عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 06:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 9 إلى 27]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنودٌ} [الأحزاب: 9] يعني أبا سفيان وأصحابه، وهم الأحزاب.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: يوم الأحزاب تحازبوا على اللّه ورسوله، جاء عيينة بن حصنٍ الفزاريّ وطليحة بن خويلدٍ الأسديّ من فوق الوادي، وجاء أبو الأعور السّلميّ من أسفل الوادي، ونصب أبو سفيان قبل الخندق الّذي فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال: {فأرسلنا عليهم ريحًا} [الأحزاب: 9] قال مجاهدٌ: وهي الصّبا تكبّهم على وجوههم وتقطع فساطيطهم حتّى أظعنتهم، وهذا تفسير مجاهدٍ.
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالح بن كيسان، عن طاوسٍ، قال يحيى: وأخبرني صاحبٌ لي، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نصرت بالصّبا وأهلكت عادٌ بالدّبور».
[تفسير القرآن العظيم: 2/703]
قال: {وجنودًا لم تروها} [الأحزاب: 9] الملائكة، في تفسير مجاهدٍ وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 2/704]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لّم تروها...}

يريد: وأرسلنا جنوداً لم تروها من الملائكة, وهذا يوم الخندق , وهو يوم الأحزاب.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم...}
وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسلّط الله عليهم ريحاً باردةً، فمنعت أحدهم من أن يلجم دابّته, وجالت الخيل في العسكر، وتقطعت أطنابهم , فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}: يعني :الملائكة.). [معاني القرآن: 2/340] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان اللّه بما تعملون بصيرا (9)}
هؤلاء الجنود هم الأحزاب، والجنود الذين كانوا: هم قريش مع أبي سفيان , وغطفان , وبنو قريظة، تحزّبوا , وتظاهروا على حرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم , فأرسل اللّه عليهم ريحا كفأت قدورهم، أي: قلبتها، وقلعت فساطيطهم , وأظعنتهم من مكانهم، والجنود التي لم يروها الملائكة.). [معاني القرآن: 4/217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود}
قال مجاهد : (جاءهم أبو سفيان , وعيينة بن بدر , وبنو قريظة : وهم الأحزاب) .
ثم قال جل وعز: {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : (هي الصبا : كفأت قدورهم , ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم) .
وروى ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((نصرت بالصبا , وأهلكت عاد بالدبور)).) [معاني القرآن: 5/327-328]

تفسير قوله تعالى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} [الأحزاب: 10] جاءوا من وجهين من أسفل المدينة ومن أعلاها في تفسير الحسن.
أبو سفيان في تفسير مجاهدٍ.
وقال الكلبيّ: جاءوا من أعلى الوادي ومن أسفله، جاء من أعلاه عيينة ابن حصنٍ، ومن أسفله أبو الأعور السّلميّ، ونصب أبو سفيان إلى الخندق.
وقال السّدّيّ: {إذ جاءوكم} [الأحزاب: 10]، يعني: الأحزاب، أبا سفيان ومن معه.
{من فوقكم} [الأحزاب: 10]، يعني: من فوق الوادي، يعني: من أعلاه، من قبل المشرق، ومن حيث يجيء الصّبح، يعني: مالك بن عوفٍ من بني نضرٍ، وعيينة بن حصنٍ الفزاريّ ومعهما ألفٌ من غطفان، ومع طليحة بن خويلدٍ الثّقفيّين من بني أسدٍ، وحييّ بن أخطب اليهوديّ في يهودٍ من بني قريظة.
ثمّ قال: {ومن أسفل منكم} [الأحزاب: 10]، يعني: من أسفل من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من بطن الوادي ومن قبل المغرب، وجاء أبو سفيان على أهل مكّة ومعه يزيد بن جحشٍ على فرقتين، جاءوا من أسفل الوادي من قبل المغرب، وجاء أبو الأعور السّلميّ عمرو بن سفيان من قبل الخندق والّذين معه.
قال عزّ وجلّ: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] من شدّة الخوف.
{وتظنّون باللّه الظّنونا} [الأحزاب: 10]، يعني: التّهمة، تفسير السّدّيّ، يعني: المنافقين ظنّوا
[تفسير القرآن العظيم: 2/704]
أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم سيقتل، وأنّهم سيهلكون). [تفسير القرآن العظيم: 2/705]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذ جاءوكم مّن فوقكم...}

ممّا يلي مكّة , {ومن أسفل منكم} ممّا يلي المدينة., وقوله: {وإذ زاغت الأبصار}: زاغت عن كلّ شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوّها, وقوله: {وبلغت القلوب الحناجر} : ذكر أن الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حتى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع, وقوله: {وتظنّون باللّه الظّنونا} : ظنون المنافقين.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ زاغت الأبصار}:أي : حارت , وطمحت , وعدلت , وفي آية أخرى: { ما زاغ البصر }.). [مجاز القرآن: 2/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إذ جاءوكم مّن فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا}
وقال: {الظّنونا} , والعرب : تلحق الواو , والياء ,, والألف في آخر القواففي, فشبهوا رؤوس الآي بذلك.). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({زاغت الأبصار}: طمحت وعدلت). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذ زاغت الأبصار}:أي :عدلت .
{وبلغت القلوب الحناجر}:أي: كادت تبلغ الحلوق من الخوف.). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51] يريد أنهم ينظرون إليك بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقك من شدّته، أي يسقطك.
ومثله قول الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في موطن = نظرا يزيل مواطئ الأقدام
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء، يزيل الأقدام عن مواطئها.
فتفهّم قول الله عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} أي: يقاربون أن يفعلوا ذلك، ولم يفعلوا.
وتفهّم قول الشاعر: (نظرا يزيل) ولم يقل: يكاد يزيل؛ لأنه نواها في نفسه.
وكذلك قول الله عز وجل: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} إعظاما لقولهم.
وقوله جل وعز: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.
إكبارا لمكرهم. وقرأها بعضهم: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ}.
وأكثر ما في القرآن من مثل هذا فإنه يأتي بكاد، فما لم يأت بكاد ففيه إضمارها، كقوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب). [تأويل مشكل القرآن: 171] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب.
وهم يصفون القلوب بالخفقان، والنّزو عند المخافة والذّعر.
قال الشاعر في وصف مفازة تنزو من مخافتها قلوب الأدلّاء:
كأنّ قلوب أدلاَّئِها = معلَّقَةٌ بقرون الظّباء
وهذا مثل قوله امرئ القيس:
ولا مِثْلَ يوم في قُدَارٍ ظَلِلْتُهُ = كَأَنِّي وَأَصْحَابي عَلَى قَرْنِ أَعْفَرا
أي كأنّا من القلق على قرن ظبي، فنحن لا نستقر ولا نسكن.
وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفنّ). [تأويل مشكل القرآن: 171-172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا (10)}
جاءت قريظة من فوقهم، وجاءت قريش وغطفان من ناحية مكة من أسفل منهم.
وقوله: {وتظنّون باللّه الظّنونا}: اختلف القراء فيها, فقرأ بعضهم بإثبات الألف في الوقف , والوصل , وقرأ بعضهم " الظنون " بغير ألف في الوصل، وبألف في الوقف.
وقرأ أبو عمرو : " الظّنون " بغير ألف، في الوصل والوقف.
والذي عليه حذّاق النحويين, ن المتبعون السّنّة من حذاقهم أن يقرأوا :{الظّنونا}.
ويقفون على الألف , ولا يصلون، وإنّما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل، ويثبتون في آخرها في الوقف ما قد يحذف مثله في الوصل.
وهؤلاء يتبعون المصحف , ويكرهون أن يصلوا ويثبتوا الألف؛ لأن الآخر لم يقفوا عليه , فيجروه مجرى الفواصل.
ومثل هذا من كلام العرب في القوافي:
= أقلّي اللوم عاذل والعتابا
فأثبت الألف , لأنّها في موضع فاصلة , وهي القافية.).[معاني القرآن: 4/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجنودا لم تروها}
قال مجاهد: (الملائكة , ولم تقاتل يومئذ يوم الأحزاب) .
وقوله جل وعز: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}
قال محمد بن إسحاق : (الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة , والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان).
ثم قال جل وعز: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}
روى حماد بن زيد, عن أيوب, عن عكرمة قال : (بلغ فزعها) .
وقال قتادة : (شخصت عن مواضعها , فلولا أن الحلوق ضاقت عنها , لخرجت, وقيل :كادت تبلغ) .
قال أبو جعفر , وأحسن هذه الأقوال: القول الأول , أي: بلغ وجيفها من شدة الفزع الحلوق, فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب.). [معاني القرآن: 5/328-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زَاغَتْ}: مالت، عدلت.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {هنالك ابتلي المؤمنون} محّصوا في تفسير مجاهدٍ.
قال: {وزلزلوا زلزالا شديدًا} [الأحزاب: 11] كان اللّه أنزل في سورة البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه} [البقرة: 214] قال اللّه: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214].
فلمّا نزلت هذه الآية قال أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أصابنا هذا بعد، فلمّا كان يوم الأحزاب أنزل اللّه: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا} [الأحزاب: 22] وأنزل: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان اللّه بما
تعملون بصيرًا {9} إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون باللّه الظّنونا {10} هنالك ابتلي المؤمنون} [الأحزاب: 9-11] محصوا {وزلزلوا زلزالا شديدًا} [الأحزاب: 11] حرّكوا بالخوف، في تفسير مجاهدٍ، وأصابتهم الشّدّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/705]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(ثم قال الله: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}.

يقول: حرّكوا تحريكاً إلى الفتنة فعصموا.). [معاني القرآن: 2/336]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ زلزلوا زلزالاً شديداً }: أي: ابتلوا , وفتنوا , ومنه الزلازل.).
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وزلزلوا زلزالًا شديداً}: أي: شدّد عليهم , وهوّل, و«الزّلازل»: الشدائد, وأصلها من «التحريك».). [تفسير غريب القرآن: 348]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11)}
ويجوز زلزالا, بفتح الزاي، والمصدر من المضاعف , يجيء على ضربين فعلال , وفعلال نحو : قلقله قلقالا , وقلقالا , وزلزلزلته زلزالا , وزلزالا، والكسر أكثر , وأجود لأن غير المضاعف من هذا الباب مكسور الأول، نحو: دحرجته دحراجا , لا يجوز فيه غير الكسر.
ومعنى :{هنالك ابتلي المؤمنون}: أي : في تلك الحال اختبر المؤمنون.
ومعنى : {زلزلوا زلزالا شديدا}: أزعجوا إزعاجا شديدا , وحرّكوا). [معاني القرآن: 4/218-419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}
قال مجاهد : (أي : محصوا) .
ثم قال:{وزلزلوا زلزالا شديدا }:أي :أزعجوا, وحركوا.). [معاني القرآن: 5/329-330]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَزُلْزِلُوا}: أي : شدد عليهم.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} [الأحزاب: 12] وهم المنافقون، والمرض في تفسير قتادة النّفاق.
وفي تفسير الحسن الشّرك، وصفهم بالوجهين جميعًا، والنّفاق أنّهم نافقوا بقلوبهم عن ما أظهروا بألسنتهم والمرض ما في قلوبهم.
{ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 12] في ما يزعم أنّه رسوله.
{إلا غرورًا} [الأحزاب: 12] وذلك أنّه لمّا أنزل اللّه في سورة البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} [البقرة: 214] إلى قوله: {ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214] فوعد اللّه المؤمنين أن ينصرهم كما نصر من قبلهم بعد أن يزلزلوا وهي الشّدّة، وأن يحرّكوا بالخوف كما قال النّبيّون حيث يقول اللّه: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى
[تفسير القرآن العظيم: 2/705]
نصر اللّه} [البقرة: 214] قال اللّه {ألا إنّ نصر
اللّه قريبٌ} [البقرة: 214] فقال المنافقون: وعدنا اللّه النّصر فلا نرانا ننصر، ونرانا نقتل ونهزم، ولم يكن في ما وعدهم اللّه ألا يقتل منهم أحدٌ، وألا يهزموا في بعض الأحايين، وقد قال في آيةٍ أخرى: {وتلك الأيّام نداولها بين النّاس} [آل عمران: 140]، وإنّما وعدهم النّصر في العاقبة). [تفسير القرآن العظيم: 2/706]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّا وعدنا اللّه ورسوله إلاّ غروراً...}

وهذا قول معتّب بن قشير الأنصاري وحده, ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ معولاً من سلمان في صخرة اشتدّت عليهم، فضرب ثلاث ضربات، مع كل واحدة كلمع البرق. فقال سلمان: (والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجباً .
قال فقال النبي عليه السّلام: ((لقد رأيت في الضربة الأولى أبيض المدائن، وفي الثانية قصور اليمن، وفي الثالثة بلاد فارس والرّوم, وليفتحنّ الله على أمّتى مبلغ مداهنّ. ))).
فقال معتّبٌ حين رأى الأحزاب: أيعدنا محمّد أن يفتح لنا فارس والرّوم , وأحدنا لا يقدر أن يضرب الخلاء فرقاً؟ , ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.). [معاني القرآن: 2/336]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{وإذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه ورسوله إلّا غرورا (12)}
موضع " إذ " نصب المعنى : اذكر إذ يقول المنافقون.
ومعنى الآية أن المنافقين قالوا: وعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن فارس والروم تفتحان علينا، ونحن بمكاننا هذا ما يقدر أحدنا أن يبرز لحاجته، فهذا وعد غرور.). [معاني القرآن: 4/219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}
قال قتادة : (قال قوم من المنافقين , وعدنا محمد أن نفتح قصور الشام وفارس , وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله , {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}.
ثم قال جل وعز: {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا})
وقرأ أبو عبد الرحمن , والأعرج : (لا مقام) لكم بضم الميم .
قال أبو جعفر : المقام بالفتح : الموضع الذي يقام فيه , والمصدر من قام :يقوم , والمقام بالضم بمعنى : الإقامة , والموضع من أقام هو , وأقامه غيره.). [معاني القرآن: 5/330-331]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} [الأحزاب: 13] يقوله المنافقون بعضهم لبعضٍ، اتركوا دين محمّدٍ وارجعوا إلى دين مشركي العرب في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: لمّا رأى المنافقون الأحزاب جبنوا، فقال بعضهم لبعضٍ: لا واللّه ما لكم مقامٌ مع هؤلاء فارجعوا إلى قومكم، يعنون المشركين فاستأمنوهم.
وقال السّدّيّ: {يا أهل يثرب لا مقام لكم} [الأحزاب: 13]، يعني: لا مكث لكم مع الأحزاب، لا تقومون لهم.
قال عزّ وجلّ: {ويستأذن فريقٌ منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورةٌ} [الأحزاب: 13] قال مجاهدٌ: يخشى عليها السّرق.
وقال الكلبيّ: خاليةٌ نخاف عليها السّرق.
وقال الحسن: ضائعةٌ وهو واحدٌ، يقولون: إذا خلّيناهم ضاعت.
قال اللّه: {وما هي بعورةٍ} [الأحزاب: 13] يقول: {إن يريدون إلا فرارًا {13}). [تفسير القرآن العظيم: 2/706]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا مقام لكم...}

قراءة العوامّ بفتح الميم؛ إلا أبا عبد الرحمن فإنه ضمّ الميم فقال :{لا مقام لكم}.
فمن قال:{لا مقام}, فكأنه أراد: لا موضع قيام, ومن قرأ : {لا مقام} , كأنه أراد: لا إقامة لكم {فارجعوا}.
كلّ القراء الذين نعرف على تسكين الواو {عورةٌ}, و ذكر عن بعض القراء أنه قرأ : {عورة} على ميزان فعلة , وهو وجه, والعرب تقول: قد أعور منزلك إذا بدت منه عورة، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب., وأنشدني أبو ثروان.:
= له الشّدّة الأولى إذا القرن أعورا =
يعني : الأسد.
وإنما أرادوا بقولهم: إن بيوتنا عورة , أي : ممكنة للسرّاق لخلوتها من الرجال, فأكذبهم الله، فقال: ليست بعورة.). [معاني القرآن: 2/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يثرب}: اسم أرض , ومدينة النبي صلى الله عليه في ناحية من يثرب .
قال حسان في الجاهلية:
سأهدي لها في كل عامٍ قصيدةً= وأقعد مكفياً بيثرب مكرما.
{ لا مقام لكم }: مفتوحة الأول , ومجازها: لا مكان لكم تقومون فيه , ومنه قوله:
فايٌّ ما وأيّك كان شرا= فقيد إلى المقامة لا يراها.).[مجاز القرآن: 2/134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا مقام لكم}: أي لا مكان لكم تقومون فيه. والمقام الإقامة). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّ بيوتنا عورةٌ}:أي : خالية، فقد أمكن من أراد دخولها , وأصل «العورة»: ما ذهب عنه السّتر والحفظ، فكأن الرجال ستر , وحفظ للبيوت، فإذا ذهبوا , أعورت البيوت, تقول العرب: أعور منزلك، إذا ذهب ستره، أو سقط جداره, وأعور الفارس: إذا بدا فيه موضع خلل للضرب بالسيف, أو الطعن.
يقول اللّه: {وما هي بعورةٍ}؛ لأن اللّه يحفظها, ولكن يريدون الفرار.). [تفسير غريب القرآن: 348-349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل : {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلّا فرارا (13)}
ويقرأ { لا مقام لكم } بفتح الميم، فمن ضم الميم , فالمعنى لا إقامة لكم، تقول: أقمت في البلد إقامة , ومقاماً.
ومن قرأ :{لا مقام لكم } بفتح الميم، فالمعنى : لا مكان لكم تقيمون فيه، وهؤلاء كانوا يثبّطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم .
{ويستأذن فريق منهم النّبيّ يقولون إنّ بيوتنا عورة}:أي : معوّرة, وذلك أنهم قالوا : إنّ بيوتنا ممّا يلي العدو، ونحن نسرق منها، فكذبهم اللّه تعالى , وأعلم أن قصدهم الهرب والفرار.
فقال: {وما هي بعورة}, ويقرأ: وما هي بعورة.
يقال : عور المكان , يعور عورا، وهو عور وبيوت عورة، وبيوت عورة على ضربين، على تسكين عورة، وعلى معنى : ذات عورة.
{إن يريدون إلّا فراراً}:أي : ما يريدون تحرزا من سرق، ولكن المنافقين يريدون الفرار عن نصرة النبي عليه السلام.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة}
قال ابن إسحاق : (هو أوس بن قيظي الذي قال : إن بيوتنا عورة عن ملأ من قومه) .
وقرأ يحيى بن يعمر , وأبو رجاء عورة بكسر الواو
يقال: أعور المنزل إذا ضاع , أو لم يكن له ما يستره , أو سقط جداره.
فالمعنى : إن بيوتنا ضائعة متهتكة , ليس لها من يحفظها , فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك , وأن العدو لا يصل إليها لأن الله جل وعز يحفظها
قال مجاهد : (أي : نخاف أن تسرق).
ويقال للمرأة عورة , فيجوز أن يكون المعنى : إن بيوتنا ذات عورة , فأكذبهم الله جل وعز .
قال قتادة : (قال قوم من المنافقين : إن بيوتنا عورة , وإنا نخاف على أهلينا , فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها : فلم يوجد فيها أحد) .
ويجوز أن يكون عورة : مسكنا من عورة , ثم قال جل وعز: {إن يريدون إلا فرارا}
أي : عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.). [معاني القرآن: 5/332-333]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}: أي: خالية , وقد أمكن منها من أراد دخولها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا مُقَامَ}: لا إقامة.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ولو دخلت عليهم} [الأحزاب: 14] لو دخل عليهم أبو سفيان ومن معه.
{من أقطارها} [الأحزاب: 14] من نواحيها، يعني: المدينة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/706]
{ثمّ سئلوا} [الأحزاب: 14] طلبت منهم.
{الفتنة} [الأحزاب: 14] الشّرك.
{لآتوها} [الأحزاب: 14] لجاءوها، رجع إلى الفتنة وهي الشّرك على تفسير من قرأها خفيفةً ومن قرأها مثقّلةً: {لآتوها} لأعطوها، يعني: الفتنة وهي الشّرك، لأعطوهم إيّاها.
{وما تلبّثوا بها إلا يسيرًا} [الأحزاب: 14] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولو دخلت عليهم مّن أقطارها...}

يعني : واحي المدينة , {ثمّ سئلوا الفتنة} , يقول: الرجوع إلى الكفر {لآتوها}, يقول: لأعطوا الفتنة.
فقرأ عاصم , والأعمش بتطويل الألف, وقصرها أهل المدينة{لأتوها}: يريد: لفعلوها, والذين طوّلوا يقولون: لمّا وقع عليها السؤال وقع عليها الإعطاء؛ كما تقول: سألتني حاجةً , فأعطيتك , وآتيتكها.
وقد يكون التأنيث في قوله: {لآتوها} للفعلة، ويكون التذكير فيه جائزاً لو أتى كما تقول عند الأمر يفعله الرجل: قد فعلتها، أما والله لا تذهب بها، , تريد : الفعلة.
وقوله: {وما تلبّثوا بها إلاّ يسيراً}: يقول: لم يكونوا ليلبثوا بالمدينة إلا قليلاً بعد إعطاء الكفر حتى يهلكوا.). [معاني القرآن: 2/337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من أقطارها}:أي: من جوانبها , ونواحيها , وأحدها: قطر.
{سئلوا الفتنة لأتوها}:أي : لأعطوها.). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من أقطارها}: من جوانبها قطر). [غريب القرآن وتفسيره: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ولو دخلت عليهم من أقطارها}: أي: من جوانبها، {ثمّ سئلوا الفتنة}: أي: الكفر :{لآتوها}, أي : أعطوا ذلك من أراده، {وما تلبّثوا بها} :أي, بالمدينة.
ومن قرأ: {لأتوها} بقصر الألف، أراد: لصاروا إليها.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({ولو دخلت عليهم من أقطارها ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبّثوا بها إلّا يسيرا (14)}
أي: ولو دخلت البيوت من نواحيها.
{ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها}: ويقرأ بالقصر : {لأتوها}, فمن قرأ : {لآتوها}بالمدّ , فالمعنى لأعطوها، أي: لو قيل لهم كونوا على المسلمين , مظهرين الفتنة , لفعلوا ذلك،{وما تلبّثوا بها إلّا يسيرا},
ومن قرأ : {لأتوها} بالقصر، فالمعنى : لقصدوها.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سألوا الفتنة لأتوها}
قال الحسن :{من أقطارها }: (أي: من نواحيها) .
قال غيره : نواحي البيوت.
{ثم سئلوا الفتنة لأتوها }: أي : لقصدوها , وجاءوها.
قال الحسن : (الفتنة ههنا : الشرك).
وقرئ : {لآتوها}, قال الحسن : (أي: لأعطوها من أنفسهم).
قال غيره : كما روي في الذين عذبوا , أنهم أعطوا ما سئلوا في النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلالا .
ثم قال جل وعز: {وما تلبثوا بها إلا يسيرا} , قال القتبي : (أي : بالمدينة)). [معاني القرآن: 5/333-334]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّنْ أَقْطَارِهَا}: أي : من جوانبها, {سُئِلُوا الْفِتْنَةَ}: أي:الكفر.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقْطَارِهَا}: جوانبها.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال عزّ وجلّ: {ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولّون الأدبار} [الأحزاب: 15] منهزمين، وهو تفسير السّدّيّ.
- ابن لهيعة عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: سئل جابر بن عبد اللّه كيف بايعتموه؟ قال: بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت.
قال: {وكان عهد اللّه مسئولا} [الأحزاب: 15] لا يسألهم اللّه عن ذلك العهد الّذي لم يوفوا به، يعني: المنافقين). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {قل لن ينفعكم الفرار} [الأحزاب: 16]، يعني: الهرب.
{إن فررتم من الموت} [الأحزاب: 16]، يعني: إن هربتم من الموت.
{أو القتل وإذًا لا تمتّعون إلا قليلا} [الأحزاب: 16] في الدّنيا.
{إلا قليلا} إلى آجالكم، وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/707]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذاً لاّ تمتّعون...}

مرفوعة؛ لأنّ فيها الواو , وإذا كانت الواو , كان في الواو فعل مضمر، وكان معنى : (إذاً) التأخير، أي : ولو فعلوا ذلك لا يلبثون خلافك إلا قليلاً إذاً, وهي في إحدى القراءتين :{وإذاً لا يلبثوا} بطرح النون يراد بها النصب, وذلك جائز؛ لأنّ الفعل متروك , فصارت كأنها لأوّل الكلام، وإن كانت فيها الواو. والعرب تقول: إذاً أكسر أنفك، إذاً أضربك، إذاً أغمّك إذا أجابوا بها متكلّماً, فإذا قالوا: أنا إذاً أضربك رفعوا، وجعلوا الفعل أولى باسمه من إذاً؛ كأنّهم قالوا أضربك إذاً؛ ألا ترى أنهم يقولون: أظنّك قائماً، فيعملون الظنّ إذا بدءوا به , وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه، وإذا تأخّر بعد الاسم , وخبره أبطلوه, وكذلك اليمين يكون لها جواب إذا بدئ بها , فيقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا: أنت والله عاقل, وكذلك إذا تأخّرت لم يكن لها جواب؛ لأنّ الابتداء بغيرها, وقد تنصب العرب بإذاً , وهي بين الاسم وخبره في إنّ وحدها، فيقولون: إني إذاً أضربك، قال الشاعر:
لا تتركنّي فيهم شطيراً = إني إذاً أهلك أو أطيرا
والرفع جائز, وإنما جاز في (إنّ) ولم يجز في المبتدأ بغير (إنّ) لأن الفعل لا يكون مقدّماً في إنّ، وقد يكون مقدّماً لو أسقطت.). [معاني القرآن: 2/338]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل لّن ينفعكم الفرار إن فررتم مّن الموت أو القتل وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً}
وقال: {وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً} : فرفعت ما بعد "إذاً" لمكان الواو وكذلك الفاء , وقال: {فإذاً لا يؤتون النّاس نقيرا} , وهي في بعض القراءة نصب , اعملوها كما يعملونها بغير فاء , ولا واو.). [معاني القرآن: 3/30-31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا لا تمتعون إلا قليلا}
قال مجاهد , والربيع بن خيثم في قوله: {وإذا لا تمتعون إلا قليلا}: (ما بينهم وبين الأجل).). [معاني القرآن: 5/334]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل من ذا الّذي يعصمكم من اللّه} [الأحزاب: 17] يمنعكم من اللّه.
{إن أراد بكم سوءًا} [الأحزاب: 17] عذابًا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/707]
وقال السّدّيّ: يعني: القتل والهزيمة.
{أو أراد بكم رحمةً} [الأحزاب: 17] توبةً، يعني: المنافقين، كقوله: {ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] يموتون على نفاقهم فيعذّبهم {أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعون عن نفاقهم.
وقال السّدّيّ: يعني: النّصر والفتح.
قال: {ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا {17}). [تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {يعصمكم من الله}: أي: يمنعكم.).
[ياقوتة الصراط: 409]

تفسير قوله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قد يعلم اللّه المعوّقين منكم} [الأحزاب: 18] يعوّق بعضكم بعضًا يأمر بعضكم بعضًا بالفرار.
{والقائلين لإخوانهم} [الأحزاب: 18]، أي: {قد يعلم اللّه المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا} [الأحزاب: 18] يأمر بعضهم بعضا بالفرار.
{ولا يأتون البأس} [الأحزاب: 18] القتال.
{إلا قليلا} بغير حسبةٍ ولا إخلاصٍ.
وقال السّدّيّ: {إلا قليلا}، يعني: رياءً وسمعةً.
وقال يحيى: حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: {ولا يذكرون اللّه إلا قليلا} [النساء: 142] قال: إنّما قل إنّه كان لغير اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أشحّةً عليكم...}

منصوب على القطع، أي: من الأسماء التي ذكرت: ذكر منهم., وإن شئت من قوله: {يعوّقون} , ها هنا : عند القتال , ويشحّون عن الإنفاق على فقراء المسلمين, وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هلمّ) , وهم هكذا, وإن شئت من قوله: {ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحّةً} : يقول: جبناء عند البأس أشحّةً عند الإنفاق على فقراء المسلمين, وهو أحبّها إليّ.
والرفع جائز على الاستئناف , ولم أسمع أحداً قرأ به , و{أشحّة}يكون على الذمّ، مثل ما تنصب على الممدوح على؛ مثل قوله: {ملعونين} .). [معاني القرآن: 2/338] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (هلمَّ): بمعنى تعالى، وأهل الحجاز لا يثنّونها ولا يجمعونها. وأهل نجد يجعلونها من هلممت، فيثنّون ويجمعون ويؤنّثون. وتوصل باللام فيقال: هلمّ لك، وهلمّ لكما.
قال الخليل: أصلها (لمّ) زيدت الهاء في أوّلها.
وخالفه الفراء فقال: أصلها (هل) ضمّ إليها (أمّ) والرّفعة التي في اللام من همزة (أمّ) لمّا تركت انتقلت إلى ما قبلها.
وكذلك (اللهم) نرى أصلها: (يا الله أمّنا بخير) فكثرت في الكلام فاختلطت، وتركت الهمزة). [تأويل مشكل القرآن: 557] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قد يعلم اللّه المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلّا قليلا (18)}
أي : الذين يعوقون عن النبي صلى الله عليه وسلم نصّاره، وذلك أنهم قالوا لنصّار النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس, ولو كانوا لحما
, لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه , فخلوهم , وتعالوا إلينا.
وقوله:{ولا يأتون البأس إلّا قليلا}
أي : لا يأتون الحرب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا تعذيرا , يوهمونهم أنّهم معهم.). [معاني القرآن: 4/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا}
قال قتادة: (هم قوم من المنافقين , قالوا : ما أصحاب محمد عندنا إلا أكلة رأس , ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه , فهلم إلينا) .
ثم قال جل وعز: {ولا يأتون البأس إلا قليلا} : أي إلا تعذيرا .
ثم قال جل وعز: {أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد}
أي : أشحة عليكم بالنفقة على فقرائكم , ومساكينكم
{فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد }: أي : بالغوا في الاحتجاج عليكم
وقال قتادة : (سلقوكم بطلب الغنيمة , وهذا قول حسن , لأن بعده أشحة على الخير).
وعن ابن عباس : (استقبلوكم بالأذى).
وقال يزيد بن رومان : (سلقوكم بما تحبون , نفاقا منهم, يقال خطيب مسلاق, وسلاق , أي : بليغ).). [معاني القرآن: 5/334-336]

تفسير قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أشحّةً عليكم} [الأحزاب: 19] لا يتركون عليكم من حقوقهم من الغنيمة شيئًا.
قال: {فإذا جاء الخوف} [الأحزاب: 19] رجع الكلام إلى أوّل القتال قبل أن تكون الغنيمة، قال: {فإذا جاء الخوف} [الأحزاب: 19]، يعني: القتال، وهو تفسير السّدّيّ.
{رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت} [الأحزاب: 19] خوفًا من القتال.
{فإذا ذهب الخوف} [الأحزاب: 19]، يعني: القتال، يعني: إذا ذهب القتال.
{سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} [الأحزاب: 19] فحشوا عليكم، السّلق: الصّياح.
{أشحّةً على الخير} [الأحزاب: 19] على الغنيمة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/708]
قال اللّه: {أولئك لم يؤمنوا} [الأحزاب: 19] كقوله: {من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41].
قال: {فأحبط اللّه أعمالهم} [الأحزاب: 19] أبطل اللّه حسناتهم لأنّهم ليس لهم فيها حسبةٌ.
{وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 19] وقال بعضهم: {أشحّةٌ على الخير}على القتال، لا يقاتلون.
وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا مسّهم الحصر والبلاء في الخندق رجع إلى أهله ليصيب طعامًا أو إدامًا، فوجد أخاه يتغدّى تمرًا، فدعاه، فقال أخوه المؤمن: قد بخلت عليّ وعلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسك فلا حاجة لي في طعامك). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أشحّةً عليكم...}

منصوب على القطع، أي : من الأسماء التي ذكرت: ذكر منهم, وإن شئت من قوله: {يعوّقون} : ها هنا عند القتال , ويشحّون عن الإنفاق على فقراء المسلمين, وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هلمّ) , وهم هكذا, وإن شئت من قوله: {ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحّةً}, يقول: جبناء عند البأس أشحّةً عند الإنفاق على فقراء المسلمين., وهو أحبّها إليّ, والرفع جائز على الاستئناف , ولم أسمع أحداً قرأ به .
و{أشحّة} : يكون على الذمّ، مثل ما تنصب على الممدوح على؛ مثل قوله: {ملعونين}.
وقوله: {سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ}: آذوكم بالكلام عند الأمن , {بألسنةٍ حدادٍ}: ذربةٍ.
والعرب تقول: صلقوكم., ولا يجوز في القراءة لمخالفتها إيّاه, أنشدني بعضهم:
أصلق ناباه صياح العصفور = إن زلّ فوه عن جواد مئشير
وذلك إذا ضرب النّاب الناب , فسمعت صوته.).[معاني القرآن: 2/339]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حدادٍ }: أي: بالغوا في عيبكم , ولا ائمتكم , ومنه قولهم خطيب مسلقٌ , ومنه الخاطب المسلاق, وبالصاد أيضاً , وقال الأعشى:
فيهم الحزم والسّماحة والنّجد= ة فيهم والخاطب المسلاق
ويقال: لسان حديد , أي: ذلقٌ , وذليق).). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سلقوكم بألسنة حداد}: بالغوا فيكم بالكلام. يقال
[غريب القرآن وتفسيره: 302]
خطيب مصقع ومسلق). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} , يقول: آذوكم بالكلام الشديد.
يقال: خطيب مسلق , ومسلاق, وفيه لغة أخرى: «صلقوكم»، ولا يقرأ بها.
وأصل «الصّلق»: الضرب.
قال ابن أحمر يصف سوطا ضرب به ناقته :
كأنّ وقعته لوذان مرفقها = صلق الصّفا بأديم وقعه تير.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أشحّة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم وكان ذلك على اللّه يسيرا (19)}
" أشحّة " : منصوب على الحال، المعنى : يأتون الحرب بخلاء عليكم بالظفر , والغنيمة , فإذا جاء الخوف , فهم أجبن قوم، فإذا جاءت الغنيمة , فأشحّ قوم , وأخصمهم.
{فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت}: لأنهم يحضرون على غير نية خير، إلا نية شر.
{فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد}: معنى " سلقوكم " خاطبوكم أشدّ مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق وسلّاق إذا كان بليغا في خطبته.
{أشحّة على الخير}:أي: خاطبوكم , وهم أشحّة على المال , والغنيمة.
وقوله : {أولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم}:أي : هم : وإن أظهروا الإيمان, ونافقوا , فليسوا بمؤمنين.). [معاني القرآن: 4/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا}
أي : أشحة على الغنيمة , أولئك لم يؤمنوا , وإن كانوا قد أظهروا الإيمان , فإن اعتقادهم غير ذلك.). [معاني القرآن: 5/336]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سلقوكم} :أي: رفعوا أصواتهم عليكم.). [ياقوتة الصراط: 409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَلَقُوكُم}: أي: آذوكم بالكلام، ويجوز فيه بالصاد، كل سين بعدها طاء , أو خاء , أو غين , أو قاف.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَلَقُوكُم}: غلبوكم بالقول.). [العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يحسبون} [الأحزاب: 20] يحسب المنافقون.
{الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا} [الأحزاب: 20] يودّ المنافقون.
{لو أنّهم بادون في الأعراب} [الأحزاب: 20]، يعني: في البادية مع الأعراب، يودّون من الخوف لو أنّهم في البدو.
{يسألون عن أنبائكم} [الأحزاب: 20] وهو كلامٌ موصولٌ، وليس بهم في ذلك إلا الخوف على أنفسهم وعيالهم وأموالهم، لأنّهم مع المسلمين قد أظهروا أنّهم على الإسلام وهم يتمنّون أن يظهر المشركون على المسلمين من غير أن يدخل عليهم في ذلك مضرّةٌ.
قال: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا} [الأحزاب: 20] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يسألون عن أنبائكم...}

عن أنباء العسكر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقرأها الحسن : {يسّاءلون}, والعوامّ على: {يسألون}؛ لأنهم إنما يسألون غيرهم عن الأخبار، وليس يسأل بعضهم بعضاً.). [معاني القرآن: 2/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}
كان عاصم بن أبي النجود يقرأ : (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن , وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق, وهم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد. وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} يقول في غير المدينة,
وفي في قراءة عبد الله : {يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب} ). [معاني القرآن: 2/339] (م)
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الأحزاب }:واحدهم حزب يقال: من أي حزب أنت , وقال رؤبة:
= وكيف أضوى وبلالٌ حزبيبي.). [مجاز القرآن: 2/135]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلّا قليلا (20)}
أي : يحسبون الأحزاب بعد انهزامهم, وذهابهم , لم يذهبوا لجبنهم وخوفهم منهم.
{وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب}:أي: إذا جاءت الجنود , والأحزاب , ودّوا أنهم في البادية.).[معاني القرآن: 4/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب}
أي : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم .
{وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } : المعنى : إنهم لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم , ودوا أنهم بادون في الأعراب .
وقرأ طلحة بن مصرف : يودوا لو أنهم بذا في الأعراب بدا , والمعنى واحد , وهو جمع باد كما يقال: غزا وغزى.).[معاني القرآن: 5/336-337]

تفسير قوله تعالى: {َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا} [الأحزاب: 21] وهذا الذّكر تطوّعٌ، ليس فيه وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/709]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ...}

كان عاصم بن أبي النجود يقرأ (أسوة) برفع الألف في كلّ القرآن, وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضاً ويكسر بعضاً, وهما لغتان: الضم في قيس, والحسن , وأهل الحجاز يقرءون (إسوةٌ) بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون.
ومعنى الأسوة : أنهم تخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق , و هم في ذلك يحبّون أن يظفر النبي صلى الله عليه وسم إشفاقاً على بلدتهم، فقال: لقد كان في رسول الله أسوة حسنة إذ قاتل يوم أحد, وذلك أيضاً قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} فهم في خوف وفرق {وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب} : يقول في غير المدينة, وفي قراءة عبد الله : (يحسبون الأحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودّوا لو أنهم بادون في الأعراب).
وقوله: {لّمن كان يرجو اللّه} خصّ بها المؤمنين, ومثله في الخصوص قوله: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} : هذا {لمن اتّقى} قتل الصيّد). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22]
[تفسير القرآن العظيم: 2/709]
يعنون الآية في سورة البقرة، وقد فسّرناه قبل هذا الموضوع.
{وصدق اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] قال اللّه: {وما زادهم إلا إيمانًا} [الأحزاب: 22] وتصديقًا.
{وتسليمًا} [الأحزاب: 22] لأمر اللّه.
وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لمّا خرجوا من مكّة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخندق أن يحفر، فقالوا: يا رسول اللّه، وهل أتاك من خبرٍ؟ قال: نعم، فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب، فلمّا رآهم المؤمنون{قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} [الأحزاب: 22] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب...}

صدّقوا , فقالوا : {هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} , كان النبي عليه السلام , قد أخبرهم بمسيرهم إليه فذلك قوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً} , ولو كانت: وما زادوهم , يريد الأحزاب.
وقوله: {وما زادهم إلاّ إيماناً}: أي: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلاّ إيماناً.
وقال في سورة أخرى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً} , ولو كانت: ما زادكم إلا خبالاً , كان صواباً، يريد: ما زادكم خروجهم إلاّ خبالاً, وهذا من سعة العربيّة التي تسمع بها.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
فوصف اللّه حال المنافقين في حرب الكافرين , وحال المؤمنين في حرب الكافرين.
فوصف المنافقين بالفشل , والجبن , والروغان , ووالمسارعة إلى الفتنة , والزيادة في الكفر، ووصف المؤمنين بالثبوت عند الخوف في الإيمان، فقال:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
والوعد : أن اللّه قال لهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب (214)}
فكذلك لمّا ابتلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وزلزلوا زلزالا شديدا , علموا أن الجنّة والنصر قد وجبا لهم.). [معاني القرآن: 4/221-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}
وقيل الذي وعدهم في قوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} , كذا قال قتادة .
وقال يزيد بن رومان : (الأحزاب : قريش وغطفان)). [معاني القرآن: 5/337-338]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] حيث بايعوه على أن لا يفرّوا، وصدقوا في لقائهم العدوّ، وذلك يوم أحدٍ.
{فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] وتفسير مجاهدٍ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] عهده فقتل أو عاش.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] يومًا فيه قتالٌ فيقضي نحبه، عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
وبعضهم يقول: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] أجله، يعني: من قتل يومئذٍ: حمزة وأصحابه.
{ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] أجله.
وقال السّدّيّ: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23]، يعني: أتمّ أجله.
قال: {وما بدّلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] كما بدّل المنافقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مّن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه...}

رفع الرجال بـ (من) , {فمنهم مّن قضى نحبه}: أجله, وهذا في حمزة , وأصحابه.). [معاني القرآن: 2/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمنهم من قضى نحبه}: أي: نذره الذي كان نحب , أي: نذر , والنحب أيضاً النفس , أي: الموت , وجعله جرير : الخطر العظيم فقال:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا= عشيّة بسطامٍ جرين على نحب
أي: خطر عظيم، قال : ومنه التنحيب , قال الفرزدق:
وإذ نحبّت كلبٌ على الناس أيّهم= أحقٌّ بتاجٍ الماجد المتكرّم
وقال ذو الرمة:
= قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر=
أي : نفسه , وإنما هو يزيد بن هوبر , ويقال: نحب في سيره يومه أجمع ؛ إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً). [مجاز القرآن: 2/135-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قضى نحبه}: نذره والنحب أيضا النفس). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({من قضى نحبه} : أي قتل و أ صل «النحب»: النذر, وكان قوم نذروا إن لقوا العدوّ أن يقاتلوا حتى يقتلوا , أو يفتح اللّه، فقتلوا.
فقيل: فلان قضي نحبه، إذا قتل.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتِل، والنَّحْبُ: النَّذر.
[تأويل مشكل القرآن: 183]
وأصل هذا: أنّ رجالا من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نذروا إن لقوا العدوّ ليصدقنّ القتال أو ليقتلنّ، هذا أو نحوه، فقتلوا، فقيل لمن قتل: قَضَى نَحْبَه. واستعير النَّحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنّحب، وكان النّحب له سبباً.
ومنه قيل للعطية: المنُّ، لأنّ من أعطى فقد مَنَّ. قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت.
وقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}، أي فأعط أو أمسك.
وقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} مردود إلى قوله: هذا عطاؤنا بغير حساب). [تأويل مشكل القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا (23)}
المعنى : أنهم عاهدوا في الإسلام , فأقاموا على عهدهم.
وموضع (ما) نصب بـ (صدقوا).
{فمنهم من قضى نحبه}:أي : أجله , ولم يبدّل.
وهو قوله:{وما بدّلوا تبديلاً}
فالمعنى : أنّه مات على دينه غير مبدّل.). [معاني القرآن: 4/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
يقال صدقت العهد , أي : وفيته , ثم قال جل وعز: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
روى سعيد بن مسروق , عن مجاهد , قال: (نحبه : عهده) .
وروى خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس :{فمنهم من قضى نحبه }(قال : مات على ما عاهد عليه , ومنهم من ينتظر ذلك) .
قال أبو جعفر : حكى أهل اللغة : أن النحب : العهد , والنفس , والخطر العظيم , وأشهرها : أن النحب العهد , كما قال مجاهد.
ويصححه : أنه يروى : أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى يقتلوا , أو يفتح الله جل وعز عليهم.
فالمعنى : فمنهم من قضى أجله : وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان , أو قضى عهده .
ثم قال تعالى: {وما بدلوا تبديلا} : أي: وما بدلوا دينهم تبديلاً.). [معاني القرآن: 5/338-340]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّن قَضَى نَحْبَهُ}: أي: قتل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَحْبَهُ}: أجله.).[العمدة في غريب القرآن: 242]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24]، يعني: المؤمنين، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/710]
قال: {بصدقهم} [الأحزاب: 24] يجزيهم الجنّة.
{ويعذّب المنافقين إن شاء} [الأحزاب: 24] فيموتوا على نفاقهم فيعذّبهم.
{أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فيرجعوا من نفاقهم.
{إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 24] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورا رحيما (24)}

أي: ليجزي الذين صدقوا في عهدهم، والمنافقون كذبوا في عهدهم ؛ لأنهم أظهروا الإسلام , وأبطنوا الكفر.
وقوله تعالى: {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}: أي : أو ينقلهم من النفاق إلى الإيمان.). [معاني القرآن: 4/222-223]

تفسير قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا}لم ينالوا من المسلمين خيرًا، وظفرهم بالمسلمين لو ظفروا عندهم خيرٌ.
وقال بعضهم لو ينالوا خيرًا، يعني: لم يصيبوا ظفرًا ولا غنيمةً.
{وكفى اللّه المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] بالرّيح والجنود الّتي أرسلها اللّه عليهم.
{وكان اللّه قويًّا عزيزًا} [الأحزاب: 25] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم...}

وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسلّط الله عليهم ريحاً باردةً، فمنعت أحدهم من أن يلجم دابّته., وجالت الخيل في العسكر، وتقطعت أطنابهم , فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}: يعني : الملائكة.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويّا عزيزا (25)}
يعنى به ههنا: أبا سفيان, وأصحابه الأحزاب.
{لم ينالوا خيراً}: أي: لم يظفروا بالمسلمين وكان ذلك عندهم خيراً, فخوطبوا على استعمالهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا}
قال مجاهد : أبا سفيان , وأصحابه.). [معاني القرآن: 5/340]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأنزل الّذين ظاهروهم} [الأحزاب: 26] عاونوهم.
{من أهل الكتاب}قريظة والنّضير.
{من صياصيهم} [الأحزاب: 26] من حصونهم.
{وقذف في قلوبهم الرّعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا {26}). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم مّن أهل الكتاب...}

هؤلاء بنو قريظة, كانوا يهوداً، وكانوا قد آزروا أهل مكّة على النبي عليه السلام, وهي في قراءة عبد الله : {آزروهم} مكان {ظاهروهم} .
{من صياصيهم}: من حصونهم, وواحدتها صيصية , وهي طرف القرن والجبل, وصيصية غير مهموز.
وقوله: {فريقاً تقتلون} : يعني : قتل رجالهم , واستبقاء ذرارّيهم.
وقوله: {وتأسرون فريقاً}, كلّ القرّاء قد اجتمعوا على كسر السين. وتأسرون لغة , ولم يقرأ بها أحد.). [معاني القرآن: 2/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّذين ظاهروهم }: أي : عاونوهم , وهو من التظاهر.
{ من صياصيهم}: أي : من حصونهم وأصولهم , يقال: جذ الله صيصة فلانٍ , أي: أصله , وهي أيضاً شوك الحاكة , ال:
وما راعني إلاّ الرماح تنوشه= كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
وهي شوكتا الديك , وهي قرن البقرة أيضاً.). [مجاز القرآن: 2/136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من صياصيهم}: من حصونهم واحدها صيصة). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من صياصيهم}: أي: من حصونهم, وأصل «الصّياصي»: قرون البقر، لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها, فقيل للحصون صياصي: لأنها تمنع.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرّعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا (26)}
يعنى به: بنو قريظة، ومعنى {ظاهروهم}: عاونوهم على النبي صلى الله عليه وسلم , فقذف اللّه في قلوبهم الرعب , وأنزلهم على حكم سعد, وكان سعد حكم فيهم بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم}
أي: أعاونهم من أهل الكتاب , قال مجاهد : قريظة.
{من صياصهم } : من قصورهم.
وروى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة : {من صياصيهم}: (من حصونهم) .
قال أبو جعفر : والقصور قد يتحصن بها , وأصل الصيصية في اللغة ما يمتنع به , ومنه قيل لقرون البقر صياصي , ومنه قوله:
= كوقع الصياصي في النسيج الممدد
يقال : جذ الله صيصته , أي: أصله.). [معاني القرآن: 5/340-341]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ظاهروهم}: أي: عاونوهم,{من صياصيهم}: أي: من قصورهم , وحصونهم.). [ياقوتة الصراط: 410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصياصي): الحصون، وأصل الصياصي : قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها، شبهت الحصون بذلك لامتناعهم ببها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصَيَاصِي): الحصون.). [العمدة في غريب القرآن: 243]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} [الأحزاب: 27] لمّا حصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذٍ في قول بعضهم.
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن أبيه، أنّ سعدًا لم يحكم فيهم ولكنّهم نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل رسول اللّه إلى سعدٍ فجاء على حمارٍ، فقال: «أشر عليّ فيهم»، فقال: قد علمت أنّ اللّه قد أمرك فيهم بأمرٍ، أنت
[تفسير القرآن العظيم: 2/711]
فاعلٌ ما أمرك به فقال: «أشر عليّ فيهم» فقال: لو ولّيت أمرهم
لقتلت مقاتلتهم ولسبيت ذراريّهم ونساءهم، ولقسمت أموالهم، فقال: «والّذي نفسي بيده لقد أشرت عليّ فيهم بالّذي أمرني اللّه به».
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عطيّة القرظيّ.
قال: كنت فيمن عرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، ومن لم تنبت عانته ترك.
قال: فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي، فتركت.
- قال يحيى: وأمّا النّضير، فحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا حصر وقطع نخلهم فرأوا أنّه قد ذهب بعيشهم صالحوه على أن يجليهم إلى الشّام.
- حدّثني عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حرق نخل بني النّضر وهي البويرة وترك العجوة، وهي الّتي قال فيها الشّاعر:
وهان على سراة بني لؤيٍّ... حريقٌ بالبويرة مستطيرٌ
قال يحيى: وحدّثني نصر بن طريفٍ، عن أيّوب، عن عكرمة قال: ما دون العجوة من النّخل فهي لينةٌ.
قوله عزّ وجلّ: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27]، أي: وأورثكم أيضًا: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27] وهي خيبر.
- أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: كنت رديف أبي طلحة
[تفسير القرآن العظيم: 2/712]
يوم فتحنا خيبر، إنّ ساقي لتصيب ساق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفخذي فخذه فلمّا أشرفنا عليها قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّه أكبر، خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين، فأخذناها عنوةً.
- وحدّثني أشعث، عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غداة صبّحنا خيبر، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن ثمّ ركب، فلمّا أشرفنا عليها قالت اليهود: محمّدٌ واللّه والخميس قال: والخميس الجيش، فأخذناها عنوةً.
قال: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا} [الأحزاب: 27] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/713]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأرضاً لّم تطئوها...}

عنى خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله.). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
[تأويل مشكل القرآن: 295]
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان اللّه على كلّ شيء قديرا (27)}
جعل النبي صلى الله عليه وسلم أرضهم , وديارهم , وأموالهم للمهاجرين ؛ لأنهم لم يكونوا ذوي عقار.
ومعنى الصياصى : كل ما يمتنع به، والصياصي ههنا: الحصون.
وقيل : القصور، والقصور قد يتحصّن فيها.
والصّياصي : قرون البقر , والظباء , وكل قرن صيصية؛ لأن ذوات القرون , يتحصّن بقرونها وتمتنع بها، وصيصة الديك : شوكته لأنه يتحصّن بها أيض.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها}
قال الحسن : (فارس والروم) .
وقال قتادة : (مكة) .
وقال ابن إسحاق : (خيبر) .
وقال أبو جعفر : وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون خيبر , والله أعلم .
روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة في قوله تعالى: {وأرضا لم تطئوها} , قال : (ما يفتح على المسلمين إلى يوم القيامة)). [معاني القرآن: 5/341-342]


رد مع اقتباس