عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم - على ما روي - بغزو خيبر ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى يهود - وهم عدو مستضعف - طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة، وكان كذلك. وقوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} معناه: يريدون أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: كلام الله تعالى هو قوله: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا}، وهذا قول ضعيف; لأن هذه الآية نزلت في رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهذا في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وآية هذه السورة نزلت سنة الحديبية، وأيضا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك - على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، الحديث المشهور، فأخبره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خيبر: لن تتبعونا، وخص الله بها أهل الحديبية.
وقوله تعالى: {كذلكم قال الله من قبل} يريد وعده قبل باختصاصهم بها، وقول الأعراب: بل تحسدوننا معناه: بل يعز عليكم أن نصيب مغنما ومالا، فرد الله تعالى على هذه المقالة بقوله سبحانه: {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا}، أي: لا يفقهون من الأمور مواضع الرشد، وذلك هو الذي خلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ذلك سببا إلى منعهم من غزوة خيبر، وقرأ أبو حيوة: "تحسدوننا" بكسر السين، وقرأ الجمهور من القراء: "كلام"، قال أبو علي: هو أخص بما كان مفيدا حديثا، وقرأ الكسائي، وحمزة، وابن مسعود وطلحة، وابن وثاب: "كلم"، والمعنى فيهما متقارب). [المحرر الوجيز: 7/ 675]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتقدمة إلى هؤلاء المخلفين بأنهم سيدعون إلى قتال عدو بئيس، وهذا يدل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، وإلا فلم يكونوا أهلا لذلك الآخر.
واختلف الناس، من القوم المشار إليهم في قوله تعالى: {إلى قوم أولي بأس شديد}؟ فقال عكرمة، وابن جبير، وقتادة: هم هوازن ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، ويندرج في هذا القول عندي من حورب وغلب في فتح مكة، وقال كعب: هم الروم الذين خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة، وقال الزهري والكلبي: هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة، وقال منذر بن سعيد: يتركب على هذا القول أن الآية مؤذنة بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يريد: لما كشف الغيب أنهما دعوا إلى قتال أهل الردة، وحكى الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله عنه إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم، وقال ابن عباس، وابن أبي ليلى: هم الفرس، وقال الحسن: هم فارس والروم، وقال أبو هريرة: هم قوم لم يأتوا بعد، والقولان الأولان حسنان، لأنهما الذي كشف الغيب، وباقيهما ضعيف، وقال منذر بن سعيد: رفع الله في هذه الجزية، وليس إلا القتال أو الإسلام، وهذا لا يوجد إلا في أهل الردة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو من حورب في فتح مكة.
وقرأ الجمهور: "أو يسلمون" على القطع، أي: أو هم يسلمون دون حرب، وقرأ أبي بن كعب - فيما حكى الكسائي -: "أو يسلموا" بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس:
فقلت له لا تبك عيناك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
يروى "نموت" بالنصب والرفع، فالنصب على تقدير: أو يكون أن نموت، والرفع على القطع، أو نحن نموت.
وقوله تعالى: {فإن تطيعوا} معناه: فيما تدعون إليه، والعذاب الذي توعدهم به يحتمل أن يريد به عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة فبين فيه). [المحرر الوجيز: 7/ 676-677]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما}
لما بلَّغ عز وجل في عتب هؤلاء المتخلفين من القبائل المجاورة للمدينة "كجهينة ومزينة وغفار وأسلم وأشجع" عقب ذلك بأن عذر أهل الأعذار من العمى والعرج والمرض جملة، ورفع الحرج عنهم والضيق والمأثم، وهذا حكم هؤلاء المعاذير في كل جهاد إلى يوم القيامة، إلا أن يحزب حازب في حضرة ما، فالفرض متوجه بحسب الوسع، ومع ارتفاع الحرج، فجائز لهم الغزو وأجرهم فيه مضاعف; لأن الأعرج أحرى الناس بالصبر وألا يفر، وقد غزا ابن أم مكتوم وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية، وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن أم مكتوم رضي الله عنه.
وقرأ الجمهور من القراء: "يدخله" بالياء، وقرأ ابن عامر، ونافع، وأبو جعفر، والأعرج، والحسن، وشيبة، وقتادة: "ندخله" بالنون، وكذلك: "يعذبه" و"نعذبه").[المحرر الوجيز: 7/ 677-678]

رد مع اقتباس