عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:49 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} [البقرة: إلى قوله: {إنّك إذًا لمن الظّالمين}
- حدّثنا خالد بن مخلدٍ، حدّثنا سليمان، حدّثني عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، بينما النّاس في الصّبح بقباءٍ، جاءهم رجلٌ فقال: «إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ، وأمر أن يستقبل الكعبة، ألا فاستقبلوها، وكان وجه النّاس إلى الشّأم، فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة» ). [صحيح البخاري: 6/ 22]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} إلى قوله: {إنّك إذا لمن الظّلمين}:

أي: هذا باب في ذكر قوله تعالى: {ولئن أتيت} إلى آخره، وهكذا هو في رواية أبي ذر، يعني: إلى قوله: {ما تبعوا قبلتك} الآية وفي رواية غيره إلى: {لمن الظّالمين} يعني: المذكور فيه. قوله: {ولئن أتيت}، جواب للقسم المحذوف، قال الزّمخشريّ: «قلت: لأن اللّام توطئة للقسم». قوله: {بكل آية} أي: بكل برهان. قوله: {ما تبعوا قبلتك} يعني: لم يؤمنوا بها، ثمّ حسم مادّة أطماعهم في رجوعه صلى الله عليه وسلم، إلى قبلتهم بقوله: {ولئن اتبعت أهواءهم} الآية، الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة.
- حدّثنا خالد بن مخلدٍ حدثنا سليمان حدّثني عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما بينما النّاس في الصّبح بقباءٍ جاءهم رجلٌ فقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه النّاس إلى الشّام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة.
مطابقته للآية تتأتى بالتعسف يوضحها من يمعن النّظر فيه. وخالد بن مخلد، بفتح الميم: البجليّ الكوفي، وسليمان هو ابن بلال. والحديث مرعن قريب. إلّا كلمة تحضيض وحث. قوله: {فاستقبلوها} أمر للجماعة). [عمدة القاري: 18/ 96]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك}
إلى قوله: {إنّك إذًا لمن الظّالمين}:
{ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب} اليهود {بكل آية} بكل برهان وحجة على أن الكعبة قبلة {ما تبعوا قبلتك} أي لم يؤمنوا بها ولا صلّوا إليها، ولام لئن أتت موطئة للقسم المحذوف وإن شرطية فاجتمع شرط وقسم فالجواب له إلى قوله: {إنك إذًا لمن الظالمين}.
والمعنى: ولئن اتبعت أهواءهم على سبيل الفرض، والتقدير وحاشاه الله من ذلك، ولأبي ذر بعد قوله: {ما تبعوا قبلتك} الآية وأسقط ما بعده.
- حدّثنا خالد بن مخلدٍ، حدّثنا سليمان قال: حدّثني عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- «بينما النّاس في الصّبح بقباءٍ جاءهم رجلٌ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه النّاس إلى الشّام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) هو ابن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه «قال: بينما الناس» بالميم «في» صلاة «الصبح بقباء جاءهم رجل» اسمه عباد بن بشر «فقال: إن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة قرآن» بالتنكير لأن المراد البعض أي قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات. وأطلق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا «وقد أمر» بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام «أن يستقبل الكعبة ألا» بتخفيف اللام «فاستقبلوها» بكسر الموحدة لا بفتحها كما لا يخفى «وكان وجه الناس إلى الشام) تفسير من الراوي «فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة» ولم يؤمروا بإعادة ما صلوه إلى جهة بيت المقدس لأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه). [إرشاد الساري: 7/ 17]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ}.
يعني بذلك تبارك اسمه: ولئن جئت يا محمّد اليهود والنّصارى بكلّ برهانٍ، وحجّةٍ وهي الآية بأنّ الحقّ هو ما جئتهم به من فرض التّحوّل من قبلة بيت المقدس في الصّلاة إلى قبلة المسجد الحرام، ما صدّقوا به ولا اتّبعوا مع قيام الحجّة عليهم بذلك قبلتك الّتي حوّلتك إليها وهي التّوجّه شطر المسجد الحرام.
وأجيبت لئن بالماضي من الفعل وحكمها الجوّاب بالمستقبل تشبيهًا لها ب لو فأجيبت بما تجاب به لو لتقارب معنييهما؛ وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى. وأجيبت {ولئن} بجواب الأيمان، ولا تفعل العرب ذلك إلاّ في الجزاء خاصّةً؛ لأنّ الجزاء مشابه اليمين في أنّ كلّ واحدٍ منهما لا يتمّ أوّله إلاّ بآخره، ولا يتمّ وحده، ولا يصحّ إلاّ بما يؤكّد به بعده، فلمّا بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء صارت اللاّم الأولى بمنزلة يمينٍ، والثّانية بمنزلة جوابٍ لها، كما قيل: لعمرك لتقومنّ إذ كثرت اللاّم من لعمرك حتّى صارت كحرفٍ من حروفه، فأجيب بما يجاب به الأيمان، إذ كانت اللاّم تنوب في الأيمان عن الأيمان دون سائر الحروف غيرها الّتي هي أحقّ به الأيمان، فتدلّ على الأيمان، وتعمل عمل الأجوبة، ولا تدلّ سائر أجوبة الأيمان على الأيمان؛ فشبّهت اللاّم الّتي هى جواب الأيمان بالأيمان لما وصفنا، فأجيبت بأجوبتها.
فكان معنى الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: والله لو أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك.
وأمّا قوله: {وما أنت بتابعٍ قبلتهم} يقول: وما لك من سبيلٍ يا محمّد إلى اتّباع قبلتهم، وذلك أنّ اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها، وأنّ النّصارى تستقبل المشرق، فأنّى يكون لك السّبيل إلى اتّباع قبلتهم مع اختلاف وجوهها. يقول: فالزم قبلتك الّتي أمرت بالتّوجّه إليها، ودع عنك ما تقوله اليهود، والنّصارى وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها.
وأمّا قوله: {وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ} فإنّه يعني بقوله: وما اليهود بتابعةٍ قبلة النّصارى، وما النّصارى بتابعةٍ قبلة اليهود فمتوجّهةٌ نحوها.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وما بعضهم بتابع قبلةٍ بعضٍ} يقول: «ما اليهود بتابعي قبلة النّصارى، ولا النّصارى بتابعي قبلة اليهود». قال: «وإنّما أنزلت هذه الآية من أجل أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا حوّل إلى الكعبة، قالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم} إلى قوله: {ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: «{وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ} مثل ذلك».
وإنّما قلنا: يعني جلّ ثناؤه بذلك أنّ اليهود، والنّصارى لا تجتمع على قبلةٍ واحدةٍ مع إقامة كلّ حزبٍ منهم على ملّتهم، فقال تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود، والنّصارى، فإنّه أمرٌ لا سبيل إليه؛ لأنّهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كلّ حزبٍ منهم، من أجل أنّك إن اتّبعت قبلة اليهود أسخطت النّصارى، وإن اتّبعت قبلة النّصارى أسخطت اليهود، فدع ما لا سبيل إليه، وادعهم إلى ما لهم السّبيل إليه من الاجتماع على ملّتك الحنيفيّة المسلمة، وقبلتك قبلة إبراهيم، والأنبياء من بعده). [جامع البيان: 2/ 666-669]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالي: {ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذًا لمن الظّالمين}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولئن اتّبعت أهواءهم} ولئن التمست يا محمّد رضا هؤلاء اليهود، والنّصارى الّذين قالوا لك ولأصحابك: {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}، فاتّبعت قبلتهم يعني فرجعت إلى قبلتهم.
ويعني بقوله: {من بعد ما جاءك من العلم} من بعد ما وصل إليك من العلم بإعلامي إيّاك أنّهم مقيمون على باطلٍ على عنادٍ منهم للحقّ ومعرفةٍ منهم بأنّ القبلة الّتي وجّهتك إليها هي القبلة الّتي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السّلام، وسائر ولده ومن بعده من الرّسل التّوجّه نحوها.
{إنّك إذًا لمن الظّالمين} يعني أنّك إذا فعلت ذلك من عبادي الظّلمة أنفسهم المخالفين أمري، والتّاركين طاعتي، وأحدهم، وفي عدادهم). [جامع البيان: 2/ 669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذًا لمن الظّالمين (145) الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون (146)}
قوله: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ}:
وبه عن السّدّيّ: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ} يقول: «ما اليهود بتابعي قبلة النّصارى، ولا النّصارى بتابعي قبلة اليهود». [تفسير القرآن العظيم: 1/ 255]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولئن اتّبعت أهواءهم}:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، قوله تعالى: {من بعد ما جاءك من العلم} فيما اقتصصت عليك من الخبر). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 255]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذل لمن الظالمين}:
أخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض} يقول: «لا اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود»). [الدر المنثور: 2/ 32]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {الذين آتينهم الكتب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «اليهود والنصارى يعرفون رسول الله في كتابهم كما يعرفون أبناءهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 206]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ} - إلى قوله - {فلا تكوننّ من الممترين}:
- حدّثنا يحيى بن قزعة، حدّثنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: «بينا النّاس بقباءٍ في صلاة الصّبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشّأم، فاستداروا إلى الكعبة»). [صحيح البخاري: 6/ 22]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحقّ} إلى قوله: {فلا تكوننّ من الممترين}

أي: هذا باب يذكر فيه: {الّذين آتيناهم} إلى آخره. وهذا هكذا رواية غير أبي ذر، ورواية أبي ذر هكذا: باب {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} إلى هنا فحسب. قوله: {يعرفونه} أي: يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم {كما يعرفون أبناءهم} بحيث لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم، وإنّما اختصّ الأبناء لأن الذّكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الآباء ألزم. قال الواحدي: «نزلت في مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم كما يعرفون أولادهم إذا رأوهم»، وقال ابن سلام: «لأنا كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف ذاك؟ قال: لأنّي أشهد أن محمّدًا رسول الله حقًا يقينا وأنا لا أشهد بذلك لابني لأنّي أدري ما أحدثت النّساء. فقال له عمر: وفقك الله». قوله: {وإن فريقاً منهم}، يعني: من علمائهم {ليكتمون} أي: صفة النّبي صلى الله عليه وسلم واستقبال الكعبة. قوله: {الحق من ربك} أي: الحق الّذي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليّ: الحق، بالنّصب على الإغراء. قوله: {من الممترين} أي: الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم وفي أنه من ربك، وقيل: الخطاب للرسول، والمراد الأمة.
- حدّثنا يحيى بن قزعة حدّثنا مالكٌ عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر قال: «بينا الناس بقباءٍ في صلاة الصّبح إذ جاءهم آتٍ فقال إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشّأم فاستداروا إلى الكعبة».
مطابقته للآية مثل ما ذكرنا في الحديث السّابق. والحديث قد مضى الآن وقد رواه هنا من وجه آخر). [عمدة القاري: 18/ 97]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ} إلى قوله: {فلا تكوننّ من الممترين}:

{الذين آتيناهم الكتاب} هم علماؤهم {يعرفونه} صلّى اللّه عليه وسلّم بنعته وصفته {كما يعرفون أبناءهم} روي أن: عمر سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «أنا أعلم به مني بابني. قال: ولم؟ قال: لأني لم أشك في محمد أنه نبي، فأما ولدي فلعلّ والدته خانت». زاد السمرقندي في روايته: «أقر الله عينك يا عبد الله»، وقيل الضمير في يعرفونه للقرآن، وقيل لتحويل القبلة وظاهر سياق الآية ثم يقتضي اختياره {وإن فريقًا منهم} طائفة من اليهود {ليكتمون الحق} محمدًا وما جاء به إلى قوله: {فلا تكونن من الممترين} الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به، والمراد الأمة لأن الرسول لا يشك، وسقط لأبي ذر {وإن فريقًا} إلى {الحق} قال إلى قوله: {فلا تكونن من الممترين} فزاد فلا تكوننّ.
- حدّثنا يحيى بن قزعة، حدّثنا مالكٌ عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر قال: «بينا النّاس بقباءٍ في صلاة الصّبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قد أنزل عليه اللّيلة قرآنٌ وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة».
وبه قال: (حدّثنا يحيي بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما أنه «قال: بينا الناس» بغير ميم «بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت» هو عباد بن بشر «فقال: إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة قرآن» أي قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآيات «وقد أمر»بضم الهمزة «أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها» بكسر الموحدة «وكانت وجوههم إلى الشام» من كلام الراوي «فاستداروا إلى الكعبة» وهذه طريقة أخرى للحديث السابق). [إرشاد الساري: 7/ 17-18]
قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق} إلى قوله: {من الممترين}.
قوله: {كما يعرفون أبناءهم} وروي أن عمر سأل عبدالله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم،
فقال: «إني أعلم به مني بابني، قال: لأني لم أشك في محمد أنه نبي، فأماولدي، فلعل والدته خانت». زاد السمرقندي في روايته: «أقرّ الله عينيك يا عبدالله»، وقيل: الضمير في يعرفونه للقرآن، وقيل: لتحويل القبلة وظاهر سياقه ثم يقتضي اختياره). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 38]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} أحبار اليهود، وعلماء النّصارى. يقول: يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود، والعلماء من النّصارى أنّ البيت الحرام قبلتهم، وقبلة إبراهيم، وقبلة الأنبياء قبلك كما يعرفون أبناءهم.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يقول: «يعرفون أنّ البيت الحرام هو القبلة».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قول اللّه عزّ وجلّ: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعني القبلة».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} عرفوا أنّ قبلة البيت الحرام هي قبلتهم الّتي أمروا بها، كما عرفوا أبناءهم».

- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعني بذلك الكعبة البيت الحرام».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعرفون الكعبة أنها هى قبلة الأنبياء، كما يعرفون أبناءهم».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «اليهود يعرفون أنّها هي القبلة مكّة».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، في قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «القبلة، والبيت»). [جامع البيان: 2/ 669-671]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}.
يقول جلّ ثناؤه: وإن طائفةٌ من الّذين أوتوا الكتاب وهم اليهود، والنّصارى وكان مجاهدٌ، يقول: «هم أهل الكتاب».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو يعني الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، مثله.
{ليكتمون الحقّ} وذلك الحقّ هو القبلة الّتي وجّه اللّه عزّ وجلّ إليها نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، بقوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} الّتي كانت الأنبياء من قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يتوجّهون إليها. فكتمتها اليهود، والنّصارى، فتوجّه بعضهم شرقًا وبعضهم نحو بيت المقدس، ورفضوا ما أمرهم اللّه به، وكتموا مع ذلك أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل. فأطلع اللّه عزّ وجلّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته على خيانتهم اللّه تبارك وتعالى، وعباده، بكتمانهم ذلك، وأخبر أنّهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علمٍ منهم بأنّ الحقّ غيره، وأنّ الواجب عليهم من اللّه جلّ ثناؤه خلافه، فقال: ليكتمون الحقّ وهم يعلمون أنّه ليس لهم كتمانه، فيتعمّدون معصية اللّه تبارك وتعالى.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: «{وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون} فكتموا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليكتمون الحقّ وهم يعلمون} قال: «يكتمون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون} يعني القبلة» ). [جامع البيان: 2/ 671- 673]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين}:
يقول اللّه جلّ ثناؤه: اعلم يا محمّد أنّ الحقّ ما أعلمك ربّك وأتاك من عنده، لا ما يقول لك اليهود، والنّصارى. وهذا من اللّه تعالى ذكره خبرٌ لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام عن أنّ القبلة الّتي وجّهه نحوها هي القبلة الحقّ الّتي كان عليها إبراهيم خليل الرّحمن، ومن بعده من أنبياء اللّه. يقول تعالى ذكره له: فاعمل بالحقّ الّذي أتاك من ربّك يا محمّد ولا تكوننّ من الممترين، يعني بقوله {فلا تكوننّ من الممترين} أي فلا تكوننّ من الشّاكّين في أنّ القبلة الّتي وجّهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السّلام وقبلة الأنبياء غيره.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثني إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: «قال اللّه تعالى ذكره لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} يقول: لا تكن في شكٍّ أنّها قبلتك، وقبلة الأنبياء من قبلك».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {فلا تكوننّ من الممترين} قال: «من الشّاكّين» قال: «لا تشكّنّ في ذلك» وإنما الممتري: مفتعل من المريّة، والمريّة: هي الشّكّ، ومنه قول الأعشى:


تدرّ على أسؤق الممتري ....... ن ركضًا إذا ما السّراب ارجحنّ

فإن قال لنا قائلٌ: أوكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شاكًّا في أنّ الحقّ من ربّه، أو في أنّ القبلة الّتي وجّهه اللّه إليها حقٌّ من اللّه تعالى ذكره حتّى نهي عن الشّكّ في ذلك فقيل له: {فلا تكوننّ من الممترين}، قيل: ذلك من الكلام الّذي تخرجه العرب مخرج الأمر والنّهي للمخاطب به، والمراد به غيره، كما قال جلّ ثناؤه: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين} ثمّ قال: {واتّبع ما يوحى إليك من ربّك إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} فخرج الكلام مخرج الأمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والنّهي له، والمراد به أصحابه المؤمنون به. وقد بيّنّا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 2/ 674]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}:
اختلف في تفسيره فأحد ذلك:
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعني بذلك الكعبة البيت الحرام».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السدي: «{يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعرفون الكعبة أنّها هي قبلة الأنبياء كما يعرفون أبناءهم». وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنس، والحاك، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن خصيف بن عبد الرّحمن، في قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «
هم اليهود والنّصارى، يعرفون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصفته في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 255]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ فريقًا منهم}:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإنّ فريقًا منهم} قال: «أهل الكتاب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ليكتمون الحق}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: «{وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ} يعني القبلة».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {
ليكتمون الحقّ} قال: «يكتمون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (147) ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (148)}:
قوله: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين}:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع: قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} يقول: «فلا تكوننّ في شكٍّ من ذلك فإنّها قبلتك وقبلة الأنبياء قبلك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}:
اختلف في تفسيره فأحد ذلك:
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: «{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعني بذلك الكعبة البيت الحرام».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السدي: «{يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} يعرفون الكعبة أنّها هي قبلة الأنبياء كما يعرفون أبناءهم». وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنس، والحاك، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن خصيف بن عبد الرّحمن، في قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «
هم اليهود والنّصارى، يعرفون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصفته في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 255]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ فريقًا منهم}:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإنّ فريقًا منهم} قال: «أهل الكتاب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ليكتمون الحق}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: «{وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ} يعني القبلة».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {
ليكتمون الحقّ} قال: «يكتمون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (147) ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (148)}
قوله: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (147)}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، قال اللّه عزّ وجلّ- لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} يقول: «فلا تكوننّ في شكٍّ من ذلك فإنّها قبلتك وقبلة الأنبياء قبلك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{وإن فريقا منهم} يعني من أهل الكتاب ليكتمون الحق»). [تفسير مجاهد: 91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}:
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب} قال: «اليهود والنصارى {يعرفونه} أي يعرفون رسول الله في كتابهم {كما يعرفون أبناءهم}».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة».
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: «يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة التي أمروا بها {وإن فريقا منهم ليكتمون الحق} يعني القبلة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإن فريقا منهم} قال: «أهل الكتاب {ليكتمون الحق وهم يعلمون} قال: يكتمون محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} قال: «زعموا أن بعض أهل المدينة من أهل الكتاب ممن أسلم قال: والله لنحن أعرف به منا بأبنائنا من الصفة والنعت الذي نجده في كتابنا وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء».
وأخرج الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام: قد أنزل الله على نبيه {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكيف يا عبد الله هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام: ياعمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان وأنا أشد معرفة بمحمد مني بابني فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: إنه رسول الله حق من الله وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء، فقال له عمر: وفقك الله يا ابن سلام».
وأخرج الطبراني عن سلمان الفارسي قال: «خرجت أبتغي الدين فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب قال الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكانوا يقولون: هذا زمان نبي قد أظل يخرج من أرض العرب له علامات من ذلك شامة مدورة بين كتفيه خاتم النبوة»). [الدر المنثور: 2/ 32-34]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}:
أخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير عن أبي العالية قال: «قال الله لنبيه {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} يقول: لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة لأنبياء قبلك»). [الدر المنثور: 2/ 34]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} قال: «هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 62]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعًا إنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن أبي سنان، عن الضّحّاك بن مزاحم، في قوله: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «لكلّ أهل دينٍ قبلة يصلّون إليها، {فاستبقوا الخيرات} يقول لهذه الأمة: {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعًا} قال: البر والفاجر»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 629]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني أبو إسحاق، قال: سمعت البراء رضي اللّه عنه قال: «صلّينا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر، أو سبعة عشر شهرًا، ثمّ صرفه نحو القبلة»). [صحيح البخاري: 6/ 22]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: باب {ولكل وجهة هو موليها} الآية.
كذا لأبي ذرٍّ ولغيره إلى كلّ شيءٍ قديرٍ.
- قوله: «صلّينا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا ثمّ صرفه نحو القبلة» في رواية الكشميهنيّ: «ثمّ صرفوا» وهذا طرفٌ من حديث البراء المشار إليه قريبا). [فتح الباري: 8/ 174]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {ولكلّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ}

أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {ولكل وجهة}، هكذا هو في رواية غير أبي ذر، وفي رواية أبي ذر هكذا: باب {ولكل وجهة هو موليها} الآية. قوله: {ولكل}. أي: ولكل من أهل الأديان {وجهة} أي: قبلة. وفي قراءة أبي: ولكل قبلة. قوله: {هو موليها} أي: هو موليها وجهه، فحذف أحد المفعولين. قوله: {فاستبقوا الخيرات} أي: فتوجهوا الكعبة وأعرضوا عن قول الكفّار فإن الله يجازيهم يوم القيامة. قوله: {أينما} ظرف لتكونوا. وقوله: {يأت بكم الله جميعًا} جزاء، ولهذا أجزم الفعلين، يعني: يأت بهم للجزاء من موافق ومخالف لا تعجزونه {إن الله على كل شيء قدير} ). [عمدة القاري: 18/ 97]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}:
{ولكل} وفي نسخة باب ولكل من أهل الملل {وجهة} قبلة {هو موليها} وجهه،{فاستبقوا الخيرات} من أمر القبلة وغيرها، {أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا إن الله على كل شيء قدير} أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله هو موليها الآية وسقط ما بعدها.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى عن سفيان، حدّثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء -رضي الله عنه- قال: «صلّينا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر -أو سبعة عشر شهرًا- ثمّ صرفه نحو القبلة».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء) بن عازب (رضي الله تعالى عنه قال: صلينا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس» أي ونحن بالمدينة «ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا» بالشك من الراوي «ثم صرفه» أي صرف الله عز وجل نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم صرفوا بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي صرف الله تعالى نبيه وأصحابه «نحو القبلة» أي الكعبة الحرام.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة والنسائي فيها وفي التفسير). [إرشاد الساري: 7/ 18]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها}:
يعني بقوله: {ولكلٍّ} ولكلّ أهل ملّةٍ، فحذف أهل الملّة واكتفى بدلالة الكلام عليه.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {ولكلٍّ وجهةٌ} قال: «لكلّ صاحب ملّةٍ».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} فلليهودى وجهةٌ هو مولّيها وللنّصارانى وجهةٌ هو مولّيها، وهداكم اللّه عزّ وجلّ أنتم أيّتها الأمّة للقبلة الّتي هي قبله».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، قوله: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «كلّ أهل دينٍ اليهود، والنّصارى» قال ابن جريجٍ. قال مجاهدٌ: «لكلّ صاحب ملّةٍ».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «لليهود قبلةٌ، وللنّصارى قبلةٌ، ولكم قبلةٌ». يريد المسلمين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} يعني بذلك أهل الأديان، يقول: لكلٍّ قبلةٌ يرضونها، ووجه اللّه تبارك وتعالى اسمه حيث توجّه المؤمنون؛ وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} يقول: «لكلّ قومٍ قبلةٌ قد ولّوها».
فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية: ولكلّ أهل ملّةٍ قبلةٌ هو مستقبلها ومولٍّ وجهه إليها.
وقال آخرون بما:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة».
وتأويل قائلى هذه المقالة: ولكلّ ناحيةٍ وجّهك إليها ربّك يا محمّد قبلة اللّه عزّ وجلّ مولّيها عباده.
وأمّا الوجهة فإنّها مصدرٌ مثل القعدة والمشية من التّوجّه، وتأويلها: متوجّهٌ يتوجّه إليه بوجهه في صلاته.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «وجهةٌ: قبلةٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {ولكلٍّ وجهةٌ} قال: «وجهٌ».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «وجهةٌ: قبلةٌ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، قال: قلت لمنصورٍ، {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «نحن نقرؤها: ولكلٍّ جعلنا قبلةً يرضونها».
وأمّا قوله: {هو مولّيها} فإنّه يعني: هو مولٍّ وجهه إليها ومستقبلها.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {هو مولّيها} قال: «هو مستقبلها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
ومعنى التّولية ها هنا الإقبال، كما يقول القائل لغيره: انصرف إليّ، بمعنى أقبل إليّ، والانصراف المستعمل إنّما هو الانصراف عن الشّيء، ثمّ يقال: انصرف إلى الشّيء بمعنى أقبل إليه منصرفًا عن غيره. وكذلك يقال: ولّيت عنه: إذا أدبرت عنه، ثمّ يقال: ولّيت إليه بمعنى أقبلت إليه مولّيًا عن غيره.
والفعل، أعنّي التّولية في قوله: {هو مولّيها} للكلّ وهو الّتي مع مولّيها هى الكلّ وحدّت للفظ الكلّ. فمعنى الكلام إذًا: ولكلّ أهل ملّةٍ وجهةٌ، الكلّ منهم مولّوها وجوههم.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ وغيره أنّهم قرءوا: هو مولاّها بمعنى أنّه موجّهٌ نحوها ويكون الكل حينئذٍ غير مسمًّى فاعله، ولو سمّي فاعله لكان الكلام: ولكلّ ذي ملّةٍ وجهةٌ اللّه مولّيه إيّاها، بمعنى موجّهه إليها، وقد ذكر عن بعضهم أنّه قرأ ذلك: ولكلٍّ وجهةٌ بترك التّنوين والإضافة، وذلك لحنٌ، لا تجوز القراءة به؛ لأنّ ذلك إذا قرئ كذلك كان الخبر غير تامٍّ، وكان كلامًا لا معنى له، وذلك غير جائزٍ أن يكون من اللّه تعالى ذكره.
والصّواب عندنا من القراءة في ذلك: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} بمعنى: ولكلٍّ وجهةٌ وقبلةٌ ذلك الكلّ مولٍّ وجهه نحوها، لإجماع الحجّة من القرّاء على قراءة ذلك كذلك، وتصويبها إيّاها، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره. وما جاء به النّقل مستفيضًا فحجّةٌ، وما انفرد به من كان جائزًا عليه السّهو والغلط فغير جائز الاعتراض به على الحجّة). [جامع البيان: 2/ 674-679]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {فاستبقوا} فبادروا وسارعوا من الاستباق، وهو المبادرة والإسراع.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فاستبقوا الخيرات} يقول: «فسارعوا في الخيرات».
وإنّما يعني بقوله: {فاستبقوا الخيرات} أي قد بيّنت لكم أيّها المؤمنون الحقّ وهديتكم للقبلة الّتي ضلّت عنها اليهود، والنّصارى وسائر أهل الملل غيركم، فبادروا بالأعمال الصّالحة شكرًا لربّكم، وتزوّدوا في دنياكم لأخراكم، فإنّي قد بيّنت لكم سبيل النّجاة فلا عذر لكم في التّفريط، وحافظوا على قبلتكم، ولا تضيّعوها كما ضيّعها الأمم قبلكم فتضلّوا كما ضلّت.
- كالّذي حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فاستبقوا الخيرات} يقول: «لا تغلبنّ على قبلتكم».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فاستبقوا الخيرات} قال: «الأعمال الصّالحة»). [جامع البيان: 2/ 679-680]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}:
ومعنى قوله: {أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا} في أيّ مكانٍ وبقعةٍ تهلكون فيه يأت بكم اللّه جميعًا يوم القيامة {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- كما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا} يقول: «أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا يوم القيامة».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا} يعني يوم القيامة».
وإنّما حضّ اللّه عزّ وجلّ المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتّزوّد في الدّنيا للآخرة، فقال جلّ ثناؤه لهم: استبقوا أيّها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربّكم، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه، فإنّ اللّه تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعًا يوم القيامة من حيث كنتم من بقاع الأرض، حتّى يوفّى المحسن منكم جزاءه بإحسانه، والمسيء عقابه بإساءته، أو يتفضّل فيصفح.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} فإنّه تعالى ذكره يعني أنّ اللّه تعالى على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم إليه من حيث كنتم وكانت قبوركم وعلى غير ذلك ممّا يشاء قادرٌ، فبادروا خروج أنفسكم بالصّالحات من الأعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم). [جامع البيان: 2/ 680-681]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لكل وجهة هو موليها}:
الوجه الأول:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثنا عمّي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: {لكل وجهةٌ هو مولّيها} «يعني بذلك: أهل الأديان، يقول: لكلٍّ قبلةٌ يرضونها. ووجه اللّه حيث توجّه المؤمنون».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لكل وجهةٌ هو مولّيها} قال: «لليهوديّ وجهةٌ هو موليها وللنصارى وجهةٌ هو مولّيها، وهداكم اللّه أنتم أيّتها الأمّة القبلة الّتي هي القبلة». وروي عن مجاهدٍ في أحد قوليه. والضّحّاك، وعطاءٍ، والسّدّيّ، والربيع نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {لكل وجهةٌ هو مولّيها}
قال: «أمر كلّ قومٍ أن يصلّوا إلى الكعبة». وروي عن الحسن نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لكل وجهةٌ هو مولّيها} قال: «هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 256-257]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {موليها}:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا أبي، عن هارون النّحويّ عن حنظلة، عن شهرٍ عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: {لكل وجهةٌ هو مولّيها}
مضافٌ، قال: «مواجهها». قال: «صلّوا نحو بيت المقدس مرّةً، ونحو الكعبة مرة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 257]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {استبقوا الخيرات}:
الوجه الأوّل:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: {استبقوا الخيرات}
يقول: «سارعوا في الخيرات» وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن حبابٍ، عن أبي سنانٍ، عن الضحاك: {استبقوا الخيرات}
قال: «أمّة محمّدٍ».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن بشّارٍ، ثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: {استبقوا الخيرات} قال: «فاستبقوا إلى الخيرات، واثبتوا على قبلتكم فإنّها وجه اللّه الّتي وجّه إليها من صدّق نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وآمن به»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 257]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{يأت بكم اللّه جميعًا}
يعني: يوم القيامة». وروي عن السّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {أين ما تكونوا} قال: «من الأرض».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا بن الحباب، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا} قال: «البرّ والفاجر»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 258]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إن الله على كل شيء قدير}:
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 258]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «يقول لكل صاحب ملة قبلة فهو مستقبلها»). [تفسير مجاهد: 91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{ولكل وجهة} يعني بذلك أهل الأديان، يقول: لكل قبلة يرضونها ووجه الله حيث توجه المؤمنون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {ولكل وجهة هو موليها} مضاف قال: «مواجهها» قال: «صلوا نحو بيت المقدس مرة ونحو الكعبة قبلة».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة {ولكل وجهة هو موليها} قال: «هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف عن منصور قال: «نحن نقرؤها (ولكل جعلنا قبلة يرضونها)».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولكل وجهة هو موليها} قال: «لكل صاحب ملة قبلة وهو مستقبلها».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية: {ولكل وجهة هو موليها} قال: «لليهود وجهة هو موليها وللنصارى وجهة هو موليها فهداكم الله أنتم أيتها الأمة القبلة التي هي القبلة».
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {ولكل وجهة هو موليها} ). [الدر المنثور: 2/ 34-35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} الآية.
أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {فاستبقوا الخيرات}
يقول: «لاتغلبن على قبلتكم».
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله: {فاستبقوا الخيرات} قال: «فسارعوا في الخيرات»، {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا} قال: «يوم القيامة».
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في "سننه" عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته»). [الدر المنثور: 2/ 35-36]


رد مع اقتباس