عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 8 شعبان 1433هـ/27-06-2012م, 05:58 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

نسخ السنة بالكتاب
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر بعض هذه الأحاديث
قال أبو جعفرٍ: فمن ذلك: ما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن عمرة، عن عائشة قالت: «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ فنسخن خمسًا معلوماتٍ يحرّمن فتوفّي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهنّ ممّا يقرأ من القرآن»
فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنسٍ وهو راوي الحديث، ولم يروه عن عبد اللّه سواه وقال: رضعةٌ واحدةٌ تحرّم وأخذ بظاهر القرآن قال اللّه جلّ وعزّ {وأخواتكم من الرّضاعة} [النساء: 23]
وممّن تركه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ وأبو ثورٍ وقالا: «يحرّم ثلاث رضعاتٍ»؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
((لا تحرّم المصّة ولا المصّتان))
قال أبو جعفرٍ وفي الحديث لفظةٌ شديدة الإشكال وهي قولها: «فتوفّي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهنّ ممّا يقرأ من القرآن»
فقال بعض جلّة أصحاب الحديث: قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد اللّه بن أبي بكرٍ فلم يذكرا هذا فيه وهما القاسم بن محمّد بن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ
وممّن قال بهذا الحديث، وأنّه لا يحرّم إلّا خمس رضعاتٍ الشّافعيّ، فأمّا القول في تأويل «وهنّ ممّا يقرأ من القرآن» فقد ذكرنا ردّ من ردّه ومن صحّحه قال: الّذي يقرأ من القرآن {وأخواتكم من الرّضاعة} [النساء: 23]
فأمّا قول من قال: إنّ هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فعظيمٌ؛ لأنّه لو كان ممّا يقرأ لكانت عائشة رحمها اللّه قد نبّهت عليه ولكان قد نقل إلينا في المصاحف الّتي نقلها الجماعة الّذين لا يجوز عليهم الغلط وقد قال اللّه جلّ وعزّ {إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9] وقال جلّ وعزّ {إنّ علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] ولو كان بقي منه شيءٌ لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ممّا لم ينقل ناسخًا لما نقل فيبطل العمل بما نقل ونعوذ باللّه من هذا فإنّه كفرٌ
وممّا يشكل من هذا ما رواه اللّيث بن سعدٍ، عن يونس، عن الزّهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ قال:
قرأ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة {والنّجم إذا هوى} [النجم: 1] فلمّا بلغ {أفرأيتم اللّات والعزّى} [النجم: 19] قال: «فإنّ شفاعتهنّ ترتجى» فسها فلقيه المشركون والّذين في قلوبهم مرضٌ فسلّموا عليه وفرحوا فقال لهم: «إنّما ذلك
من الشّيطان» فأنزل اللّه جلّ وعزّ {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان} [الحج: 52] الآية
" وقال قتادة: قرأ «فإنّ شفاعتهنّ ترتجى وإنّهنّ لهنّ الغرانيق العلا»
قال أبو جعفرٍ: الحديثان منقطعان والكلام على التّأويل فيهما قريبٌ
فقال قومٌ: هذا على التّوبيخ أي تتوهّمون هذا وعندكم أنّ شفاعتهنّ ترتجى، ومثله {وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ} [الشعراء: 22]
وقيل: شفاعتهنّ ترتجى على قولكم، ومثله {فلمّا رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي} [الأنعام: 78] ومثله {أين شركائي} [النحل: 27] أي على قولكم
وقيل: المعنى والغرانيق العلا يعني الملائكة ترتجى شفاعتهم فسها، يدلّك على هذا الجواب
وقيل: إنّما قال جلّ وعزّ {ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] ولم يقل: إنّه قال كذا فيجوز أن يكون شيطانٌ من الجنّ ألقى هذا أو من الإنس
وممّا يشكل من هذا الحديث في أنّ قوله جلّ وعزّ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] نسخه {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} [البقرة: 286]
وهذا لا يجوز أن يقع فيه نسخٌ؛ لأنّه خبرٌ ولكنّ التّأويل في الحديث؛ لأنّ فيه لمّا أنزل اللّه جلّ وعزّ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] اشتدّ عليهم ووقع بقلوبهم منه شيءٌ عظيمٌ فنسخ ذلك {لا يكلّف
اللّه نفسًا إلّا وسعها} [البقرة: 286] أي نسخ ما وقع بقلوبهم أي أزاله ورفعه
ومن هذا المشكل قوله جلّ وعزّ {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} [الفرقان: 68] إلى {ومن يفعل ذلك يلق آثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا إلّا من تاب} [الفرقان: 69] ثمّ نسخه {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} [النساء: 93]
وهذا لا يقع فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ؛ لأنّه خبرً ولكنّ تأويله إن صحّ نزل بنسخته والآيتان واحدٌ يدلك على ذلك {وإنّي لغفّارٌ لمن تاب وآمن}
ومن هذا {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102]
قال عبد اللّه بن مسعودٍ: " نسخها {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} [التغابن: 16]
" أي نزل بنسختها وهما واحدٌ والدّليل على ذلك
قول ابن مسعودٍ: حقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى
قال أبو جعفرٍ: فهذا لا يجوز أن ينسخ؛ لأنّ النّاسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرّافع له المزيل حكمه، وهذه الأشياء تشرح بأكثر من هذا في مواضعها من السّور إن شاء اللّه ) . [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 445- 454]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (فأمّا جواز نسخ السنة بالقرآن ففيه اختلاف:
فمن منعه قال: السنة تبيّن القرآن، لقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} ولا يحسن أن يكون المبيّن ناسخًا للمبيّن؛ لأنه يوجب عدم البيان.
وعلى جوازه عامّة الفقهاء، ويقولون: المبيّن من السنة للقرآن لا ينسخ بالقرآن: لأنه بيانٌ للقرآن وإنما ينسخ القرآن من السنة ما كان أمرًا أو نهيًا.
وما كان غير مفسر للنص فإنما هو حكم على حياله.
وهذا مذهب مالك وجماعة من أهل المدينة وأكثر أهل العلم.
مثال ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد ثبت عنه أنه كان عاهد المشركين عام الحديبية أن يرد إليهم من جاءه من عندهم، فأنزل الله منع رد النساء، وقال {فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} فامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم- من رد النساء إليهم.
فنسخ القرآن ما فعله معهم من العهد
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:77-78]
قالَ جلالُ الدينِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (الضرب الثالث: ما كان ناسخاً لسنة، كآية القبلة، فإنها ناسخة لاستقبال بيت المقدس الثابت بالسنة ). [التحبير في علم التفسير: 255]


رد مع اقتباس