عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 05:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 49]

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}

تفسير قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون...}
يقول: {لا تستكن ولا تحزن} ). [معاني القرآن: 2/13]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأوحي إلى نوح أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون}
فلذلك - واللّه أعلم - استجار نوح بقوله: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا * إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجرا كفّارا}.
أعلم أنّهم لا يلدون إلا الكفرة.
بقوله تعالى: {أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} معناه لا تحزن ولا تستكن). [معاني القرآن: 3/50-49]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن }
قال الضحاك فدعا عليهم أي لما أخبر بهذا قال إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا
ثم قال جل وعز: {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} ثم قال مجاهد وقتادة أي فلا تحزن
قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة حزن مع استكانة). [معاني القرآن: 3/347-346]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بأعيننا ووحينا...}
كقوله: {ارجعون} يخرج على الجمع ومعناه واحد على ما فسّرت لك من قوله: {بل نظنّكم كاذبين} لنوح وحده، و{على خوفٍ من فرعون وملئهم} ). [معاني القرآن: 2/13]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والفلك} السفينة. وجمعها فلك، مثل الواحد). [تفسير غريب القرآن: 203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون}
الفلك السفينة، والفلك يكون واحدا ويكون جمعا كما أنهم قالوا أسد وأسد، قالوا في الواحد فلك وفي الجمع فلك، لأن فعلا وفعلا جمعها واحد ويأتيان بمعنى كثيرا، يقال العجم والعجم، والعرب والعرب والفلك والفلك.
والفلكة يقال لكلّ شيء مستدير أو في استدارة.
ومعنى: {بأعيننا ووحينا} أي بإبصارنا إليك وحفظنا لك، وبما أوحينا إليك
{ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون} المعنى: لا تخاطبني في إمهال الذين كفروا إنهم مغرقون). [معاني القرآن: 3/50]

تفسير قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أخبر اللّه - جل ثناؤه - بعمله الفلك فقال:
{ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون}
يقال في التفسير إنهم كانوا يقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي مرسل صار نجّارا، فقال: {إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون}.
أي نحن نستجهلكم كما تستجهلوننا، ثم أعلمهم بما يكون عاقبة أمرهم فقال:
{فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم} ). [معاني القرآن: 3/51-50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه}
يروى أنهم كانوا يمرون به وهو يصنع الفلك فيقولون هذا الذي كان يزعم أنه نبي قد صار نجارا
ثم قال جل وعز: {قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون}
أي إن تستجهلونا فنحن نستجهلكم كما استجهلتمونا). [معاني القرآن: 3/347]

تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم}
أي فسوف تعلمون من هو أحق بالخزي، ومن هو أحمد عاقبة). [معاني القرآن: 3/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}
أي من يؤول أمره إلى هذا فهو الجاهل). [معاني القرآن: 3/347]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وفار التّنّور...}
هو تنّور الخابز: إذا فار الماء من أحرّ مكان في دارك فهي آية العذاب فأسر بأهلك. وقوله: {من كلٍّ زوجين اثنين} والذكر والأنثى من كل نوع زوجان.
وقوله: {وأهلك إلاّ من سبق عليه القول} حمل معه امرأة له سوى التي هلكت، وثلاثة بنين ونسوتهم، وثمانين إنسانا سوى ذلك.
فذلك قوله: {ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليلٌ} و(الثمانون) هو القليل).[معاني القرآن: 2/14]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنّور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليلٌ}
وقال: {قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين} فجعل الزوجين الضربين الذكور والإناث.
وزعم يونس أن قول الشاعر:

وأنت امرؤٌ تعدو على كلّ غرّةٍ = فتخطئ فيها مرّةً وتصيب
يعني الذئب فهذا أشد من ذلك). [معاني القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {من كلٍّ زوجين اثنين} أي من كلّ ذكر وأنثى اثنين.
{وأهلك إلّا من سبق عليه القول} أي سبق القول بهلكته). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنّور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلّا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلّا قليل}
أعلم اللّه - جلّ وعزّ - نوحا أن وقت إهلاكهم فور التّنور.
وقيل في التّنور أقوال:
- قيل إن التّنور وجه الأرض.
- ويقال إن الماء فار من ناحية مسجد الكوفة
- ويقال إن الماء فار من تنور الخابزة، وقيل التنور تنوير الصبح.
والجملة أن الماء فار من الأرض وجاء من السّماء قال اللّه جلّ وعزّ: {ففتحنا أبواب السّماء بماء منهمر * وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر}.
فالماء فوره من تنّور أو من ناحية المسجد أو من وجه الأرض، أو في وقت الصبح لا يمنع أن يكون ذلك العلامة لإهلاك القوم.
{قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين} أي: من كل شيء، والزوج في كلام العرب واحد ويجوز أن يكون معه واحد، والاثنان يقال لهما زوجان يقول الرجل: على زوجان من الخفاف.
وتقول: عندي زوجان من الطير، وإنما تريد ذكر أو أنثى فقط.
وتقرأ من كلّ زوجين -على الإضافة- والمعنى واحد في الزوجين أضفت أم لم تضف.
(وأهلك إلّا من سبق عليه القول ومن آمن) أي واحمل من آمن، ويقال إن الذين آمنوا معه كانوا ثمانين نفسا.
فقال تعالى: {وما آمن معه إلّا قليل} لأن ثمانين قليل في جملة أمّة قوم نوح). [معاني القرآن: 3/51-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أي وطلع الفجر كأنه يذهب إلى تنوير الصبح
قال عبد الله بن عباس التنور وجه الأرض وكانت علامة بين نوح وربه جل وعز أي إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب أنت وأصحابك السفينة
وقال قتادة التنور أعلى الأرض وأشرفها وكان ذلك علامة له
وكان مجاهد يذهب إلى أنه تنور الخابز
وقال الشعبي جاء الماء من ناحية الكوفة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن الله قد خبرنا أن الماء قد جاء من السماء والأرض فقال: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا}
فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة
وقوله جل وعز: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين}
قال مجاهد أي ذكرا وأنثى
وقال قتادة أي من كل صنفين
والزوج في اللغة واحد معه آخر لا يستغني عنه
يقال عندي زوجان من الخفاف وما أشبه ذلك
ثم قال جل وعز: {وأهلك إلا من سبق عليه القول} أي إلا من سبق عليه القول بالهلاك
ثم قال جل وعز: {ومن آمن} أي واحمل من آمن
ثم قال جل وعز: {وما آمن معه إلا قليل}
يروى عن ابن عباس أنه قال حمل معه ثمانين
وقال قتادة ما آمن معه إلا ثمانية خمسة بنين وثلاث نسوة). [معاني القرآن: 3/347-350]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقال اركبوا فيها بسم اللّه...}
إن شئت جعلت {مجرها ومرساها} في موضع رفع بالياء؛ كما تقول: إجراؤها وإرساؤها بسم الله وبأمر الله. وإن شئت جعلت (بسم الله) ابتداء مكتفياً بنفسه، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه: بسم الله ويكون {مجريها ومرسيها} في موضع نصب يريد بسم الله في مجراها وفي مرساها. وسمعت العرب تقول: الحمد لله سرارك وإهلالك،
وسمع منهم الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك.
والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إبراهيم النخعيّ والحسن وأهل المدينة...
- حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق أنه قرأها (مجراها) بفتح الميم
و(مرسها) بضم الميم...
- حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن عرفجة أنه سمع عبد الله بن مسعود قرأها (مجراها) بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها.
وقرأ مجاهد (مجريها ومرسيها) يجعله من صفات الله عزّ وجلّ، فيكون في موضع خفض في الإعراب لأنه معرفة. ويكون نصباً لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما؛
ألا ترى أنك تقول في الكلام: بسم الله المجريها والمرسيها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته.
ويدلّك على نكرته قوله: {هذا عارضٌ ممطرنا} وقوله: {فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم} فأضافوه إلى معرفة، وجعلوه نعتاً لنكرة.
وقال الشاعر:
يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم =لاقى مباعدةً منكم وحرمانا
وقول الآخر:
ويا رب هاجي منقرٍ يبتغي به =ليكرم لمّا أعوزته المكارم
وسمع الكسائيّ أعرابيّا يقول بعد الفطر: ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه). [معاني القرآن: 2/14-15]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {بسم الله مجراها} أي مسيرها وهي من جرت بهم، ومن قال: مجراها جعله من أجريتها أنا،
قال لبيد:
وعمرت حرساً قبل مجرى داحسٍ= لو كان للنفس اللّجوج خلود
قوله: حرساً يعني دهراً؛ ويقال: مجرى داحس.
{ومرساها} أي وقفها وهو مصدر أرسيتها أنا). [مجاز القرآن: 1/289]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجرياها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رّحيمٌ}
[وقال] {وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجرياها ومرساها} إذا جعلت من "أجريت" و"أرسيت" وقال بعضهم (مجراها ومرساها) إذا جعلت من "جريت" وقال بعضهم (مجريها ومرسيها)
لأنه أراد أن يجعل ذلك صفة لله عز وجل). [معاني القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مجراها}: مسيرها. {ومرساها} حيث ترسي وترسو أيضا. أي تقف). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفور رحيم} أي باللّه تجري، وبه تستقرّ.
ومعنى قلنا باسم اللّه أي باللّه.
وقد قرئت على وجوه، قرئت مجراها بفتح الميم، ومرساها بضم الميم. وقرئت مجراها ومرساها بضم الميمين جميعا. ويجوز مجراها ومرساها، وكل صواب حسن.
فأما من قرأ مجراها بفتح الميم، فالمعنى جريها ومرساها المعنى وباللّه يقع إرساؤها، أي إقرارها.
ومن قرأ مجراها ومرساها. فمعنى ذلك باللّه إجراؤها وباللّه إرساؤها يقال: أجريته مجرى وإجراء في معنى واحد.
ومن قال مجراها ومرساها، فهو على جرت جريا ومجرى، ورست رسوّا ومرسى.
والمرسى مستقرها.
والمعنى أن الله جلّ وعزّ أمرهم أن يسمّوا في وقت جريها ووقت استقرارها.
ومرساها في موضع جر على الصفة للّه جلّ وعزّ.
ويجوز فيه شيء لم يقرأ به ولا ينبغي أن يقرأ به لأن القراءة سنة متبعة:
باسم اللّه مجريها علي وجهين:
أحدهما الحال، المعنى مجريا لها ومرسيا لها.
كما تقول مررت بزيد ضاربها على الحال.
ويجوز أن يكون منصوبا على المدح، أعني مجريها ومرسيها.
ويجوز أن يكون مجريها ومرسيها في موضع رفع على إضمار هو مجريها ومرسيها). [معاني القرآن: 3/52-53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها}أي بالله إجراؤها وإرساؤها،
ومن قرأ (مَجْرَاها ومَرْسَاهَا) ذهب إلى أن المعنى جريها ورسوها أي ثباتها
وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه قرأ باسم الله مجريها ومرسيها على النعت). [معاني القرآن: 3/350]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}
قيل إن السّماء والأرض التقى ماؤهما فطبق بينهما وجرت السفينة في ذلك الماء.
وقوله: {وهي تجري بهم في موج كالجبال}.
إن الموج لا يكون إلا فوق الماء، وجاء في التفسير أن الماء جاوز كل شيء خمسة عشر ذراعا، قال اللّه - عزّ وجلّ: {فالتقى الماء على أمر قد قدر}.
فجائز أن يكون يلتقي ماء السماء وماء الأرض وما يطبق ما بينهما.
وجائز أن يطبق ما بينهما.
والموج تموّج الماء، وأكثر ما يعرف تكونه في علوّ الماء، وجائز أن يتموج داخل الماء..
والرواية في السفينة أكثر ما قيل في طولها أنه كان ألفا ومائتي ذراع.
وقيل ستمائة ذراع. وقيل إن نوحا بعث وله أربعون سنة ولبث في قومه كما قال الله - جل ثناؤه - ألف سنة إلا خمسين عاما..
وعمل السفينة في خمسين سنة ولبث بعد الطوفان ستين سنة.
{وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}
{ونادى نوح ابنه وكان في معزل}.
يجوز أن يكون كان في معزل من دينه، أي دين أبيه ويجوز أن يكون - وهو أشبه - أن يكون في معزل من السفينة - {يا بنيّ اركب معنا}.
الكسر أجود القراءة أعني كسر الياء، ويجوز كسرها وفتحها من جهتين، إحداهما أن الأصل يا بنيي، والياء تحذف في النداء، أعني ياء الإضافة، وتبقى الكسرة تدل عليها،
ويجوز أن تحذف الياء لسكون الراء من اركب، وتقرّ في الكتاب على ما هي في اللفظ.
والفتح من جهتين، الأصل يا بنيّا فتبدل الألف من ياء الإضافة.
العرب تقول: يا غلاما أقبل، ثم تحذف الألف لسكونها وسكون الراء.
ويقرّ في الكتاب على حذفها في اللفظ ويجوز أن تحذف ألف النداء كما تحذف ياء الإضافة، وإنما حذفت ياء الإضافة وألف الإضافة في النداء كما يحذف التنوين،
لأن ياء الإضافة زيادة في الاسم كما أن التنوين زيادة فيه، ويجوز وجه آخر لم يقرأ به وهو إثبات الياء، يا بنيّي، وهذه تثقل لاجتماع الياءات). [معاني القرآن: 3/53-54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ونادى نوح ابنه وكان في معزل}
قال عبد الله بن عباس ما بغت امرأة نبي قط وكان ابنه
وقال سعيد بن جبير هو ابنه لأن الله عز وجل خبرنا بذلك
وقال عكرمة إن شئتم حلفت لكم أنه ابنه
وقال الضحاك هو ابنه قال الله جل وعز: {ونادى نوح ابنه}
وقال مجاهد ليس هو ابنه ويبين ذلك قول الله تبارك وتعالى: {فلا تسألني ما ليس لك به علم}
قال الحسن لم يكن ابنه وإنما ولد على فراشه فنسب إليه
والقول الأول أبين وأصح لجلالة من قاله وأن قوله: {إنه ليس من أهلك} ليس مما ينفي عنه انه ابنه وقد قال الضحاك معناه ليس من أهل دينك ولا من أهل ولايتك
وقال سفيان معناه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم
قال أبو جعفر وهذان القولان حسنان في اللغة والأول أولى
وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قرأ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يريد ابنها ثم حذف الألف
ومثل هذا لا يجوز عند أهل العربية علمته
ويجوز أن يكون معنى وكان في معزل أي في معزل عن دين أبيه ويكون في معزل عن السفينة وهذا أشبه). [معاني القرآن: 3/351-352]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء...}
(قال) نوح عليه السلام {لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم} فمن في موضع نصب؛ لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله:
{مالهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس = إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
لم يجزله الرفع في (من) لأن الذي قال: (إلاّ اليعافير) جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش، وكذلك قوله: {إلاّ اتّباع الظّنّ} يقول: علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: المعصوم عاصم. ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم كأنك قلت: لا معصوم اليوم من أمر الله لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل؛
ألا ترى قوله: {من ماءٍ دافقٍ} فمعناه والله أعلم: مدفوق
وقوله: {في عيشةٍ راضيةٍ} معناها مرضيّة،
وقال الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها =واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
معناه المكسوّ. تستدلّ على ذلك أنك تقول: رضيت هذه المعيشة ولا تقول: رضيت ودفق الماء ولا تقول: دفق، وتقول كسي العريان ولا تقول: كسا. ويقرأ (إلاّ من رحم) أيضاً.
ولو قيل لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم كأنّك قلت: لا يعصم الله اليوم إلاّ من رحم ولم نسمع أحداً قرأ به). [معاني القرآن: 2/15-16]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({وحال بينهما الموج} أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء). [معاني القرآن: 2/17] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رّحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
وقال: {سآوي إلى جبلٍ يعصمني} فقطع (سآوى) لأنه "أفعل" وهو يعني نفسه. وقال: {لاعاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رّحم} ويجوز أن يكون على "لاذا عصمةٍ" أي: معصوم ويكون (إلاّ من رحم) رفعا بدلاً من العاصم). [معاني القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يعصمني من الماء} أي يمنعني منه.
{قال لا عاصم اليوم} لا معصوم {اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم} ومثله {من ماءٍ دافقٍ} بمعنى مدفوق). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل:
كقوله سبحانه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} أي لا معصوم من أمره.
وقوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي مدفوق.
وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضيّ بها.
وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا} أي مأمونا فيه.
وقوله: {وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مبصرا بها.
والعرب تقول: ليل نائم، وسرّ كاتم،
قال وعلة الجرميّ:
ولما رأيت الخيل تترى أثايجا = علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر
أي يوم صعب مفجور فيه). [تأويل مشكل القرآن: 296-297]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
أي يمنعني من الماء، والمعنى من تغريق الماء
{قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم}.
هذا استثناء ليس من الأول، وموضع " من " نصب المعنى لكن من رحم اللّه، فإنه معصوم، ويكون{لا عاصم} معناه لا ذا عصمة، كما قالوا: {عيشة راضية}، معناه مرضية وجاز راضية على جهة النسب أي في عيشة ذات رضا.
وتكون " من " " على هذا التفسير في موضع رفع، ويكون المعنى لا معصوم إلا المرحوم). [معاني القرآن: 3/54-55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ومعنى يعصمني : يمنعني). [معاني القرآن: 3/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} فيه قولان:
أحدهما: أنه استثناء ليس من الأول
والآخر: أنه على النسبة فيكون المعنى لا معصوم كما قال من ماء دافق أي مدفوق
وذكر محمد بن جرير قولا ثالثا وزعم أنه أولى ما قيل فيه فقال لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا من رحم أي إلا الله كما تقول لا منجي اليوم إلا الله فمن في موضع رفع ولا تجعل عاصم بمعنى معصوم ولا إلا بمعنى لكن
ثم قال جل وعز: {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
قال الفراء أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء فكان من المغرقين). [معاني القرآن: 3/353-354]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يعصمني} أي: يمنعني). [ياقوتة الصراط: 264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ عَاصِمَ} أي لا معصوم، أي لا ممنوع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واستوت على الجوديّ...}
وهو جبل بحضنين من أرض الموصل ياؤه مشدّدة وقد حدّثت أنّ بعض القراء قرأ {على الجودي} بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهي مما كثر به الكلام عند أهله فخفّف،
أو يكون قد سمّى بفعل أنثى مثل حطيّ وأصرّي وصرّي، ثم أدخلت الألف واللام.
أنشدني بعضهم - وهو المفضّل -:
وكفرت قوماً هم هدوك لأقدمى =إذا زجر أبيك سأسا واربق
وأنشدني بعض بني أسد:
لمّا رأيت أنها في حطي =وفتكت في كذبي ولطّي
والعرب إذا جعلت مثل حطّي وأشباهه اسماً فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا: حطّا، أصرّا، وصرّا.
وكذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء؛ مثل ماهي وشاهي وشنيّ حوّلوه إلى ألف فقالوا: ماها وشاها وشنّا.
وأنشدنا بعضهم:
أتانا حماسٌ بابن ماها يسوقه =لتبغيه خيراً وليس بفاعل
{وحال بينهما الموج} أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء.
وقوله: {يا أرض ابلعي} يقال بلعت وبلعت). [معاني القرآن: 2/16-17]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وغيض الماء} غاضت الأرض والماء، وغاض الماء يغيض، أي ذهب وقلّ.
{الجودىّ} اسم جبل، قال زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ:
وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد). [مجاز القرآن: 1/290-289]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعداً لّلقوم الظّالمين}
وقال: {وغيض الماء} لأنك تقول "غضته" فـ"أنا أغيضه" وتقول: "غاضته الأرحام" فـ"هي تغيضه" وقال: {وما تغيض الأرحام}.
وأما (الجوديّ) فثقل لأنها ياء النسبة فكأنه أضيف إلى "الجود" كقولك: "البصريّ" و"الكوفيّ"). [معاني القرآن: 2/41-42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {وغيض الماء}: يقال غاضت الأرض الماء وغاض الماء إذا قل.
{الجودي}: جبل). [غريب القرآن وتفسيره: 174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وغيض الماء} أي نقص. يقال: غاض الماء وغضته. أي نقض ونقصته.
{وقضي الأمر} أي فرغ منه فغرق من غرق، ونجا من نجا.
و{الجوديّ}: جبل بالجزيرة). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: العذاب، قال الله تعالى: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر} أي وجب العذاب.
وقال تعالى: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}). [تأويل مشكل القرآن: 515]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا للقوم الظّالمين}
{وغيض الماء} يقال غاض الماء يغيض إذا غاب في الأرض، ويجوز إشمام الضم في الغين.
{وقضي الأمر} أي هلاك قوم نوح.
{واستوت على الجوديّ} والجوديّ جبل بناحية آمد). [معاني القرآن: 3/55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وقيل يا ارض ابلعي ماءك}
قال قتادة أي ابلعي كل ماء عليك ويا سماء أقلعي أي لا تمطري
ثم قال جل وعز: {وغيض الماء}
قال مجاهد: أي نقص
وقال قتادة: أي ذهب
ثم قال جل وعز: {وقضي الأمر} أي قضي الأمر بهلاكهم
ثم قال: {واستوت على الجودي}
قال الضحاك هو جبل الموصل). [معاني القرآن: 3/354]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وغيض الماء} أي: نقص). [ياقوتة الصراط: 264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَغِيضَ الْمَاء} أي نقص). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غِيضَ الماء}: ذهب.
{الْجُودِيِّ}: جبل). [العمدة في غريب القرآن: 154]

تفسير قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا نوح إنّه ليس من أهلك...}
الذي و-- أنجيهم ثم قال عزّ وجلّ: {إنّه عملٌ غير صالحٍ} (وعامّة القراء عليه)...
- وحدثني حبّان عن الكلميّ عن أبي صالح عن ابن عباس بذلك يقول: سؤالك إيّاي ما ليس لك به علم عمل غير صالح. وعامّة القراء عليه...
- وحدثني أبو اسحق الشيبانيّ قال حدثني أبو روق عن محمد بن حجادة عن أبيه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {إنه عمل غير صالحٍ}...
- وحدثني ابن أبي يحيى عن رجل قد سمّاه قال، لا أراه إلا ثابتاً البنانيّ عن شهر بن حوشب عن أمّ سلمة قالت: قلت يا رسول الله: كيف أقرؤها؟
قال {إنه عمل غير صالحٍ}
وقوله: {فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ} ويقرأ: تسألنيّ بإثبات الياء وتشديد النون ويجوز أن تقرأ (فلا تسألنّ ما ليس) بنصب النون، ولا توقعها إلاّ على (ما) وليس فيها ياء في الكتاب والقراء قد اختلفوا فيما يكون في آخره الياء وتحذف في الكتاب: فبعضهم يثبتها، وبعضهم يلقيها من ذلك {أكرمن} و{أهانن} {فما آتان اللّه} وهو كثير في القرآن).
[معاني القرآن: 2/18-17]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عملٌ غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين}
وقال: {إنّه عملٌ غير صالحٍ} منوّن لأنه حين قال -والله أعلم- {لا تسألني ما ليس لك به علمٌ} كان في معنى "أن تسألني" فقال: {إنّه عملٌ غير صالحٍ فلا تسألني ما ليس لك به علمٌ} وقال بعضهم (عمل غير صالحٍ) وبه نقرأ). [معاني القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّه ليس من أهلك} لمخالفته إياك. وهذا كما يقول الرجل لابنه إذا خالفه: اذهب فلست منك ولست مني.
لا يريد به دفع نسبه. أي قد فارقتك). [تفسير غريب القرآن: 204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ونادى نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين}
قرأ الحسن وابن سيرين " عمل غير صالح " وكان مذهبهما أنه ليس بابنه، لم يولد من صلبه، قال الحسن: واللّه ما هو بابنه.
وقال ابن عباس وابن مسعود إنه ابنه، ولم يبتل اللّه نبيا في أهله بمثل هذه البلوى.
فأمّا من قرأ: {إنّه عمل غير صالح}.
فيجوز أن يكون يعني به أنه ذو عمل غير صالح، كما قالت الخنساء.
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت= فإنما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال، وقد قال اللّه -عزّ وجلّ- {ونادى نوح ابنه} فنسبه إليه.
وللقائل أن يقول نسبه إليه على الاستعمال، كما قال اللّه -جلّ وعزّ- (أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم)، فنسبهم إليه على قولهم، واللّه لا شريك له، ولكن الأجود في التفسير أن يكون: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجّيهم، ويجوز أن يكون (إنّه ليس من أهلك) إنّه ليس من أهل دينك.
{فلا تسألن ما ليس لك به علم}.
ويقرأ "فلا تسألن ما ليس لك به علم"). [معاني القرآن: 3/55-56]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إنه عمل غير صالح}
في معناه أقوال:
منها أن المعنى انه ذو عمل غير صالح
وقيل إن عمله عمل غير صالح
وقال قتادة معناه إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم في قوله: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} عمل غير صالح وهذا عمل غير صالح
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل فيه لأن عبد الله بن مسعود قرأ إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم). [معاني القرآن: 3/354-355]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)}

تفسير قوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {بسلامٍ مّنّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ مّمّن مّعك...}
يعني ذريّة من معه من أهل السعادة. ثم قال: (وأممٌ) من أهل الشقاء (سنمتّعهم) ولو كانت (وأممًاً سنمتّعهم) نصباً لجاز توقع عليهم (سنمتّعهم) كما قال {فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضّلالة} ). [معاني القرآن: 2/18]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قيل يا نوح اهبط بسلامٍ مّنّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ مّمّن مّعك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم مّنّا عذابٌ أليمٌ}
وقال: {وأممٌ سنمتّعهم} رفع على الابتداء نحو قولك "ضربت زيداً وعمرو لقيته" على الابتداء). [معاني القرآن: 2/42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}
قال محمد بن كعب قد دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة ودخل في قوله: {وأمم سنمتعهم} كل فاجر إلى يوم القيامة
وقال الضحاك نحوا من هذا إلا أنه بخلاف هذه الألفاظ وتقديره في العربية على مذهبه على ذرية أمم ممن معك وذرية أمم سنمتعهم ثم حذف كما قال واسأل القرية). [معاني القرآن: 3/355-356]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {تلك من أنباء الغيب...}
يصلح مكانها (ذلك) مثل قوله: {ذلك من أنباء القرى نقصّه عليك} والعرب تفعل هذا في مصادر الفعل إذا لم يذكر مثل قولك: قد قدم فلان، فيقول الآخر: قد فرحت بها وبه. فمن أنّث ذهب بها إلى القدمة، ومن ذكّر ذهب إلى القدوم. وهو مثل قوله: {ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا}.
وقوله: {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك} يقول: لم يكن علم نوح والأمم بعده من علمك ولا علم قومك {من قبل هذا} يعني القرآن). [معاني القرآن: 2/18-19]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا}
أي ما أوحيناه إليك من خبر نوح لم تكن تعلمه أنت ولا قومك لأنهم ليسوا أهل كتاب). [معاني القرآن: 3/356]


رد مع اقتباس