عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن قتادة، في قوله: {من كان عدوا لجبريل} قال:
«قالت اليهود: إن جبريل يأتي محمدا وهو عدونا، لأنه يأتي بالشدة والحرب والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فجبريل عدونا، فقال: {من كان عدوا لجبريل}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 52-53]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {من كان عدوًّا لجبريل}
وقال عكرمة: «جبر وميك وسراف: عبدٌ، إيل: اللّه».

- حدّثنا عبد اللّه بن منيرٍ، سمع عبد اللّه بن بكرٍ، حدّثنا حميدٌ، عن أنسٍ، قال: سمع عبد اللّه بن سلامٍ، بقدوم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ: فما أوّل أشراط السّاعة؟، وما أوّل طعام أهل الجنّة؟، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمّه؟، قال: «أخبرني بهنّ جبريل آنفًا»، قال: جبريل؟، قال: «نعم»، قال: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه}. «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنارٌ تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعامٍ يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوتٍ، وإذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت»، قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّك رسول اللّه، يا رسول اللّه، إنّ اليهود قومٌ بهتٌ، وإنّهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجلٍ عبد اللّه فيكم». قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، قال: «أرأيتم إن أسلم عبد اللّه بن سلامٍ». فقالوا: أعاذه اللّه من ذلك، فخرج عبد اللّه فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا رسول اللّه، فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، وانتقصوه، قال: فهذا الّذي كنت أخاف يا رسول اللّه). [صحيح البخاري: 6/ 19]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (باب {من كان عدوا لجبريل}) كذا لأبي ذرٍّ، ولغيره: (قوله: {من كان عدوا لجبريل}).

قيل: سبب عداوة اليهود لجبريل أنّه أمر باستمرار النّبوّة فيهم، فنقلها لغيرهم.
وقيل: لكونه يطّلع على أسرارهم.
قلت: وأصحّ منهما ما سيأتي بعد قليلٍ، لكونه الّذي ينزل عليهم بالعذاب.
قوله: (قال عكرمة: «جبر وميك وسراف عبد، إيل: الله»)، وصله الطّبريّ من طريق عاصمٍ، عنه، قال: «جبريل: عبد اللّه، وميكائيل: عبد اللّه، إيل: اللّه»،
ومن وجهٍ آخر عن عكرمة:«جبر: عبدٌ، وميك: عبدٌ، وإيل: اللّه»،
ومن طريق يزيد النّحويّ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ نحو الأوّل، وزاد: «وكلّ اسمٍ فيه إيل فهو اللّه»،
ومن طريق عبد اللّه بن الحارث البصريّ أحد التّابعين، قال:«إيل: اللّه بالعبرانيّة»،
ومن طريق عليّ بن الحسين، قال: «اسم جبريل عبد اللّه وميكائيل عبيد اللّه يعني بالتّصغير، وإسرافيل عبد الرّحمن، وكلّ اسمٍ فيه إيل فهو معبّدٌ للّه»،
وذكر عكس هذا، وهو أنّ إيل معناه: عبدٌ وما قبله معناه: اسم للّه، كما تقول: عبد اللّه وعبد الرّحمن وعبد الرّحيم، فلفظ عبدٍ لا يتغيّر وما بعده يتغيّر لفظه، وإن كان المعنى واحدًا، ويؤيّده أنّ الاسم المضاف في لغة غير العرب غالبًا يتقدّم فيه المضاف إليه على المضاف،
وقال الطّبريّ وغيره: في (جبريل) لغاتٌ؛
- فأهل الحجاز يقولون بكسر الجيم بغير همزٍ، وعلى ذلك عامّة القرّاء،
- وبنو أسدٍ مثله لكن آخره نونٌ،
- وبعض أهل نجد وتميم وقيس يقولون: جبرائيل بفتح الجيم والرّاء بعدها همزةٌ، وهي قراءة حمزة والكسائيّ وأبي بكرٍ وخلفٍ واختيار أبي عبيدٍ،
- وقراءة يحيى بن وثّابٍ وعلقمة مثله لكن بزيادة ألفٍ،
- وقراءة يحيى بن آدم مثله لكن بغير ياءٍ،
- وذكر عن الحسن وبن كثيرٍ أنّهما قرآ كالأوّل لكن بفتح الجيم، وهذا الوزن ليس في كلام العرب فزعم بعضهم أنّه اسمٌ أعجميٌّ،
- وعن يحيى بن يعمر جبرائيل بفتح الجيم والرّاء بعدها همزةٌ مكسورةٌ وتشديد اللّام،
ثمّ ذكر حديث أنسٍ في قصّة عبد اللّه بن سلامٍ وقد تقدّمت قبيل كتاب المغازي، وتقدّم معظم شرحها هناك.
وقوله: (ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزله على قلبك}) ظاهر السّياق أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو الّذي قرأ الآية ردًّا لقول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذٍ، وهذا هو المعتمد، فقد روى أحمد والتّرمذيّ والنّسائيّ في سبب نزول الآية قصّةً غير قصّة عبد اللّه بن سلامٍ،
فأخرجوا من طريق بكير بن شهابٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن بن عبّاسٍ:«أقبلت يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا أبا القاسم، إنّا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بها عرفنا أنّك نبيٌّ واتّبعناك»، فذكر الحديث، وفيه: «أنّهم سألوه عمّا حرّم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النّبوّة، وعن الرّعد وصوته، وكيف تذكّر المرأة وتؤنّث، وعمّن يأتيه بالخبر من السّماء، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه»،
وفي روايةٍ لأحمد والطّبريّ من طريق شهر بن حوشب، عن بن عبّاسٍ: «عليكم عهد اللّه لئن أنا أنبأتكم لتبايعنّي»، فأعطوه ما شاء من عهدٍ وميثاقٍ، فذكر الحديث، لكن ليس فيه السّؤال عن الرّعد،
وفي رواية شهر بن حوشبٍ لمّا سألوه عمّن يأتيه من الملائكة، قال: «جبريل»، قال: «ولم يبعث اللّه نبيًّا قطّ إلّا وهو وليّه»، فقالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة لبايعناك وصدّقناك، قال: «فما منعكم أن تصدّقوه»، قالوا: إنّه عدوّنا، فنزلت.
وفي رواية بكير بن شهابٍ: «قالوا: جبريل ينزل بالحرب والقتل والعذاب، لو كان ميكائيل الّذي ينزل بالرّحمة والنّبات والقطر، فنزلت».
وروى الطّبريّ من طريق الشّعبيّ أنّ عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التّوراة، فيتعجّب كيف تصدّق ما في القرآن، قال:«فمرّ بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: نشدتكم باللّه أتعلمون أنّه رسول اللّه؟ فقال له عالمهم: نعم نعلم أنّه رسول اللّه، قال: فلم لا تتّبعونه؟ قالوا: إنّ لنا عدوًّا من الملائكة وسلمًا، وإنّه قرن بنبوّته من الملائكة عدوّنا»، فذكر الحديث، وأنّه لحق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فتلا عليه الآية، وأورده من طريق قتادة، عن عمر، نحوه،
وأورد بن أبي حاتمٍ والطّبريّ أيضًا من طريق عبد الرّحمن بن أبي ليلى، أنّ يهوديًّا لقي عمر، فقال: إنّ جبريل الّذي يذكره صاحبكم عدوٌّ لنا، فقال عمر:«من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين»، فنزلت على وفق ما قال، وهذه طرقٌ يقوّي بعضها بعضًا، ويدلّ على أنّ سبب نزول الآية قول اليهوديّ المذكور لا قصّة عبد اللّه بن سلامٍ.
وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قال له عبد اللّه بن سلامٍ إنّ جبريل عدوّ اليهود، تلا عليه الآية مذكّرًا له سبب نزولها والله أعلم.
وحكى الثّعلبيّ من بن عبّاسٍ: «أنّ سبب عداوة اليهود لجبريل أنّ نبيّهم أخبرهم أنّ بختنصّر سيخرّب بيت المقدس، فبعثوا رجلًا ليقتله فوجده شابًّا ضعيفًا، فمنعه جبريل من قتله، وقال له: إن كان اللّه أراد هلاككم على يده فلن تسلّط عليه، وإن كان غيره فعلى أيّ حقٍّ تقتله، فتركه فكبر بختنصّر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخرّبه، فصاروا يكرهون جبريل لذلك»، وذكر أنّ الّذي خاطب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك هو عبد اللّه بن صوريا.
وقوله: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنارٌ» يأتي شرح ذلك في أواخر كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/ 165-166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه: (وقال عكرمة:«جبر وميك وسراف عبد، إيل: الله»)
- قال أبو جعفر بن جرير: ثنا الحسين، ثنا إسحاق بن منصور هو السّلولي، ثنا قيس هو ابن الرّبيع، عن عاصم، عن عكرمة، قال: «جبريل اسمه عبد الله، وميكائيل اسمه عبيد الله، إيل: الله».
- ثنا ابن وكيع، ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، في قوله: {جبريل} قال:«وجبر: عبد، إيل: الله، وميكا: عبد، إيل: الله».
- وقد روي عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال الطّبريّ: ثنا ابن حميد، ثنا يحيى ابن واضح، ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: «جبريل: عبد الله، وميكائيل: عبيد الله، وكل اسم في الإيل فهو الله».

- وروي عن ابن عبّاس من وجه آخر، قال الحربيّ في غريب الحديث: ثنا ابن نمير، ثنا معاوية، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير، عن ابن عبّاس، قال: «جبريل وميكائيل؛ جبر: عبد، وميكائيل مثل قولك: عبد الرّحمن»). [تغليق التعليق: 4/ 174-175]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {من كان عدوًّا لجبريل}. وقال عكرمة: «جبر وميك وسراف: عبدٌ، إيل: الله»)، وفي رواية أبي ذر: (باب {من كان}).
قوله: («جبريل»)، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة بعدها راء: وهو من جبرائيل.
قوله: («وميك»)، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها كاف مفتوحة: وهو من ميكائيل.
قوله: («وسراف»)، بفتح السّين المهملة وتخفيف الرّاء وبالفاء المكسورة بعد الألف: هو من إسرافيل.
قوله: («عبد»)، أي: معنى هذه الألفاظ الثّلاثة: عبد.
قوله: («إيل»)، بكسر المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها لام.
قوله: («الله»)، أي: معنى لفظ: إيل الله.
والحاصل أن معنى جبريل وميكائيل وإسرافيل: عبد الله، قاله عكرمة مولى ابن عبّاس، ووصله الطّبريّ من طريق عاصم عنه، قال: «جبريل: عبد الله، وميكائيل: عبد الله، إيل: الله»،
وعن عكرمة عن ابن عبّاس:«كل إسم فيه: إيل، فهو الله، ويقال: إيل: الله بالعبرانية»،
وروى الطّبريّ من طريق عليّ ابن الحسين، قال: «إسم جبريل: عبد الله، وميكائيل: عبيد الله، يعني بالتّصغير، وإسرافيل: عبد الرّحمن، وكل إسم فيه إيل، فهو عبد الله»،
وذكر عكس هذا؛ وهو: أن إيل معناه: عبد، ومعنى ما قبله إسم لله. وله وجه، وهو أن الإسم المضاف في لغة غير العرب غالبا يتقدّم
فيه المضاف إليه على المضاف،

قال الزّمخشريّ: قرئ جبرئيل بوزن قفشليل، وجبرئل بحذف الياء، وجبريل بحذف الهمزة، وجبريل بوزن قنديل، وجبرايل بلام شديدة، وجبرائيل بوزن جبراعيل، وجبرائل بوزن جبراعل، ومنع الصّرف فيه للتعريف والعجمة.
قال: وقرئ ميكال بوزن قنطار، وميكائيل كميكاعيل، وميكائل كميكاعل ومكئل كميعل وميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل،
وقال ابن جني: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه). [عمدة القاري: 18/ 89-90]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (باب قوله: {من كان عدوًّا لجبريل}.
وقال عكرمة: «جبر وميك وسراف: عبدٌ، إيل: اللّه»).
(قوله) تعالى: ({من كان}) ولأبي ذر: (باب) بالتنوين.
({من كان عدوًّا لجبريل}) قال ابن جرير: أجمع أهل العلم بالتأويل أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم، وأن ميكائيل وليّ لهم.
(وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله الطبري، («جبر») بفتح الجيم وسكون الموحدة، («وميك») بكسر الميم، («وسراف») بفتح السين المهملة وتخفيف الراء وبالفاء المكسورة، الأوّل من جبريل، والثاني من ميكائيل، والثالث من إسرافيل، معنى الثلاثة («عبد، إيل»): بكسر الهمزة وسكون التحتية معناها في الثلاثة («الله») أي: جبريل: عبد الله، وميكائيل: عبد الله، وإسرافيل: عبد الله.
وقال بعضهم: جبريل اسم ملك أعجمي فلذلك لم ينصرف للعجمة والعلمية، ومن قال هو مشتق أو مركب تركيب إضافة ردّ قوله، لأن الأعجمي لا يدخله الاشتقاق العربي، ولأنه لو كان مركبًا تركيب الإضافة لكان منصرفًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن منيرٍ سمع عبد اللّه بن بكرٍ، حدّثنا حميدٌ عن أنسٍ قال: سمع عبد اللّه بن سلامٍ بقدوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهنّ إلاّ نبيٌّ فما أوّل أشراط السّاعة، وما أوّل طعام أهل الجنّة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمّه؟ قال: «أخبرنى بهنّ جبريل آنفًا» قال: جبريل؟ قال: «نعم». قال: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك}، «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنارٌ تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كبد حوتٍ، وإذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت». قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأشهد أنّك رسول اللّه. يا رسول اللّه إنّ اليهود قومٌ بهتٌ، وإنّهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّ رجلٍ عبد اللّه فيكم» قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، قال: «أرأيتم إن أسلم عبد اللّه بن سلامٍ» فقالوا: أعاذه اللّه من ذلك، فخرج عبد اللّه، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، وانتقصوه، قال: فهذا الّذي كنت أخاف يا رسول اللّه.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: (حدّثني) بالإفراد، (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية آخره راء، أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد، أنه (سمع عبد الله بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف، ابن حبيب السهمي، قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمع عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (بقدوم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم) ولأبي ذر عن الكشميهني: (بمقدم) مصدر ميمي بمعنى القدوم، وله عن الحموي والمستملي: (مقدم رسول الله) بحذف الجار، زاد في باب: {وإذ قال ربك للملائكة} من كتاب بدء الخلق: (المدينة)،

(وهو في أرض يخترف)، بالخاء المعجمة الساكنة والفاء، أي: يجتني من ثمارها، (فأتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إني سائلك عن ثلاث) أي: عن ثلاث مسائل (لا يعلمهن إلاّ نبي؛ فما أوّل أشراط الساعة) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة، أي: علاماتها (وما أوّل طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه) بالزاي المكسورة وآخره عين مهملة، أي: يشبه أباه ويذهب إليه (أو إلى أمه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: («أخبرني بهن جبريل آنفًا») بمد الهمزة وكسر النون (قال) ابن سلام: (جبريل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: («نعم»، قال) ابن سلام: (ذاك) كذا في اليونينية، وفي الفرع: (ذلك) باللام (عدوّ اليهود من الملائكة).
وفي حديث ابن عباس عند أحمد أنهم قالوا: إنه ليس من نبيّ إلاّ له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال: «جبريل». قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال عدوّنا. لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان.
(فقرأ) عليه الصلاة والسلام (هذه الآية) ردًّا على قولهم، أو قرأها الراوي استشهادًا بها، ({من كان عدوًّا لجبريل فإنه}) أي: جبريل، ({نزله}) أي: القرآن ({على قلبك}) لأنه القابل للوحي ومحل الفهم والحفظ، وإن حقه أن يقول: على قلبي، لكنه جاء على حكاية كلام الله تعالى، كأنه قال: قل ما تكلمت به، وزاد في رواية أبي ذر: {بإذن الله} أي: بأمره تعالى («أما أوّل أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام أهل الجنة») ولأبي الوقت: («أول طعام يأكله أهل الجنة»)،
(«فزيادة كبد حوت») ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: («الحوت»)، وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وأهنأ الأطعمة، («وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد») بالنصب على المفعولية، أي: جذبه إليه («وإذا سبق ماء المرأة») أي: ماء الرجل («نزعت») أي: جذبته إليها (قال) ابن سلام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله إن اليهود قوم بهت) بضم الموحدة والهاء في اليونينية وفرعها، وفي نسخة بسكون الهاء. قال الكرماني: جمع بهوت الكثير البهتان، وقيل: بهت أي: كذابون ممارون لا يرجعون إلى الحق (وإنهم وإن يعلموا بإسلامي وقبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّ رجل عبد الله») أي: ابن سلام («فيكم؟»،قالوا: خيرنا وابن خيرنا) أفعل تفضيل (وسيدنا وابن سيدنا. قال) عليه الصلاة والسلام: («أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟») سقط: (ابن سلام) لأبي ذر، (فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه). ولأبي ذر: (فانتقصوه) بالفاء بدل الواو، (قال) ابن سلام: (فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله).
وهذا الحديث ذكره المؤلّف قبيل المغازي، وفي أحاديث الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/ 11-12]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب قوله: {من كان عدواً لجبريل}
قوله: (ذاك عدوّ اليهود) أي: باتخاذ اليهود إياه عدوّاً لهم وبعداوتهم له كما هو مقتضى الآية، فبين الآية أنهم يعادون جبريل لا أن جبريل يعاديهم، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 37-38]

قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {من كان عدوًّا لجبريل}
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا خالدٌ يعني ابن الحارث، عن حميدٍ، عن أنسٍ، إنّ شاء الله قال: جاء عبد الله بن سلامٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقدمه إلى المدينة، فقال: إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ: ما أوّل أشراط السّاعة، وأوّل ما يأكل أهل الجنّة، والولد ينزع إلى أبيه وإلى أمّه؟ فقال: «أخبرني بهنّ جبريل عليه السّلام آنفًا»، قال عبد الله: ذلك رذلةٌ عدوٌّ لليهود من الملائكة، قال: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنارٌ تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعامٍ يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوتٍ، وأمّا الولد فإذا سبق ماء الرّجل نزعه، وإذا سبق ماء المرأة نزعت»، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّك رسول الله، قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قومٌ بهتٌ، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عنّي بهتوني عندك، فجاءت اليهود فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجلٍ فيكم عبد الله بن سلامٍ؟»، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، وأعلمنا، قال: «أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلامٍ؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله، قالوا: شرّنا وابن شرّنا وانتقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/ 11]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين}.
أجمع أهل العلم بالتّأويل جميعًا على أنّ هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أنّ جبريل عدوٌّ لهم، وأنّ ميكائيل وليٌّ لهم. ثمّ اختلفوا في السّبب الّذي من أجله قالوا ذلك؛

فقال بعضهم: إنّما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرةٍ جرت بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر نبوّته. ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ،
قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: حضرت عصابةٌ من اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا عن خلالٍ نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلاّ نبيٌّ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سلوا عمّا شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة اللّه وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدّثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابعنّي على الإسلام». فقالوا: ذلك لك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سلوني عمّا شئتم»،

فقالوا: أخبرنا عن أربع خلالٍ نسألك عنهنّ؛ أخبرنا أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرّجل، وكيف يكون الذّكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم ومن وليّه من الملائكة؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«عليكم عهد اللّه لئن أنا أنبأتكم لتتابعنّي». فأعطوه ما شاء من عهدٍ وميثاقٍ،
فقال: «نشدتكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه منه، فنذر لله نذرًا لئن عافاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الطّعام والشّراب إليه وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل؟ -قال أبو جعفرٍ: فيما أرى: وأحبّ الشّراب إليه ألبانها-»، فقالوا: اللّهمّ نعم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهم أشهد عليكم، وأنشدكم باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ ماء الرّجل أبيض غليظٌ، وأنّ ماء المرأة أصفر رقيقٌ، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن اللّه، إذا علا ماء الرّجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن اللّه وإذا علا ماء المرأة ماء الرّجل كان الولد أنثى بإذن اللّه؟»، قالوا: اللّهمّ نعم. قال: «اللّهمّ اشهد».
قال: «وأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ الأمّيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه؟»، قالوا: اللّهمّ نعم. قال:«اللّهمّ اشهد».
قالوا: أنت الآن تحدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك.
قال: «فإنّ وليّي جبريل، ولم يبعث اللّه نبيًّا قطّ إلاّ وهو وليّه». قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة تابعناك وصدّقناك.
قال: «فما يمنعكم أن تصدّقوه؟» قالوا: إنّه عدوّنا. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه} إلى قوله: {كأنّهم لا يعلمون}. فعندها باءوا بغضبٍ على غضبٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي الحسين، يعني المكّيّ، عن شهر بن حوشبٍ الأشعريّ: أنّ نفرًا من اليهود جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمّد أخبرنا عن أربعٍ خصال نسألك عنهنّ، فإن فعلت اتّبعناك وصدّقناك وآمنّا بك. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عليكم بذلك عهد اللّه وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدّقنّي»، قالوا: نعم. قال: «فاسألوا عمّا بدا لكم».

فقالوا: أخبرنا كيف يشبه الولد أمّه وإنّما النّطفة من الرّجل؟، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنّ نطفة الرّجل بيضاء غليظةٌ، ونطفة المرأة صفراء رقيقةٌ، فأيّتهما علت صاحبتها كان لها الشّبه؟»، قالوا: نعم.
قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟ قال: «أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنّ نوم هذا النّبيّ الذى تزعمون أنى لست به تنام عينه وقلبه يقظان؟»، قالوا: اللّهمّ نعم. قال: «فكذلك نومى، تنام عينى وقلبى يقظان».
قالوا: فأخبرنا عما حرّم إسرائيل على نفسه، فقال: «أنشدكم بالله وبأيامه عند بنى إسرائيل، هل تعلمون أنّه كان أحبّ الطّعام والشّراب إليه البان الإبل ولحومها، وأنّه اشتكى شكوى فعافاه اللّه منها، فحرّم أحبّ الطّعام والشّراب إليه شكرًا للّه فحرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟»، قالوا: اللّهمّ نعم.
قالوا: فأخبرنا عن الرّوح. قال:«أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنّه جبريل وهو الّذي يأتيني؟»، قالوا: نعم، ولكنّه لنا عدوٌّ، وهو ملكٌ إنّما يأتي بالشّدّة وسفك الدّماء، فلولا ذلك اتّبعناك. فأنزل اللّه فيهم: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك} إلى قوله: {كأنّهم لا يعلمون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثني القاسم بن أبي بزّة: أن يهود سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من صاحبه الّذي ينزل عليه بالوحي، فقال: «جبريل»، قالوا: فإنّه لنا عدوٌّ ولا يأتي إلاّ بالحرب والشّدّة والقتال. فنزل: {من كان عدوًّا لجبريل} الآية.
- قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ:«قالت يهود: يا محمّد ما ينزل جبريل إلاّ بشدّةٍ وحربٍ وقتال، وإنّه لنا عدوٌّ؛ فنزل: {من كان عدوًّا لجبريل} الآية».
وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرةٍ جرت بين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وبينهم في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ربعيّ بن عليّة، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، قال: نزل عمر الرّوحاء، فرأى رجالاً يبتدرون أحجارًا يصلّون إليها، فقال: ما بال هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى هاهنا. فكره ذلك، وقال: إنّما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أدركته الصّلاة بوادٍ فصلّى ثمّ ارتحل فتركه. ثمّ أنشأ يحدّثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التّوراة كيف تصدّق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدّق التّوراة، فبينما أنا عندهم ذات يومٍ قالوا: يا ابن الخطّاب ما من أصحابك أحدٌ أحبّ إلينا منك.
قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنّك تغشانا وتأتينا.
قال: قلت: إنّي آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدّق التّوراة ومن التّوراة كيف تصدّق الفرقان.
قال: ومرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا ابن الخطّاب ذاك صاحبكم فالحق به.
قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم باللّه الّذي لا إله إلاّ هو وما استرعاكم من حقّه واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنّه رسول اللّه؟ قال: فسكتوا.
قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنّه قد عظّم عليكم فأجيبوه. قالوا: أنت عالمنا وسيّدنا فأجبه أنت.
قال: أما إذ أنشدتنا بما نشدتنا به، فإنّا نعلم أنّه رسول اللّه.
قال: قلت: ويحكم، فأنى هلكتم. قالوا: إنّا لم نهلك.
قال: قلت: كيف ذاك وأنتم تعلمون أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ لا تتّبعونه، ولا تصدّقونه؟ قالوا: إنّ لنا عدوًّا من الملائكة وسلمًا من الملائكة، وإنّه قرن بنبوته عدوّنا من الملائكة.
قال: قلت: ومن عدوّكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدوّنا جبريل وسلمنا ميكائيل.
قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إنّ جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتّشديد والعذاب ونحو هذا، وإنّ ميكائيل ملك الرّأفة والرّحمة والتّخفيف ونحو هذا.
قال: قلت: وما منزلتهما من ربّهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره،
قال: قلت: فواللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّهما والّذي بينهما لعدوٌّ لمن عاداهما وسلمٌ لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدوّ ميكائيل، وما ينبغى لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل.
قال: ثمّ قمت فاتّبعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلحقته وهو خارجٌ من خوخةٍ لبني فلانٍ، فقال لي: «يا ابن الخطّاب ألا أقرئك آياتٍ نزلن قبل؟»، فقرأ عليّ: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه} حتّى قرأ الآيات.
قال: قلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، والّذي بعثك بالحقّ لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر، فأسمع اللّطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيمٌ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، قال: قال عمر: «كنت رجلاً أغشى اليهود في يوم مدارسهم»، ثمّ ذكر نحو حديث ربعيٍّ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب انطلق ذات يومٍ إلى اليهود، فلمّا أبصروه رحّبوا به، فقال لهم عمر: أما واللّه ما جئت لحبّكم ولا للرّغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدوّنا من أهل السّماء يطلع محمّدًا على سرّنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسّنة، ولكنّ صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسّلم، فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريل وتنكرون محمّدًا. ففارقهم عمر عند ذلك وتوجّه نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليحدّثه حديثهم، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه}».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ عن قتادة، قال:«بلغنا أنّ عمر بن الخطّاب أقبل إلى اليهود يومًا»، فذكر نحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {من كان عدوًّا لجبريل} قال: «قالت اليهود: إنّ جبريل هو عدوّنا لأنّه ينزل بالشّدّة والحرب والسّنة، وإنّ ميكائيل ينزل بالرّخاء والعافية والخصب، فجبريل عدوّنا. فقال اللّه جلّ ثناؤه: {من كان عدوًّا لجبريل}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه} قال: «كان لعمر بن الخطّاب أرضٌ بأعلى المدينة، فكان يأتيها، وكان ممرّه على طريق مدراس اليهود، وكان كلّما مر عليهم دخل عليهم فيسمع منهم. وإنّه دخل عليهم ذات يومٍ، فقالوا: يا عمر ما في أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أحدٌ أحبّ إلينا منك. إنّهم يمرّون بنا فيؤذوننا، وتمرّ بنا فلا تؤذينا، وإنّا لنطمع فيك.

فقال لهم عمر: أيّ يمينٍ فيكم أعظم؟
قالوا: الرّحمن الّذي أنزل التّوراة على موسى بطور سيناء.
فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرّحمن الّذي أنزل التّوراة على موسى بطور سيناء، أتجدون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عندكم؟، فأسكتوا.
فقال: تكلّموا ما شأنكم؟ فواللّه ما سألتكم وأنا شاكٌّ في شيءٍ من ديني.
فنظر بعضهم إلى بعضٍ، فقام رجلٌ منهم فقال: أخبروا الرّجل لتخبرنّه أو لأخبرنّه.
قالوا: نعم، إنّا نجده مكتوبًا عندنا ولكنّ صاحبه من الملائكة الّذي يأتيه بالوحي هو جبريل وجبريل عدوّنا، وهو صاحب كلّ عذابٍ أو قتالٍ أو خسفٍ، ولو أنّه كان وليّه ميكائيل إذًا لآمنّا به، فإنّ ميكائيل صاحب كلّ رحمةٍ وكلّ غيثٍ.
فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرّحمن الّذي أنزل التّوراة على موسى بطور سيناء، أين مكان جبريل من اللّه؟
قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.
قال عمر: فأشهد أنّ الّذي هو عدوٌّ للّذي عن يمينه عدوٌّ للّذي هو عن يساره، والّذي هو عدوٌّ للّذي هو عن يساره عدوٌّ للّذي هو عن يمينه، وأنّه من كان عدوّهما فإنّه عدوّ اللّه.
ثمّ رجع عمر ليخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ عليه، فقال عمر: والّذي بعثك بالحقّ، لقد جئتك وما أريد إلاّ أن أخبرك».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو زهير عبد الرّحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشّعبيّ، قال: «انطلق عمر إلى يهود، فقال: إنّي أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى هل تجدون محمّدًا في كتابكم؟

قالوا: نعم.
قال: فما يمنعكم أن تتّبعوه؟
قالوا: إنّ اللّه لم يبعث رسولاً إلاّ كان له كفلٌ من الملائكة، وإنّ جبريل هو الّذي يتكفّل لمحمّدٍ، وهو عدوّنا من الملائكة، وميكائيل سلمنا؛ فلو كان هو الّذي يأتيه اتّبعناه.
قال: فإنّي أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، ما منزلتهما من ربّ العالمين؟
قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن جانبه الآخر.
فقال: إنّي أشهد ما يقولان إلاّ بإذن اللّه، وما كان لميكائيل أن يعادي سلم جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدوّ ميكائيل.
فبينما هو عندهم إذ مرّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطّاب. فقام إليه فأتاه وقد أنزل عليه: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه} إلى قوله: {فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرّحمن، عن ابن أبي ليلى، في قوله: {من كان عدوًّا لجبريل} قال: «قالت اليهود للمسلمين: لو أنّ ميكائيل كان الّذي ينزل عليكم لتبعناكم، فإنّه ينزل بالرّحمة والغيث، وإنّ جبريل ينزل بالعذاب والنّقمة وهو لنا عدوٌّ. قال: فنزلت هذه الآية: {من كان عدوًّا لجبريل}».
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، بنحو ذلك.
وأمّا تأويل الآية -أعني قوله: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه}- فهو أنّ اللّه يقول لنبيّه: قل يا محمّد، لمعاشر اليهود من بني إسرائيل الّذين زعموا أنّ جبريل لهم عدوٌّ من أجل أنّه صاحب سطواتٍ وعذابٍ وعقوباتٍ لا صاحب وحيٍ وتنزيلٍ ورحمةٍ، فأبوا اتّباعك وجحدوا نبوّتك، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبيّنات حكمي من أجل أنّ جبريل وليّك وصاحب وحيي إليك، وزعموا أنّه عدوٌّ لهم: من يكن من النّاس لجبريل عدوًّا ومنكرًا أن يكون صاحب وحي اللّه إلى أنبيائه وصاحب رحمته فإنّي له وليٌّ وخليلٌ، ومقرٌّ بأنّه صاحب وحيٍ إلى أنبيائه ورسله، وأنّه هو الّذي ينزل وحي اللّه على قلبي من عند ربّي بإذن ربّي له بذلك يربط به على قلبي ويشدّ به فؤادي.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ،
قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {قل من كان عدوًّا لجبريل} قال: «وذلك أنّ اليهود قالت حين سألت محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عن أشياء كثيرةٍ، فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلاّ جبريل، فإنّ جبريل كان عند اليهود صاحب عذابٍ وسطوةٍ، ولم يكن عندهم صاحب وحيٍ، يعني: تنزيلٍ من اللّه على رسله، ولا صاحب رحمةٍ، فأخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما سألوه عنه أنّ جبريل صاحب وحي اللّه، وصاحب نقمه، وصاحب رحمته. فقالوا: ليس بصاحب وحيٍ ولا رحمةٍ هو لنا عدوٌّ. فأنزل اللّه عزّ وجلّ إكذابًا لهم: {قل} يا محمّد {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك} يقول: فإنّ جبريل نزّله. يقول: نزّل القرآن من عندي {على قلبك} يقول: على قلبك يا محمد {بإذن اللّه} يقول: بأمر اللّه، يقول: يشدّد به فؤادك ويربط به على قلبك، يعني بوحينا الّذي نزل به جبريل عليك من عند اللّه، وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه} يقول: أنزل الكتاب على قلبك بإذن اللّه».
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع:«{فإنّه نزّله على قلبك}يقول: نزّل الكتاب على قلبك جبريل».
وإنّما قال جلّ ثناؤه: {فإنّه نزّله على قلبك} وهو يعني بذلك قلب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد أمر محمّدًا في أوّل الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه، ولم يقل: فإنّه نزّله على قلبي. ولو قيل: على قلبي، كان صوابًا من القول؛ لأنّ من شأن العرب إذا أمرت رجلاً أن يحكي ما قيل له عن نفسه أن تخرج فعل المأمور مرّةً مضافًا إلى كناية، كهيئة المخبر عن نفسه المخبر عن نفسه، إذ كان المخبر عن نفسه ومرّةً مضافًا إلى اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب لأنّه به مخاطبٌ؛ فتقول في نظير ذلك: قل للقوم إنّ الخير عندي كثيرٌ، فتخرج كناية اسم المأمور كهيئة اسم المخبر عن نفسه لأنّه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه. وقل للقوم: إنّ الخير عندك كثيرٌ فتخرج كناية اسمه أخرى كهيئة كناية اسم المخاطب؛ لأنّه وإن كان مأمورًا بقيل ذلك فهو مخاطبٌ مأمورٌ بحكاية ما قيل له. وكذلك: لا تقل للقوم: إنّي قائمٌ ولا تقل لهم: إنّك قائمٌ، والياء من إنّي اسم المأمور بقول ذلك على ما وصفنا؛ ومن ذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {قل للّذين كفروا ستغلبون} و(سيغلبون) بالياء والتّاء، مثل الذى وصفنا سواء.
وأمّا جبريل؛ فإنّ للعرب فيه لغاتٍ.

- فأمّا أهل الحجاز فإنّهم يقولون جبريل وميكال بغير همزٍ بكسر الجيم والرّاء من جبريل وبالتّخفيف؛ وعلى القراءة بذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة.
- أمّا تميمٌ وقيسٌ وبعض نجدٍ فيقولون جبرئيل (وميكائيل)، على مثال جبرعيل وميكاعيل بفتح الجيم والرّاء وبهمزٍ وزيادة ياءٍ بعد الهمزة. وعلى القراءة بذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة، كما قال جرير بن عطيّة:


عبدوا الصّليب وكذّبوا بمحمّدٍ ....... وبجبرئيل وكذّبوا ميكالا
- وقد ذكر عن الحسن البصريّ وعبد اللّه بن كثيرٍ أنّهما كانا يقرآن: (جبريل) بفتح الجيم. وترك الهمز. وهي قراءةٌ غير جائزةٍ القراءة بها، لأنّ فعيل في كلام العرب غير موجودٍ. وقد جاز ذلك بعضهم، وزعم أنّه اسمٌ أعجميٌّ كما يقال: سمويل، وأنشد في ذلك:
بحيث لو وزنت لخمٌ بأجمعها ....... ما وازنت ريشةً من ريش سمويلا
- وأمّا بنو أسدٍ فإنّها تقول جبرين بالنّون.
- وقد حكي عن بعض العرب أنّها تزيد في جبريل ألفًا فتقول: جبرائيل (وميكائيل).
- وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنّه كان يقرأ (جبرئلّ) بفتح الجيم والهمز وترك المدّ وتشديد اللاّم.
فأمّا جبر وميك فإنّهما هما الاسمان اللّذان أحدهما بمعنى عبدٍ، والآخر بمعنى عبيدٍ. وأمّا إيل فهو اللّه تعالى ذكره.

- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جرير بن نوحٍ الحمّانيّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: «جبريل وميكائيل كقولك: عبد اللّه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «جبريل: عبد اللّه، وميكائيل: عبيد اللّه، وكلّ اسم إيل فهو اللّه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن عميرٍ مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ إسرائيل، وميكائيل، وجبريل، وإسرافيل، كقولك: عبد اللّه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن الحارث، قال:«إيل: اللّه بالعبرانيّة».
- حدّثنا الحسين بن يزيد الطحّان، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: حدّثنا قيسٌ، عن عاصمٍ، عن عكرمة، قال:«جبريل اسمه عبد اللّه، وميكائيل اسمه عبيد اللّه، إيل: اللّه».
- حدّثني الحسين بن عمرو بن علقمه بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن عمرو بن علقمه عن محمد ابن عمرو بن عطاءٍ، عن عليّ بن حسينٍ، قال: «اسم جبريل عبد اللّه، واسم ميكائيل عبيد اللّه، واسم إسرافيل عبد الرّحمن؛ وكلّ معبّدٍ بإيل فهو عبد اللّه».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّدٍ المدنيّ، قال المثنّى، قال قبيصة: أراه محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن عليّ بن حسينٍ، قال:«ما تعدّون جبريل في أسمائكم؟»، قال: «جبريل عبد اللّه، وميكائيل عبيد اللّه، وكلّ اسمٍ فيه إيل فهو معبّدٌ للّه».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن عليّ بن حسينٍ، قال: «اسم جبريل عبد اللّه، وميكائيل عبيد اللّه، وكلّ اسمٍ فيه إيل فهو معبّدٌ لله».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن عليّ بن حسينٍ، قال: قال لي: «هل تدري ما اسم جبريل من أسمائكم؟»، قلت: لا، قال:«عبد اللّه»، قال: «فهل تدري ما اسم ميكائيل من أسمائكم؟»، قال: لا، قال: «عبيد اللّه». وقد سمّى لي إسرائيل باسمٍ نحو ذلك فنسيته، إلاّ أنّه قد قال لي: «أرأيت كلّ اسمٍ يرجع إلى إيل فهو معبّدٌ به».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة: في قوله: {جبريل} قال: «جبر: عبدٌ، إيل: اللّه»، وميكا قال:«عبدٌ، إيل: اللّه».
فهذا تأويل من قرأ جبرائيل بالفتح والهمز والمدّ، وهو إن شاء اللّه معنى من قرأ بالكسر وترك الهمز.
وأمّا تأويل من قرأ ذلك بالهمز وترك المدّ وتشديد اللاّم، فإنّه قصد بقوله ذلك كذلك إلى إضافة جبر وميكا إلى اسم اللّه الّذي يسمّى به بلسان العرب دون السّريانيّ والعبرانيّ؛ وذلك أنّ الإلّ بلسان العرب: اللّه، كما قال: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} فقال جماعةٌ من أهل العلم: الإلّ: هو اللّه. ومنه قول أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه لوفد بني حنيفة حين سألهم عمّا كان مسيلمة يقول، فأخبروه، فقال لهم: «ويحكم أين ذهب بكم واللّه، إنّ هذا الكلام ما خرج من إلٍّ ولا برٍّ». يعني«من إلٍّ»: من اللّه.
- وقد حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ: في قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} قال: «قول جبريل وميكائيل وإسرافيل، كأنّه يقول حين يضيف جبر وميكا وإسرا إلى إيل، يقول: عبد اللّه، {لا يرقبون في مؤمنٍ إلاّ} كأنّه يقول: لا يرقبون اللّه عزّ وجلّ»). [جامع البيان: 2/ 283-298]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مصدّقًا لما بين يديه}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {مصدّقًا لما بين يديه} القرآن. ونصب {مصدّقًا} على القطع من الهاء الّتي في قوله: {نزّله على قلبك}. فمعنى الكلام: فإنّ جبريل نزّل القرآن على قلبك يا محمّد مصدّقًا لما بين يدي القرآن، يعني بذلك مصدّقًا لما سلف من كتب اللّه أمامه، ونزلت على رسله الّذين كانوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وتصديقه إيّاها موافقة معانيه معانيها في الأمر باتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من عند اللّه، وفي تصدّيقه.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مصدّقًا لما بين يديه}يقول: لما قبله من الكتب الّتي أنزلها اللّه والآيات والرّسل الّذين بعثهم اللّه بالآيات نحو موسى ونوحٍ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ وأشباههم من المرّسلين».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{مصدّقًا لما بين يديه} من التّوراة والإنجيل».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 2/ 299-300]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهدًى وبشرى للمؤمنين}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وهدًى} ودليلٌ وبرهانٌ. وإنّما سمّاه اللّه جلّ ثناؤه هدًى لاهتداء المؤمن به، واهتداؤه به اتّخاذه إيّاه هاديًا يتبعه وقائدًا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه. والهادي من كلّ شيءٍ ما تقدّم أمامه، ومن ذلك قيل لأوائل الخيل: هواديها، وهو ما تقدّم أمامها، ولذلك قيل للعنق: الهادي، لتقدّمها أمام سائر الجسد.
وأمّا البشرى فإنّها البشارة. أخبر اللّه عباده المؤمنين جلّ ثناؤه أنّ القرآن لهم بشرى منه؛ لأنّه أعلمهم بما أعدّ لهم من الكرامة عنده في جنّاته، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه. وذلك هو البشرى الّذي بشّر اللّه بها المؤمنين في كتابه؛ لأنّ البشارة في كلام العرب هي إعلام الرّجل الرّجل ما لم يكن به عالمًا ممّا يسرّه من الخير قبل أن يسمعه من غيره أو يعلمه من قبل غيره. وقد روي في ذلك عن قتادة قولٌ قريب المعنى ممّا قلناه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة:«قوله: {هدًى وبشرى للمؤمنين} جعل الله هذا القران هدى وبشرى للمؤمنين لأنّ المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه وانتفع به واطمأنّ إليه وصدّق بموعود اللّه الّذي وعد فيه، وكان على يقينٍ من ذلك»). [جامع البيان: 2/ 300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين (97)}
قوله: {قل من كان عدوًّا لجبريل}
- حدّثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا عبد اللّه بن الوليد من ولد معقل بن مقرّنٍ، حدّثني بكير بن شهابٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: أقبلت يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا أبا القاسم
إنّا نسألك عن أشياء فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنّك نبيٌّ واتّبعناك، قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه، أن قال: اللّه على ما نقول وكيلٌ. قالوا: فأخبرنا من صاحبك الّذي يأتيك من الملائكة، فإنّه ليس من نبيٍّ إلا يأتيه ملكٌ بالخبر فهي الّتي نتابعك إن أخبرتنا. قال: «جبريل»، قالوا: ذاك الّذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدوّنا، لو قلت: ميكائيل الّذي ينزل بالنّبات والقطر والرّحمة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك} إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 179-180]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فإنّه نزّله}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات-، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عباس: «فأنزل اللّه إكذابًا لهم: {قل} يا محمّد: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه} يقول: فإنّ جبريل {نزّله} يقول: نزّل القرآن من عندي».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {فإنّه نزّله على قلبك}: «يقول: نزّل الكتاب على قلبك جبريل بإذن اللّه عزّ وجلّ».

وروي عن الحسن والرّبيع بن أنسٍ نحو قول أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 180]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {على قلبك}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات-، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «فأنزل اللّه إكذابًا لهم {على قلبك} يقول: على قلبك يا محمّد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 180]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بإذن اللّه}
- وبه، عن ابن عبّاسٍ: «{بإذن اللّه} يقول: بأمر اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 180]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مصدّقًا لما بين يديه}
- وبه، عن ابن عبّاسٍ: «{مصدّقًا} يقول: مصدّقًا لما بين يديه. يقول: لما قبله من الكتب الّتي أنزلها اللّه، والآيات والرّسل الّذين بعثهم اللّه بالآيات نحو موسى وعيسى ونوحٍ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ، وأشباههم من المرسلين مصدقا يقول: فأنت تتلوا عليهم يا محمّد وتخبرهم غدوةً وعشيّةً وبين ذلك، وأنت عندهم أمّيٌّ لم تقرأ كتابًا ولم تبعث رسولا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه وصدقه يقول اللّهمّ في ذلك لهم عبرةٌ، وبيانٌ. وعليهم حجّةٌ لو كانوا يعقلون».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{مصدّقًا لما بين يديه} يعني من التّوراة والإنجيل».

وروي عن قتادة، والرّبيع نحو ما روي عن أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 180-181]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وهدًى وبشرى للمؤمنين}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: «قوله: {هدًى وبشرى للمؤمنين} جعل اللّه هذا القرآن: هدًى وبشرى للمؤمنين، لأنّ المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأنّ إليه، وصدّق بموعود اللّه الّذي وعد، وكان على يقينٍ من ذلك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 181]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {من كان عدوًّا لجبريل}.
- عن ابن عبّاسٍ قال: حضرت عصابةٌ من اليهود نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا فقالوا: يا أبا القاسم، حدّثنا عن خلالٍ نسألك عنهنّ، لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ.

قال: «سلوني عمّ شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة اللّه، وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدّثتكم شيئًا فعرفتموه لتبايعنّي». قالوا: فذلك لك.
قال: أربع خلالٍ نسألك عنها: أخبرنا أيّ طعامٍ حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الرّجل من ماء المرأة؟ وكيف الأنثى منه والذّكر؟ وأخبرنا كيف هذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم؟ ومن وليّه من الملائكة؟
فأخذ عليهم عهد اللّه: «لئن أخبرتكم لتتابعنّي»، فأعطوه ما شاء من عهدٍ وميثاقٍ،

قال: «فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ إسرائيل مرض مرضًا [شديدًا] فطال سقمه، فنذر نذرًا لئن عافاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه، وأحبّ الطّعام إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها؟»، فقالوا: اللّهمّ نعم، فقال: «اللّهمّ اشهد».
وقال: «أنشدكم باللّه الّذي لا إله إلّا هو هل تعلمون أنّ ماء الرّجل غليظٌ، وأنّ ماء المرأة أصفر رقيقٌ، فأيّهما علا كان الولد والشّبه بإذن اللّه تعالى، إن علا ماء الرّجل كان ذكرًا بإذن اللّه تعالى، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن اللّه؟». قالوا: اللّهمّ نعم، قال: «اللّهمّ اشهد».
قال: «فأشهدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ النّبيّ الأمّيّ هذا تنام عيناه ولا ينام قلبه؟»، قالوا: اللّهمّ نعم، قال: «اللّهمّ اشهد عليهم».
قالوا: أنت الآن حدّثتنا فحدّثنا من وليّك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك.

قال: «فإنّ وليّي جبريل، ولم يبعث اللّه نبيًّا قطّ إلّا وهو وليّه».
قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك من الملائكة سواه لاتّبعناك وصدّقناك،
قال: «فما يمنعكم أن تصدّقوا؟»، قالوا: هو عدوّنا. فعند ذلك قال اللّه عزّ وجلّ: {من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين * ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلّا الفاسقون * أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون * ولمّا جاءهم رسولٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم نبذ فريقٌ من الّذين أوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون}. فعند ذلك باؤوا بغضبٍ على غضبٍ.
رواه الطّبرانيّ عن شيخه عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/ 314-315]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: أبنا يحيى بن آدم، ثنا الحسن بن عيّاشٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ قال: "نزل عمر بالرّوحاء فرأى ناسًا يبتدرون أحجارًا فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى إلى هذه الأحجار. فقال: سبحان اللّه، ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ألا راكباً مر بواد فحضرت الصّلاة فصلّى، ثمّ حدّث، فقال: إنّي كنت أغشى اليهود يوم دراستهم. فقالوا: ما من أصحابك أحدٌ أكرم علينا منك، لأنّك تأتينا. قلت: وما ذاك إلّا أنيّ أعجب من كتب اللّه كيف يصدّق بعضها بعضاً، كيف تصدق التّوراة الفرقان والفرقان التّوراة.

فمرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا وأنا أكلّمهم، فقلت: أنشدكم باللّه وما تقرءون من كتابه أتعلمون أنّه رسول اللّه؟ فقالوا: نعم.
فقلت: هلكتم واللّه، تعلمون أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ لا تتّبعونه!
فقالوا: لم نهلك، ولكن سألناه من يأتيه بنبوّته، فقال: عدوّنا جبريل لأنّه ينزل بالغلظة والشدة والحزن والهلاك ونحو هذا.
فقلت: من سلمكم من الملائكة؟
قالوا: ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا.
قلت: وكيف منزلهما من ربّهما؟
قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر.
قلت: فإنّه لا يحلّ لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحلّ لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل، وإنّي أشهد أنّهما وربّهما لسلمٌ لمن سالموا، وحربٌ لمن حاربوا.
ثمّ أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا أريد أن أخبره، فلمّا لقيته قال:«ألا أخبرك بآياتٍ أنزلت علي؟»، قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ {من كان عدواً لجبريل} حتى بلغ {الكافرين}، قلت: يا رسول الله، والله ما قمت من عند اليهود إلّا إليك لأخبرك بما قالوا لي وقلت لهم، فوجدت اللّه قد سبقني. قال عمر -رضي اللّه عنه-: فلقد رأيتني وأنا أشدّ في اللّه من الحجر.
هذا مرسلٌ صحيح الإسناد). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 178-179]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا يحيى بن آدم، ثنا الحسن بن عيّاشٍ، عن داود ابن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، قال: نزل عمر رضي الله عنه بالرّوحاء، فرأى أناسا يبتدرون أحجارًا، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى إلى هذه الأحجار، فقال: سبحان اللّه، ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا راكبًا مرّ بوادٍ فحضرت الصّلاة فصلّى، ثمّ حدّث فقال: إنّي كنت (أغشى) اليهود يوم دراستهم، فقالوا: ما من أصحابك أحدٌ أكرم علينا منك، لأنّك تأتينا، قلت: ما ذاك إلّا أنّي أعجب من كتب اللّه (تعالى) يصدّق بعضها بعضًا، كيف تصدّق التّوراة الفرقان، والفرقان التّوراة،

فمرّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا وأنا أكلّمهم، فقلت: أنشدكم باللّه وما تقرأون من كتابه، أتعلمون أنّه رسول اللّه؟ فقالوا: نعم،
فقلت: هلكتم واللّه تعلمون أنّه رسول اللّه ثمّ لا تتّبعونه،
فقالوا: لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوّته؟ فقال: عدوّنا جبريل لأنّه (عليه الصلاة والسلام) ينزل (بالشّدّة والغلظة) والحرب والهلاك ونحو هذا،
فقلت: فمن سلمكم من الملائكة؟
فقالوا: ميكائيل (ينزل) بالقطر والرّحمة، وكذا..
قلت: وكيف منزلتهما من ربّهما؟
(فقالوا): أحدهما عن يمينه، والآخر من الجانب الآخر،
قلت: فإنّه لا يحلّ لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحلّ لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل، وإنّي أشهد أنّهما وربّهما سلمٌ لمن سالموا وحربٌ لمن حاربوا،
ثمّ أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنا أريد أن أخبره، فلمّا لقيته صلّى اللّه عليه وسلّم (قال): «ألا أخبرك بآياتٍ أنزلت عليّ؟»، قلت: بلى يا رسول اللّه، فقرأ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين}.
قلت: يا رسول اللّه، واللّه ما قمت من عندك إلّا إليك لأخبرك بما قالوا لي، وقلت لهم، فوجدت اللّه (تعالى) قد سبقني.
قال عمر رضي الله عنه: فلقد رأيتني وأنا أشدّ في اللّه من الحجر.
هذا حديثٌ مرسلٌ صحيح الإسناد). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 446-448]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل من كان عدو لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو الكافرين}.
- أخرج الطيالسي والفريابي وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، عن ابن عباس، قال: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، قال: «سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على نبيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه للتتابعني»، قالوا: فذلك لك، قالوا: أربع خلال نسألك عنها، أخبرنا أي طعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة وكيف الأنثى منه والذكر، وأخبرنا كيف هذا النّبيّ الأمي في النوم، ومن وليه من الملائكة،
فأخذ عليهم عهد الله لئن أخبرتكم لتتابعني، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق،
قال: «فأنشدكم بالذي أنزل التوراة؛ هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا طال سقمه، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها؟»، فقالوا: اللهم نعم، فقال: «اللهم اشهد»،
قال: «أنشدكم بالذي لا إله إلا هو؛ هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الواد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله؟»، قالوا: اللهم نعم، قال:«اللهم اشهد».
قال: «فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى؛ هل تعلمون أن النّبيّ الأمي هذا تنام عيناه ولا ينام قلبه؟»، قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد عليهم»،
قالوا: أنت الآن، فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نتابعك أو نفارقك، قال: «وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه»، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة لأتبعناك وصدقناك، قال:«فما يمنعكم أن تصدقوه؟»، قالوا: هو عدونا، فأنزل الله تعالى: {من كان عدوا لجبريل} إلى قوله: {كأنهم لا يعلمون} فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب.
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الشعبي، قال: نزل عمر رضي الله عنه بالروحاء، فرأى ناسا يبتدرون أحجارا، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى إلى هذه الأحجار، فقال: سبحان الله، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا راكبا مر بواد فحضرت الصلاة فصلى، ثم حدث فقال: إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم، فقالوا: ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا، قلت: وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضا، كيف تصدق التوراة والفرقان التوراة،

فمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوما وأنا أكلمهم، فقلت: أنشدكم بالله وما تقرؤون من كتابه أتعلمون أنه رسول الله؟ قالوا: نعم، فقلت: هلكتم والله، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه،
فقالوا: لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوته، فقال: عدونا جبريل، لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا،
فقلت: فمن سلمكم من الملائكة؟ فقالوا: ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا،
قلت: وكيف منزلتهما من ربهما؟ فقالوا: أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر،
قلت: فإنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا،
ثم أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن أخبره، فلما لقيته قال:«ألا أخبرك بآيات أنزلت علي؟»، قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ {من كان عدوا لجبريل} حتى بلغ {الكافرين}، قلت: والله يا رسول الله ما قمت من عند اليهود إلا إليك، لأخبرك بما قالوا إلي وقلت لهم فوجدت الله قد سبقني، صحيح الإسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر.
- وأخرج سفيان بن عينية، عن عكرمة، قال: «كان عمر يأتي يهود يكلمهم، فقالوا: إنه ليس من أصحابك أحد أكثر إتيانا إلينا منك، فأخبرنا من صاحب صاحبك الذي يأتيه بالوحي،

فقال: جبريل، قالوا: ذاك عدونا من الملائكة، ولو أن صاحبه صاحب صاحبنا لأتبعناه،
فقال عمر: ومن صاحب صاحبكم؟ قالوا: ميكائيل،
قال: وما هما؟ قالوا: أما جبريل فينزل بالعذاب والنقمة، وأما ميكائيل فينزل بالغيث والرحمة، وأحدهما عدو لصاحبه،
فقال عمر: وما منزلتهما؟ قالوا: إنهما من أقرب الملائكة منه، أحدهما عن يمينه وكلتا يديه يمين، والآخر على الشق الآخر،
فقال عمر: لئن كانا كما تقولون ما هما بعدوين، ثم خرج من عندهم، فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقرأ عليه: {من كان عدوا لجبريل} الآية، فقال عمر: والذي بعثك بالحق إنه الذي خاصمتهم به آنفا».
- وأخرج ابن جرير، عن قتادة، قال: «ذكر لنا ؟ عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به، فقال عمر: والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكني جئت لأسمع منكم، وسألوه فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل، قالوا: ذاك عدونا من الملائكة، يطلع محمد على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة، ولكن صاحبنا ميكائيل وإذا جاء جاء بالخصب والسلم، فتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزل ؟ هذه الآية: {قل من كان عدوا لجبريل} الآية».
- وأخرج ابن جرير، عن السدي، قال:«لما كان لعمر أرض بأعلى المدينة يأتيها، وكان ممره على مدارس اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم، وإنه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم: أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم؟

قالوا: نعم إنا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل، وجبريل عدونا وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف، ولو كان وليه ميكائيل لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث،
قال عمر: فأين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره،
قال عمر: فأشهدكم أن الذي عدو للذي عن يمينه عدو للذي هو عن يساره، والذي عدو للذي عن يساره عدو للذي هو عن يمينه، وأنه من كان عدوهما فإنه عدو لله،
ثم رجع عمر ليخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فدعاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ: {قل من كان عدوا لجبريل} الآية، فقال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أن يهوديا لقي عمر، فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا، فقال عمر: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}»،

قال: «فنزلت على لسان عمر»، وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن سبب نزول الآية ذلك.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وأبو يعلى، وابن حبان والبيهقي في الدلائل، عن أنس، قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو بأرض يخترف، فأتى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه؟ قال:«أخبرني جبريل بهن آنفا»، قال: جبريل؟، قال: «نعم»، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك}، قال: «أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه وأمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها»، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {فإنه نزله على قلبك بإذن الله}: «يقول: جبريل نزل بالقرآن بإذن الله، يشدد به فؤادك، ويربط به على قلبك {مصدقا لما بين يديه} يقول: لما قبله من الكتب التي أنزلها والآيات والرسل الذين بعثهم الله».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {مصدقا لما بين يديه} قال: «من التوراة والإنجيل»، {وهدى وبشرى للمؤمنين} قال: «جعل الله هذا القرآن هدى وبشرى للمؤمنين، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه، وانتفع به وإطمأن إلبه، وصدق بموعود الله الذي وعده فيه، وكان على يقين من ذلك».
- وأخرج ابن جرير من طريق عبيد الله العكي، عن رجل من قريش، قال: سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم اليهود، فقال: «أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون؛ هل تجدونه قد بشر بي عيسى أن يأيتكم رسول اسمه أحمد؟»، فقالوا: اللهم وجدناك في كتابنا، ولكنا كرهنا لأنك تستحل الأموال وتهرق الدماء، فأنزل الله: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله} الآية). [الدر المنثور: 1/ 475-482]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوٌّ للكافرين}]
- نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّاب أنّه كان يقرأ: (وجبريل وميكاييل) ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 575]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه من عدوًّاته من عاداه وعادى جميع ملائكته ورسله، وإعلامٌ منه أنّ من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل وعادى جميع ملائكته ورسله؛ لأنّ الّذين سمّاهم اللّه في هذه الآية هم أولياء اللّه وأهل طاعته، ومن عادى للّه وليًّا فقد عادى اللّه وبارزه بالمحاربة، ومن عادى اللّه فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته؛ لأنّ العدوّ للّه عدوٌّ لأوليائه، والعدوّ لأولياء اللّه عدوٌّ له. فلذلك قال لليهود الّذين قالوا: إنّ جبريل عدوّنا من الملائكة، وميكائيل وليّنا منهم: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين} من أجل أنّ عدوّ جبريل عدوّ كلّ وليٍّ للّه. فأخبرهم جلّ ثناؤه أنّ من كان عدوًّا لجبريل فهو لكلّ من ذكره من ملائكته ورسله وميكال عدوٌّ، وكذلك عدوّ بعض رسل اللّه عدوٌّ للّه ولكلّ وليٌّ.
- وقد حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ،
قال: حدّثنا عبيد اللّه يعني العتكيّ، عن رجلٍ من قريشٍ، قال: سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اليهود، فقال: «أسألكم بكتابكم الّذي تقرءون؛ هل تجدونى قد بشّر بي عيسى ابن مريم أن يأتيكم رسولٌ اسمه أحمد؟»، فقالوا: اللّهمّ نعم، وجدناك في كتابنا ولكنّا كرهناك لأنّك تستحلّ الأموال وتهريق الدّماء. فأنزل اللّه: {من كان عدوًّا للّه وملائكته} الآية.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: «إنّ يهوديًّا لقي عمر فقال له: إنّ جبريل الّذي يذكره صاحبك هو عدوٌّ لنا. فقال له عمر: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}»، قال: «فنزلت على لسان عمر».
وهذا الخبر يدلّ على أنّ اللّه أنزل هذه الآية توبيخًا لليهود في كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإخبارًا منه لهم أنّ من كان عدوًّا لمحمّدٍ فاللّه له عدوٌّ، وأنّ عدوّ محمّدٍ من النّاس كلّهم لمن الكافرين باللّه الجاحدين آياته.
فإن قال قائلٌ: أوليس جبريل وميكائيل من الملائكة؟ قيل: بلى.

فإن قال: فما معنى تكرير ذكرهما بأسمائهما، وقد مضى ذكرهما في الآية في جملة أسماء الملائكة؟
قيل: معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما أنّ اليهود لمّا قالت: جبريل عدوّنا وميكائيل وليّنا، وزعمت أنّها تكفر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل أنّ جبريل صاحب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، أعلمهم اللّه أنّ من كان لجبريل عدوًّا، فإنّ اللّه له عدوٌّ، وأنّه من الكافرين.
فنصّ عليه باسمه، وعلى ميكائيل باسمه، لئلاّ يقول منهم قائلٌ: إنّما قال اللّه من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله، ولسنا للّه ولا لملائكته ورسله أعداءً، لأنّ الملائكة اسمٌ عامٌّ محتملٌ خاصًّا وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه. وكذلك قوله: {ورسله} فلست يا محمّد داخلاً فيهم. فنصّ اللّه تعالى على أسماء من زعموا أنّهم أعداؤه بأعيانهم ليقطع بذلك تلبيسهم على أهل الضّعف منهم، ويحسم تمويههم أمورهم على المنافقين.
وأمّا إظهار اسم اللّه في قوله: {فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين} وتكريره فيه، وقد ابتدأ أوّل الخبر بذكره، فقال: {من كان عدوًّا للّه وملائكته} فلئلاّ يلتبس -لو ظهر ذلك بكنايةٍ، فقيل: فإنّه عدوٌّ للكافرين- على سامعه من المعنيّ بالهاء الّتي في قوله: (فإنّه) آللّه، أم جبريل، أم ميكائيل؟ إذ لو جاء ذلك بكنايةٍ على ما وصفت فإنّه يلتبس معنى ذلك على من لم يوقف على المعنى بذلك لاحتمال الكلام ما وصفت.
وقد كان بعض أهل العربيّة يوجّه ذلك إلى نحو قول الشّاعر:

ليت الغراب غداة ينعب دائبًا ....... كان الغراب مقطّع الأوداج
وأنّه إظهار الاسم الّذي حظّه الكناية عنه.
والأمر في ذلك بخلاف ما قال؛ وذلك أنّ الغراب الثّاني لو كان مكنيًّا عنه لما التبس على أحدٍ يعقل كلام العرب أنّه كناية اسم الغراب الأوّل، إذ كان لا شيء قبله يحتمل الكلام أن يوجّه إليه غير كناية اسم الغراب الأوّل؛ وأنّ قبل قوله: {فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين} أسماءٌ لو جاء اسم اللّه تعالى ذكره مكنيًا عنه لم يعلم من المقصود إليه بكناية الاسم إلاّ بتوقيفٍ من حجّةٍ، فلذلك اختلف أمراهما). [جامع البيان: 2/ 301-304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين (98)}
قوله: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدو للكافرين}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن مجالدٍ، أنبأ عامرٌ، قال:«انطلق عمر إلى اليهود، فقال: إنّي أنشدكم بالذي أنزل التّوراة على موسى هل تجدون محمّدًا في كتبكم؟ قالوا: نعم،

؟ فما يمنعكم أن تتّبعوه؟ قالوا: إنّ اللّه لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفلا، وإنّ جبريل كفل محمّدٍ وهو الّذي يأتيه، وهو عدوّنا من الملائكة، وميكائيل سلمنا، لو كان ميكائيل هو الّذي يأتيه، أسلمنا،
قال: فإنّي أنشدكم باللّه الّذي أنزل التّوراة على موسى؛ ما نزلتهما من ربّ العالمين؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله،
فقال عمر: وإن أشهد ما ينزلان إلا بإذن اللّه، وما كان ميكائيل ليسالم عدوّ جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدوّ ميكائيل،
فبينما هو عندهم إذ مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطّاب. فقام إليه عمر فأتاه وقد أنزل اللّه عليه: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}».
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن -يعني الدّشتكيّ-، أنبأ أبو جعفرٍ، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى: «أنّ يهوديًّا لقي عمر بن الخطّاب، فقال: إنّ جبريل الّذي يذكر صاحبكم عدوٌّ لنا. قال: فقال عمر: {من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}»، قال: «فنزلت على لسان عمر ابن الخطّاب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 181-182]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ورسله}
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ، ثنا أبو المغيرة، ثنا معان بن رفاعة، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قلت: يا نبيّ اللّه كم الأنبياء؟، قال: «مائة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا. الرّسل من ذلك ثلاثمائةٍ وخمسة عشر جمًّا غفيرًا».
تفسير قوله: {جبريل وميكال}
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن عميرٍ مولى ابن عبّاسٍ، قال: «إنّما قوله: {جبريل} كقوله: عبد اللّه وعبد الرّحمن».
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، وقال:«جبر: عبدٌ، وإيل: اللّه».
- حدّثنا أبو سعيد الأشج، ثنا ابن الأحلج، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين، قال:«أتدرون ما اسم جبريل من أسمائكم؟»، قلنا: لا. قال: «اسمه عبد اللّه». قال: «فتدرون ما اسم ميكائيل من أسمائكم؟»، قلنا: لا. قال:«اسمه عبيد اللّه، وكلّ اسمٍ مرجعه إلى إيل فهو إلى اللّه».
- ورواه محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن عليّ بن الحسين. وروي عن عكرمة ومجاهد والضحاك ونحيى بن يعمر نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن سنان، ؟ عليّ بن بحرٍ، ثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن الحارث، قال: «إيل بالعبرانيّة».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي الحواريّ، حدّثني عبد العزيز بن عميرٍ، قال: «اسم جبريل في الملائكة خادم ربّه». قال: فحدّثت به أبا سليمان الدّارانيّ فانتفض، وقال: لهذا الحديث أحبّ إليّ من كلّ شيءٍ في دفترٍ كان بين يديه). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 182-183]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}
- أخبرنا عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم فيما كتب إليّ، ثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ، ثنا الحكم بن أبان، حدّثني عثمان بن حاضرٍ، حدّثني جابر بن عبد اللّه، قال: «يا ابن حاضرٍ أتدري من الكافر؟ إنّ اللّه يقول: {بأنهم كفروا بالله ورسوله}»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /183]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أحمد بن كامل بن خلفٍ القاضي، ثنا عبد اللّه بن روحٍ المداينيّ، ثنا شبابة بن سوّارٍ، ثنا أبو عقبة الحمصيّ، عن عطاء بن عجلان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وزيراي من السّماء: جبريل، وميكائيل، ومن أهل الأرض: أبو بكرٍ، وعمر».

«هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، وإنّما يعرف هذا الحديث من حديث سوّار بن مصعبٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ وليس من شرط هذا الكتاب»). [المستدرك: 2/ 290]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أحمد بن كاملٍ القاضي، ثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، ثنا أبي، ثنا سوّار بن مصعبٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي وزيرين من أهل السّماء، ووزيرين من أهل الأرض، فأمّا وزيراي من أهل السّماء: فجبرائيل، وميكائيل، وأمّا وزيراي من أهل الأرض: فأبو بكرٍ، وعمر»رواه أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، عن أبي معاوية، عن عطيّة بلفظٍ آخر). [المستدرك: 2/ 290]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرناه الحسين بن الحسن بن أيّوب، ثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيدٍ، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعدٍ الطّائيّ، عن عطيّة بن سعدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: ذكر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم صاحب الصّور، فقال: «جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره» قال أبو عبيدٍ: «هما مهموزتان في الحديث»). [المستدرك: 2/ 291]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه السّعديّ، ثنا محاضر بن المورّع، ثنا الأعمش، عن سعدٍ الطّائيّ، عن عطيّة بن سعدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وهو صاحب الصّور»). [المستدرك: 2/ 291]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: أبنا يحيى بن آدم، ثنا الحسن بن عيّاشٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ قال: "نزل عمر بالرّوحاء فرأى ناسًا يبتدرون أحجارًا فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى إلى هذه الأحجار. فقال: سبحان اللّه، ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ألا راكباً مر بواد فحضرت الصّلاة فصلّى، ثمّ حدّث، فقال: إنّي كنت أغشى اليهود يوم دراستهم. فقالوا: ما من أصحابك أحدٌ أكرم علينا منك، لأنّك تأتينا. قلت: وما ذاك إلّا أنيّ أعجب من كتب اللّه كيف يصدّق بعضها بعضاً، كيف تصدق التّوراة الفرقان والفرقان التّوراة.
فمرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا وأنا أكلّمهم، فقلت: أنشدكم باللّه وما تقرءون من كتابه أتعلمون أنّه رسول اللّه؟ فقالوا: نعم.

فقلت: هلكتم واللّه، تعلمون أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ لا تتّبعونه!
فقالوا: لم نهلك، ولكن سألناه من يأتيه بنبوّته، فقال: عدوّنا جبريل لأنّه ينزل بالغلظة والشدة والحزن والهلاك ونحو هذا.
فقلت: من سلمكم من الملائكة؟
قالوا: ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا.
قلت: وكيف منزلهما من ربّهما؟
قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر.
قلت: فإنّه لا يحلّ لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحلّ لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل، وإنّي أشهد أنّهما وربّهما لسلمٌ لمن سالموا، وحربٌ لمن حاربوا.
ثمّ أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا أريد أن أخبره، فلمّا لقيته قال:«ألا أخبرك بآياتٍ أنزلت علي؟»، قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ {من كان عدواً لجبريل} حتى بلغ {الكافرين}، قلت: يا رسول الله، والله ما قمت من عند اليهود إلّا إليك لأخبرك بما قالوا لي وقلت لهم، فوجدت اللّه قد سبقني. قال عمر -رضي اللّه عنه-: فلقد رأيتني وأنا أشدّ في اللّه من الحجر.
هذا مرسلٌ صحيح الإسناد
). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 178-179] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {وجبريل وميكال}.
- أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: «جبريل كقولك: عبد الله، جبر: عبد، وإيل: الله».
- وأخرج ابن ابي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب في المتفق والمفترق، عن ابن عباس، قال: «جبريل: عبد الله، وميكائيل: عبيد الله، وكل اسم فيه إيل فهو معبد لله».
- وأخرج الديلمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسم جبريل: عبد الله، واسم اسرافيل: عبد الرحمن».
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، عن علي بن حسين، قال: «اسم جبريل: عبد الله، واسم ميكائيل: عبيد الله، واسم إسرافيل: عبد الرحمن، وكل شيء راجع إلى ايل فهو معبد لله عز وجل».
- وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: «جبريل اسمه عبد الله، وميكائيل اسمه عبيد الله، قال: والإل: الله، وذلك قوله: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولاذمة} [التوبة: 10]»، قال: «لا يرقبون الله».
- وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأها (جبرال) ويقول:«جبر هو عبد، وال هو الله».
- وأخرج وكيع عن علقمة أنه كان يقرأ مثقلة (وجبريل وميكال).
- وأخرج وكيع، وابن جرير عن عكرمة قال: جبر: عبد، وايل: الله، وميك: عبد، وايل: الله، واسراف: عبد، وايل: الله.
- وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء، فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد؛ إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا وبين أن تكون نبيا عبدا،

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع، فعرفت أنه لي ناصح، فقلت: عبد نبي، فعرج ذلك الملك إلى السماء، فقلت: يا جبريل؛ قد كنت أردت أن أسألك عن هذا، فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل؟»،
قال: هذا اسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه، بينه وبين الرب سبعون نورا ما منها نور يدنو منه إلا احترق، بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء في السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه، فإذا كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به،
قلت:«يا جبريل؛ على أي شيء أنت؟»، قال: على الرياح والجنود،
قلت: «على أي شيء ميكائيل؟»، قال: على النبات والقطر،
قلت: «على أي شيء ملك الموت؟»، قال: على قبض الأنفس، وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيته مني إلا خوفا من قيام الساعة.
- وأخرج الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبركم بأفضل الملائكة: جبريل، وأفضل النبيين: آدم، وأفضل الأيام: يوم الجمعة، وأفضل الشهور: رمضان، وأفضل الليالي: ليلة القدر، وأفضل النساء: مريم بنت عمران».
- وأخرج ابن ابي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن عبد العزيز بن عمير، قال: «اسم جبريل في الملائكة: خادم الله عز وجل».
- وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن عكرمة، قال: «قال جبريل عليه السلام: إن ربي عز وجل ليبعثني على الشيء لأمضيه فأجد الكون قد سبقني إليه».
- وأخرج أبو الشيخ، عن موسى بن عائشة، قال:«بلغني أن جبريل إمام أهل السماء».
- وأخرج أبو الشيخ، عن عمرو بن مرة، قال:«جبريل على ريح الجنوب».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن ثابت، قال:«بلغنا أن الله تعالى وكل جبريل بحوائج الناس، فإذا دعا المؤمن؛ قال: يا جبريل احبس حاجته فإني أحب دعاءه، وإذا دعا الكافر؛ قال: يا جبريل اقض حاجته فإني أبغض دعاءه».
- وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عبيد، قال: «إن جبريل موكل بالحوائج، فإذا سأل المؤمن ربه؛ قال: احبس احبس، حبا لدعائه أن يزداد، وإذا سأل الكافر؛ قال: أعطه أعطه، بغضا لدعائه».
- وأخرج البيهقي والصابوني في المائتين، عن جابر بن عبد الله، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«إن جبريل موكل بحاجات العباد، فإذا دعا المؤمن؛ قال: يا جبريل احبس حاجة عبدي فإني أحبه وأحب صوته، وإذا دعا الكافر؛ قال: يا جبريل اقض حاجة عبدي فإني أبغضه وأبغض صوته».
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل:«وددت أني رأيتك في صورتك»، قال: وتحب ذلك؟ قال: «نعم»، قال: موعدك كذا وكذا من الليل بقيع الغرقد، فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم موعده فنشر جناحا من أجنحته، فسد أفق السماء، حتى ما يرى من السماء شيء.
- وأخرج أحمد وأبو الشيخ، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت جبريل مهبطا قد ملأ ما بين الخافقين، عليه ثياب سندس معلق بها اللؤلؤ والياقوت».
- وأخرج أبو الشيخ، عن شريح بن عبيد، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما صعد إلى السماء رأى جبريل في خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت، قال: «فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق، وكنا أراه قبل ذلك على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانا أراه كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال».
- وأخرج ابن جرير عن حذيفة وقتادة -دخل حديث بعضهم لبعض-: «لجبريل جناحان، وعليه وشاح من در منظوم، وهو براق الثنايا أجلى الجبينين، ورأسه حبك حبكا مثل المرجان وهو اللؤلؤ كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة».
- وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«ما بين منكبي جبريل مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع الطيران».
- وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه، أنه سئل عن خلق جبريل، فذكر أن ما بين منكبيه من ذي إلى ذي خفق الطير سبعمائة عام.
- وأخرج ابن سعد والبيهقي في الدلائل، عن عمار بن أبي عمار، أن حمزة بن عبد المطلب قال: يا رسول الله؛ أرني جبريل على صورته، قال: «إنك لا تستطيع أن تراه»، قال: بلى فأرنيه، قال: «فاقعد»، فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت الكعبة يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارفع طرفك فانظر»، فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد الأخضر، فخر مغشيا عليه.
- وأخرج ابن المبارك في الزهد، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أن يترأى له في صورته، فقال جبريل: إنك لن تطيق ذلك، قال:«إني أحب أن تفعل»، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، ثم أفاق وجبريل مسنده وواضع إحدى يديه على صدره، والآخرى بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما كنت أرى إن شيئا من الخلق هكذا»، فقال جبريل: فكيف لو رأيت اسرافيل إن له لأثني عشر جناحا منها جناح في المشرق وجناح في المغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانا لعظمة الله عز وجل حتى يصير مثل الوصع حتى ما يحمل عرشته إلا عظمته.
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف، عن أبي جعفر، قال: «كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يراه».
- وأخرج الحاكم، عن ابن عباس، قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لما رأيت جبريل لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا»، ولكن أن جعل ذلك في آخر عمرك.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن في الجنة لنهرا ما يدخله جبريل من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر ملكا».
- وأخرج أبو الشيخ، عن أبي العلاء بن هارون، قال:«لجبريل في كل يوم انغماسة في نهر الكوثر، ثم ينتفض فكل قطرة يخلق منها ملك».
- وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «إن جبريل ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه، في ثياب بيض مكفوفة باللؤلؤ والياقوت، رأسه كالحبك وشعره كالمرجان ولونه كالثلح، أجلى الجبين براق الثنايا عليه وشاحان من در منظوم، وجناحاه أخضران ورجلاه مغموستان في الخضرة، وصورته التي صور عليها تملأ ما بين الأفقين»، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أشتهي أن أراك في صورتك يا روح الله»، فتحول له فيها فسد ما بين الأفقين.
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «هل ترى ربك؟»، قال: إن بيني وبينه لسبعين حجابا من نار أو نور لو رأيت أدناه لاحترقت.
- وأخرج الطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية بسند واه، عن أبي هريرة، أن رجلا من اليهود أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل احتجب الله بشيء عن خلقه غير السموات؟ قال:«نعم بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور، وسبعون حجابا من نار، وسبعون حجابا من ظلمه، وسبعون حجابا من رفارف الاستبرق، وسبعون حجابا من ظلمة، وسبعون حجابا من رفاف السندس، وسبعون حجابا من در أبيض، وسبعون حجابا من در أخضر، وسبعون حجابا من در أحمر، وسبعون حجابا من در أصفر، وسبعون حجابا من در أخضر، وسبعون حجابا من ضياء، وسبعون حجابا من ثلج، وسبعون حجابا من برد، وسبعون حجابا من عظمة الله التي لا توصف»،

قال: فأخبرني عن ملك الله الذي يليه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الملك الذي يليه اسرافيل ثم جبريل ثم ميكائيل ثم ملك الموت عليهم السلام».
- وأخرج أحمد في الزهد، عن أبي عمران الجوني، أنه بلغه أن جبريل أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يبكيك؟»، قال: وما لي لا أبكي، فوالله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها.
- وأخرج أحمد في الزهد، عن رباح، قال: حدثت أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «لم تأتني إلا وأنت صار بين عينيك؟»، قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار.
- وأخرج أحمد في مسنده، وأبو الشيخ عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟»، قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.
- وأخرج أبو الشيخ، عن عبد العزيز بن أبي رواد، قال:«نظر الله إلى جبريل وميكائيل وهما يبكيان، فقال الله: ما يبكيكما وقد علمتما أني لا أجور، فقالا: يا رب إنا لا نأمن مكرك، قال: هكذا فافعلا فإنه لا يأمن مكري إلا كل خاسر».
- وأخرج أبو الشيخ من طريق الليث، عن خالد بن سعيد، قال:«بلغنا أن اسرافيل يؤذن لأهل السماء، فيؤذن لاثنتي عشرة ساعة من النهار، ولاثنتي عشرة ساعة من الليل، لكل ساعة تأذين، يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرضين السبع إلا الجن والإنس، ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة فيصلي بهم»، قال: «وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور».
- وأخرج الحكيم الترمذي، عن زيد بن رفيع، قال: «دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل وهو يستاك، فناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل السواك، فقال جبريل: كبر، قال جبريل: ناول ميكائيل فإنه أكبر».
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد، أن رجلا قال: يا رسول الله أي الخلق أكرم على الله عز وجل؟ قال: «لا أدري»، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال: «يا جبريل أي الخلق أكرم على الله؟»، قال: لا أدري، فعرج جبريل ثم هبط، فقال: أكرم الخلق على الله جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت وكل ورقة تسقط، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم.
- وأخرج أبو الشيخ، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل واسرافيل، وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، واسرافيل بينهما».
- وأخرج أبو الشيخ، عن خالد بن أبي عمران، قال:«جبريل أمين الله إلى رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي تلقى من أعمال الناس، واسرافيل كمنزلة الحاجب».
- وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن أبي داود في المصاحف، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وهو بينهما».
- وأخرج أبو الشيخ، عن وهب، قال: «إن أدنى الملائكة من الله جبريل ثم ميكائيل، فإذا ذكر عبدا بأحسن عمله قال: فلان بن فلان عمل كذا وكذا من طاعتي صلوات الله عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل: ما أحدث ربنا؟ فيقول: فلان بن فلان ذكر بأحسن عمله فصلى عليه صلوات الله عليه، ثم سأل ميكائيل من يراه من أهل السماء فيقول: ماذا أحدث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان بن فلان بأحسن عمله فصلى عليه صلوات الله عليه، فلا يزال يقع إلى الأرض، وإذا ذكر عبدا بأسوأ عمله قال: عبدي فلان بن فلان عمل كذا وكذا من معصيتي فلعنتي عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل: ماذا أحدث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان بن فلان بأسوأ عمله فعليه لعنة الله، فلا يزال يقع من سماء إلى سماء حتى يقع إلى الأرض».
- وأخرج الحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وزيراي من السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر».
- وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أيدني بأربعة وزراء؛ اثنين من أهل السماء: جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض: أبي بكر وعمر».
- وأخرج الطبراني بسند حسن، عن أم سلمة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده وكل مصيب»، وذكر إبراهيم ونوحا، «ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده، وكل مصيب»، وذكر أبا بكر وعمر.
- وأخرج البزار والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن عبد الله بن عمرو، قال: جاء فئام الناس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله زعم أبو بكر أن الحسنات من الله والسيئات من العباد، وقال عمر: الحسنات والسيئات من الله، فتابع هذا قوم وهذا قوم،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأقضين بينكما بقضاء اسرافيل بين جبريل وميكائيل، إن ميكائيل قال بقول أبي بكر، وقال جبريل بقول عمر، فقال جبريل لميكائيل: إنا متى تختلف أهل السماء تختلف أهل الأرض فلنتحاكم إلى اسرافيل، فتحاكما إليه فقضى بينهما بحقيقة القدر خيره وشره وحلوه ومره كله من الله»،
ثم قال:«يا أبا بكر إن الله لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس»، فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله.
- وأخرج الحاكم عن أبي المليح، عن أبيه، أنه صلى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر، فصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، قال: فسمعته يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل ومحمد أعوذ بك من النار»، ثلاث مرات.
- وأخرج أحمد في الزهد، عن عائشة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أغمي عليه وراسه في حجرها، فجعلت تمسح وجهه وتدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال: «لا، بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام»). [الدر المنثور: 1/ 482-497]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلاّ الفاسقون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ} أي: أنزلنا إليك يا محمّد علاماتٍ واضحاتٍ دالاّتٍ على نبوّتك. وتلك الآيات هي ما حواه كتاب اللّه الّذي أنزله إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنّبأ عمّا تضمّنته كتبهم الّتي لم يكن يعلمها إلاّ أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدّلوه من أحكامهم، الّتي كانت في التّوراة، فأطلعها اللّه في كتابه الّذي أنزله على نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. فكان في ذلك من أمره الآيات البيّنات لمن أنصف نفسه ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كلّ ذي فطرةٍ صحيحةٍ تصديق من أتى بمثل الّذي أتى به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الآيات البيّنات الّتي وصفت من غير تعلّمٍ تعلّمه من بشرٍى ولا أخذ شيءٍ منه عن آدميٍّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ} يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوةً وعشيّةً وبين ذلك، وأنت عندهم أمّيٌّ لم تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول اللّه: ففي ذلك لهم عبرةٌ وبيانٌ وعليهم حجّةٌ لو كانوا يعلمون».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ، وعن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال ابن صوريا الفطيونيّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد ما جئتنا بشيءٍ نعرفه، وما أنزل اللّه عليك من آيةٍ بيّنةٍ فنتّبعك لها. فأنزل اللّه فى ذلك قوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلاّ الفاسقون}».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال ابن صوريا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم»، فذكر مثله). [جامع البيان: 2/ 304-306]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يكفر بها إلاّ الفاسقون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وما يكفر بها إلاّ الفاسقون}: وما يجحد بها، وقد دلّلنا فيما مضى من كتابنا هذا على أنّ معنى الكفر الجحود بما أغنى عن إعادته هاهنا. وكذلك بيّنّا معنى الفسق وأنّه الخروج من الشّيء إلى غيره.
فتأويل الآية: ولقد أنزلنا إليك فيما أوحينا إليك من الكتاب علاماتٍ واضحاتٍ تبيّن لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم الجاحدين نبوّتك والمكذّبين رسالتك أنّك لي رسولٌ إليهم ونبيٌّ مبعوثٌ، وما يجحد تلك الآيات الدّالاّت على صدقك ونبوّتك الّتي أنزلتها إليك في كتابي فيكذّب بها منهم، إلاّ الخارج منهم من دينه، التّارك منهم فرائضي عليه في الكتاب الّذي تدين بتصديقه. فأمّا المتمسّك منهم بدينه والمتّبع منهم حكم كتابه، فإنّه بالّذي أنزلت إليك من آياتي مصدّقٌ. وهم الّذين كانوا آمنوا باللّه وصدّقوا رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل). [جامع البيان: 2/ 306]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلّا الفاسقون (99) أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون (100)}
قوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، ثنا يونس بن بكيرٍ، ثنا ابن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، أخبرني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال ابن صوريّا لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: يا محمّد ما جئتنا بشيءٍ نعرفه، وما أنزل اللّه عليك من آيةٍ بيّنةٍ فنتّبعك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلا الفاسقون}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 183]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما يكفر بها إلا الفاسقون}
- حدّثنا أبي، عن سليمان بن حربٍ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {الفاسقون} قال:«العاصون».
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: {الفاسقون} قال: «الكاذبون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 183]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون * أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون * ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}.
- أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: «قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، ما أنزل الله عليك من آية بينة، فأنزل الله في ذلك: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}،
وقال مالك بن الضيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد: والله ما عهد إلينا في محمد، ولا أخذ علينا ميثاقا، فأنزل الله تعالى: {أو كلما عاهدوا عهدا} الآية».
- وأخرج ابن جرير، من طريق الضحاك، عن ابن عباس، في قوله: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات}:«يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه، ففي ذلك عبرة لهم وبيان وحجة عليهم لو كانوا يعلمون»). [الدر المنثور: 1/ 497-498]

تفسير قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}.
اختلف أهل العربيّة في حكم الواو الّتي في قوله: {أوكلّما عاهدوا عهدًا}

- فقال بعض نحويّي البصريّين: هي واوٌ تجعل مع حروف الاستفهام، وهي مثل الفاء في قوله: {أفكلّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} قال: وهما زائدتان في هذا الوجه، وهي مثل الفاء الّتي في قوله: أفاللّه لتصنعنّ كذا وكذا، وكقولك للرّجل: أفلا تقوم؛ قال: وإن شئت جعلت الفاء والواو ههنا حرف عطفٍ.
- وقال بعض نحويّي الكوفيّين: هي حرف عطفٍ أدخل عليها ألف الاستفهام.
- والصّواب في ذلك عندي من القول أنّها واو عطفٍ أدخلت عليها ألف الاستفهام، كأنّه قال جلّ ثناؤه: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا} وكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم ثمّ أدخل ألف الاستفهام على وكلّما، فقال: {قالوا سمعنا وعصينا}، {أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم}.
وقد بيّنّا فيما مضى أنّه غير جائزٍ أن يكون في كتاب اللّه حرفٌ لا معنى له، فأغنى ذلك عن إعادة البيان على فساد قول من زعم أنّ الواو والفاء من قوله {أوكلّما} و{أفكلّما} زائدتان لا معنى لهما.
وأمّا العهد: فإنّه الميثاق الّذي أعطته بنو إسرائيل ربّهم ليعملنّ بما في التّوراة مرّةً بعد أخرى، ثمّ نقض بعضهم ذلك مرّةً بعد أخرى. فوبّخهم جلّ ذكره بما كان منهم من ذلك وعيّر به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في نقض ما كان جلّ ذكره أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من العهد والميثاق فكفروا به وجحدوا ما في التّوراة من نعته وصفته، فقال تعالى ذكره: أوكلّما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربّهم عهدًا وأوثقوه ميثاقًا نبذه فريقٌ منهم فتركه ونقضه؟
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:«قال مالك بن الضيف حين بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر لهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد اللّه إليهم فيه: واللّه ما عهد إلينا في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما أخذ له علينا ميثاقًا. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
وأمّا النّبذ فإنّ أصله في كلام العرب: الطّرح، ولذلك قيل للملقوط: المنبوذ؛ لأنّه مطروحٌ مرميٌّ به، ومنه سمّي النّبيذ نبيذًا، لأنّه زبيبٌ أو تمرٌ يطرح في وعاءٍ ثمّ يعالج بما عولج به.

وأصله مفعولٌ صرف إلى فعيلٍ، أعني أنّ النّبيذ أصله منبوذٌ ثمّ صرف إلى فعيلٍ، فقيل: نبيذٌ كما قيل: كفٌّ خضيبٌ ولحيةٌ دهينٌ، يعني مخضوبةً ومدهونةً؛ يقال منه: نبذته أنبذه نبذًا، كما قال أبو الأسود الدّؤليّ:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ....... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
فمعنى قوله جلّ ذكره: {نبذه فريقٌ منهم} طرحه فريقٌ منهم، فتركه ورفضه ونقضه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{نبذه فريقٌ منهم} يقول: نقضه فريقٌ منهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: قوله: {نبذه فريقٌ منهم} قال: «لم يكن في الأرض عهدٌ يعاهدون عليه إلاّ نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدًا»، قال: «وفي قراءة عبد اللّه: نقضه فريقٌ منهم».
والهاء الّتي في قوله: {نبذه} من ذكر العهد، فمعناه: أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذ ذلك العهد فريقٌ منهم.
والفريق: الجماعة، لا واحد له من لفظه، بمنزلة الجيش والرّهط الّذي لا واحد له من لفظه.
والهاء والميم اللّتان في قوله: {فريقٌ منهم} من ذكر اليهود من بني إسرائيل.
وأمّا قوله: {بل أكثرهم لا يؤمنون} فإنّه يعني جلّ ثناؤه: بل أكثر هؤلاء الّذين كلّما عاهدوا اللّه عهدًا وواثقوه موثقًا نقضه فريقٌ منهم لا يؤمنون.
ولذلك وجهان من التّأويل:

أحدهما: أن يكون الكلام دلالةً على الزّيادة والتّكثير في عدد المكذّبين النّاقضين عهد اللّه على عدد الفريق، فيكون الكلام حينئذٍ معناه: أوكلّما عاهدت اليهود من بني إسرائيل ربّها عهدًا نقض فريقٌ منهم ذلك العهد؟ لا ما ينقض ذلك فريقٌ منهم، ولكنّ الّذي ينقض ذلك فيكفر باللّه أكثرهم لا القليل منهم. فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: أوكلّما عاهدت اليهود ربّها عهدًا نبذ ذلك العهد فريقٌ منهم؟ لا ما ينبذ ذلك العهد فريقٌ منهم فينقضه على الإيمان منهم بأنّ ذلك غير جائزٍ لهم، ولكنّ أكثرهم لا يصدّقون باللّه ورسله، ولا وعده ووعيده.
وقد دلّلنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى الإيمان وأنّه التّصديق). [جامع البيان: 2/ 306-310]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أوكلّما عاهدوا عهدًا}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، ثنا يونس بن بكيرٍ، ثنا ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال مالك بن الضّيف حين بعث رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وذكّرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهدوا إليهم في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه ما عهد إلينا في محمّدٍ ولا أخذ علينا ميثاقًا، فأنزل الله عزّ وجلّ: {أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم}».
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: قوله: {أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون} قال: «نعم، ليس في الأرض عهدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غدًا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 183-184]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {نبذه فريقٌ منهم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله: {نبذه فريقٌ منهم} يقول: نقضه فريقٌ منهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 184]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بل أكثرهم لا يؤمنون}
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليٍّ، قال: قرأنا على عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: «{لا يؤمنون} يقول: لا يؤمنون بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 184]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير، عن قتادة، في قوله: {نبذه} قال: «نقضه».
-وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج، في قوله: {نبذه فريق منهم} قال: «لم يكن في الأرض عهد يعاهدون إليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدا»، قال:«وفي قراءة عبد الله: نقضه فريق منهم»). [الدر المنثور: 1/ 498]


رد مع اقتباس