عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 02:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقال ابن جريج: نفخ في جيب درعها وكفها، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: دخل الروح المنفوخ من فمها، فذلك قوله: {فحملته} أي: حملت الغلام.
ويذكر أنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة، فلما أحست بذلك وخافت تعنيف الناس وأن يظن بها الشر انتبذت به، أي: تنحت مكانا بعيدا حياء وفرارا على وجهها، وروي في هذا أنها فرت إلى بلاد مصر أو نحوها، قاله وهب بن منبه، وروي أيضا أنها خرجت إلى موضع يعرف ببيت لحم، بينه وبين إيلياء أربعة أميال). [المحرر الوجيز: 6/18]

تفسير قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "أجاءها" معناه: فاضطرها، و"أجاء" هو تعدية "جاء" بالهمزة، وقرأ شبل بن عزرة -ورويت عن عاصم -: "فاجأها"، من المفاجأة، وفي مصحف أبي بن كعب: "فلما أجاءها المخاض"، وقال زهير:
[المحرر الوجيز: 6/18]
وجار سار معتمدا إليكم أجاءته المخافة والرجاء
وقرأ الجمهور: "المخاض" بفتح الميم، وقرأ ابن كثير فيما روي عنه - بكسرها، وهو الطلق وشدة الولادة وأوجاعها، روي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة بال يابس في أصله مذود بقرة على جرية ماء، فاشتد بها الأمر هنالك، واحتضنت الجذع لشدة الوجع، وولدت عيسى عليه السلام، فقالت عند ولادتها - لما رأته من الآلام والتغرب وإنكار قومها وصعوبة الحال من غير ما وجه-: يا ليتني مت ولم يجر علي هذا القدر.
وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، وعاصم، وأبو عمرو، وجماعة: "مت" بضم الميم، وقرأ الأعرج، وطلحة، ويحيى، والأعمش بكسرها، واختلف عن نافع. وتمنت مريم الموت من جهة الدين؛ إذ خافت أن يظن بها الشر في دينها، وتعير فيفتنها ذلك، وعلى هذا الحد تمناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصالحين، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت إنما هو لضر نزل بالبدن، وقد أباحه صلى الله عليه وسلم في قوله:
[المحرر الوجيز: 6/19]
يأتي على الناس زمان يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأنه زمن فتن بالدين.
وقالت: وكنت نسيا منسيا، أي: شيئا متروكا محتقرا، والنسي في كلام العرب: الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه، يقال: نسي ونسي بفتح النون وكسرها، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ حمزة وحده بالفتح، واختلف عن عاصم، وكقراءة حمزة قرأ طلحة، والأعمش، ويحيى، وقرأ محمد بن كعب القرظي: "نسئا" بالهمز وكسر النون، وقرأ نوف البكالي: "نسئا" بفتح النون، وحكاها أبو الفتح، وأبو عمرو الداني عن محمد بن كعب القرظي، وقرأ بكر بن حبيب: "نسا" بشد السين وفتح النون دون همز، وقال الشنفرى:
كأن لها في الأرض نسا تقصه ... إذا ما غذت وإن تحدثك تبلت
وحكى الطبري في قصصها أنها لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى، فجاءتها أختها زائرة فقالت: يا مريم، أشعرت أني حملت؟ قالت لها مريم: أشعرت أنت أني حملت؟ قالت لها: وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك، وذلك أنه روي أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم، قال السدي: فذلك قوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله}.
[المحرر الوجيز: 6/20]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا كله ضعف، فتأمله. وكذلك ذكر الطبري من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار كان يخدم معها المسجد، وطول الطبري في ذلك فاختصرته لضعفه، وهذه القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملا على عرف البشر، واستحيت من ذلك وفرت بسببه وهي حامل، وهو قول جمهور المتأولين، وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس إلا أن حملت فوضعت في ساعة واحدة، والله أعلم.
وظاهر قوله تعالى: {فأجاءها المخاض} يقتضي أنها كانت على عرف النساء، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر؛ ولذلك لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصية عيسى عليه السلام، وقيل: ولدته لسبعة أشهر، وقيل: لستة أشهر). [المحرر الوجيز: 6/21]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وابن عباس، والحسن، وزيد بن حبيش، ومجاهد، والجحدري، وجماعة: "فناداها من تحتها" على أن "من" فاعل بـ "ينادي"، والمراد بـ "من" عيسى، أي: ناداها المولود، قاله مجاهد، والحسن، وابن جبير، وأبي بن كعب. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد جبريل عليه السلام، ولم يتكلم حتى أتت به قومها، وقال علقمة والضحاك، وقتادة: ففي هذا آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم، لا سيما والمنادي عيسى، فإنه يبين به عذر مريم، ولا تبقى بها استرابة، فلذلك كان النداء ألا يقع حزن.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، والبراء بن عازب، والضحاك، وعمرو بن ميمون، وأهل المدينة، وأهل الكوفة، وعبد الله بن عباس
[المحرر الوجيز: 6/21]
رضي الله عنهما - أيضا، والحسن: "من تحتها" بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية، واختلفوا - فقال بعضهم: المراد عيسى عليه السلام، وقالت فرقة: المراد جبريل المجاور لها قبل، قالوا: وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول وأظهر، وعليه كان الحسن بن أبي الحسن يقسم.
وقرأ علقمة، وزر بن حبيش: "فخاطبها من تحتها"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما "فناداها ملك من تحتها".
وقوله، {ألا تحزني} تفسير النداء، فـ "أن" مفسرة بمعنى: أي، و"السري" من الرجال، العظيم الخصال السيد، و"السري" أيضا: الجدول من الماء، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية - فقال قتادة، وابن زيد: أراد: جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن، وقال الجمهور: أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع النخلة، وروي أن الحسن فسر الآية فقال: أجل، لقد جعله الله سريا كريما، فقال حميد بن عبد الرحمن الحميري: يا أبا سعيد، إنما نعني بالسري الجدول، فقال: لهذه وأشباهها أحب قربك، ولكن غلبتنا عليك الأمراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن الشاهد في السري قول لبيد:
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها). [المحرر الوجيز: 6/22]

تفسير قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع، فقالت فرقة:
[المحرر الوجيز: 6/22]
كانت النخلة مطعمة رطبا، وقال السدي: كان الجذع مقطوعا، وأجرى النهر تحتها لحينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والظاهر من الآية أن عيسى هو المكلم لها، وأن الجذع كان يابسا، وعلى هذا تكون آيات تسليها وتسكن إليها، والباء في قوله: "بجذع" زائدة مؤكدة، قال أبو علي: كما يقال: ألقى بيده، أي: ألقى يده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا المثال نظر، وأنشد الطبري رحمه الله:
بواد يمان ينبت السدر صدره ... وأسفله بالمزج والشبهان
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، والجمهور من الناس: "تساقط" بفتح التاء وشد السين، يريد النخلة، وقرأ البراء بن عازب رضي الله عنه، والأعمش رحمه الله: "يساقط" يريد الجذع، وقرأ حمزة وحده: "تساقط" بفتح التاء وتخفيف السين، وهي قراءة مسروق، ويحيى بن وثاب، وطلحة بن مصرف، وأبي عمرو بخلاف- وقرأت فرقة: "يساقط" بالياء على ما تقدم من إرادة النخلة أو الجذع. وقرأ عاصم - في رواية حفص -: "تساقط" بضم التاء وفتح السين وتخفيفها، وقرأ أبو حيوة: "يسقط" بضم بالياء، وحكى أبو علي في الحجة أنه قرئ: "يتساقط" بياء وتاء، وروي عن مسروق: "تسقط" بضم التاء وكسر القاف، وكذلك عن أبي حيوة، وقرأ أبو حيوة أيضا: "يسقط" بفتح الياء وضم القاف، "رطب جني".
[المحرر الوجيز: 6/23]
ونصب "رطبا" يختلف بحسب معاني القراءات المذكورة، فمرة يسند الفعل إلى الجذع، ومرة إلى الهز، ومرة إلى النخلة، و"جنيا" معناه: قد طاب وصلح للاجتناء، وهو من جنيت الثمرة، وقرأ طلحة بن سليمان: "جنيا" بكسر الجيم، وقال عمرو بن ميمون: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، وقال محمد بن كعب: "رطبا" عجوة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واستدل بعض الناس من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوما فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأنه أمرت مريم بهز الجذع لترى آية، وكانت الآية تكون بألا تهز.
وحكى الطبري عن ابن زيد أنه قال لها عيسى: "لا تحزني"، فقالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج "فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فقال لها عيسى: "أنا أكفيك الكلام"). [المحرر الوجيز: 6/24]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فكلي واشربي وقري عينا} الآية. قرأ الجمهور: (وقري) بفتح القاف، وحكى الطبري قراءة "وقري" بكسر القاف، وقرة العين مأخوذة من القر، وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن، وضعفت فرقة هذا وقالت: الدمع كله سخن، وإنما معنى قرة العين أن البكاء الذي يسخن العين ارتفع، أي: لا حزن من الأمر الذي قرت به العين، وقال الشيباني: "وقري عينا" معناه: نامي، حضها على الأكل والشرب والنوم، وقوله: "عينا" نصب على التمييز، والفعل في الحقيقة إنما هو للعين، فينقل ذلك إلى ذي العين، وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير، ومثله: طبت نفسا، وتفقأت شحما، وتصببت عرقا، وهذا كثير.
[المحرر الوجيز: 6/24]
وقرأ الجمهور: "ترين"، وأصله: "ترأيين" حذفت النون للجزم، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان، الألف [المنقلبة عن الياء]، والياء، فحذفت الألف فصار "ترى"، وعلى هذا النحو قول الأفوه:
إما ترى رأسي أزرى به ... البيت
ثم دخلت النون الثقيلة، وكسرت الياء لاجتماع ساكنين منها ومن النون، وإنما دخلت النون هنا توطئة، كما توطئ لدخولها أيضا لام القسم. وقرأ أبو عمرو - فيما روي عنه -: "ترئن" بالهمزة. وقرأ طلحة، وأبو جعفر، وشيبة: "ترين" بسكون الياء وفتح النون خفيفة، قال أبو الفتح: "وهي شاذة".
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها - على لسان جبريل أو ابنها عليهما السلام،
[المحرر الوجيز: 6/25]
على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر، وتحيل على ابنها في ذلك، ليرتفع عنها خجلها، وتبين الآية فيقوم عذرها، وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الكلمات التي في الآية، وهو قول الجمهور، وقالت فرقة: معنى "فقولي" بالإشارة لا بالكلام، وإلا فكأن التناقض بين في أمرها.
وقرأ ابن عباس، وأنس بن مالك: "إني نذرت للرحمن وصمت". وقال قوم: معناه: صوما عن الكلام؛ إذ أصل الصوم الإمساك، ومنه قول الشاعر:
خيل صيام ... ... ... ... ....
وقال ابن زيد، والسدي: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام، وقرأت فرقة، "إني نذرت للرحمن صمتا".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يجوز في شرعنا أن ينذر أحد صوما، ولقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق والكلام، وقال فرقة: أمرت مريم بهذا ليكفيها عيسى الاحتجاج). [المحرر الوجيز: 6/26]

رد مع اقتباس