عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:47 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {قل أتحاجّوننا في اللّه} قل يا محمّد لمعاشر اليهود والنّصارى الّذين قالوا لك ولأصحابك كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا، وزعموا أنّ دينهم خيرٌ من دينكم، وكتابهم خيرٌ من كتابكم لأنّه كان قبل كتابكم، وزعموا أنّهم من أجل ذلك أولى باللّه منك: أتحاجّوننا في اللّه، وهو ربّنا وربّكم، بيده الخيرات، وإليه الثّواب والعقاب، والجزاء على الأعمال الحسنات منها والسّيّئات، فتزعمون أنّكم باللّه أولى منّا من أجل أنّ نبيّكم قبل نبيّنا، وكتابكم قبل كتابنا، وربّكم وربّنا واحدٌ، وإنّما لكلّ فريقٍ منّا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيّئها، وعليها يجازى فيثاب أو يعاقب لا على الأنساب وقدم الدّين والكتاب.
ويعني بقوله: {قل أتحاجّوننا} قل أتخاصموننا وتجادلوننا.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{قل أتحاجّوننا في اللّه} قل أتخاصموننا».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{قل أتحاجّوننا} أتخاصموننا».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{أتحاجّوننا} أتجادلوننا».فأمّا قوله: {ونحن له مخلصون} فإنّه يعني: ونحن للّه مخلصو العبادة والطّاعة لا نشرك به شيئًا، ولا نعبد غيره أحدًا، كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان، وأصحاب العجل معه العجل. وهذا من اللّه تعالى ذكره توبيخٌ لليهود واحتجاجٌ لأهل الإيمان، بقوله تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا أيّها المؤمنون لليهود والنّصارى الّذين قالوا لكم: {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} أتجادلوننا في اللّه وإنما يعني بقوله: {في اللّه} في دين اللّه الّذي أمرنا أن ندينه به، وربّنا وربّكم واحدٌ عدلٌ لا يجور، وإنّما يجازى العباد على ما اكتسبوا. وتزعمون أنّكم أولى باللّه منّا لقدم دينكم وكتابكم ونبيّكم، ونحن مخلصون له العبادة لم نشرك به شيئًا، وقد أشركتم في عبادتكم إيّاه، فعبد بعضكم العجل وبعضكم المسيح. فأنّى تكونوا خيرًا منّا، وأولى باللّه منّا). [جامع البيان: 2/ 607-608]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم}:
- ذكر عن محمّد بن الصّلت ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {قل أتحاجّوننا في اللّه} قال: «أتخاصموننا في الله»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /245]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ونحن له مخلصون}:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ ثنا سفيان الثّوريّ عن عبد العزيز بن رفيعٍ عن أبي ثمامة: «قال الحواريّون: يا روح اللّه أخبرنا من المخلص للّه، قال: الّذي يعمل للّه لا يحبّ أن يحمده النّاس»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون * أم تقولون إن إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون * تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون}:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أتحاجوننا في الله} قال: «أتخاصمونا».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: «{أتحاجوننا} تجادلوننا»). [الدر المنثور: 1/ 728]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}.

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال: وحدثنا معمر عن قتادة في قوله: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} قال: الشهادة النبي مكتوبا عندهم هو الذي كتموا ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (
القول في تأويل قوله تعالى: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}.

قال أبو جعفرٍ: في قراءة ذلك وجهان؛ أحدهما: {أم تقولون} بالتّاء، فمن قرأ كذلك فتأويله: قل يا محمّد للقائلين لك من اليهود والنّصارى {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} أتجادلوننا في اللّه أم تقولون إنّ إبراهيم؟ فيكون ذلك معطوفًا على قوله: {أتحاجّوننا في اللّه}. والوجه الآخر منهما (أم يقولون) بالياء. ومن قرأ ذلك كذلك وجّه قوله: (أم يقولون) إلى أنّه استفهامٌ مستأنفٌ، كقوله: {أم يقولون افتراه} وكما يقال: إنّها لإبلٌ أم شاءٌ. وإنّما جعله استفهامًا مستأنفًا لمجيء خبرٍ مستأنفٍ، كما يقال: أتقوم أم يقوم أخوك؟ فيصير قوله: أم يقوم أخوك خبرًا مستأنفًا بجملةٍ ليست من الأوّل واستفهامًا مبتدأً. ولو كان نسقًا على الاستفهام الأوّل لكان خبرًا عن الأوّل، فقيل: أتقوم أم تقعد.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ ذلك إذا قرئ كذلك بالياء، فإن كان الّذي بعد أم جملةً تامّةً فهو عطفٌ على الاستفهام الأوّل؛ لأنّ معنى الكلام: قيل أيّ هذين الأمرين كائنٌ، هذا أم هذا؟.
والصّواب من القراءة عندنا في ذلك: {أم تقولون} بالتّاء دون الياء عطفا على قوله: {قل أتحاجّوننا} بمعنى: أيّ هذين الأمرين تفعلون؟ أتجادلوننا في دين اللّه، فتزعمون أنّكم أولى منّا، وأهدى منّا سبيلاً، وأمرنا وأمركم ما وصفنا على ما قد بيّنّاه آنفًا، أم تزعمون أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن سمّى اللّه كانوا هودًا أو نصارى على ملّتكم، فيضحّ للنّاس بهتكم وكذبكم؛ لأنّ اليهوديّة والنّصرانيّة حدثت بعد هؤلاء الّذين سمّاهم اللّه من أنبيائه، وغير جائزةٍ قراءة ذلك بالياء لشذوذها عن قراءة القرّاء.
وهذه الآية أيضًا احتجاجٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على اليهود والنّصارى الّذين ذكر اللّه قصصهم. يقول اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء اليهود والنّصارى: أتحاجّوننا في اللّه، وتزعمون أنّ دينكم أفضل من ديننا، وأنّكم على هدًى ونحن على ضلالةٍ ببرهانٍ من اللّه تعالى ذكره فتدعوننا إلى دينكم؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتّبعكم عليه. أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى على دينكم؟ فهاتوا على دعواكم ما ادّعيتم من ذلك برهانًا فنصدّقكم. فإنّ اللّه قد جعلهم أئمّةً يقتدى بهم. ثمّ قال تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد إن ادّعوا أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى: أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان أم اللّه؟). [جامع البيان: 2/ 608-610]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه}:
يعني: فإن زعمت يا محمّد اليهود والنّصارى الّذين قالوا لك ولأصحابك كونوا هودًا أو نصارى، أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى، فمن أظلم منهم؟ يقول: وأيّ امرئٍ أظلم منهم وقد كتموا شهادةً عندهم من اللّه بأنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين. فكتموا ذلك ونحلوهم اليهوديّة والنّصرانيّة.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك.
- فحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} قال: «في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنّهم كانوا يهودًا أو نصارى. فيقول اللّه: لا تكتموا منّي شهادةً إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنّهم كاذبون».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنّهم كانوا يهودًا أو نصارى. فقال اللّه لهم: لا تكتموا منّي الشّهادة فيهم إن كانت عندكم فيهم. وقد علم اللّه أنّهم كانوا كاذبين».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني إسحاق، عن أبي الأشهب، عن الحسن: «أنّه تلا هذه الآية: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل...} إلى قوله: {قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} قال الحسن: واللّه لقد كان عند القوم من اللّه شهادةٌ أنّ أنبياءه برآء من اليهوديّة والنّصرانيّة، كما أنّ عند القوم من اللّه شهادةً أنّ أموالكم ودماءكم بينكم حرامٌ، فبم استحلّوها؟».
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: قوله: «{ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنّه دين اللّه، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل: أنّهم لم يكونوا يهود ولا نصارى، وكانت اليهوديّة والنّصرانيّة بعد هؤلاء بزمانٍ».
وإنّما عنى تعالى ذكره بذلك أنّ اليهود والنّصارى إن ادّعوا أنّ إبراهيم ومن سمّي معه في هذه الآية كانوا هودًا أو نصارى، تبيّن لأهل الشّرك الّذين هم نصراؤهم كذبهم وادّعاؤهم على أنبياء اللّه الباطل؛ لأنّ اليهوديّة والنّصرانيّة حدثت بعدهم، وإن هم نفوا عنهم اليهوديّة والنّصرانيّة، قيل لهم: فهلمّوا إلى ما كانوا عليه من الدّين، فإنّا وأنتم مقرّون جميعًا بأنّهم كانوا على حقٍّ، ونحن مختلفون فيما خالف الدّين الّذي كانوا عليه.
وقال آخرون: بل عنى تعالى ذكره بقوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} اليهود في كتمانهم أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى} أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنّه دين اللّه، واتّخذوا اليهوديّة والنّصرانيّة، وكتموا محمّدًا وهم يعلمون أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: قوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه}، قال: «الشّهادة: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبٌ عندهم، وهو الّذي كتموا».
- حدّثني المثنّى قال: ثنى إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، نحو حديث بشر بن معاذٍ عن يزيد بن زريع.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} قال: «هم يهودٌ يسألون عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعن صفته في كتاب اللّه عندهم، فيكتمون الصّفة».
وإنّما اخترنا القول الّذي قلناه في تأويل ذلك؛ لأنّ قوله تعالى ذكره: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} في أثر قصّة من سمّى اللّه من أنبيائه، وأمام قصّه لهم. فأولى بالّذي هو بين ذلك أن يكون من قصصهم دون غيره.
فإن قال قائلٌ: وأيّة شهادةٍ عند اليهود والنّصارى من اللّه في أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط؟
قيل: الشّهادة الّتي عندهم من اللّه في أمرهم، ما أنزل اللّه إليهم في التّوراة والإنجيل، وأمرهم فيهما بالاستنان بسنّتهم واتّباع ملّتهم، وأنّهم كانوا حنفاء مسلمين. وهي الشّهادة الّتي عندهم من اللّه الّتي كتموها حين دعاهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإسلام، فقالوا له: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى} وقالوا له ولأصحابه: {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}، فأنزل اللّه فيهم هذه الآيات بتكذيبهم وكتمانهم الحقّ، وافترائهم على أنبياء اللّه الباطل والزّور). [جامع البيان: 2/ 613]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}:

يعني تعالى ذكره بذلك: وقل لهؤلاء اليهود والنّصارى الّذين يحاجّونك يا محمّد: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} من كتمانكم الحقّ فيما ألزمكم في كتابه بيانه للنّاس، من أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وأمر الإسلام، وأنّهم كانوا مسلمين، وأنّ الحنيفيّة المسلمة دين اللّه الّذي على جميع الخلق الدّينونة به دون اليهوديّة والنّصرانيّة وغيرهما من الملل. ولا هو ساهٍ عن عقابكم على فعلكم ذلك، بل هو محصٍ عليكم حتّى يجازيكم به من الجزاء ما أنتم له أهلٌ في عاجل الدّنيا وآجل الآخرة. فجازاهم عاجلاً في الدّنيا بقتل بعضهم وتشريد بعضهم وإجلائه عن وطنه وداره، وهو مجازيهم في الآخرة العذاب المهين). [جامع البيان: 2/ 613-614]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (140) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (141)}.
قوله: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «زعم اليهود والنّصارى أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى وإنّما كانت اليهوديّة بعد هؤلاء بزمانٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 246]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من الله...} الآية:
- وبه عن أبي العالية: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} قال: «هم اليهود والنّصارى كتموا الإسلام، وهم يعلمون أنّه دين اللّه، وكتموا محمّدًا- صلّى اللّه عليه وسلّم- وهم يعلمون أنّه رسول اللّه، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل أنّه ليس يهوديًّا ولا نصرانيًّا» وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشار حدثني سرور ابن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} فقال: «كانت شهادة اللّه الّذي كتموا أنّهم كانوا يقرءون في كتاب اللّه الّذي أتاهم إنّ الدّين الإسلام، وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وأنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برّاءً من اليهوديّة والنّصرانيّة. فشهدوا للّه بذلك، وأقرّوا به على أنفسهم للّه فكتموا شهادة اللّه عندهم من ذلك». فذلك ما كتموا من شهادة اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 246]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «هذا في قول اليهود والنصارى إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى فقال الله عز وجل لهم لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم وقد علم الله أنهم يكذبون»). [تفسير مجاهد: 89-90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} قال: «في قول يهود لإبراهيم وإسمعيل ومن ذكر معهما أنهم كانوا يهودا أو نصارى فيقول الله لهم: لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم وقد علم الله أنهم كاذبون».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {ومن أظلم ممن كتم شهادة} الآية، قال: «أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله واتخذوا اليهودية والنصرانية وكتموا محمد وهم يعلمون أنه رسول الله».
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} قال: «كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه براء من اليهودية والنصرانية»). [الدر المنثور: 1/ 729]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}.

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {تلك أمّةٌ} إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: قوله تعالى: «{تلك أمّةٌ قد خلت} يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله.
وقد بيّنّا فيما مضى أنّ الأمّة: الجماعة.
فمعنى الآية إذًا: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين يجادلونك في اللّه من اليهود والنّصارى أن كتموا ما عندهم من الشّهادة في أمر إبراهيم ومن سمّينا معه،
وأنّهم كانوا مسلمين، وزعموا أنّهم كانوا هودًا أو نصارى فكذبوا: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أمّةٌ قد خلت؛ أي مضت لسبيلها، فصارت إلى ربّها، وخلت بأعمالها وإنما، لها عند اللّه ما كانت كسبت من خيرٍ في أيّام حياتها، وعليها ما اكتسبت من شرٍّ، لا ينفعها غير صالح أعمالها، ولا يضرّها إلاّ سيّئها. فاعلموا أيّها اليهود والنّصارى ذلك، فإنّكم إن كان هؤلاء وهم الّذين بهم تفتخرون وتزعمون أنّ بهم ترجون النّجاة من عذاب ربّكم مع سيّئاتكم، وعظيم خطيئاتكم، لا ينفعهم عند اللّه غير ما قدّموا من صالح الأعمال، ولا يضرّهم غير سيّئها؛ فأنتم كذلك أحرى أن لا ينفعكم عند اللّه غير ما قدّمتم من صالح الأعمال، ولا يضرّكم غير سيّئها. فاحذروا على أنفسكم وبادروا خروجها بالتّوبة والإنابة إلى اللّه ممّا أنتم عليه من الكفر والضّلالة والفرية على اللّه وعلى أنبيائه ورسله، ودعوا الأنكال على فضائل الآباء والأجداد، فإنّما لكم ما كسبتم، وعليكم ما اكتسبتم، ولا تسألون عمّا كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعملون من الأعمال، لأنّ كلّ نفسٍ قدمت على اللّه يوم القيامة، فإنّما تسأل عمّا كسبت وأسلفت دون ما أسلف غيرها). [جامع البيان: 2/ 614-615]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تلك أمّةٌ}:
- حدّثنا أبي ثنا ابن الطّبّاع ومسدّدٌ ومحمّد بن بشّارٍ قالوا: ثنا يحيى بن سعيدٍ عن الحكم بن فرّوخ قال: قال أبو المليح: «الأمّة ما بين الأربعين إلى المائة فصاعدًا».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني مولى آل زيد بن ثابتٍ يعني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتّبعنا يا محمّد تهتدي. وقالت النّصارى مثل ذلك، فأنزل اللّه {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 246-247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله: {تلك أمة قد خلت} قالا: «يعني إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط».
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي المليح قال: «الأمة ما بين الأربعين إلى المائة فصاعدا»). [الدر المنثور: 1/ 729]


رد مع اقتباس