عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:06 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا}. هذه الآية في إنكارهم البعث، وهذا منهم تعجب وإنكار واستبعاد. و"الرفات" من الأشياء: ما مر عليه الزمن حتى بلغ به غاية البلى، وقربه من حالة التراب، يقال: رفت رفتا فهو مرفوت، وفعال بناءها لهذا المعنى، كالحطام والفتات والرضاض والدقاق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "رفاتا": غبارا، وقال مجاهد: ترابا.
واختلف القراء في هذين الاستفهامين، فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "أئذا، أئنا" جميعا بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة، ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مدة. وقرأ نافع الأولى مثل أبي عمرو، واختلف عنه في المد، وقرأ الثانية: "إنا" مكسورة على الخبر، ووافقه الكسائي في اكتفائه بالاستفهام الأول من الثاني، غير أنه كان يهمز بهمزتين، وقرأ عاصم، وحمزة: "أئذا كنا". "أئنا" بهمزتين فيهما، وقرأ ابن عامر: "إذا كنا" مكسورة الألف من غير استفهام "آئنا" يهمز ثم يمد ثم يهمز، وروي عنه مثل قراءة حمزة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي سورة الرعد توجيه هذه القراءات
و"جديد" صفة لما قرب حدوثه من الأشياء، وهكذا يوصف به المذكر والمؤنث، فيقال: ملحفة جديد، وقولهم: جديدة لغة ضعيفة، كذا قال سيبويه). [المحرر الوجيز: 5/491]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل كونوا حجارة أو حديدا} الآية. المعنى: قل لهم يا محمد: كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي لا بد من بعثكم. وقوله: "كونوا" هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز، من أنواع لفظة: افعل، وبهذه الآية مثل بعضهم، وفي هذا عندي نظر، وإنما التعجيز حيث يقضى بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب،
[المحرر الوجيز: 5/491]
كقوله تعالى: {فادرءوا عن أنفسكم الموت} ونحوه، وأما هذه الآية فمعناها: كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا، الذي فطركم كذلك هو يعيدكم). [المحرر الوجيز: 5/492]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقال مجاهد: أراد بالخلق الذي يكبر في الصدور السماوات والأرض والجبال. وقال ابن عباس، وعبد الله بن عمر، والحسن وابن جبير، والضحاك: أراد الموت، وقال قتادة ومجاهد: بل أحال على فطرتهم عموما، ورجحه الطبري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو الأصح; لأنه بدأ بشيء صلب، ثم تدرج القول إلى أقوى منه، ثم أحال على فطرتهم إن شاء، وفي أشد من الحديد فلا وجه للتخصيص بشيء دون شيء. ثم احتج عليهم عز وجل في الإعادة بالفطرة الأولى من حيث خلقهم واخترعهم من تراب، وكذلك يعيدهم إذا شاء، لا رب غيره. وقوله: "فسينغضون" معناه: يرفعون ويخفضون يريد على جهة التكذيب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: والاستهزاء. قال الزجاج: تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه، ومنه قول الشاعر:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا ... كأنما أبصر شيئا أطمعا
ويقال: نغضت السن إذا تحركت، وقال ذو الرمة:
ظعائن لم يسكن أكناف قرية ... بسيف ولم تنغض بهن القناطر
قال الطبري، وابن سلام: و"عسى" من الله واجبة، فالمعنى: وهو قريب.
[المحرر الوجيز: 5/492]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه إنما هي من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها بأمر الله تعالى له، فيقربها ذلك من الوجوب، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وفي ضمن اللفظة توعد لهم). [المحرر الوجيز: 5/493]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا}
"يوم": بدل من قوله تعالى: "قريبا"، ويظهر أن يكون المعنى: هو يوم، جوابا لقولهم: {متى هو} ويريد: يدعوكم من قبوركم بالنفخ في الصور ليقام الساعة. وقوله: {فتستجيبون} أي: بالقيام والعودة والنهوض نحو الدعوة، وقوله: "بحمده"، حكى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: معناه: بأمره، وكذلك قال ابن جريج، وقال قتادة: معناه: بطاعته ومعرفته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله تفسير لا يعطيه اللفظ، ولا شك أن جميع ذلك بأمر الله تعالى، وإنما معنى "بحمده": إما أن جميع العالمين -كما قال ابن جبير - يقومون وهم يحمدون الله تعالى ويمجدونه لما يظهر لهم من قدرته، وإما أن قوله: "بحمده" هو كما تقول لرجل إذا خاصمته أو حاورته في علم: قد أخطأت بحمد الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم في
[المحرر الوجيز: 5/493]
هذه الآيات: "عسى أن الساعة قريبة، يوم تدعون فتقومون، بخلاف ما تعتقدون الآن، وذلك بحمد الله على صدق خبري"، نحا هذا النحو الطبري، ولم يخلصه.
وقوله تعالى: {وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} يحتمل معنيين: أحدهما أنه أخبر أنهم لما رجعوا إلى حالة الحياة وتصرف الأجساد، وقع لهم ظن أنهم لم ينفصلوا عن حال الدنيا إلا قليلا، لمغيب علم مقدار الزمن عنهم; إذ من في الآخرة لا يقدر زمن الدنيا; إذ هم لا محالة أشد مفارقة لها من النائمين، وعلى هذا التأويل عول الطبري، واحتج بقوله تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم}. والمعنى الآخر أن يكون الظن بمعنى اليقين، فكأنه قال لهم: يوم تدعون فتستجيبون بحمد الله، وتتيقنون أنكم إنما لبثتم قليلا، من حيث هو منقض منحسر، وهذا كما يقال في الدنيا بأسرها: متاع قيل، فكأنه قلة قدر، على أن الظن بمعنى اليقين يقلق هاهنا; لأنه في شيء قد وقع. وإنما يجيء الظن بمعنى اليقين فيما لم يخرج بعد إلى الكون والوجود، وفي الكلام تقوية للبعث، كأنه يقول: أيها المكذب بالحشر الذي تعتقد أنك لا تبعث أبدا لا بد أن تدعى للبعث فتقوم وترى أنك إنما لبثت قليلا منقضيا منصرما، وحكى الطبري عن قتادة أنهم لما رأوا هول يوم القيامة احتقروا الدنيا فظنوا أنهم لبثوا فيها قليلا). [المحرر الوجيز: 5/494]

رد مع اقتباس