عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 75 إلى 80]

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك...}
كان الأعمش وعاصم يجزمان الهاء في يؤدّه، و"نولّه ما تولّى"، و"أرجه وأخاه"، و"خيرا يره"، و"شرا يره". وفيه لهما مذهبان؛
أمّا أحدهما: فإن القوم ظنّوا أن الجزم في الهاء، وإنما هو فيما قبل الهاء، فهذا وإن كان توهّما؛ خطأٌ.
وأمّا الآخر: فإن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها؛ فيقول ضربته ضربا شديدا، أو يترك الهاء إذ سكّنها وأصلها الرفع بمنزلة رأيتهم وأنتم؛ ألا ترى أن الميم سكنت وأصلها الرفع. ومن العرب من يحرّك الهاء حركة بلا واو، فيقول ضربته (بلا واو) ضربا شديدا.
والوجه الأكثر أن توصل بواو؛ فيقال كلمتهو كلاما، على هذا البناء، وقد قال الشاعر في حذف الواو:

أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن * قناعه مغطيّا فإنّي لمجتلى
وأمّا إذا سكن ما قبل الهاء فإنهم يختارون حذف الواو من الهاء؛ فيقولون: دعه يذهب، ومنه، وعنه.
ولا يكادون يقولون: منهو ولا عنهو، فيصلون بواو إذا سكن ما قبلها؛ وذلك أنهم لا يقدرون على تسكين الهاء وقبلها حرف ساكن، فلمّا صارت متحرّكة لا يجوز تسكينها اكتفوا بحركتها من الواو.

وقوله: {إلاّ ما دمت عليه قائماً} يقول: ما دمت له متقاضيا.
والتفسير في ذلك: أن أهل الكتاب كانوا إذا بايعهم أهل الإسلام أدّى بعضهم الأمانة،
وقال بعضهم: ليس للأمّيّين - وهم العرب - حرمة كحرمة أهل ديننا، فأخبر الله - تبارك وتعالى - أنّ فيهم أمانة وخيانة؛ فقال تبارك وتعالى: {ويقولون على اللّه الكذب} في استحلالهم الذهاب بحقوق المسلمين).
[معاني القرآن: 1/223-224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إّلا ما دمت عليه قائماً} يقول: ما لم تفارقه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم مّن إن تأمنه بدينارٍ لاّ يؤدّه إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {إلاّ ما دمت عليه قائماً}. لأنّها من "دمت" "تدوم". ولغة للعرب "دمت" وهي قراءة مثل "متّ" "تموت" جعله على "فعل" "يفعل" فهذا قليل.
وقال تعالى: {بدينارٍ} أي: على دينار كما تقول: "مررت به" و"عليه"). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا ما دمت عليه قائما}: قالوا مواظبا ومنه {أمة قائمة يتلون آيات الله}). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا ما دمت عليه قائماً} أي: مواظبا بالاقتضاء. وقد بينت هذا في باب المجاز.
{ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ}، كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون، قال بعضهم لبعض: ليس للأميين -يعنون العرب- حرمة أهل ديننا، وأموالهم تحلّ لنا: إذ كانوا مخالفين لنا. واستجازوا الذّهاب بحقوقهم). [تفسير غريب القرآن:106-107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله عز وجل: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: مواظبا بالاقتضاء والمطالبة.
وأصله: أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرّف، والتارك له يقعد عنه.
قال الأعشى:
يقوم على الوَغْمِ في قومه = فيعفو إذا شاء أو ينتقم
أي: يُطالِب بالذَّحْلِ ولا يَقعد عنه). [تأويل مشكل القرآن: 181]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائما ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيل ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
اتفق أبو عمرو، وعاصم والأعمش وحمزة على إسكان الهاء من {يؤده} وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن اتفقوا على إسكان الهاء فيه، نحو {نصله جهنّم}
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إنّه كسر في {ألقه إليهم}
ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها.
أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط.
كان أبو عمرو يختلس الكسرة، وهذا كما غلط عليه في (بارئكم) حكى القراء عنه أنه كان يحذف الهمزة في بارئكم.
وحكى سيبويه عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسرا خفيا،
وأمّا نافع وقراء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا وأثبتوا الياءات مثل (يؤده إليك) وهذا الإسكان الذي حكى عنه هؤلاء غلط بين لا ينبغي أن يقرأ به لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم ولا تسكن في الوصل إنما تسكن في الوقف.

وفي هذه الحروف أربعة أوجه:
1- يجوز إثبات الياء.
2- ويجوز حذفها تقول: يؤده إليك بالكسر.
3- ويجوز: يؤدّ هو إليك بالضم بإثبات الواو بعد الهاء.
4- ويجوز حذف الواو وضم الهاء.
فأما الوقف: فلا وجه له، لأن الهاء حرف خفي بيّن في الوصل بالواو في التذكير، قال سيبويه دخلت الواو في التذكير كما دخلت الألف في التأنيث، (نحو) ضربتهو وضربتها، قال أصحابه اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين والهاء من الحلق، فأبانت الواو
الهاء، وإنما، تحذف الياء لعلة تقلب الواو إليها، فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة فأما في الوقف فلا يجوز ألبتّة.
وقد أكثر الناس في تفسير القنطار، وقد حكينا ما قال الناس فيه.
ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من المال.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا ما دمت عليه قائما}: أكثر القراءة{دمت} بضم الدال، وقد قرئت {دمت} فأما دمت فمن قولك.
دمت: أدوم إدا بقيت على الشيء مثل قمت أقوم، وأما دمت - بالكسر - فعلى قولهم دمت تدام، مثل قولك: خفت تخاف، ويقال قد ديم بفلان وأديم به بمعنى دير به وأدير به، وهو الذي، به دوام كقولهم: به دوام كقولهم: به دوار. ويقال دام المال إذا سكن يدوم فهو دائم ومنه: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم " أي: الساكن، ويقال قد دوّم الطائر في الجو تدويما، وهو يصلح أن يكون من وجهين، من دورانه في طيرانه ويصلح أن يكون من قلة حركة جناحه، لأنه يرى كأنه ساكن الجناح.
ومعنى {قائما} أي: إلا بدوامك قائما على اقتضاء دينك.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّهم قالوا}أي: فعلهم ذلك، بقولهم {ليس علينا في الأمّيّين سبيل} أي ليس علينا طريق في أخذ مالهم وصف اللّه عزّ وجلّ: أكلهم السحت وخيانتهم،
وقد قيل في التفسير: إنهم عاملوا قوما من المشركين فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا ليس علينا لكم سبيل إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك. فأعلم اللّه أنهم يكذبون، قال عزّ وجلّ: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
أي: وهم يعلمون أنهم يكذبون. فرد اللّه قولهم فقال: {بلى}: وهو عندي - واللّه - أعلم - وقف التمام، ثم استأنف فقال عزّ وجلّ:{من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين}). [معاني القرآن: 1/431-434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك}
اختلف في معنى القنطار: فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا: القنطار ألف مثقال.
وقال أبو صالح وقتادة: القنطار مائة رطل.
وروى ابن أبي نجيح وليث عن مجاهد قال: القنطار سبعون ألف دينار.
وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن أبي رباح المكي قال: القنطار سبعة آلاف دينار.
والله أعلم بما أراد.
ومعنى {المقنطرة} في اللغة: المكملة كما تقول ألف مؤلفة). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما} أي: مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله
قال سيبويه: دام بمعنى ثبت.
قال أبو جعفر: وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الدائم، أي: الساكن الثابت.
{ذلك أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}
قيل: أنا ليهود كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لأنهم مخالفون لنا ويعنون بالأميين العرب نسبوا إلى ما عليه الأمة من قبل أن يتعلموا الكتابة
وقيل: نسبوا إلى الأم ومنه النبي الأمي وقيل هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ليس علينا في الأميين سبيل} كانت اليهود تقول: ليس للاميين– يعنون العرب الذين أسلموا– حرمة أهل الكتاب، تحل لنا أموالهم بغير حق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَائِماً}: مواظبا). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين} أي: فإن اللّه يحبه، ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله بلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح.
كقولهم نحن أهل تقوى في فعلنا هذا - فأعلم اللّه أن أهل الوفاء بالعهد والتّقى يحبهم اللّه، وأنهم المتقون، أي: الذين يتقون الخيانة والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}
بلى رد لقولهم ليس علينا في الأميين سبيل). [معاني القرآن: 1/426]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم.
{ولا يزكّيهم} لا يكونون عنده كالمؤمنين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
قال عز وجل: {ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم} فهذا مثل قولك للرجل "ما تنظر إليّ" إذا كان لا ينيلك شيئاً). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
{أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} هذه الجملة خبر (إنّ)، ومعنى الخلاق: النصيب الوافر من الخير.
ومعنى قوله: {لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة}: في قوله: {لا يكلمهم الله} وجهان:
أحدهما: أن يكون إسماع الله أولياءه كلامه بغير سفير، خصوصية يخص اللّه بها أولياءه كما كلم موسى فكان ذلك خصوصية له دون البشر أجمعين.
2- وجائز أن يكون {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} تأويله الغضب عليهم، والإعراض عنهم كما تقول: " فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، وتأويله أنه غضبان عليه، وإن كلمه بكلام سوء لم ينقض ذلك.

ومعنى {ولا يزكيهم}: لا يجعلهم طاهرين ولا يثني عليهم خيرا.
ومعنى {عذاب أليم} أي: موجع). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} الخلاق: النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} إلى آخر الآية.
وفي قوله: {ولا يكلمهم الله} قولان:
أحدهما: أنه روي أن الله يسمع أولياء كلامه.
والقول الآخر: أنه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا.
ومعنى {ولا يزكيهم}: ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم
يقال أألم إذا أوجع فهو مؤلم وأليم على التكثير). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم من الخير، والخلاق: الدين). [ياقوتة الصراط: 189]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلبونه ويحرّفونه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللًّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} بفتح الياء.
وقال: {يلوّون} بضم الياء وأحسبها {يلوون} لأنه قال: {ليّاً بألسنتهم} فلو كان من {يلووّن} لكانت "تلويةً بألسنتهم").
[معاني القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلّبون ألسنتهم بالتحريف، والزيادة.
{الرّبّانيّون} واحدهم ربّاني، وهم: العلماء المعلّمون). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
هذه اللام في {وإنّ منهم لفريقا} تؤكد الكلام زيادة على توكيد (إنّ) لأن (إنّ) معناها توكيد الكلام، ولذلك صار لضم يوصل بها في الإيجاب، تقول: واللّه أن زيدا قائم، وكذلك تصل الضم باللام، فيقول واللّه لزيد قائم ولا تلي هذه اللام (إن) لا يجوز: " إن لزيدا قائم " بإجماع النحويين كلهم وأهل اللغة.
ومعنى {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يحرفون الكتاب، أي يعدلون عن القصد، (ويجوز يلوّون - بضم الياء والتشديد) (لتحسبوه، و- لتحسبوه) - بكسر السين وفتحها - يقال حسب يحسب ويحسب، جميعا، ويقال لويت الشيء إذا عدلته عن القصد ليّا ولويت الغريم ليانا إذا مطلته بدينه قال الشاعر:
قد كنت داينت بها حسانا... مخافة الإفلاس والليانا). [معاني القرآن: 1/434-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب}
قال الشعبي: يلون يحرفون.
وقال أهل اللغة: لويت الشيء إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله). [معاني القرآن: 1/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يلوون ألسنتهم} أي: يقلبونها بالتحريف والزيادة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون...}
تقرأ: تعلّمون وتعلمون، وجاء في التفسير: بقراءتكم الكتب وعلمكم بها.
فكان الوجه (تعلمون) وقرأ الكسائيّ وحمزة (تعلّمون) لأن العالم يقع عليه يعلّم ويعلم).
[معاني القرآن: 1/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن كونوا ربّانيين}: لم يعرفوا ربانيين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لّي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
قال تعالى: {ثمّ يقول للنّاس} نصبٌ على {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه} {ثمّ يقول للنّاس} لأنّ "ثمّ" من حروف العطف). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكن كونوا ربانيين}: قالوا علماء حلماء). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}أي: أن اللّه لا يصطفى لنبوته الكذبة، ولو فعل ذلك بشر لسلبه اللّه عزّ وجلّ: آيات النبوة وعلاماتها ونصب {ثمّ يقول}: على الاشتراك بين أن يؤتيه وبين يقول، أي لا يجتمع لنبي إتيان النبوة والقول للناس كونوا عبادا لي.
{ولكن كونوا ربّانيّين} والربانيون أرباب العلم والبيان، أي: كونوا أصحاب علم، وإنما زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما قالوا للكبير اللحية لحياني ولذي الجمة الوافرة جماني.
وقد قرئ - {بما كنتم تعلّمون الكتاب}. {تعلّمون} - بضم التاء وفتحها.
{وبما كنتم تدرسون} أي: بعلمكم ودرسكم علّموا الناس وبيّنوا لهم.
وجاء في التفسير {كونوا ربّانيّين} أي: علماء فقهاء ليس معناه كما تعلمون فقط، ولكن ليكن هديكم ونيتكم في التعليم هدى العلماء والحكماء، لأن العالم إنما ينبغي أن يقال له عالم إذا عمل بعلمه، وإلا فليس بعالم، قال اللّه: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}
ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: لو كانوا وفّوا العلم حقه - وقد فسرنا ما قيل في هذا في مكانه). [معاني القرآن: 1/435-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولكن كونوا ربانيين}
قال سعيد بن جبير والضحاك: الرباني الفقيه العالم.
وقال أبو رزين: هو العالم الحليم.
والألف والنون يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران، أي: ممتلئ سكرا.
فمعنى الرباني: العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم.
وروي عن ابن الحنيفة أنه قال: لما مات ابن عباس مات رباني هذه الأمة.
ومعنى {ولكن كونوا ربانيين}: ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع.
وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والأحبار العلماء.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار.
قال أبو جعفر: وهذا القول حسن لأن الأحبار هم العلماء والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر للسياسة مأخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير). [معاني القرآن: 1/428-429]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الربانيون) واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رَبَّانِيِّينَ}: علماء). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأمركم...}
أكثر القراء على نصبها؛ يردونها على {أن يؤتيه الله}: ولا أن يأمركم. وهي في قراءة عبد الله (ولن يأمركم) فهذا دليل على انقطاعها من النسق وأنها مستأنفة، فلمّا وقعت (لا) في موقع (لن) رفعت كما قال تبارك وتعالى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وهي في قراءة عبد الله (ولن تسأل) وفي قراءة أبيّ (وما تسأل عن أصحاب الجحيم) ). [معاني القرآن: 1/224-225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مّسلمون}
{ولا يأمركم} أيضاً معطوفٌ بالنّصب على {أن} وإن شئت رفعت؛ تقول {ولا يأمركم} لا تعطفه على الأوّل تريد: هو لا يأمركم). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}أي: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين لأن الذين قالوا: إن عيسى عليه السلام إله عبدوه واتخذوه ربّا، وقال قوم من الكفار إن الملائكة أربابنا، ويقال إنهم الصابئون، ويجوز الرفع في {ولا يأمركم} أي: لا يأمركم اللّه). [معاني القرآن: 1/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}
ومن قرأ {ولا يأمركم} بالنصب، فمعناه عنده: ولا يأمركم البشر لأنه معطوف على ما قبله
ومن قرأ {ولا يأمركم}بالرفع، فمعناه عنده: ولا يأمركم الله كذا قال سيبويه). [معاني القرآن: 1/430]


رد مع اقتباس