عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:35 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} تشريف وإعلام برضاه عنهم حين البيعة، وبهذا سميت بيعة الرضوان، والرضى بمعنى الإرادة، فهو صفة ذات، ومن جعل "إذ" مسببة، بمعنى: لأنهم بايعوا تحت الشجرة جاز أن يجعل "رضي" بمعنى: إظهار النعم عليهم، بسبب بيعتهم، فالرضى - على هذا - صفة فعل، وقد تقدم القول في المبايعة ومعناها.
وكان سبب هذه المبايعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث إلى مكة رجلا يبين لقريش أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد حربا وإنما جاء معتمرا، فبعث إليهم خراش بن أمية الخزاعي، وحمله على جمل يقال له: الثعلب، فلما كلمهم عقروا الجمل وأرادوا قتل خراش فمنعه الأحابيش، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأراد بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: يا رسول الله، إنك قد علمت فظاظتي على قريش، وهم يبغضونني، وليس هناك من بني عدي بن كعب من يحميني، ولكن ابعث عثمان بن عفان، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله عليها، وأجاره حتى إذا جاء قريشا فأخبرهم، فقالوا له: إن شئت يا عثمان أن تطوف بالبيت فطف، وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه، فقال عثمان رضي الله عنه: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن بني سعيد بن العاصي حبسوا عثمان على جهة المبرة، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحديبية من مكة على عشرة أميال، فصرخ صارخ من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل عثمان، فحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وقالوا: لا نبرح إن كان هذا حتى نلقى القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، ونادى مناديه: أيها الناس، البيعة البيعة. نزل روح القدس، فما تخلف عن البيعة أحد ممن شهد الحديبية إلا الجد بن قيس المنافق، وحينئذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده، وقال: هذه يد عثمان، وهي خير من يد عثمان، ثم جاء عثمان رضي الله عنه بعد ذلك سالما، والشجرة سمرة كانت هنالك، ذهبت بعد سنين، فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالموضع في خلافته فاختلف أصحابه في موضعها، فقال عمر رضي الله عنه سيروا، هذا التكلف.
وقوله تعالى: {فعلم ما في قلوبهم}، قال قوم: معناه: من كراهة البيعة على الموت ونحوه، وهذا ضعيف فيه مذمة للصحابة رضي الله عنهم، وقال الطبري، ومنذر بن سعيد: معناه: من الإيمان وصحته والحب في الدين والحرص عليه، وهذا قول حسن، لكنه من كانت هذه حاله فلا يحتاج إلى نزول ما يسكنه، أما أنه يحتمل أن يجازى بالسكينة والفتح القريب والمغانم، وقال آخرون: معناه: من الهم بالانصراف عن المشركين والأنفة في ذلك على نحو ما خاطب فيه عمر رضي الله عنه وغيره، وهذا تأويل حسن يترتب معه نزول السكينة والتعريض بالفتح القريب، والسكينة هنا تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى والصبر له. وقرأ الناس: "وأثابهم"، قال هارون: وقد قرئت: "وأتابهم" بالتاء بنقطتين.
و"الفتح القريب": خيبر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف بالمؤمنين إلى المدينة وقد وعده الله بخيبر، وخرج إليها لم يلبث، قال أبو جعفر النحاس: وقد قيل: الفتح القريب: فتح مكة و"المغانم الكثيرة": فتح خيبر، وقرأ يعقوب في رواية رويس: "تأخذونها" على مخاطبتهم بالتاء من فوق، وقرأ الجمهور: "يأخذونها" على الغيبة.
واختلف في عدة المبايعين، فقيل: ألف وخمسمائة، قاله قتادة، وقيل: وأربعمائة، قاله جابر بن عبد الله، وقيل: وخمسمائة وخمسة وعشرون، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: وثلاثمائة، قاله ابن أبي أوفى، وقيل غير هذا مما ذكرناه من قبل، وأول من بايع في ذلك رجل من بني أسد يقال له: أبو سنان بن وهب، قاله الشعبي). [المحرر الوجيز: 7/ 678-680]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما * وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا * ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا * سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا * وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا}
قوله تعالى: {وعدكم الله} الآية، مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون، ويأخذونها إلى يوم القيامة، قاله مجاهد وغيره، وقوله تعالى: {فعجل لكم هذه} يريد خيبر، وقال زيد بن أسلم وابنه: المغانم الكثيرة: خيبر، و"هذه" إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش، وقوله تعالى: {وكف أيدي الناس عنكم} يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي، وكانت قد أمكنتهم فرصة، فكفهم الله تعالى عن ذراري المسلمين وأموالهم، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله تعالى ينصرهم ويلطف بهم، قاله قتادة، وحكى الثعلبي أنه قال: كف الله تعالى غطفان عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءوا لنصر أهل خيبر، وذكره النقاش، وقال الثعلبي أيضا عن بعضهم: إنه أراد كف قريش). [المحرر الوجيز: 7/ 680]

تفسير قوله تعالى: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأخرى لم تقدروا عليها}، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الإشارة إلى بلاد فارس والروم، وقال الضحاك وابن زيد: الإشارة إلى خيبر، وقال قتادة والحسن: الإشارة إلى مكة، وهذا هو القول الذي يتسق معه المعنى ويتأيد، وقوله تعالى: {قد أحاط الله بها} معناه: بالقدرة والقهر لأهلها، أي: قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها). [المحرر الوجيز: 7/ 680-681]

رد مع اقتباس