عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 10:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 10 إلى 17]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} يعني: عند الله). [مجاز القرآن: 1/87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا وأولئك هم وقود النّار}
{وأولئك هم وقود النّار}
أي: الكفار يعذبون , وهم وقود أنفسهم، كلما نضجت جلودهما وعظامهم بالاتقاد, بدّلوا خلوداً غيرها, فعذبهم بجلودهم , وعظامهم).
[معاني القرآن: 1/379]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا}, وذلك أن قوماً قالوا : شغلتنا أموالنا, وأهلونا.
ثم قال تعالى: {وأولئك هم وقود النار} أي: هم بمنزلة الحطب في النار). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الوقود}: الحطب، والوقود: الالتهاب). [ياقوتة الصراط: 185]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {كدأب آل فرعون...}, يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون , وشأنهم). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كدأب آل فرعون }: كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
= ما زال هذا دأبها ودأبي
{كذّبوا بآياتنا} أي: بكتبنا, وعلاماتنا عن الحق). [مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
قال: {كدأب آل فرعون} , يقول: "كدأبهم في الشرّ" من "دأب" , "يدأب", "دأباً"). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كدأب آل فرعون}: كعادتهم وكأمرهم وشأنهم). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({كدأب آل فرعون} أي: كعادتهم يريد كفر اليهود ككفر من قبلهم, يقال: هذا دأبه, ودينه , وديدنه). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب} أي: كشأن آل فرعون، وكأمر آل فرعون، كذا قال أهل اللغة, والقول عندي فيه - واللّه أعلم - إن " دأب " ههنا, أي: اجتهادهم في كفرهم, وتظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام, وموضع الكاف رفع , وهو في موضع خبر الابتداء، المعنى: دأبهم مثل دأب آل فرعون، و{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم}
يقال: دأبت , أدأب دأباً, ودؤوباً إذا اجتهدت في الشيء, ولا يصلح أن تكون الكاف في موضع نصب بـ {كفروا}؛ لأن كفروا في صلة الذين، لا يصلح أن الذين كفروا ككفر آل فرعون ؛ لأن الكاف خارجة من الصلة, ولا يعمل فيها ما في الصلة). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم} , قال الضحاك: كفعل آل فرعون.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة, ويقال: دأب, يدأب إذا اجتهد في فعله,
فيجوز أن تكون: الكاف معلقة بقوله: {وقود النار}, أي: عذبوا تعذيباً كما عذب آل فرعون,
وتجوز أن تكون: معلقة بقوله: {لن تغني عنهم}

ويجوز أن تكون: معلقة بقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} .
قال ابن كيسان: ويحتمل على بعد أن تكون معلقة بـ{كذبوا}, ويكون في كذبوا ضمير الكافرين ؛ لا ضمير آل فرعون .
قال أبو إسحاق: المعنى: اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون, والكاف في موضع رفع, أي: دأبهم مثل دأب آل فرعون). [معاني القرآن: 1/360]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والدأب: العادة، ويحرك أيضاً). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كدأب آل فرعون} أي: كعادتهم، أي: كعادتنا في إهلاكهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كَدَأْبِ}: كعادة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون...}
تقرأ بالتاء والياء, فمن جعلها بالياء ؛ فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين بعد يوم أحد, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا هزم المشركين يوم بدر , وهم ثلاثمائة ونيّف , والمشركون ألف إلا شيئاً, قالت اليهود: هذا الذي لا تردّ له راية، فصدّقوا, فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حتى تكون وقعةٌ أخرى, فلما نكب المسلمون يوم أحد كذّبوا ورجعوا, فأنزل الله: قل لليهود سيغلب المشركون, ويحشرون إلى جهنم, فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء.
ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب, فيجوز في هذا المعنى سيغلبون وستغلبون؛ كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم.
وفي حرف عبد الله:{قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف}, وفي قراءتنا : {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}, وفي الأنعام:{هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائهم}, وفي قراءتنا:{لشركائنا}). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({المهاد}:الفراش). [مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}, قال: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم}, أي: إنّكم ستغلبون,كما تقول: "قل لزيد": "سوف تذهب", أي: إنّك سوف تذهب, وقال بعضهم:{سيغلبون}, أي: قل لهم الذي أقول, والذي أقول لهم "سيغلبون". وقال: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم مّا قد سلف وإن يعودوا}, فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن ؛ لأنه قال: {يغفر لهم} ولو كان بالتاء قال: {يغفر لكم},وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لكم" كما فسرت لك). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
وتقرأ :{سيغلبون}, فمن قرأ بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون, ومن قال:{سيغلبون}, فالمعنى: بلغهم أنهم سيغلبون.
وهذا فيه أعظم آية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأهم بما لم يكن, وأنبأهم بغيب، ثم بان تصديق ما أنبأ به ؛لأنه صلى الله عليه وسلم غلبهم أجمعين كما أنبأهم.
ومعنى {وبئس المهاد}: بئس المثوى, وبئس الفراش). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}
قال ابن كيسان : ستغلبون, أي: قل لهم هذا وبالياء ؛ لأنهم في وقت الخطاب غيب.
ويحتمل أن يكون الذين أمره أن يبلغهم غير المغلوبين
وقد قيل: أنه أمر أن يقول لليهود سيغلب المشركون). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا...}
يعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر, {فئةٌ تقاتل} قرئت بالرفع؛ وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما: تقاتل في سبيل الله, {وأخرى كافرةٌ} على الاستئناف؛ كما قال الشاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
ولو خفضت لكان جيدا: تردّه على الخفض الأوّل؛ كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ , ورجلٍ سقيمة, وكذلك يجوز خفض الفئة , والأخرى على أوّل الكلام,ولو قلت: {فئةً تقاتل في سبيل الله أخرى كافرةً}, كان صواباً على قولك: التقتا مختلفتين, وقال الشاعر في مثل ذلك مما يستأنف:
إذ متّ كان الناس نصفين شامتٌ = وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل
ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسّره, وأراد: بعضٌ شامتٌ , وبعض غير شامت, والنصب فيهما جائز، يردّهما على النصفين, وقال الآخر:
حتى إذا ما استقلّ النجم في غلس = وغودر البقل ملوي ومحصود
ففسر بعض البقل كذا، وبعضه كذا, والنصب جائز.
وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الذي ليس بشرط,
ففيه الرفع على الابتداء،
والنصب على الاتصال بما قبله؛ من ذلك: رأيت القوم قائماً, وقاعداً, وقائم وقاعد؛ لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف في القطع حسن, وهو أيضاً فيما ينصب بالفعل جائز؛ فتقول: أظنّ القوم قياماً وقعوداً, وقيام وقعود، وكان القوم بتلك المنزلة, وكذلك رأيت القوم في الدار قياماًوقعوداً, وقيامٌ وقعود، وقائماًوقاعداً, وقائم وقاعد؛ فتفسّره بالواحد والجمع؛ قال الشاعر:

وكتيبةٍ شعواء ذات أشلّة = فيها الفوارس حاسر ومقنّع
فإذا نصبت على الحال لم يجز أن تفسّر الجمع بالاثنين، ولكن تجمع فتقول: فيها القوم قياماً وقعوداً.
وأمّا الذي على الشرط مما لا يجوز رفعه: فقوله: اضرب أخاك ظالماً أو مسيئاص, تريد: اضربه في ظلمه, وفي إساءته, ولا يجوز هاهنا الرفع في حاليه؛ لأنهما متعلقتان بالشرط,
وكذلك الجمع؛ تقول: ضربت القوم مجرّدين , أو لا بسين, ولا يجوز: مجردون, ولا لابسون؛ إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل؛ ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم في هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا؛ فتقول: اضرب القوم مجرّدين أو لا بسين؛ لأن الشرط في الأمر لازم, وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبراً, وشرطاً, فلذلك جاز الوجهان في الماضي.

وقوله: {يرونهم مّثليهم} زعم بعض من روى عن ابن عبّاس أنه قال: رأى المسلمون المشركين في الحزر ستمائة, وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه, وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائةوخمسين, والمسلمون قليل: ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: {قد كان لكم} يعني اليهود :{آيةٌ}, في قلّة المسلمين, وكثرة المشركين.
فإن قلت: فكيف جاز أن يقال "مثليهم" يريد ثلاثة أمثالهم؟ , قلت: كما تقول, وعندك عبد أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليهو , وإلى مثله، وتقول: أحتاج إلى مثلي عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج, ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة, فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل اثنين , والمثلان ثلاثة, ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد: ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.
فإن قلت: فقد قال في سورة الأنفال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}, فكيف كان هذا ها هنا تقليلاً, وفي الآية الأولى تكثيراً؟, قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر, مع أنك تقول في الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي: قد هوّن عليّ، لا أني أرى الثلاثة اثنين, ومن قرأ {ترونهم}, ذهب إلى اليهود ؛ لأنه خاطبهم، ومن قال:{يرونهم}, فعلى ذلك؛ كما قال: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} , وإن شئت جعلت{يرونهم} للمسلمين دون اليهود). [معاني القرآن: 1/191-195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قد كان لكم آيةٌ}, أي: علامةٌ.
{في فئتين}, أي: في جماعتين , {فئةٌ تقاتل في سبيل الله}:
إن شئت، عطفتها على (في)، فجررتها,
وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثيّر عزّة:

فكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ= ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
{يرونهم مثليهم رأى العين}: مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى , وسمع أذني.
{يؤيّد}: يقوّى، من الأيد، وإن شئت من الأد,{لعبرةً}: اعتبار). [مجاز القرآن: 1/87-88]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ}على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل, وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا, وقال:
وإنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذاذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ}, {جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا , ولم يقرأ أحد بالرفع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}, فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ",
وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل , ورفع على "هم شياطين" كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له : "ما هم"؟ , أو "من هم" , فقال: "هم كذا وكذا", وإذا نصب ؛ فكأنه قيل له , أو علم أنه يقال له "جعل ماذا", أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين , و {عدوّاً} حالاً, ومثله : {لنسفعاً بالنّاصية} , {ناصيةٍ كاذبةٍ}, كأنه قيل ,أو علم ذلك , فقال "بناصية" , وقد يكون فيه الرفع على قوله: " ما هي" ,فيقول:{ناصيةٌ}, والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم", ومثل الابتداء:{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/160-161]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مّثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال:"إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل , وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا , وإحداهما كذا, وقال:
و إنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذا ذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ},{جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرففع, وقال تعالى: {وجعلوا للّه شركاء الجنّ}فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ", وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل, ورفع على {هم شياطين}, كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له "ما هم"؟, أو "من هم", فقال: "هم كذا وكذا",
وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جعل ماذا" , أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين, و{عدوّاً} حالاً, ومثله {لنسفعاً بالنّاصية}, {ناصيةٍ كاذبةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال: "بناصية", وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" , فيقول: "ناصيةٍ", والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم" , ومثل الابتداء :{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/163-164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في فئتين}: الفئة الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
آية علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على تصديقه، والفئة في اللغة الفرقة، وهي مأخوذة من قولهم : فأوت رأسه بالسيف, وفأيته إذا فلقته , ومعنى {فئتين}: فرقتين.
{فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}: الرفع , والخفض جائزان جميعاً.
فأما من رفع فالمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه , والأخرى كافرة، ومن خفض جعل فئة تقاتل في سبيل الله , وأخرى كافرة بدلاً من فئتين: المعنى: قد كان لكم آية في فئة تقاتل في سبيل اللّه, وفي أخرى كافرة.
وأنشدوا بيت كثير على جهتين:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة= ورجل رمى فيها الزمان فشفت
وأنشدوا أيضاً: رجل صحيحة، ورجل رمى فيها الزمان على البدل من الرجلين.
وقد اختلف أهل اللغة في قوله :{يرونهم مثليهم رأي العين}, ونحن نبين ما قالوه إن شاء اللّه, وما هو الوجه,واللّه أعلم.
زعم الفراء أن معنى {يرونهم مثليهم}:يرونهم ثلاثة أمثالهم , قال: لأنك إذا قلت: عندي ألف وأحتاج إلى مثلها , فأنت تحتاج إلى ألفين , كأنك قلت أحتاج إلي مثليها, وإذا قلت عندي ألف , وأحتاج إلى مثليها, فأنت تحتاج إلى ثلاثة آلاف، وهذا باب الغلط فيه غلط بيّن في جميع المقاييس وجميع الأشياء، لأنا إنما نعقل مثل الشيء ما هو مساو له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين، فإذا جهلنا المثل فقد بطل التميز، وإنما قال هذا ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثمائة, وأربعة عشر رجلاً, وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً, فالذي قال يبطل في اللفظ ,ويبطل في معنى الدلالة على الآية التي تعجز؛ لأنهم إذا رأوهم على هيئتهم,فليس هذا آية، فإن زعم أن الآية في هذا : غلبة القليل على الكثير , فقد أبطل أيضاً؛ لأن القليل يغلب الكثيرموجود ذلك أبداً.
فهذا الذي قال يبطل في اللغة, وفي المعنى , وإنّما الآية في هذا أنّ المشركين كانوا تسعمائة وخمسين , وكان المسلمون ثلاثمائة وأربعة عشر , فأرى اللّه جلّ وعزّ المشركين أنّ المسلمين أقل من ثلاثمائة , واللّه قد أعلم المسلمين أن المائة تغلب المائتين , فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم ؛ ليقوّي قلوبهم، وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب , فجعلوا يرون عدداً قليلاً مع رعب شديد حتى غلبوا.
والدليل على صحة هذا القول: قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرا كان مفعولاً}, فهذا هو الذي فيه آية أن يرى الشيء بخلاف صورته, واللّه أعلم.
ويجوز نصب {فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}, ولا أعلم أحداً قرأ بها.
ونصبها من وجهين:
أحدهما: الحال المعنى التقتا مؤمنة وكافرة ,
ويجوز: نصبها على أعني فئة تقاتل في سبيل اللّه, وأخرى كافرة).
[معاني القرآن: 1/380-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
والمعنى: قد كان لكم علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أنباهم بما لم يكن , والفئة: الفرقة من قولهم , فأوت رأسه بالسيف, وفأيته, أي: فلقته .
قرأ أبو عبد الرحمن: {ترونهم مثليهم}بضم التاء , وروى علي بن أبي طلحة يرونهم بضم الياء
وروى ابن نجيح , عن مجاهد في قوله جل وعز: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}
قال: محمد , وأصحابه , ومشركو بدر , وأنكر أبو عمرو أن يقرأ:{ترونهم} بالتاء , قال: ولو كان كذلك , لكان مثليكم.
قال أبو جعفر :وذا لا يلزم , ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم.
قال ابن كيسان: الهاء , والميم في ترونهم عائدة إلى : وأخرى كافرة , والهاء والميم في مثليهم عائدة إلى فئة تقاتل في سبيل الله , وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام , وهو قوله: {والله يؤيد بنصره من يشاء} فدل على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين , وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد .
قال: والرؤية ههنا لليهود
قال: ومن قال يرونهم بالياء : جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم, وكان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر , والمشركون تسع مائة وخمسين , فأري المسلمون المشركين ضعفهم , وقد وعدوهم أن الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين , فكانت تلك آية أن يروا الشيء على خلاف صورته كما قال تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولاً}
قال أبو إسحاق: ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.
قال الفراء: يحتمل مثليهم ثلاثة أمثالهم.
قال أبو إسحاق: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس ؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له , ونعقل مثليه ما يساوي مرتين.
قال ابن كيسان الأزدي: كيف يقع المثلان موقع ثلاثة أمثال إلا أني أحسبه جعل ترونهم راجعة إلى الكل, ثم جعل المثلين مضافاً إلى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين, أي: يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين, قال: والراءون ههنا : اليهود .
وقد بين الفراء قوله بأن قال: كما تقول , وعندك عبد أحتاج إلى مثليه , فأنت محتاج إلى ثلاثة .
وكذلك عنده: إذا قلت معي درهم , واحتاج إلى مثليه , فأنت تحتاج إلى ثلاثة مثليه , والدرهم ؛ لأنك لا تريد أن يذهب الدرهم.
والمعنى: يدل على خلاف ما قال, وكذلك اللغة, فإنهم إذا رأوهم على هيأتهم, فليس في هذه آية, واللغة على خلاف هذا؛ لأنه قد عرف بالتميز معنى المثل.
والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر , فتوهم أن لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عادتهم , فتأول أنك إذا قلت عندي درهم, وأحتاج إلى مثله والدرهم بحاله, فقد صرت تحتاج إلى درهمين , وهذا بين , وليس المعنى عليه, وإنما أراهم الله إياهم على غير عدتهم لجهتين:
إحداهما: أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك .
والأخرى: أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فِئَةٌ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والقناطير المقنطرة...}
واحد القناطير: قنطار, ويقال: إنه ملء مسك ثور ذهباً, أو فضّة، ويجوز:{القناطير}في الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة, كذلك سمعت، وهو المضاعف). [معاني القرآن: 1/195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقناطير}: واحدها قنطار، وتقول العرب: هو قدر وزنٍ لا يحدّونه, {المقنطرة}: مفنعلة، مثل قولك: ألفٌ مؤلفّةٌ.
قال الكلبي: ملء مسك ثورٍ من ذهب أو فضة.
قال ابن عباس: ثمانون ألف درهم.
وقال السّدّى: مائة رطلٍ من ذهب أو فضة.
وقال جابر بن عبد الله: ألف دينار.
{والخيل المسوّمة}: المعلمة بالسيماء،
ويجوز أن تكون {مسوّمة}: مرعاةً، من أسمتها؛ تكون هي سائمة، والسّائمة: الراعية، وربّها يسيمها.

{الأنعام}: جماعة النّعم.
{والحرث}: الزرع.
{متاع الحياة الدّنيا}: يمتّعهم، أي: يقيمهم.
{المآب}: المرجع، من آب يؤب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قال تعالى: {واللّه عنده حسن المآب} مهموز منها موضع الفاء ؛ لأنه من "آب" "يؤوب", وهي معتلة العين مثل: "قلت", تقول" .
"والمفعل": "مقال", تقول: "آب", "يؤوب", "إياباً" .
قال الله تعالى: {إنّ إلينا إيابهم}, وهو الرجوع, قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى = كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وأمّا "الأوّاب", فهو الراجع إلى الحق , وهو من: "آب", "يؤوب", أيضاً, وأمّا قوله تعالى: {يا جبال أوّبي معه}, فهو كما يذكرون التسبيح , أو هو - واللّه أعلم - مثل الأوّل يقول: "ارجعي إلى الحقّ", و"الأوّاب" : الراجع إلى الحقّ). [معاني القرآن: 1/164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القناطير}: واحده قنطار.
قال بعض المفسرون: إنه ملء جلد ثور من ذهب أو فضة.
وقال آخرون: ثمانون ألف درهم.
وقال آخرون: ألف ومائتا أوقية.
وقال آخرون: مائة رطل من ذهب أو فضة وقالوا ألف دينار.

{الخيل المسومة}: المعلمة والسيما العلامة وقالوا الراعية مأخوذة من السائمة.
{المآب}: المرجع من آب يؤوب). [غريب القرآن وتفسيره:102-103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({القناطير} , واحدها: قنطار, وقد اختلف في تفسيرها:
1- فقال بعضهم: القنطار ثمانية آلاف مثقال ذهب، بلسان أهل إفريقية.
2- وقال بعضهم: ألف مثقال.
3-وقال بعضهم: ملء مسك ثور ذهباً.
4-وقال بعضهم:
مائة رطل.
{المقنطرة}: المكملة, وهو كما تقول: هذه بدرة مبدّرة، وألف مؤلّفة.
وقال الفراء:{المقنطرة}: المضعّفة؛ كأن القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة.
{والخيل المسوّمة}: الرّاعية, يقال: سامت الخيل , فهي سائمة إذا رعت, وأسمتها فهي مسامة، وسوّمتها فهي مسوّمة: إذا رعيتها.
والمسوّمة في غير هذا: المعلّمة في الحرب بالسّومة , وبالسّيماء, أي: بالعلامة.
وقال مجاهد: {الخيل المسومة} المطهّمة الحسان, وأحسبه أراد: أنها ذات سيماء, كما يقال: رجل له سيماء، وله شارة حسنة.
{والأنعام}: الإبل, والبقر, والغنم, واحدها: نعم, وهو جمع لا واحد له من لفظه.
{و الحرث}: الزّرع.
{واللّه عنده حسن المآب}, أي: المرجع, من «آب يؤوب»: إذا رجع). [تفسير غريب القرآن: 101-102]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قيل في {زيّن}قولان:
1- قال بعضهم اللّه زينها محنة كما قال:{إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملا}

2- وقال بعضهم: الشيطان زينها ؛ لأن اللّه قد زهد فيها , وأعلم أنّها متاع الغرور.
والقول الأول: أجود ؛ لأنه جعلها زينة محبوبة موجود , واللّه قد زهّد فيها بأن أعلم , وأرى زوالها، ومعنى {القناطير}: عند العرب: الشيء الكثير من المال, وهو جمع قنطار.
فأما أهل التفسير: فقالوا أقوالاً غير خارجة من مذهب العرب:
قال بعضهم القنطار: ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة,
وقال بعضهم: القنطار : ثمانون ألف درهم,
وقال بعضهم: القنطار : ألف دينار،
وقال بعضهم : ألف رطل ذهباً أو فضة, فهذه جملة ما قال الناس في القنطار.

والذي بخرج في اللغة: أن القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه, والقنطرة: مأخوذة من ذلك,فكأن القنطار هو الجملة من المال التي تكون عقدة وثيقة منه.
فأمّا من قال من أهل التفسير إنّه شيء من الذهب موف، فأقوى منه عندي ما ذكر من إنّه من الذهب والفضة؛ لأن اللّه جلّ وعزّ ذكر القناطير فيهما؛ فلا يستقيم أن يكون القنطار في إحداهما دون الأخرى.
ومعنى {الخيل المسوّمة} في اللغة: الخيل عليها السيماء , والسّومة , وهي العلامة، ويجوز وهو حسن أن يكون المسومة: السائمة، وأسيمت: أرعيت.
{والأنعام}: المواشي, واحدها نعم، أكثر استعمالها في الإبل،{والحرث}: الزرع، وهذا كله محبّب إلى الناس , كما قال اللّه عزّ وجلّ، ثم زهد الله في جميعه.
وتأويل التزهيد فيه ليس الامتناع من أن يزرع الناس، ولا من أن يكسبوا الشيء من جهة، وإنما وجه التزهيد فيه الحث على الصدقة, وسلوك سبل البرّ التي أمر بها في ترك الاستكثار من المال, وغيره، فهذا وجه التزهيد.
فقال جلّ وعزّ: {ذلك متاع الحياة الدّنيا}, أي: ما يتمتع به فيها.
{واللّه عنده حسن المآب}: والمآب في اللغة: المرجع، يقال: آب الرجل, يؤوب , أوباً, وإياباً,ومآباً). [معاني القرآن: 1/383-384]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}
قيل : لما كانت معجبة, كانت كأنها قد زينت, وقيل: زينها الشيطان .
{والقناطير المقنطرة }: القنطار في كلام العرب: الشيء الكثير مأخوذ من عقد الشيء, وإحكامه, والقنطرة من ذلك, ومقنطرة, أي: مكملة كما تقول آلاف مؤلفة .
ثم قال جل وعز: {والخيل المسمومة والإنعام والحرث}: الخيل المسمومة , قال مجاهد: الحسنة, وقال سعيد بن جبير: الراعية.
وقال أبو عبيدة, والكسائي: قد تكون المسومة: المعلمة, قال أبو جعفر : قول مجاهد حسن من قولهم : رجل وسيم.
وقول سعيد بن جبير: لا يمتنع من قولهم : سامت تسوم , وأسمتها, وسومتها, أي: رعيتها, وقد تكون راعية حساناً معلم؛ لتعرف من غيرها,
وقال أبو زيد: أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة , أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى .

والإنعام: الإبل, والبقر , والغنم .
والحرث: الزرع.
وقوله تعالى: {والله عنده حسن المآب}, أي: المرجع). [معاني القرآن: 1/367-368]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({والقناطير}: جمع قنطار, والقنطار: ألف مثقال، وقيل: مائة رطل، وقيل: ملء مسك ثور ذهباً, وقيل: ثمانية آلالف مثقال.
{المقنطرة}: المكملة، وقيل: المضاعفة.
{والخيل المسومة}: الراعية، وقيل: المعلمة من السيماء.
و{المآب}:المرجع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47-48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القِنْطَارُ}: ثمانون ألف درهم , وقيل : مد جلد ثور.
{الْمُسَوَّمَةِ}: المعلمة.
{الْمَآبِ}: المرجع). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم...}, ثم قال {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ}, فرفع الجنات باللام, ولم يجز ردّها على أوّل الكلام؛ لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام بينهما, وقد يجوز أن تحول باللام , ومثلها بين الرافع وما رفع، والناصب وما نصب, فتقول: رأيت لأخيك مالاً, ولأبيك إبلاً, وترفع باللام إذا لم تعمل الفعل، وفي الرفع: قد كان لأخيك مال ولأبيك إبل, ولم يجز أن تقول في الخفض: قد أمرت لك بألف بألف, ولأخيك ألفين، وأنت تريد بألفين؛ لأن إضمار الخفض غير جائز؛ ألا ترى أنك تقول: من ضربت؟ فتقول: زيدا، ومن أتاك؟ فتقول: زيد, فيضمر الرافع والناصب, ولو قال: بمن مررت؟ , لم تقل: زيدٍ؛ لأن الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد, فإذا قدّمت الذي أخرته بعد اللام جاز فيه الخفض؛ لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تحل بينهما بشيء, فلو قدّمت الجنّات قبل اللام , فقيل: {بخيرٍ من ذلكم جناتٍ للذين اتقوا}, لجاز الخفض, والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء؛ كما قال الشاعر:
أتيت بعبد الله في القدّ موثقا = فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر‍‍‍‍‍‍‍‍
كذلك تفعل بالفعل إذا اكتسب الباء ثم أضمرا جميعا نصب كقولك: أخاك، وأنت تريد امرر بأخيك. وقال الشاعر في استجازة العطف إذا قدّمته , ولم تحل بينهما بشيء:
ألا يا لقومٍ كلّ ما حمّ واقع = وللطير مجرىً والجنوب مصارع
أراد: وللجنوب مصارع، فاستجاز حذف اللام، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء, فلو قلت: (ومصارع الجنوب)لم يجز , وأنت تريد إضمار اللام, وقال الآخر:
أوعدني بالسجن والأداهم = رجلي ورجلي شثنة المناسم
أراد: أوعد رجلي بالأداهم.
وقوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}, والوجه رفع يعقوب, ومن نصب نوى به النصب، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء: ومن وراء إسحاق بيعقوب.
وكلّ شيئين اجتمعا قد تقدم أحدهما قبل المخفوض الذي ترى أن الإضمار فيه يجوز على هذا, ولا تبال أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة,فمن ذلك أن تقول: مررت بزيد, وبعمرو, ومحمد, أو وعمرو , ومحمد, ولا يجوز: مررت بزيد وعمرو, وفي الدار محمدٍ، حتى تقول: بمحمد, وكذلك: أمرت لأخيك بالعبيد , ولأبيك بالورق, ولا يجوز: لأبيك الورق. وكذلك: مرّ بعبد الله موثقاًومطلقاً زيدٍ، وأنت تريد: ومطلقاً بزيد, وإن قلت: وزيدٍ مطلقاً جاز ذلك على شبيه بالنسق إذا لم تحل بينهما بشيء.
وقوله: {قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النار وعدها الله الّذين كفروا}, فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع، والنصب من جهتين: من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة، والنصب الآخر بإيقاع الإنباء عليها بسقوط الخفض, جائز لأنك لم تحل بينهما بماننع, والرفع على الابتداء.
فإن قلت: فما تقول في قول الشاعر:
آلآن بعد لجاجتي تلحونني = هلا التقدّم والقلوب صحاح
بم رفع التقدّم؟, قلت: بمعنى الواو في قوله: (والقلوب صحاح) , كأنه قال: العظة, والقلوب فارغة، والرطب, والحرّ شديد، ثم أدخلت عليها هلاّ , وهي على ما رفعتها، ولو نصبت التقدّم بنية فعل كما تقول: أتيتنا بأحاديث لا نعرفها , فهلا أحاديث معروفة.
ولو جعلت اللام في قوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم} من صلة الإنباء جاز خفض الجنات, والأزواج, والرضوان). [معاني القرآن: 1/198]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مطهّرة}: مهذّبة من كل عيب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟ , و"ما ذاك"؟ , فقيل: "هو كذا وكذا".
وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" , و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ ورضوان مّن اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد}
قوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟, و"ما ذاك"؟, فقيل: "هو كذا وكذا", وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه جلّ وعزّ أن خيراً من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه , فقال:
{قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من اللّه واللّه بصير بالعباد (15)},
الرفع في {جنّات}:القراءة،
والخفض جائز على أن تكون {جنّات} بدلاً من خير المعنى : أؤنبئكم بجنات تجري من تحتها الأنهار, ويكون{للذين اتقوا عند ربهم} من تمام الكلام الأول.

ومعنى {وأزواج مطهرة} أي: مطهرة من الأدناس, ومطهرة مما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا من الحيض, وغيره.
{ورضوان من اللّه}, أكثر القراءة كسر الراء, وروى أبو بكر بن عياش , عن عاصم:{ورضوان من اللّه } بضم الراء في كل القرآن، ويقال: رضيت الشيء أرضاه رضاً, ومرضاة, ورضواناً, ورضواناً). [معاني القرآن: 1/384-385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة} , وأزواج مطهرةً, أي: من الأدناس, والحيض). [معاني القرآن: 1/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}
قيل: الصابرون الصائمون, ويقال: في شهر رمضان: شهر الصبر, والصحيح أن: الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي, والقانتون لله: المصلون, والمنفقون: المتصدقون). [معاني القرآن: 1/368-369]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها , فرفعتها إذ كانت آية وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} , فلمّا انقضت الآية قال:{التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/198-199] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون} خفض صفة{للذين اتقوا}, المعنى: للمتقين القائلين: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16)}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف ؛ لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين} أي: القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى, ومعنى {المنفقين}: المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر ,تريد : في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين.
فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله , والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم:يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها, فرفعتها إذ كانت آي, ة وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} ,فلمّا انقضت الآية قال: {التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً لكان صواباً, وقوله: {والمستغفرين بالأسحار}, المصلّون بالأسحار، ويقول: الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة.
أخبرنا محمد ابن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء , قال: حدثني شريك , عن السّدّي في قوله: {سوف أستغفر لكم ربّي} , قال: أخّرهم السحر). [معاني القرآن: 1/198-199]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقانتين}: القانت المطيع). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} , قال تعالى: {الصّابرين} إلى قوله: {بالأسحار} موضع جر على:{للّذين اتّقوا}, فجر بهذه اللام الزائدة). [معاني القرآن: 1/165-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({القانتين}: المصلّين. و«القنوت» : يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل», {والمنفقين} يعني: المتصدقين). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون}: خفض صفة {للذين اتقوا}, المعنى للمتقين : القائلين.
{الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين}: أي : القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى. ومعنى المنفقين : المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر, تريد: في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين, فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله, والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم : يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقانتين}: المصلين، وأصله: الطاعة.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]


رد مع اقتباس