عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 81 إلى 92]

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ...}
و{لما آتيتكم} قرأها يحيى بن وثّاب بكسر اللام؛ يريد أخذ الميثاق للذين آتاهم، ثم جعل قوله: {لتؤمننّ به} من الأخذ؛ كما تقول: أخذت ميثاقك لتعملنّ؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. ومن نصب اللام في (لما) جعل اللام لاما زائدة؛ إذ أوقعت على جزاء صيّر على جهة فعل وصيّر جواب الجزاء باللام وبإن وبلا ويما، فكأنّ اللام يمين؛ إذ صارت تلقى بجواب اليمين. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على ذلكم إصري} أي: عهدي). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم مّن الشّاهدين}
قال الله تعالى: {لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به} فاللام التي مع "ما" في أول الكلام هي لام الابتداء نحو "لزيدٌ أفضل منك"، لأن {ما آتيتكم} اسم والذي بعده صلة.
واللام التي في {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم كأنه قال "واللّه لتؤمننّ به" فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: "أما واللّه أن لو اجئتني لكان كذا وكذا"، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لتؤمننّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها.
جعل خبر {ما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ} {لتؤمننّ به} مثل "ما لعبد الله؟ واللّه لتأتينّه". وإن شئت جعلت خبر (ما) {من كتابٍ} تريد {لما آتيتكم كتابٌ وحكمةٌ} وتكون "من" زائدة).
[معاني القرآن: 1/175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إصري}: عهدي). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأخذتم على ذلكم إصري} أي: عهدي. وأصل الإصر الثّقل. فسمي العهد إصرا: لأنه يمنع من الأمر الذي أخذ له وثقّل وشدّد). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي عهدي، لأن العهد ثقل وَمَنْعٌ من الأمر الذي أخذ له). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
{والأغلال}: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك = ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل = سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي: قبلتم عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
موضع (إذ) نصب - المعنى - واللّه أعلم - واذكر في أقاصيصك {إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} - إلى قوله {لتؤمننّ به ولتنصرنّه}.
" ما " ههنا على ضربين: -
1-يصلح أن يكون للشرط.
2-والجزاء، وهو أجود الوجهين، لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته، واللام دخلت في ما كما تدخل في " إن " التي للجزاء إذا كان في جواب القسم، قال اللّه عزّ وجلّ:
{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}
وقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}.
فاللام في "إن " دخلت مؤكدة موطدة للام القسم. ولام القسم هي التي لليمين لأن قولك: واللّه لئن جئتني لأكرمنك... إنما حلفك على فعلك إلا أن الشرط معلق به فلذلك دخلت اللام على الشرط فإذا كانت ما في معنى الجزاء فموضعها نصب بقوله {لما آتيتكم} والجزاء قوله {لتؤمنن به}.
ويجوز أن يكون في معنى الذي ويكون موضعها رفعا.

المعنى أخذ اللّه ميثاقهم أي استحلفهم للذي آتيتكم، والمعنى آتيتكموه {لتؤمنن به} فتكون ما رفعا بالابتداء ويكون خبر الابتداء {لتؤمنن به} وحذفت الهاء من {لما آتيتكم} لطول الاسم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ: أنه عهد إلى كل رسول أن يؤمن بغيره من الرسل فصار العهد مشتملا على الجماعة أن يؤمن بعضهم ببعض وأن ينصر بعضهم بعضا.
ومعنى قوله {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} أي: فتبينوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي وشهادة اللّه للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات.
ويجوز - وقد قرئ به - {لما آتيتكم} فتكون اللام المكسورة معلقة بقوله أخذ المعنى أخذ الميثاق لآتيانكم الكتاب والحكمة.
وقرأ بعضهم {لما آتيناكم من كتاب وحكمة} أي: لما آتيناكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء - كما تقول: لما جئتني أكرمتك). [معاني القرآن: 1/436-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة}
قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء الآخر). [معاني القرآن: 1/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه}
قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه
وقرا ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وقال ابن عباس: إنما أخذ ميثاق النبيين على قومهم
وقال الكسائي: يجوز أن تكون {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} بمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين
وقال البصريون: إذا أخذ الله ميثاق النبيين فقد أخذ ميثاق الذين معهم لأنهم قد اتبعوهم وصدقوهم.
و"ما" بمعنى:
الذي
ويجوز أن تكون للشرط ويقرأ (لما) بكسر اللام فتكون ما أيضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرأ سعيد بن جبير (لما) بالتشديد). [معاني القرآن: 1/430-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري}
قال مجاهد: أي عهدي.
والإصر في اللغة: الثقل فسمي العهد إصرارا لأنه منع وتشديد

ثم قال تعالى: {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}أي: فبينوا لأن الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشيء). [معاني القرآن: 1/432]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إصري} أي: عهدي، وأصله الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِصْرِي}: عهدي). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
ذلك إشارة إلى أخذ الميثاق بالمعنى: {فمن تولى} أي: أعرض عن الإيمان بعد أخذ الميثاق على النبيين.
وأخذ الميثاق على النبيين مشتمل على: الأخذ على أممهم، أي: فمن تولى بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - {فأولئك هم الفاسقون} أي: الذين خرجوا عن القصد وعن جملة الإيمان.
ويصلح أن تكون {هم} ههنا اسما مبتدأ، و {الفاسقون} خبره و "هم" " مع " الفاسقون خبر أولئك.
وصلح أن يكون {الفاسقون} مرتفعا بأولئك " وهم " فصل - وهو الذي يسميه الكوفيون العماد). [معاني القرآن: 1/438]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
أسلم أهل السموات طوعا، وأما أهل الأرض فإنهم لمّا كانت السّنّة فيهم أن يقاتلوا إن لم يسلموا أسلموا طوعا وكرها). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي: يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}أي: أفغير دين اللّه يطلبون، لأنه قد بين أنه دين اللّه وأنهم كفروا وعاندوا وحسدوا بغيا - كما فعل إبليس.
وقوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها}.
جاء في التفسير: أنه أسلم من في السّماوات كلهم طوعا، وأسلم بعض من في الأرض طوعا وبعض كرها.
لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.
ويجوز أن يكون واللّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها - أي: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا
يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
{وإليه يرجعون} يدل على تصديق هذا القول لأن المعنى إنّه بدأكم على إرادته شئتم أو أبيتم.
وهو يبعثكم كما بدأكم.
فالتأويل: أتبغون غير الدين الذي هذه صفته). [معاني القرآن: 1/438-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {أفغير دين الله تبغون}أي: تطلبونن فالمعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
ومن قرأ (يبغون) بالياء فالكلام عنده متناسق لأن قبله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}فالمعنى: أفغير دين الله يبغي هؤلاء). [معاني القرآن: 1/432-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}
معنى {وله أسلم}: خضع ثم قال {طوعا وكرها} قيل لما كانت السنة فيمن خالف أن يقاتل سمي إسلامه كرها وإن كان طوعا لأن سببه القتال). [معاني القرآن: 1/433]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم أمر اللّه - عز وجل - النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته أن يقولوا آمنا باللّه وما أنزل علينا، وأن يقولوا ويعتقدوا إنهم لا يفرقون بين جميع الرسل في الإيمان بهم. لا يكفرون ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى، وأعلم اللّه أنه لا يقبل دينا غير دين الإسلام ولا عملا إلا من أهله). [معاني القرآن: 1/439]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (فقال عز وجلّ: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
{يبتغ} جزم بمن - وقوله: {فلن يقبل منه} الجواب.
ومعنى {من الخاسرين} أي: ممن خسر عمله، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}). [معاني القرآن: 1/439]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} أي: من يطلب). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
يقال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم أرادوا الرجوع إلى الإسلام ونيّتهم الكفر.
فأعلم اللّه أنّه لا جهة لهدايتهم لأنهم قد استحقوا أن يضلوا بكفرهم، لأنهم قد كفروا بعد البينات التي هي دليل على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إنها نزلت في اليهود لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا - قبل مبعثه - مؤمنين.

وكانوا يشهدون بالنبوة له فلما بعث عليه السلام - وجاءهم بالآيات المعجزات وأنبأهم بما في كتبهم مما لا يقدرون على دفعه، وهو - أمّيّ - كفروا به بغيا وحسدا، فأعلم اللّه أن جزاءهم اللعنة، فقال: {أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}). [معاني القرآن: 1/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم}
روى داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من الأنصار ارتد.
قال مجاهد: هو الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
قال ابن عباس: فأسلم.
وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا). [معاني القرآن: 1/433-434]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
ومعنى لعن الناس {أجمعين}: لهم أن بعضهم يوم القيامة يلعن بعضا ومن خالفهم يلعنهم، وتأويل لعنة اللّه لهم: تبعيده إياهم من رحمته وثنائه عليهم بكفرهم). [معاني القرآن: 1/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قال الله عز وجل: {أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}
فإن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم؟ ففي هذا أجوبة
أحدهما: أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة.
وجواب آخر: وهو أنه يعني بالناس المسلمين.
وقيل: وهو أحسنها إن الناس جميعا يلعنونهم لأنهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}
ثم قال تعالى: {خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة}). [معاني القرآن: 1/434-435]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}
ومعنى {خالدين فيها أبدا}أي: فيما توجبه اللعنة أي في عذاب اللعنة {لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي: لا يؤخرون عن الوقت). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم}أي: أظهروا أنهم كانوا على ضلال وأصلحوا ما كانوا أفسدوه وغرّوا به من اتبعهم ممن لا علم عنده {فإنّ اللّه غفور رحيم} أعلم اللّه عزّ وجلّ أن من سعة رحمته وتفضله أن يغفو لمن اجترأ عليه هذا الاجتراء لأن هذا ما لا غاية بعده، وهو أنه كفر بعد تبين الحق). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}
يقال في التفسير: أن هؤلاء هم النفر الذين ارتدوا بعد إسلامهم ثم أظهروا أنهم يريدون الرجوع إلى الإسلام، فأظهر اللّه أمرهم لأنهم كانوا يظهرون أنهم يرجعون إلى الإسلام وعندهم الكفر - والدليل على ذلك - قوله - عزّ وجلّ: {وأولئك هم الضّالّون} لأنهم لو حققوا في التوبة لكانوا غير معتدين، ويدل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} لأن الكافر الذي يعتقد الكفر ويظهر الإيمان عند اللّه كمظهر الكفر لأن الإيمان هو التصديق والتصديق لا يكون إلا بالنية). [معاني القرآن: 1/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}
قال أبو العالية: هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا.
وقال غيره: نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم.
فالمعنى: أنهم أظهروا التوبة أيضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل: {وأولئك هم الضالون} ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون.
ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن أبي العالية.
ويجوز أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الكفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/435-436]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً...}
نصبت الذهب لأنه مفسّر لا يأتي مثله إلا نكرة، فخرج نصبه كنصب قولك: عندي عشرون درهما، ولك خيرهما كبشا. ومثله قوله: {أو عدل ذلك صياماً}
وإنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله، مثل ملء الأرض، أو عدل ذلك، فالعدل مقدار معروف، وملء الأرض مقدار معروف، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شيء له قدر؛ كقولك: عندي قدر قفيز دقيقا، وقدر حملةٍ تبنا، وقدر رطلين عسلا، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسّرا؛ لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أي شيء هو؛ كما أنك إذا قلت: عندي عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره، وجهل جنسه وبقي تفسيره، فصار هذا مفسّرا عنه، فلذلك نصب. ولو رفعته على الاستئناف لجاز؛ كما تقول: عندي عشرون، ثم تقول بعد: رجالٌ، كذلك لو قلت: ملء الأرض، ثم قلت: ذهبٌ، تخبر على غير اتّصال.
وقوله: {ولو افتدى به} الواو ها هنا قد يستغنى عنها، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا وهو بمنزلة قوله: {وليكون من الموقنين} فالواو ها هنا كأن لها فعلا مضمرا بعدها). [معاني القرآن: 1/225-226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم مّن نّاصرين}
قال تعالى: {مّلء الأرض ذهباً} مهموزة من "ملأت" وانتصب {ذهبا} كما تقول: "لي مثلك رجلاً" أي: لي مثلك من الرجال، وذلك لأنك شغلت الإضافة بالاسم الذي دون "الذهب" وهو "الأرض" ثم جاء "الذهب" وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل، وهكذا تفسير الحال، لأنك إذا قلت: "جاء عبد الله راكباً" فقد شغلت الفعل بـ"عبد الله" وليس "راكب" من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره، وتفسير "هذا أحسن منك وجهاً"، لأن "الوجه" غير الكاف التي وقعت عليها "من" و"أحسن" في اللفظ إنما هو الذي تفضله فـ"الوجه" غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب المفعول به بعد الفاعل). [معاني القرآن: 1/176-177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
ومعنى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا}أي: لو عمل من الخير وقدم ملء الأرض ذهبا يتقرب به إلى اللّه لم ينفعه ذلك مع كفره.
قال أبو إسحاق: وكذلك لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه. فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه لا يثيبهم على أعمالهم بالخير ولا يقبل منهم الفداء من العذاب.
وقال بعض النحويين: أن الواو مسقطة - قال المعنى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به - وهذا غلط لأن الفائدة في الواو بينة وليست الواو مما يلغي.
يقال ملأت الشيء أملؤه ملئا، المصدر بالفتح لا غير - قال سيبويه والخليل: الملء - بفتح الميم - الفعل.
وتقول: هذا ملء هذا، أي: مقدار ما يملؤه.
كما يقال: رعيت رعيا والمال في الرعي فهذا فرق بين.
وقال بعض النحويين: يقال ملأت ملئا وملئا وهذا غلط بين لأن الموصوف ههنا إنه لو ملك مقدار ما يملأ الأرض ما قبل منه، وليس يقال. إن قدر أن يفعل، أي: أن يملأ الأرض، إنما المتقرب به الذهب الذي هو ملء الأرض، لا أن يملأ: يقال ملأت الشيء ملئا وقد ملئ فلان ملأ وهو مملوء إذا زكم والملأ أشراف القوم، وتقول أنت أملأ بهذا أي أثرى وأوثق، ورجل مليء بين الملاءة، يا هذا.
فأما ما يكتبه الكتاب، أنت المليّ بالياء فخطأ وهم مجمعون عليه، هذا غلط.
والملاءة التي تلبس، ممدود، والملاوة من الدهر القطعة الطويلة، ومن هذا قولهم. أبل جديدا وتمل حبيبا أي عش مع حبيبك دهرا طويلا.

و{ذهبا} منصوب على التمييز - قال سيبويه وجميع البصريين: إن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب وبين الملء أن يكون جرّا
وحقيقة تفسيره: أن المعنى ما يملؤه من الذهب وكذلك إذا قلت: عندي عشرون درهما أي ما يعادل هذا المقدار من الدراهم.
وجائز أن يكون - واللّه أعلم قوله - عزّ وجلّ -: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}يعني: اليهود لأنهم كانوا تائبين في وقت إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، فأعلم اللّه أن تلك التوبة وذلك الإيمان ليس بمقبول، لأنهم كفروا بعده وزادوا كفرا، فإن كفرهم بما كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتا بعد وقت زيادة في الكفر - وكذلك الإقامة عليه زيادة فيه). [معاني القرآن: 1/441-443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟
فيقول:نعم فيقال له: كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} إلى آخر الآية.
وقال بعض أهل اللغة: الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به.
وقال أهل النظر من النحويين: لا يجوز أن تكون الواو مقحمة لأنها تدل على معنى ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به والملء مقدار ما يملا الشيء والملأ بالفتح المصدر). [معاني القرآن: 1/436-438]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}
قال بعضهم: إن كل ما يتقرب به إلى اللّه من عمل خير فهو إنفاق.
وروي عن ابن عمر أنه اشترى جارية كان هويها فلمّا ملكها أعتقها ولم يصب منها، فقيل له: أعتقتها بعد أن كنت هويتها ولم تصب منها، فتلا هذه الآية {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا}.
وفعل ابن عمر هذا ينبغي أن يقتدي به الناس في أن لا يضنوا بجليل ما يملكونه في التقرب به إلى اللّه تعالى وقوله عزّ وجلّ: {وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}أي: فإن اللّه يجازي عليه لأنه قال: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره} فإذا عمله جوزي عليه.
وتأويل (ما) تأويل الشرط والجزاء، وموضعها نصب بـ " تنفقوا " المعنى: وأي شيء تنفقوا فإن اللّه عليم به والفاء جواب الجزاء). [معاني القرآن: 1/443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون: البر الجنة، يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر.
وقال غيرهما: البر العمل الصالح.
وفي الحديث: ((عليكم بالصدق فإنه يدعو إلى البر والبر يدعو إلى الجنة وإياكم والكذب فإنه يدعو إلى الفجور والفجور يدعو إلى النار))

وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة: أنا أتصدق بأرضي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بها على أقربائه فقسمها بين أبي وحسان.
وروي أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها إليه فلما رآها أعجب بها ثم أعتقها وقرأ {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}
وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه}.
ومعنى {حتى تنفقوا}:حتى تتصدقوا.
ثم قال تعالى: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}أي: إذا علمه جازى عليه). [معاني القرآن: 1/438-440]


رد مع اقتباس