعوده مأثما). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
قد رويت عن ابن عباس أنّه قرأ "آية بينة مقام إبراهيم" جعل مقام إبراهيم هو الآية، والذي عليه الناس: {فيه آيات بيّنات} والمعنى: فيه آيات بينات، تلك الآيات:
1- مقام إبراهيم.
2- ومن الآيات أيضا: أمن من دخله، لأن معنى {ومن دخله كان آمنا} يدل على أن الأمن فيه.

فأما رفع {مقام إبراهيم} فعلى أن يكون على إضمار هي مقام إبراهيم.
قال النحويون، المعنى: فيها مقام إبراهيم وهذا كما شرحنا، ومعنى: أمن من دخله: أن إبراهيم عليه السلام سأل اللّه أن يؤمّن سكان مكة فقال: {رب اجعل هذا بلدا آمنا}.. فجعل اللّه عزّ وجلّ أمن مكة آية لإبراهيم وكان الناس يتخطفون حول مكة، قال اللّه: {أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف النّاس من حولهم} فكان الجبار إدا أراد مكة قصمه اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}
وكانت فارس قد سبت أهل بيت المقدس فأمّا أهل مكة فلم يطمع فيهم جبار.
ويقال: قد أمن الرجل يأمن أمنا وأمانا.
وقد رويت إمنا، والأكثر الأفصح: (أمن) بفتح الألف قال اللّه عزّ وجلّ {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت}.
يقرأ بفتح الحاء وكسر الحاء والأصل الفتح: يقال: حججت الشيء أحجه حجا إذا قصدته..
والحج اسم العمل - بكسر الحاء.
وقوله عزّ وجلّ: {من استطاع إليه سبيلا}.
موضع من خفض على البدل من " الناس " المعنى: وللّه على من استطاع من الناس حج البيت أن يحج.
وقوله جلّ وعزّ: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
قيل فيه غير قول:
1- قال بعضهم من كفر: من قال إن الحج غير مفترض.

2- وقال بعضهم: من أمكنه الحج فأخره إلى أن يموت، وهو قادر عليه فقد كفر.
3- وقيل: إنها إنما قيلت لليهود لأنهم قالوا: أن القصد إلى مكة غير واجب في حج أو صلاة.

فأما الأول: فمجمع عليه. ليس بين الأمة اختلاف في أن من قال: إن الحج غير واجب على من قدر عليه كافر). [معاني القرآن: 1/446-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم}
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة (فيه آية بينة)
وفسر ذلك مجاهد فقال: مقام إبراهيم الحرم كله، فذهب إلى أن من آياته الصفا والمروة والركن والمقام.
ومن قرأ {آيات بينات} فقرأته أبين لأن الصفا والمروة من الآيات ومنها أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا.
ومنها: أن الجارح يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه.
ومنها: أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين وإذا كان
ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان.
ومنها: أن الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد
والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها = وأندية ينتابها القول والفعل
فمعناه: فيهم أهل مقامات). [معاني القرآن: 1/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن دخله كان آمنا}
قال قتادة: ذلك من آيات الحرم أيضا.
وذا قول حسن لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل إليه جبار وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب ولم يصل إلى الحرم قال الله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}
وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه وإن أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه وقال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس.
وقال قوم: الأمان ههنا الصيد.
وأولاها القول الأول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله.
قال قتادة: وإنما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا). [معاني القرآن: 1/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}
قال الزبير: من وجد قوة وما يتحمل به.
وقال سعيد بن جبير: الزاد والراحلة.
وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله ما السبيل إليه؟ قال: ((الزاد والراحلة السبيل أصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل))،
فالمعنى عند أهل اللغة:
من استطاع إلى البيت وصولا كما قال إخبارا {يقولون هل إلى مرد من السبيل}.

ثم قال تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}
أكثر أهل التفسير على أن المعنى: من قال إن الحج ليس بواجب فقد كفر.
وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به)).
وقال الشعبي: السبيل ما يسره الله عز وجل.
وهذا من حسن ما قيل فيه، أي: على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق إلى الحج بغير مانع من زمانه أو عجز أو عدو أو تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشيء من هذه المعاني فلم يجد طريقا لأن الاستطاعة القدرة على الشيء فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع إليه السبيل
وأولى الأقوال في معنى {ومن كفر}: ومن جحد فرض الله لأنه عقيب فرض الحج). [معاني القرآن: 1/447-449]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {من آمن تبغونها عوجا...}
يريد السبيل فأنّثها، والمعنى تبغون لها. وكذلك {يبغونكم الفتنة}: يبغون لكم الفتنة.
والعرب يقولون: ابغني خادما فارها، يريدون: ابتغه لي، فإذا أرادوا: ابتغ معي وأعنّي على طلبه قالوا أبغني (ففتحوا الألف الأولى من بغيت، والثانية من أبغيت)
وكذلك يقولون: المسني نارا وألمسني، واحلبني وأحلبني، واحملني وأحملني،
واعكمني وأعكمني؛ فقوله: احلبني يريد: احلب لي؛ أي اكفني الحلب، وأحلبني: أعنّي عليه، وبقيته على مثل هذا). [معاني القرآن: 1/227-228]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تبغونها عوجاً}: مكسورة الأول، لأنه في الدّين، وكذلك في الكلام والعمل؛ فإذا كان في شيء قائمٍ نحو الحائط،
والجذع: فهو عوج مفتوح الأول.

{وأنتم شهداء}، أي: علماء به). [مجاز القرآن: 1/98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل يا أهل الكتاب لم تصدّون عن سبيل اللّه من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما اللّه بغافل عمّا تعملون}أي: تبغون لها العوج، يقال في الأمر والدين عوج وفي كل شيء مائل عوج، والعرب تقول: ابغني كذا وكذا، أي أطلبه لي، وتقول: أبغني كذا وكذا بفتح الألف تريد أعني على طلبه أي أطلبه معي كما تقول: أعكمني وأحلبني أي أعني على العكم والحلب.
ومعنى {وأنتم شهداء} أي: وأنتم تشهدون بما قد ثبت في نفوسكم أن أمر النبي حق واللّه غير غافل عن عملكم). [معاني القرآن: 1/447]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الّذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين} يعني: بالفريق الصنف، الذين كفروا، أي إن قلدتموهم ردوكم كافرين، أي: وإن كنتم على غير دينهم وكنتم في عقدكم ذلك كافرين فكذلك إن أطعتموهم أو اتبعتوهم فأنتم كافرون). [معاني القرآن: 1/448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}
قال قتادة: حذركموهم الله لأنهم غيروا كتابهم.
وفي الحديث: ((لا تصدقوا أهل الكتاب فيما لا تعرفون ولا تكذبوهم فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم)).). [معاني القرآن: 1/449-450]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن يعتصم باللّه} أي: يمتنع باللّه.
وأصل العصمة: المنع. ومنه يقال: عصمه الطعام، أي: منعه من الجوع).
[تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله ومن يعتصم باللّه فقد هدي إلى صراط مستقيم} أي: على أي حال يقع منكم الكفر وآيات اللّه التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - دالة على توحيد اللّه ونبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - تتلى عليكم وفيكم رسوله يبين لكم هذه الآيات.
وجائز أن يقال: فيكم رسوله والنبي شاهد.
وجائز أن يقال لنا: الآن فيكم رسول اللّه لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أتى به فينا وهو من الآيات العظام.

وقوله جلّ وعزّ: {ومن يعتصم باللّه} أي: من يمتنع باللّه، ويستمسك بحبل اللّه {فقد هدي إلى صراط مستقيم}.
و{يعتصم} جزم بمن. والجواب: {فقد هدي}، ومعنى: اعتصمت بكذا وكذا في اللغة: استمسكت وامتنعت به من غيره وكذلك {لا عاصم اليوم من أمر اللّه} ومعنى {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} أي: يمنعني من الماء أي لاذا عصمة ولاذا امتناع من اللّه). [معاني القرآن: 1/448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات لله وفيكم رسوله}
قال الأخفش سعيد بن مسعدة، معنى: كيف على أبي حال.
وقال غيره، معنى: وفيكم رسوله أي يبين لكم.
ويجوز أن تكون: هذه المخاطبة يدخل فيها من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأن آثاره وسنته بمنزلة مشاهدته .
ثم قال جل وعز: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} معنى: يعتصم يمتنع). [معاني القرآن: 1/450-451]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يعتصم} يمتنع.
وأصل العصمة: المنع).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]


رد مع اقتباس