عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20 ذو القعدة 1431هـ/27-10-2010م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 37 إلى آخر السورة]

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: (والّذين يجتنبون كبير الإثم...)
قرأه يحيى بن وثاب "كبير": وفسر عن ابن عباس: أن كبير الإثم هو الشرك؛ فهذا موافق لمن قرأ: (كبير الإثم) بالتوحيد؛ وقرأ العوام: {كبائر الإثم والفواحش}؛ فيجعلون كبائر كأنه شيء عام، وهو في الأصل واحد؛ وكأني أستحبّ لمن قرأ: كبائر أن خفض الفواحش). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون}
موضع {الّذين} خفض صفة لقوله {للّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون}
و{كبائر الإثم}, قال بعضهم: كل ما وعد اللّه عليه النار فهو كبيرة.
وقيل: (الكبائر): من أول سورة النساء من قوله: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب}, إلى قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم}.
وقد قيل: الكبائر الشرك باللّه، وقتل النفس التي حرم اللّه، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، واستحلال الحرام). [معاني القرآن: 4/400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}
روي عن ابن عباس: {كبائر الإثم }: الشرك, ويقرأ: (كبير الإثم)
قال الحسن: (الكبائر): كل ما وعد الله -جل وعز- عليه النار.
وقيل: (الكبائر): كل ما وعد الله عليه النار, وأجمع المسلون على أنه من الكبائر, فقد أجمعوا على أن الخمر من الكبائر..
حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا أبو صالح, عن معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}: الإشراك, واليأس من روح الله, والأمن لمكر الله, ومنه عقوق الوالدين, وقتل النفس التي حرم الله, وقذف المحصنات, وأكل مال اليتيم , والفرار من الزحف, وأكل الربا, والسحر, والزنى, واليمين الغموس الفاجرة, والغلول, ومنع الزكاة المفروضة, وشهادة الزور, وكتمان الشهادة, وشرب الخمر, وترك الصلاة متعمدا, أو شيء مما افترض الله, ونقض العهد, وقطيعة الرحم. ). [معاني القرآن: 6/319-320]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({والّذين استجابوا لربّهم}: أجابوا.). [مجاز القرآن: 2/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأمرهم شورى بينهم}: أي: يتشاورون فيه.).[تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصّلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون}
{الذين} في موضع خفض أيضا، على معنى: وما عند اللّه خير وأبقى للذين آمنوا, وللذين استجابوا لربهم, وأقاموا الصلاة.
وقوله: {وأمرهم شورى بينهم} أي: لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه، وقيل إنه ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأحسن ما يحضرهم). [معاني القرآن: 4/400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} أي: يتشاورون). [معاني القرآن: 6/321]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شُورَى}: مشترك). [العمدة في غريب القرآن: 267]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}.
نزلت خاصة في أبي بكر الصديق (رحمه الله)، وذلك: أن رجلا من الأنصار وقع به عند رسول الله فسبّه، فلم يردد عليه أبو بكر؛ ولم ينه رسول الله صلى الله عليه الأنصاري؛ فأقبل عليه أبو بكر فرد عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كالمغضب, واتبعه أبو بكر فقال: يا رسول الله، ما صنعت بي أشدّ عليّ مما صنع بي, سبّني فلم تنهه, ورددت عليه , فقمت كالمغضب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الملك يرد عليه إذا سكتّ، فلما رددت عليه , رجع الملك، فوثبت معه)), فنزلت هذه الآية, وفسرها شريك, عن الأعمش, عن إبراهيم في قوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}، قالوا: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم للفساق, فيجترئوا عليهم.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
جاء في التفسير: أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.
وروي: أنها نزلت في أبي بكر الصديق.
فإن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهم أم لا؟.
قيل: هم محمودون؛ لأن من انتصر فأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما أمر اللّه به, فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم, ولا في قصاص؛ فهو مطيع للّه عزّ وجلّ، وكل مطيع محمود، وكذلك من اجتنب المعاصي؛ فهو محمود، ودليل ذلك قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
روى منصور, عن إبراهيم: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.). [معاني القرآن: 6/321]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء). [تأويل مشكل القرآن: 277](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين}
فالأولى: {سيئة}: في اللفظ , والمعنى، والثانية {سيئة} في اللفظ، عاملها ليس بمسيء، ولكنها سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء, فإنما يجازي السوء بمثله.
والمجازاة به غير سيّئة توجب ذنبا، وإنّما قيل لها: سيئة ليعلم أن الجارح, والجاني, يقتص منه بمقدار جنايته.
وهذا مثل قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}: تأويله كافئوه بمثله، وعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}
قال ابن أبي نجيح: إذا قال: أخزاه الله, قال له: أخزاه الله .
قال أبو جعفر: الأولى سيئة في اللفظ والمعنى , والثانية سيئة في اللفظ وليست في المعنى سيئة, ولا الذي عملها مسيء, وسميت سيئة لازدواج الكلام, ليعلم إنها جزاء على الأولى). [معاني القرآن: 6/321-322]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم مّن سبيلٍ}: نزلت أيضاً في أبي بكر). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
قال قتادة: هذا في القصاص, فأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه.
قال الحسن: ولمن انتصر بعد ظلمه, هذا إذا لم يكن ظلمه لا يصلح, أي: هذا فيما أباح الله الانتصار منه.
وقد روى يونس, عن الحسن في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: إذا لعن لعن, وإذا سب سب ما لم يكن حدا, أو كلمة لا تصلح). [معاني القرآن: 6/323]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ إنَّ ذلك لمن عزم الأمور }: ما عزمت عليه , قال الخثعمي:

عزمت على إقامة ذي صباحٍ = لشيءٍ ما يسوّد من يسود).
[مجاز القرآن: 2/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
وقال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}, أما اللام التي في {ولمن صبر} فلام الابتداء, وأما ذلك فمعناه -والله أعلم- أن ذلك منه لمن عزم الأمور.
وقد تقول:"مررت بدارٍ الذراع بدرهمٍ"؛ أي: الذراع منها بدرهمٍ, و: "مررت ببرٍّ قفيزٌ بدرهم"؛ أي: قفيزٌ منه.
وأما ابتداء "إن" في هذا الموضوع فكمثل {قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} يجوز ابتداء مثل هذا إذا طال الكلام في مثل هذا الموضع). [معاني القرآن: 4/11-12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
أي: الصابر يؤتى بصبره ثوابا, فكل من زادت رغبته في الثواب فهو أتمّ عزم، وقد قال بعض أهل اللغة: إن معنى قوله تعالى: {واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم}: أن منه القصاص, والعفو, فالعفو أحسنه). [معاني القرآن: 4/402]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ينظرون من طرفٍ خفيٍّ...}.
قال بعضهم: يخفونه من الذل الذي بهم، وقال بعضهم: نظروا إلى النار بقلوبهم، ولم يروها بأعينهم لأنهم يحشرون عمياً). [معاني القرآن: 3/25-26]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من طرفٍ خفيٍّ}: لا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها). [مجاز القرآن: 2/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرفٍ خفيٍّ وقال الّذين آمنوا إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إنّ الظّالمين في عذابٍ مّقيمٍ}
وقال: {ينظرون من طرفٍ خفيٍّ} جعل "الطرف" العين, كأنه قال "ونظرهم من عين ضعيفة" , والله أعلم .
وقال يونس: إن {من طرفٍ} مثل: "بطرفٍ" كما تقول العرب: "ضربته في السّيف" و"بالسّيف"). [معاني القرآن: 4/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ينظرون من طرفٍ خفيٍّ}: أي: قد غضوا أبصارهم من الذل). [تفسير غريب القرآن: 394]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرف خفيّ وقال الّذين آمنوا إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إنّ الظّالمين في عذاب مقيم}
{ينظرون من طرف خفي}: يعني ينظرون إلى النار من طرف خفي، قال بعضهم: إنهم يحشرون عميا, فيرون النار بقلوبهم إذا عرضوا عليها، وقيل ينظرون إليها مسارقة). [معاني القرآن: 4/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي}: أي: ينظرون إلى النار.
قال مجاهد: {خفي}: أي ذليل.
قال أبو جعفر: وقيل: ينظرون بقلوبهم, لأنهم يحشرون عميا.
وقول جل وعز: {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة}
قال قتادة: خسروا أهليهم الذين في الجنة, اعدوا لهم لو أطاعوا.
وقيل: لما كان المؤمنون يلحق بهم أهلوهم في الجنة, وكان الكفار لا يجتمعون معهم في خير, كانوا قد خسروهم قال الله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم}). [معاني القرآن: 6/323-324]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ}: أي قد غضوا أبصارهم من الذل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 220]

تفسير قوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {استجيبوا لربّكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من اللّه ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير}
{ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير}: أي: ليس لكم مخلص من العذاب، ولا تقدرون أن تنكروا ما تقفون عليه من ذنوبكم , ولا ما ينزل بكم من العذاب). [معاني القرآن: 4/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير}
- قال مجاهد: {من ملجأ} من محرز, و{من نكير} من ناصر.
- وقيل: {من ملجأ}: من مخلص من عذاب الله.
و{ما لكم من نكير}: أي: لا تقدرون أن تنكروا الذنوب .
التي توقفون عليها). [معاني القرآن: 6/324-325]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تصبهم سيّئةٌ...}.
وإنما ذكر قبلهم الإنسان مفرداً، والإنسان يكون واحداً، وفي معنى جمع فردّ الهاء والميم على التأويل، ومثل قوله: {وخلق الإنسان ضعيفاً} يراد به: كل الناس، ولذلك جاز فيه الاستثناء, وهو موحّد في اللفظ, كقول الله: {إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلا الذين آمنوا}، ومثله: {وكم مّن ملكٍ في السّماوات}, ثم قال: {لا تغني شفاعتهم}, وإنما ذكر ملكا؛ لأنه في تأويل جمع). [معاني القرآن: 3/26]

تفسير قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يهب لمن يشاء إناثاً...}.
محضاً لا ذكور فيهن، ويهب لمن يشاء الذكور محضاً لا إناث فيهم، أو يزوجهم يقول: يجعل بعضهم بنين، ويجعل بعضهم بنات ذلك التزويج في هذا الموضع. والعرب تقول: له بنون شطرة إذا كان نصفهم ذكوراً، ونصفهم إناثاً، ومعنى هذا -والله أعلم- كمعنى ما في كتاب الله). [معاني القرآن: 3/26]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ يهب لمن يشاء إناثاً }: أي أنثى, {ويهب لمن يشاء الذّكور}: أي: ذكراً). [مجاز القرآن: 2/201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور * أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنّه عليم قدير}
أي: ويجعل ما يهبه من الولد: ذكرانا, وإناثا). [معاني القرآن: 4/402](م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً}: أنثى وأنثى, وذكراً وذكراً, أو ذكراً و أنثى). [مجاز القرآن: 2/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً} :أي: يجعل بعضهم بنين، وبعضهم بنات, تقول العرب: زوجت إبلي، إذا قرنت بعضها ببعض, وزوجت الصغار بالكبار: إذا قرنت كبيرا بصغير). [تفسير غريب القرآن: 394]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور * أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنّه عليم قدير}
أي: ويجعل ما يهبه من الولد ذكرانا وإناثا.
فمعنى: {يزوّجهم ذكرانا وإناثا} أي: يقرنهم، وكل اثنين يقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، كل واحد منهما يقال له زوج.
تقول: عندي زوجان من الخفاف، يعني أن عندك من العدد اثنين أي خفين، وكذلك المرأة وزوجها زوجان.
وقوله: {ويجعل من يشاء عقيما} أي: يجعل المرأة عقيما، وهي التي لا تلد، وكذلك رجل عقيم أيضا لا يولد له، وكذلك الريح العقيم: التي لا يكون عنها مطر, ولا خير). [معاني القرآن: 4/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما}
قال عبيدة، وأبو مالك, والحسن، ومجاهد، والضحاك: والمقصود لفظ عبيدة, أي: يهب لمن يشاء ذكورا يولدون له ولا يولد له إناث, ويهب لمن يشاء إناثا يولدون له ولا يولد له ذكر, أو يزوجهم ذكرانا وإناثا يولد له ذكور ويولد له إناث, قال عبيدة: ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له.
قال أبو جعفر: يقال لكل اثنين مقترنين: زوجان, كل واحد منهما زوج, من ذلك: الرجل والمرأة, والخفان, والنعلان فمعنى: {يزوجهم ذكرانا وإناثا }: يقرنهم, أي يقرن لهم, كما قال: {والقمر قدرناه منازل}.
ويقال: زوجت إبلي صغيرها وكبيرها, أي: قرنت صغيرها مع كبيرها.
ويقال: رجل عقيم: لا يولد له, وامرأة عقيم: لا تلد, وريح عقيم: لا تأتي بمطر, ولا خير). [معاني القرآن: 6/325-326]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({أو يزوجهم}: أي: يقرنهم). [ياقوتة الصراط: 457]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً...}.
كما كان النبي صلى الله عليه يرى في منامه، ويلهمه، أو من وراء حجاب، كما كلّم موسى من وراء حجاب، أو يرسل رسولا ملكا من ملائكته, فيوحي بإذنه، ويكلم النبي بما يشاء الله, وذلك في قوله: {أو يرسل رسولا...}: الرفع, والنصب أجود ...
- رفع نافع المدينيّ، ونصبت العوام, ومن رفع {يرسل}, قال: {فيوحي}, مجزومة الياء). [معاني القرآن: 3/26]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أن يكلّمه اللّه إلّا وحياً}: في المنام، {أو من وراء حجابٍ}: كما كلم موسى عليه السلام، {أو يرسل رسولًا}: أي: ملكا، {فيوحي بإذنه ما يشاء}: فيكلمه عنه بما يشاء). [تفسير غريب القرآن: 394]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكتبوا: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}بالياء، {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} بالياء في الحرفين جميعا، كأنهما مضافان، ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة). [تأويل مشكل القرآن: 56-58](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قول من قال منهم: إن قوله للملائكة: {اسْجُدُوا لِآَدَمَ} إلهام، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي إلهاما- فما ننكر أنّ القولَ قد يُسَمَّى وحياً، والإيماء وحياً، والرمز بالشفتين والحاجبين وحياً، والإلهام وحياً. وكل شيء دللت به فقد أوحيت به، غير أنَّ إلهام النّحل تسخيرها لاتخاذ البيوت، وسلوك السّبل والأكل من كل الثمرات.
وقال العجّاج وذكر الأرض:
وَحَى لَها القَرارَ فاستقَرَّتِ
أي: سخّرها لأن تستقر، فاستقرت.
وأما قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فالوحي الأول: ما أراه الله تعالى الأنبياء في منامهم.
والكلام من وراء الحجاب: تكليمه موسى.
والكلام بالرسالة: إرساله الروح الأمين بالرّوح من أمره إلى من يشاء من عباده.
ولا يقال لمن ألهمه الله: كلّمه الله، لما أعلمتك من الفرق بين (الكلام) (والقول).
ولا يجوز أن يكون قوله للملائكة وإبليس، وطول مراجعته إياه في السّجود، والخروج من الجنة، والنّظرة إلى يوم البعث- إلهاما. هذا ما لا يعقل. وإن كان ذلك تسخيرا فكيف يسخّر لشيء يمتنع منه؟). [تأويل مشكل القرآن: 111-112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إعلام في المنام، كقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ}). [تأويل مشكل القرآن: 489-490]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنّه عليّ حكيم}
يقرأ: (أو يرسل) برفع {يرسل}, و(فيوحي) بإسكان الياء.
والتفسير: أن كلام الله للبشر إما أن يكون برسالة ملك إليهم كما أرسل إلى أنبيائه، أو من وراء حجاب كما كلم موسى عليه السلام، أو بإلهام يلهمهم.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى : {أو يرسل رسولا} بالنصب.
فقال:{يرسل} محمول على {أن يوحي}هذه التي في قوله أن يكلمه اللّه.
قال: لأن ذلك غير وجه الكلام لأنه يصرف المعنى: ما كان لبشر أن يرسل اللّه رسولا، وذلك غير جائز، لأن ما نرسل محمول على وحي.
المعنى: ماكان لبشر أن يكلمه اللّه إلا بأن يوحي, أوأن يرسل.
ويجوز الرفع في {يرسل} على معنى الحال، ويكون المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا موحيا, أو مرسلا رسولا كذلك كلامه إيّاهم.
قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل= تحية بينهم ضرب وجيع
ومثل قوله: (أو يرسل) بالنصب قوله الشاعر:
ولولا رجال من رزام أعزّة = وآل سبيع أو أسوءك علقما
والمعنى: أو أن أسوءك.
وقال: ويجوز أن يرفع (أو يرسل) على معنى: أو هو يرسل، وهذا قول الخليل, وسيبويه, وجميع من يوثق بعلمه). [معاني القرآن: 4/402-403]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء}
في المعنى قولان:
- فالذي عليه أهل التفسير ما قاله مجاهد, قال: {إلا وحيا}: أن ينفث في قلبه.
{أو من وراء حجاب}: كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم , {أو يرسل رسولا } كما أرسل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وإلى أشباهه.
- والقول الآخر: أن معنى: {إلا وحيا}: كما أوحي إلى الأنبياء صلى الله عليهم بإرسال جبريل صلى الله عليه, {أو من وراء حجاب}: كما كلم موسى, {أو يرسل رسولا}: إلى الناس عامة
ويقرأ: {أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه}: وهذا في موضع الحال, أي : الذي يقوم مقام الكلام ما ذكر, ويجوز أن يكون مقطوعا من الأول). [معاني القرآن: 6/326-327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِلَّا وَحْيًا}: أي: في المنام, {أو مِن وَرَاء حِجَابٍ}: كما كلم موسى عليه السلام, {أو يُرْسِلَ رَسُولًا}: أي: ملكاً, {فَيُوحِيَ}: إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" ما شاء الله مثل جبريل عليه السلام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 220]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً...}
يعني التنزيل، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يقول: جعلناه لاثنين؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تقول: إقبالك وإدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنها إرشاد بالدعاء، كقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، أي نبيّ يدعوهم.
وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}أي يدعون، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي تدعو).[تأويل مشكل القرآن: 443-444](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكلام الله: روح، لأنه حياة من الجهل وموت الكفر، قال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [غافر: 15]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}). [تأويل مشكل القرآن: 487](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله جلّ وعزّ: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم}
أي: فعلنا في الوحي اليك, كما فعلنا بالرسل من قبلك.
وموضع {كذلك} نصب بقوله {أوحينا}.
ومعنى {روحا من أمرنا}: ما نحيي به الخلق من أمرنا, أي: ما يهتدى به, فيكون حيّا.
- وقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا}, ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان.
- وقوله: {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم}، ويقرأ: (وإنّك لتهدي)، فمن قرأ (لتَهْدِي)، فالمعنى تهدي بما أوحينا إليك إلى صراط مستقيم، ويجوز أن يكون {لَتُهْدَى}مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمّته، فيكون المعنى: وإنك وأمتك لتهدون إلى صراط مستقيم، كما قال: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}, فهو بمنزلة: يا أيها الناس المؤمنون إذا طلقتم النساء). [معاني القرآن: 4/403-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}
قال ابن عباس: النبوة.
قال أبو جعفر: أي: وكذلك أوحينا إليك ما تحيا به النفوس, أي: ما تهتدي به.
وقال قتادة والحسن: {روحا من أمرنا}, أي: رحمة من عندنا.
وقوله جل وعز: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}: أي: بما أوحينا إليك.
وقال معلى: سمعت حوشبا يقرأ: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم}
وفي قراءة أبي: {وإنك لتدعو إلى صراط مستقيم}.
قال أبو جعفر: وهذا لا يقرا به لأنه مخالف للسواد, وإنما يحمل ما كان مثله على أنه من قائله على جهة التفسير, و كما قال سفيان في قوله جل وعز: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} أي: لتدعو.
وروى معمر, عن قتادة في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}, قال: لكل قوم هاد). [معاني القرآن: 6/328-329]

تفسير قوله تعالى: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({صراط اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض ألا إلى اللّه تصير الأمور}
وقال: {ألا إلى اللّه تصير الأمور} لأن الله تبارك وتعالى يتولى الأشياء دون خلقه يوم القيامة, وهو في الدنيا قد جعل بعض الأمور إليهم من الفقهاء, والسلطان, وأشباه ذلك). [معاني القرآن: 4/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكنى عن كل شيء: بالأمر، لأن كلّ شيء يكون فإنما يكون بأمر الله، فسميت الأشياء: أمورا، لأن الأمر سببها، يقول الله تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}). [تأويل مشكل القرآن: 515]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (
وقوله: {صراط اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض ألا إلى اللّه تصير الأمور}
{صراط اللّه}: خفض بدل من{صراط مستقيم}، المعنى: وإنّك لتهدي إلى صراط اللّه.
ويجوز (صراط اللّه) بالرفع، و (صراط اللّه) بالنصب.
ولا أعلم أحدا قرأ بهما, ولا بواحدة منهما، فلا تقرأنّ بواحدة منهما لأن القراءة سنّة, لا تخالف، وإن كان ما يقرأ به جائزا في النحو). [معاني القرآن: 4/404]


رد مع اقتباس