عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:32 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى مخبرا عن الوليد إنّه فكّر وقدّر الآية، روى جمهور المفسرين أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه، ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد أن يقارب الإسلام، ودخل إلى أبي بكر الصديق مرارا، فجاءه أبو جهل فقال: يا وليد، أشعرت أن قريشا قد ذمتك بدخولك إلى ابن أبي قحافة وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه، فقد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولا يرضيهم، ففتنه أبو جهل فافتتن، وقال: افعل ذلك ثم فكر فيما عسى أن يقول في القرآن، فقال: أقول شعر ما هو بشعر، أقول هو كاهن؟ ما هو بكاهن، أقول هو سحرٌ يؤثر هو قول البشر، أي لبس منزل من عند الله قال أكثر المفسرين.
فقوله تعالى: فقتل كيف قدّر ثمّ قتل كيف قدّر هو دعاء عليه وتقبيح لحاله أي أنه ممن يستحق ذلك. وروي عن الزهري وجماعة غيره أن الوليد حاج أبا جهل وجماعة من قريش في أمر القرآن وقال: والله إن له لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لحياة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو ولا يعلى ونحو هذا من الكلام فخالفوه فقالوا له: هو شعر، فقال والله ما هو بشعر، ولقد عرفنا الشعر هزجه وبسيطه، قالوا: فهو كاهن، قال والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان وزمزمتهم، قالوا: هو مجنون، قال: والله ما هو بمجنون، ولقد رأينا المجنون وخنقه، قالوا: هو سحر، قال أما هذا فيشبه أنه سحر ويقول أقوال نفسه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيحتمل قوله تعالى: فقتل كيف قدّر أن يكون دعاء عليه على معنى تقبيح حاله، ويحتمل أن يكون دعاء مقتضاه استحسان منزعه الأول ومدحه القرآن، وفي نفيه الشعر والكهانة والجنون عنه فيجري هذا مجرى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جندل بن سهيل: «ويل أمه مسعر حرب»، ومجرى قول عبد الملك بن مروان: قاتل الله كثيرا كأنه رآنا حين قال كذا، وهذا معنى مشهور في كلام العرب، ثم وصف تعالى إدباره واستكباره وأنه ضل عند ذلك وكفر، وإذا قلنا إن ذلك دعاء على مستحسن فعله يجيء قوله تعالى: ثمّ نظر، معناه نظر فيما احتج به القرآن فرأى ما فيه من علو مرتبة محمد عليه السلام ف عبس لذلك وبسر أي قطب وقبض ما بين عينيه وأربد وجهه حسدا له فأدبر واستكبر، أي ارتكس في ضلاله وزال إقباله أولا ليهتدي ولحقته الكبرياء، وقال هذا سحر، ويؤثر معناه يروى ويحمل، أي يحمله محمد عن غيره، وعلى التأويل أن الدعاء عليه دعاء على مستقبح فعله يجيء قوله ثمّ نظر معنى معادا بعينه لأن فكّر وقدّر يقتضيه لكنه إخبار بترديده النظر في الأمر، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الوليد فقال له: انظر وفكر فلما فكر قال ما تقدم). [المحرر الوجيز: 8/ 456-458]

تفسير قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {سأصليه سقر (26) وما أدراك ما سقر (27) لا تبقي ولا تذر (28) لوّاحةٌ للبشر (29) عليها تسعة عشر (30) وما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكةً وما جعلنا عدّتهم إلاّ فتنةً للّذين كفروا ليستيقن الّذين أوتوا الكتاب ويزداد الّذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الّذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الّذين في قلوبهم مرضٌ والكافرون ماذا أراد اللّه بهذا مثلاً}
سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي، و «أصليه» معناه أجعله فيها مباشرا لنارها). [المحرر الوجيز: 8/ 458]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما أدراك ما سقر هو على معنى التعجب من عظم أمرها وعذابها ثم بين ذلك بقوله لا تبقي ولا تذر). [المحرر الوجيز: 8/ 458]

تفسير قوله تعالى: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (المعنى: لا تبقي على من ألقي فيها، ولا تذر غاية من العذاب إلا وصلته إليها). [المحرر الوجيز: 8/ 458]

تفسير قوله تعالى: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لوّاحةٌ للبشر، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو رزين وجمهور الناس: معناه، مغيرة للبشرات، محرقة للجلود مسودة لها، و «البشر» جمع بشرة، وتقول العرب: لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسودته، وقال الشاعر [الأعشى]: [الخفيف]
لاحة الصيف والغيار وإشفا = ق على سقبة كقوس الضال
وأنشد أبو عبيدة: [الرجز]
... ... ... ... = يا ابنة عمي لاحني الهواجر
وقال الحسن وابن كيسان: لوّاحةٌ بناء مبالغة من لاح يلوح إذا ظهر، والمعنى أنها تظهر للناس وهم البشر من مسيرة خمسمائة عام، وذلك لعظمها وهولها وزفيرها. وقرأ عطية العوفي «لواحة» بالنصب). [المحرر الوجيز: 8/ 458-459]

تفسير قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: عليها تسعة عشر ابتداء وخبره مقدم في المجرور، ولا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها، وقد قال بعض الناس: إنهم على عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم لأن بها تقووا، وروي أن قريشا لما سمعت هذا كثر إلغاطهم فيه وقالوا: لو كان هذا حقا، فإن هذا العدد قليل، فقال أبو جهل: هؤلاء تسعة عشر، وأنتم الدهم، أفيعجز عشرة منا عن رجل منهم، وقال أبو الأشدي الجمحي: أنا أجهضهم على النار، إلى غير هذا من أقوالهم السخيفة، فنزلت في أبي جهل: أولى لك فأولى [القيامة: 34- 35] الآية، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن شبل «تسعة عشر» بسكون العين، وذلك لتوالي الحركات، وقرأ أنس بن مالك وأبو حيوة «تسعة عشر» برفع التاء، وروي عن أنس بن مالك أنه قرأ «تسعة أعشر»، وضعفها أبو حاتم). [المحرر الوجيز: 8/ 459]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما جعلنا أصحاب النّار إلّا ملائكةً تبيين لفساد أقوال قريش، أي إن جعلناهم خلقا لا قبل لأحد من الناس بهم وجعلنا عدتهم هذا القدر فتنة للكفار ليقع منهم من التعاطي والطمع في المبالغة ما وقع وليستيقن أهل الكتاب: التوراة والإنجيل أن هذا القرآن من عند الله، إذ هم يجدوه هذه العدة في كتبهم المنزلة التي لم يقرأها محمد صلى الله عليه وسلم ولا هو من أهلها، ولكن كتابه يصدق ما بين يديه من كتب الأنبياء إذ جميع ذلك حق يتعاضد منزل من عند الله، قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد وغيرهم، وبورود الحقائق من عند الله عز وجل يزداد كل ذي إيمان إيمانا ويزول الريب عن المصدقين من أهل الكتاب ومن المؤمنين، وقوله تعالى: وليقول الّذين في قلوبهم مرضٌ الآية، نوع من الفتنة لهذا الصنف المنافق أو الكافر، أي جاروا وضلوا ولم يهتدوا لقصد الحق فجعلوا يستفهم بعضهم بعضا عن مراد الله تعالى بهذا المثل استبعادا أن يكون هذا من عند الله، قال الحسين بن الفضل: السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق فإنما المرض في هذه الآية الاضطراب وضعف الإيمان). [المحرر الوجيز: 8/ 460]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كذلك يضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربّك إلاّ هو وما هي إلاّ ذكرى للبشر (31) كلاّ والقمر (32) واللّيل إذ أدبر (33) والصّبح إذا أسفر (34) إنّها لإحدى الكبر (35) نذيراً للبشر (36) لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر (37) كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ (38) إلاّ أصحاب اليمين (39) في جنّاتٍ يتساءلون (40) عن المجرمين (41) ما سلككم في سقر (42)
قوله تعالى: كذلك يضلّ اللّه من يشاء أي بهذه الصفة وهذا الرّين على القلوب يضل، ثم أخبر
تعالى أنه يهدي من يشاء من المؤمنين لما ورد بذلك لعلمهم بالقدرة ووقوف عقولهم على كنه سلطان الله تعالى، فهم موقنون متصورون صحة ما أخبرت به الأنبياء وكتب الله تعالى، ثم قال: وما يعلم جنود ربّك إلّا هو إعلاما بأن الأمر كله لله سبحانه وأنه فوق ما يتوهم وأن الخبر إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها، والسماء كلها عامرة بأنواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم وطاعة لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة. وقوله تعالى: وما هي إلّا ذكرى للبشر قال مجاهد الضمير في قوله وما هي للنار المذكورة، أي يذكرها البشر فيخافونها فيطيعون الله تعالى. وقال بعض الحذاق. قوله تعالى: ما هي يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة، قال الثعلبي: وقيل وما هي، يراد نار الدنيا، أي إن هذه تذكرة للبشر بنار الآخرة). [المحرر الوجيز: 8/ 460-461]


رد مع اقتباس