عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:47 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) )

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا محمّد بن فضيل بن غزوان، عن عبيد المكتب، عن إبراهيم قال: إن الرجل ليجلس في المجلس، فيتكلّم (بالكلمة)، فيرضى الله عزّ وجلّ بها، فتصيبه الرّحمة، فتعمّ من حوله. وإنّ الرّجل ليجلس في المجلس، فيتكلّم بالكلمة، (فيسخط الله بها)، فيصيبه السّخط، فيعمّ من حوله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا محمّد بن فضيل، عن حجّاج بن دينارٍ، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل نحوًا من هذا، وزاد فيه: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذًا مثلهم}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن محمّد بن عمرو بن علقمة بن وقّاص اللّيثي، عن أبيه، عن جدّه، عن بلال بن الحارث، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان اللّه عزّ وجلّ ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت، فيكتب اللّه له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من سخط اللّه، ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت، فيكتب اللّه له (بها) سخطه إلى يوم يلقاه)) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1406-1411]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره}
- أخبرنا عليّ بن حجرٍ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ويلٌ للّذي يحدّث فيكذب فيضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/74]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (علامةٌ المنافق
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، عن أبي سهيلٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفّر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: بشّر المنافقين الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. {وقد نزّل عليكم في الكتاب} يقول: أخبر من اتّخذ من هؤلاء المنافقين الكفّار أنصارًا وأولياء بعدما نزل عليهم من القرآن {أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره} يعني: بعدما علموا نهي اللّه عن مجالسة الكفّار الّذين يكفرون بحجج اللّه وآي كتابه، ويستهزئون بها {حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره} يعني بقوله: {يخوضوا} يتحدّثوا حديثًا غيره بأنّ لهم عذابًا أليمًا.
وقوله: {إنّكم إذًا مثلهم} يعني: وقد نزّل عليكم أنّكم إن جالستم من يكفر بآيات اللّه، ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم، يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلهم في فعلهم، لأنّكم قد عصيتم اللّه بجلوسكم معهم، وأنتم تسمعون آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها كما عصوه باستهزائهم بآيات اللّه، فقد أتيتم من معصية اللّه نحو الّذي أتوه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية اللّه، وإتيانكم ما نهاكم اللّه عنه.
وفي هذه الآية الدّلالة الواضحة على النّهي عن مجالسة أهل الباطل من كلّ نوعٍ من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم.
وبنحو ذلك كان جماعةٌ من الأمّة الماضين يقولون تأوّلاً منهم هذه الآية، إنّه مرادٌ بها النّهي عن مشاهدة كلّ باطلٍ عند خوض أهله فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشبٍ عن إبراهيم التّيميّ، عن أبي وائلٍ، قال: إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة في المجلس من الكذب ليضحك بها جلساءه، فيسخط اللّه عليهم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النّخعيّ، فقال: صدق أبو وائلٍ. أوليس ذلك في كتاب اللّه: {أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، عن العلاء بن المنهال، عن هشام بن عروة، قال: أخذ عمر بن عبد العزيز قومًا على شرابٍ، فضربهم وفيهم صائمٌ، فقالوا: إنّ هذا صائمٌ فتلا: {فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أن إذا سمعتم آيات اللّه، يكفر بها ويستهزأ بها} وقوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} وقوله: {أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} ونحو هذا من القرآن، قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم: إنّما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين اللّه.
وقوله: {إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم} يقول: إنّ اللّه جامع الفريقين من أهل الكفر والنّفاق في القيامة في النّار، فموفّقٌ بينهم في عقابه في جهنّم وأليمٌ عذابه، كما اتّفقوا في الدّنيا فاجتمعوا على عداوة المؤمنين وتوازروا على التّخذيل عن دين اللّه وعن الّذي ارتضاه وأمر به أهله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وقد نزّل عليكم في الكتاب فقرأ ذلك عامّة القرّاء بضمّ النّون وتثقيل الزّاي وتشديدها على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ بعض الكوفيّين بفتح النّون وتشديد الزّاي على معنى: وقد نزّل اللّه عليكم. وقرأ ذلك بعض المكّيّين: وقد نزل عليكم بفتح النّون وتخفيف الزّاي، بمعنى: وقد جاءكم من اللّه أن إذا سمعتم.
قال أبو جعفرٍ: وليس في هذه القراءات الثّلاثة وجهٌ يبعد معناه ممّا يحتمله الكلام، غير أنّ الّذي أختار القراءة به قراءة من قرأ: (وقد نزّل) بضمّ النّون وتشديد الزّاي، على وجه ما لم يسمّ فاعله؛ لأنّ معنى الكلام فيه: التّقديم على ما وصفت قبل، على معنى {الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها} إلى قوله: {حديثٍ غيره} {أيبتغون عندهم العزّة} فقوله: {فإنّ العزّة للّه جميعًا} يعني التّأخير، فلذلك كان ضمّ النّون من قوله: {نزّل} أصوب عندنا في هذا الموضع.
وكذا اختلفوا في قراءة قوله: {والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} فقرأه بفتحٍ {أنزل} أكثر القرّاء، بمعنى: والكتاب الّذي نزّل اللّه على رسوله، والكتاب الّذي أنزل من قبل. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة بضمّه في الحرفين كلاهما، بمعنى: ما لم يسمّ فاعله. وهما متقاربتا المعنى، غير أنّ الفتح في ذلك أعجب إليّ من الضّمّ، لأنّ ذكر اللّه قد جرى قبل ذلك في قوله: {آمنوا باللّه ورسوله}). [جامع البيان: 7/602-605]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا (140)
قوله تعالى: وقد نزّل عليكم في الكتاب
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: وقد نزّل عليكم في الكتاب. قال: في سورة الأنعام بمكّة.
قوله تعالى: أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها ونحو هذا في القرآن قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنّما هلك من كان قبلهم بالمري والخصومات في الدّين.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فنسخت هذه الآية الّتي في الأنعام فكان هذا الّذي أنزل بالمدينة. وخوّفهم فقال: إن قعدتم ورضيتم بخوضهم واستهزائهم بالقرآن ف إنكم إذًا مثلهم.
قوله تعالى: فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن سلامٍ الطّرسوسيّ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ العوّام بن حوشبٍ، عن إبراهيم التّيميّ عن أبي وائلٍ، قال: إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من الكذب ليضحك بها القوم، فيسخط اللّه عليه، فذكرت ذلك لإبراهيم، النّخعيّ فقال: صدق، أليس اللّه تعالى يقول: إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
قوله تعالى: إنّكم إذًا مثلهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن العلاء بن المنهال عن هشام ابن عروة، أنّ عمر بن عبد العزيز أخذ قومًا يشربون فضربهم وفيهم رجلٌ صالحٌ فقيل إنّه صائمٌ، فتلا: فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان فقال: إن قعدتم ورضيتم بخوضهم واستهزائهم بالقرآن ف إنكم إذا مثلهم.
قوله تعالى: إن الله جامع المنافقين الآية.
- وبه عن مقاتلٍ قوله: إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا قال: إنّ اللّه جامع المنافقين من أهل المدينة والمشركين من أهل مكّة، الّذين خاضوا واستهزءوا بالقرآن في جهنّم جميعًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/1092-1094]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن جرير عن أبي وائل قال: إن الرجل ليتكلم في المجلس بالكلمة الكذب يضحك بها جلساءه فيسخط الله عليهم جميعا فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: صدق أبو وائل أو ليس ذلك في كتاب الله {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: أنزل في سورة الأنعام (حتى يخوضوا في حديث غيره) (الأنعام الآية 68) ثم نزل التشديد في سورة النساء {إنكم إذا مثلهم}.
وأخرج ابن المنذر عن السدي في الآية قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله والقرآن فشتموه واستهزؤوا به فأمر الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
وأخرج عن سعيد بن جبير أن الله جامع المنافقين من أهل المدينة والمشركين من أهل مكة الذين خاضوا واستهزؤوا بالقرآن في جهنم جميعا). [الدر المنثور: 5/78-79]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن الأعمش عن يشيع الكندي في قوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال كيف تقرأ هذه الآية ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وهم يقتلون قال علي ادنه فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا). [تفسير عبد الرزاق: 1/175]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن ذرٍّ عن يسيع قال: جاء رجلٌ إلى علي فقال: يقول اللّه تبارك وتعالى: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} وهو ذا المؤمنين يقتلون له عليٌّ: ادنه فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا [الآية: 141]). [تفسير الثوري: 98]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {الّذين يتربّصون بكم} الّذين ينتظرون أيّها المؤمنون بكم {فإن كان لكم فتحٌ من اللّه} يعني: فإن فتح اللّه عليكم فتحًا من عدوّكم، فأفاء عليكم فيئًا من المغانم. {قالوا} لكم {ألم نكن معكم} نجاهد عدوّكم، ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبًا من الغنيمة، فإنّا قد شهدنا القتال معكم. {وإن كان للكافرين نصيبٌ} يعني: وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظٌّ منكم بإصابتهم منكم. {قالوا ألم نكن مّعكم} يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين: {ألم نستحوذ عليكم} يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين: {ألم نستحوذ عليكم} ألم نغلب عليكم حتّى قهرتم المؤمنين، ونمنعكم منهم بتخذيلنا إيّاهم، حتّى امتنعوا منكم فانصرفوا. {فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة} يعني: فاللّه يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل الإيمان جنّته وأهل النّفاق مع أوليائهم من الكفّار ناره. {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} يعني: حجّةً يوم القيامة.
وذلك وعدٌ من اللّه المؤمنين أنّه لن يدخل المنافقين مدخلهم من الجنّة ولا المؤمنين مدخل المنافقين، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجّةٌ، بأن يقولوا لهم: أن ادخلوا مدخلهم، ها أنتم كنتم في الدّنيا أعداءنا، وكان المنافقون أولياءنا، وقد اجتمعتم في النّار فيجمع بينكم وبين أوليائنا، فأين الّذين كنتم تزعمون أنّكم تقاتلوننا من أجله في الدّنيا؟ فذلك هو السّبيل الّذي وعد اللّه المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فإن كان لكم فتحٌ من اللّه} قال: المنافقون يتربّصون بالمسلمين، فإن كان لكم فتحٌ قال: إن أصاب المسلمون من عدوّهم غنيمةً، قال المنافقون: ألم نكن معكم؟ قد كنّا معكم فأعطونا غنيمةً مثل ما تأخذون وإن كان للكافرين نصيبٌ يصيبونه من المسلمين، قال المنافقون للكافرين: ألم نستحوذ عليكم، ونمنعكم من المؤمنين؟ قد كنّا نثبّطهم عنكم
واختلف أهل التّأويل في تأوّل قوله: {ألم نستحوذ عليكم} فقال بعضهم: معناه: ألم نغلب عليكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {ألم نستحوذ عليكم} قال: نغلب عليكم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ألم نبيّن لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ألم نستحوذ عليكم} ألم نبيّن لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.
قال أبو جعفرٍ: وهذان القولان متقاربًا المعنى، وذلك أنّ من تأوّله بمعنى: ألم نبيّن لكم إنّما أراد إن شاء اللّه ألم نغلب عليكم بما كان منّا من البيان لكم أنّا معكم.
وأصل الاستحواذ في كلام العرب فيما بلغنا الغلبة، ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه} بمعنى غلب عليهم، يقال منه: حاذ عليه، واستحاذ يحيذ ويستحيذ، وأحاذ يحيذ. ومن لغة من قال حاذ، قول العجّاج في صفة ثورٍ وكلابٍ:.
يحوذهنّ وله حوذيّ = وقد أنشد بعضهم:.
يحوزهنّ وله حوزي = وهما متقاربا المعنى.
ومن لغة من قال أحاذ، قول لبيدٍ في صفة عيرٍ وأتنٍ:
إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها = وأوردها على عوجٍ طوال
يعني بقوله: وأحوذ جانبيها: غلبها وقهرها حتّى حاذ كلا جانبيه فلم يشذّ منها شيءٌ.
وكان القياس في قوله: {استحوذ عليهم الشّيطان} أن يأتي استحاذ عليهم، لأنّ الواو إذا كانت عين الفعل وكانت متحرّكةً بالفتح وما قبلها ساكنٌ، جعلت العرب حركتها في فاء الفعل قبلها، وحوّلوها ألفًا متبعةً حركة ما قبلها، كقولهم: استحال هذا الشّيء عمّا كان عليه من حال يحول، واستنار فلانٌ بنور اللّه من النّور، واستعاذ باللّه من عاذ يعوذ. وربّما تركوا ذلك على أصله، كما قال لبيدٌ: وأحوذ، ولم يقل: وأحاذ.
وبهذه اللّغة جاء القرآن في قوله: {استحوذ عليهم الشّيطان}.
وأمّا قوله: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} فلا خلاف بينهم في أنّ معناه: ولن يجعل اللّه للكافرين يومئذٍ على المؤمنين سبيلاً..
ذكر الخبر عمّن قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن يسيعٍ الحضرميّ، قال: كنت عند عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين أرأيت قول اللّه: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له عليّ: ادنه. ثمّ قال: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} يوم القيامة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن يسيعٍ الكنديّ في قوله: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال: كيف هذه الآية: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} فقال عليّ: ادنه {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه} يوم القيامة {للكافرين على المؤمنين سبيلا}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن ٍ يسيع الحضرميّ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، قال: سمعت سليمان يحدّث عن ذرٍّ عن رجلٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه قال في هذه الآية: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} قال: في الآخرة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} يوم القيامة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} قال: ذاك يوم القيامة.
وأمّا السّبيل في هذا الموضع فالحجّة. كما:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً} قال: حجّةً). [جامع البيان: 7/605-611]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا (141)
قوله تعالى: الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من الله قالوا ألم نكن معكم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة يعني قوله: الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم قال: هم المنافقين.
قوله تعالى: وإن كان للكافرين نصيبٌ.
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: نصيبٌ يعني: حظًّا.
قوله تعالى: ألم نستحوذ عليكم.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم يقول: نغلب عليكم.
قوله تعالى: ونمنعكم من المؤمنين.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة قال: هم المنافقون
- حدّثنا أبو هارون محمّد بن خالدٍ الحرّانيّ، ثنا عبد اللّه بن الجهم ثنا عمرٌو يعني ابن أبي قيسٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: يجتمع النّاس في صعيدٍ واحدٍ في أرضٍ بيضاء كأنّها سبيكةٌ فضّيّةٌ، ثمّ أوّل ما يقضى فيه من خصومات النّاس الدّماء، فيؤتى بالقاتل والمقتول فيوقفان بين يدي الرّحمن، فيقال له:
لم قتلته؟ فإن قتله للّه قال: قتلته لتكون العزّة للّه، قال: فيقال: فإنّها للّه، وإن كان قتله لخلقٍ من خلق اللّه يقول: قتلته لتكون العزّة لفلانٍ، فيقال: فإنّها ليست له، فيقتله يومئذ كل خلق لله قتلته ظالمًا غير أنّه يذاق الموت عدّة الأيّام الّتي أذاقها الآخر في الدّنيا.
قوله تعالى: ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا.
- حدّثنا أبي، ثنا معاذ بن أسدٍ المروزيّ، ثنا الفضل بن موسى ثنا الأعمش، عن ذرٍّ، عن يسيعٍ قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ فقال: أرأيت قول اللّه تعالى:
ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا قال: الكافر يقتل المؤمن والمؤمن يقتل الكافر، قال عليٌّ: ولن يجعل اللّه للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا.
وروي عن أبي مالكٍ، وعطاء الخرساني نحو ذلك.
قوله تعالى: سبيلا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: سبيلا قال: حجّةً). [تفسير القرآن العظيم: 4/1094-1095]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو بكرٍ الشّافعيّ، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن سبيعٍ الكنديّ، قال: كنت عند عليّ بن أبي طالبٍ فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، أرأيت قول اللّه تعالى: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة، ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا} [النساء: 141] وهم يقاتلونهم فيظهرون ويقتلون؟ فقال عليٌّ: " ادنه ادنه، ثمّ قال: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا} [النساء: 141] " هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه). [المستدرك: 2/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {الذين يتربصون بكم} قال: هم المنافقون يتربصون بالمؤمنين {فإن كان لكم فتح من الله} إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة قال المنافقون {ألم نكن معكم} قد كنا معكم فأعطونا من الغنيمة مثل ما تأخذون {وإن كان للكافرين نصيب} يصيبونه من المسلمين قال المنافقون للكفار {ألم نستحوذ عليكم} ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه قد نثبطهم عنكم
وأخرج ابن جرير عن السدي {ألم نستحوذ عليكم} قال: نغلب عليكم.
أخرج عبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه عن علي أنه قيل له: أرأيت هذه الآية {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وهم يقاتلونا فيظهرون ويقتلون فقال: ادنه ادنه ثم قال: فالله يحكم بينكم يوم القيامة {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، واخرج ابن جرير عن علي {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال في الآخرة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: ذاك يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: ذاك يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي مالك، مثله
وأخرج ابن جرير عن السدي {سبيلا} قال: حجة). [الدر المنثور: 5/79-81]


رد مع اقتباس