عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 97 إلى 108]

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) }

تفسير قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للنّاس) (97) أي قواماً، وقال حميدٌ الأرقط:
قوام دنيا وقوام دين). [مجاز القرآن: 1/177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس} وقال: {والهدي والقلائد} أي: وجعل لكم الهدي والقلائد). [معاني القرآن: 1/231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({قياماً للنّاس}: أي قواما لهم بالأمن فيه). [تفسير غريب القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: أين قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} من قوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}؟.
وتأويل هذا: أن أهل الجاهلية كانوا يتغاورون ويسفكون الدماء بغير حقها، ويأخذون الأموال بغير حلّها، ويخيفون السّبل، ويطلب الرجل منهم الثأر فيقتل غير قاتله، ويصيب غير الجاني عليه، ولا يبالي من كان بعد أن يراه كفأ لوليّه ويسمّيه: الثأر المنيم، وربما قتل أحدهم حميمه بحميمه.
قال ابن مضرّس وقتل خاله بأخيه:
بكت جزعا أمّي رميلة أن رأت = دما من أخيها بالمهنّد باقيا
فقلت لها: لا تجزعي إنّ طارقا = خليلي الذي كان الخليل المصافيا
وما كنت لو أعطيت ألفي نجيبة = وأولادها لغوا وستين راعيا
لأقبلها من طارق دون أن أرى = دما من بني حصن على السيف جاريا
وما كان في عوف قتيل علمته = ليوفيني من طارق غير خاليا
وربما أسرف في القتل فقتل بالواحد ثلاثة وأربعة وأكثر.
وقال الشاعر:
هم قتلوا منكم بظنّة واحد = ثمانية ثم استمرّوا فأرتعوا
يقول: إنهم اتهموكم بقتل رجل منهم، فقتلوا منكم ثمانية به.
فجعل الله الكعبة البيت الحرام وما حولها من الحرم، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد- قواما للناس. أي أمنا لهم، فكان الرجل إذا خاف على نفسه لجأ إلى الحرم فأمن. يقول الله جل وعز: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.
وإذا دخل الشهر الحرام تقسّمتهم الرّحل، وتوزّعتهم النّخع، وانبسطوا في متاجرهم، وأمنوا على أموالهم وأنفسهم.
وإذا أهدى الرجل منهم هديا، أو قلّد بعيره من لحاء شجر الحرم- أمن كيف تصرّف وحيث سلك.
ولو ترك الناس على جاهليتهم وتغاورهم في كل موضع وكل شهر- لفسدت الأرض، وفني الناس، وتقطّعت السّبل، وبطلت المتاجر. ففعل الله ذلك لعلمه بما فيه من صلاح شؤونهم، وليعلموا كما علم ما فيه من الخير لهم- أنه يعلم أيضا ما في السّموات وما في الأرض من مصالح العباد ومرافقهم، وأنه بكل شيء عليم). [تأويل مشكل القرآن: 73-74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيء عليم (97)
قيل إنما سمّيت الكعبة لتربيع أعلاها.
ومعنى (قياما للناس) أي مما أمروا به أن يقوموا بالفرض فيه.
وكذلك: (والشهر الحرام والهدي والقلائد).
فأمّا من قال إنه أمن فلأنّ اللّه قال: (ومن دخله كان آمنا) ولم تزل العرب تترك القتال في الشهر الحرام، وكان يسمى رجب الأصمّ لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح.
وأما من قال جعلت هذه الأشياء ليقوم الناس بها فإنما عنى متعبداتهم بالحج وأسبابه.
وقوله: (ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض).
فيه قولان: أحدهما أن الله لما آمن من الخوف البلد الحرام، والناسق كان يقتل بضعهم بعضا، وجعل الشهر الحرام يمتنع فيه من القتل، والقوم أهل جاهلية، فدل بذلك أنه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض إذ جعل في أعظم الأوقات فسادا ما يؤمن به، وفيه قول آخر وهو عندي أبين، وهو أن ذلك مردود على ما أنبأ اللّه به على لسان نبيه في هذه السورة من قوله: (من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
فأخبر بنفاقهم الذي كان مستترا عن المسلمين، وما أخبر به أنهم (سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك).
فأظهر الله ما كانوا أسروه من قصة الزانيين، ومسألتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - وما شرحناه مما كانوا عليه في ذلك.
فأظهر الله جلّ وعزّ: نبيه والمؤمنين على جميع ما ستروا عنهم.
فالمعنى - واللّه أعلم - ذلك لتعلموا الغيب الذي أنبأتكم به عن اللّه.
يدلكم على إنّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض.
ودليل هذا القول قوله جلّ وعزّ:
(ما على الرّسول إلّا البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) ). [معاني القرآن: 2/210-211]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} فيه قولان: أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين
والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} ومجانسة هذا الأول فقال أبو العباس محمد بن يزيد: كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والأشهر الحرم حتى إنهم كانوا يسمون رجبا وهو من الأشهر الحرم الأصم لأنه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز وجل ما يكون منهم من إغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الأرض وقال أبو إسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك: {لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} متعلق بهذه الأشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الأرض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ). [معاني القرآن: 2/365-367]

تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) )
تفسير قوله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) )
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم...}
خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحّج، فقام رجل فقال: يا رسول الله (أوفي) كلّ عام فأعرض عنه. ثم عاد (فقال: أفي كل عام فأعرض عنه، ثم عاد) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا اتركوني ما تركتكم".
و(أشياء) في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف؛ كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوي - كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحاري - وأشياوات؛ كما قيل: حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعت على أفعلاء، كما جمع ليّن وأليناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغي لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات الله، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفور حليم (101)
(تبد لكم) - تظهر لكم، يقال بدا لي الشيء يبدو إذا ظهر.
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم الحج، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول اللّه أفي كل عام؟
فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة فقال - صلى الله عليه وسلم - ما يؤمنك أن أقول نعم فتجب فلا تقومون بها فتكفرون.
تأويل " تكفرون "، - واللّه أعلم - ههنا أنكم تدفعون لثقلها وجوبها فتكفرون.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم ".
وسأله - صلى الله عليه وسلم - رجل كان يتنازعه اثنان يدّعي كل واحد منهما أنّه أبوه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأبيه منهما، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع.
فإنه إذا ظهر منه الجواب ساء ذلك. وخاصّة في وقت سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جهة تبيين الآيات، فنهى الله عن ذلك، وأعلم أنّه قد عفا عنها، ولا وجه عن مسألة ما نهى اللّه عنه، وفيه فضيحة على السائل إن ظهر.
و(أشياء) في موضع جر إلا أنها فتحت لأنها لا تنصرف.
وقال الكسائي أشبه آخرها آخر حمراء، ووزنها عنده أفعال، وكثر استعمالهم فلم تصرف.
وقد أجمع البصريون وأكثر الكوفيين على أن قول الكسائي خطأ في هذا، وألزموه ألا يصرف أبناء وأسماء.
وقال الأخفش - سعيد بن مسعدة - والفراء: أصلها أفعلاء كما تقول هين وأهوناء إلا إنّه كان الأصل أشيئاء على وزن " أشبعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فحذفت الهمزة الأولى.
وهذا غلط أيضا؛ لأن شيئا فعل، وفعل لا يجمع على أفعلا " فأما هين.
فأصله أهين، فجمع على أفعلاء، كما يجمع فعيل على أفعلاء مثل نصيب وأنصباء.
وقال الخليل: أشياء اسم للجميع كان أصله فعلاء – شيئاء فاستثقلت الهمزتان فقلبت الأولى إلى أول الكلمة فجعلت لفعاء كما قالوا أنوق فقلبوا أينق، كما قلبوا قووس فقالوا قسيّ.
ويصدق قول الخليل جمعهم أشياء على أشاوى، وأشاياه وقول الخليل هو مذهب سيبويه وأبي عثمان المازني وجميع البصريين إلا الزيادى منهم، فإنه كان يميل إلى قول الأخفش.
وذكروا أن المازني ناظر الأخفش في هذا فقطع المازني الأخفش.
وذلك أنه سأله: كيف تصغر أشياء فقال: أشيّاء، فاعلم.
ولو كانت أفعلاء لردّت في التصغير إلى واحدها، فقيل شييئات، وإجماع البصريين أن تصغير أصدقاء إذا كان للمؤنثات صديّقات وإن كان للمذكرين صديّقون). [معاني القرآن: 2/211-213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} معنى إن تبد لكم إن تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} روى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يسألني إنسان في مجلسي هذا عن شيء إلا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وأن لا يكلفهم طلب حقائق الأشياء من عنده جل وعز وقيل إنما ينهى عن هذا لأن الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم إلى الظاهر الذي يقدرون عليه). [معاني القرآن: 2/367-369]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال مقسم فيما سألت الأمم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم إياها ثم كفر قومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا إلى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الأم وتركهم الانتفاع بها وإن كانت ميتة اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر أنه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم إن برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها إلا الذكور خاصة وإن كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس أنه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا). [معاني القرآن: 2/370-373]

تفسير قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ...}
قد اختلف في السائبة. فقيل: كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم: السائبة إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهنّ إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن ابنتها - يريد: خرقت - فالبحيرة ابنة السائبة، وهي بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين فولدت في سابعها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال، وجرت مجرى السائبة. وأما الحامي فالفحل من الإبل؛ كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره، فلا يركب ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعىً، وأيّ إبل ضرب فيها لم يمنع.
فقال الله تبارك وتعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} هذا أنتم جعلتموه كذلك. قال الله تبارك وتعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون}). [معاني القرآن: 1/322]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ) (103) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أثنى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها، وإذا ضرب جملٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسمٌ له.
والسائبة من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكراً أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكرٍ أو أنثى، فهو (وصيلة) (103)؛ فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا، فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكراً وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد؛ فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لا هي ولا أمّها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال؛ فإن وضعت ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعاً بالتسوية؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم: والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه؛ أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعىٍ، ولا عن ماءٍ ولا يركبها أحد.
(حامٍ) (103)، والحام من فحول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شيء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبحّرون أذنها؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم؛ أي يذبح، يقال: أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل البحيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقباً، أي ذكراً بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضر بها فحلٌ، ولم تدفع عن ماءٍ، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجاً.
وقالوا: السائبة لا تكون إلاّ من الإبل، إن مرض الرّجل نذر؛ إن برىء ليسيبنّ بعيراً، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاءٍ أو نقمةٍ سيّب بعيراً، فكان بمنزلة البحيرة؛ وكذلك المعتق السائبة في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصةً إذا ولّدوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى؛ قالوا: هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكراً أو أنثى؛ قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا: بل (الحام) هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
(يفترون على الله الكذب) (103) أي يختلقون الكذب على الله). [مجاز القرآن: 1/177-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((البحيرة): كان أهل الجاهلية إذا نتجت ناقة خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذن الناقة وخلوا عنها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
103- {والسائبة}: كان الرجل إذا مرض أو قدم من سفر أو نذر نذرا سيب بعيرا من إبله بمنزلة البحيرة لا تمنع ولا تركب وقال بعضهم في السائبة أنهم كانوا يهدون لآلتهم الإبل والغنم فيسيبونها عندها فتختلط بإبل الناس وغنمهم. وقال فلا يشرب ألبانها إلا الرجال فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وإذا قال الرجل لعبده أنت سائبة فقد عتق.
103- {والوصيلة}: من الغنم كانت العرب إذا وضعت الشاةذكرا قالوا هذه لآلهتنا فتقربوا به وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا. وإذا وضعت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها.
103- {ولا حام}: الحامي الذي نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فيدعونه فلا يركب وكانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفا فقأ عين بعير منها فسرحة فلا ينتفع به ولا يهاج.
103- {ويفترون}: يختلفون). [غريب القرآن وتفسيره: 132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن. والخامس ذكر بحروه فأكله الرجال والنساء.
وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي: شقّوها. وكانت حراما على النساء، لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء.
و(السّائبة) البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه اللّه من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك.
و(الوصيلة) من الغنم. كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذبح. فأكل منه الرجال والنساء.
وإن كان أنثى تركت في الغنم.
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: قد وصلت أخاها. فلم تذبح لمكانها.
وكانت لحومها حراما على النساء. ولبن الأنثى حراما على النساء. إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء.
و(الحام): الفحل الذي ركب ولد ولده. ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء.
103 - {يفترون} يختلقون الكذب). [تفسير غريب القرآن: 147-148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)
أثبت ما روينا في تفسير هذه الأسماء عن أهل اللغة ما أذكره ههنا:
قال أهل اللغة: البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا، نحروا أذنها - أي شقوها - وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها.
والسائبة. كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو برء من علّة أو ما أشبه ذلك قال ناقتي هذه سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها وأن لا تجلى عن ماء ولا تمنع من مرعى.
وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة، فلا عقل بينهما ولا ميراث.
وأما الوصيلة ففي الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
وأمّا الحامي فالذكر من الإبل. كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن، حمي ظهره فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
فأعلم اللّه أنّه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا، وأن الذين كفروا افتروا على اللّه). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (والبحيرة: المشقوقة الأذن. والسائبة: المسيبة: إذ كبرت سيبت، فلا يحمل عليها شيء.
والوصيلة: قال: كانت العرب إذا ولدت الشاة جديين - أخذوا واحدا لأنفسهم، وذبحوا الآخر للصنم، فإذا ولدت جديا وعناقا لم يذبحوها، ولم يذبحوا أخاها، وقالوا: قد وصلته، ولم تذبح، ولم تؤكل، وربيت وقالوا: قد وصلت أخاها. قال أبو العباس ثعلب: وأجمع الناس كلهم على أن الوصيلة لا تكون إلا في الغنم.
(ولا حام) قال: الحامي: البعير، الذي قد خرج من صلبه عشرة بطون، فإذا كان هكذا - قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه شيء، ويقولون: لا يحل لنا أن نستعمله). [ياقوتة الصراط: 213-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((البحيرة) الناقة إذا نُتِجت هي خمسة أبطن، والخامس ذكر، نحروه، فأكلته الرجال والنساء، فإن كان الخامس أنثى شقوا آذانها وكان لحمها ولبنها على النساء خاصة، فإذا ماتت حلت لهن.
(السائبة) البعير يسيب بنذر يكون على الرجل من مرض أو خوف أو غيره.
و(الوصيلة) هي من الغنم، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذُبح فأكل لحمه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح لمكانها، وكان لحومها حراماً على النساء، ولبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شي أكله الرجال والنساء.
و(الحامي) الفحل، إذ ركب ولد ولده، ويقال: إذا نتج من صلبة عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء.
فهذه أديان وشرائع اخترعوها، لم يأذن الله بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71-72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَحِيرَةٍ}: الناقة التي نتجت
103- (السَآئِبَةٍ): التي تسيب فلا تركب
103- (الوَصِيلَةٍ): التي تركب فلا تذبح
103- {حَامٍ}: البعير الذي إذا نتج من صلبه عشرة فلا يركب
103- {يَفْتَرُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 123-124]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {عليكم أنفسكم...}
هذا أمر من الله عزّ وجلّ؛ كقولك: عليكم أنفسكم. والعرب تأمر من الصفات بغليك، وعندك، ودونك، وإليك. يقولون: إليك إليك، يريدون: تأخّر؛ كما تقول: وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة.
وزعم الكسائيّ أنه سمع: بينكما البعير فخذاه. فأجاز ذلك في كلّ الصفات التي قد تفرد، ولم يجزه في اللام ولا في الباء ولا في الكاف.
وسمع بعض العرب تقول: كما أنت زيدا، ومكانك زيدا.
قال الفراء: وسمعت [بعض] بني سليم يقول في كلامه: كما أنتني، ومكانكني، يريد انتظرني في مكانك.
ولا تقدّمنّ ما نصبته هذه الحروف قبلها؛ لأنها أسماء، والاسم لا ينصب شيئا قبله؛ تقول: ضرباً زيدا، ولا تقول: زيدا ضربا. فإن قلته نصبت زيدا بفعل مضمر قبله كذلك؛ قال الشاعر:
= يا أيها المائح دلوي دونكا
إن شئت نصبت (الدلو) بمضمر قبله، وإن شئت جعلتها رفعا، تريد: هذه دلوي فدونكا.
{لا يضرّكم} رفع، ولو جزمت كان صوابا؛ كما قال (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف، ولا تخاف) جائزان). [معاني القرآن للفراء: 1/322-323]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم مّن ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم تعملون}
وقال: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم} خفيفة، فجزم لأن جواب الأمر جزم فجعلها من "ضار" "يضير". وقال بضعهم {يضرّكم} و{يضرّكم} فجعل الموضع جزما فيهما جميعا، إلا أنه حرك لأن الراء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم إسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك {لا يضرّكم} رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله: {عليكم أنفسكم} وإنما أخبر أنه لا يضرّهم). [معاني القرآن: 1/231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)
معناه إنما ألزمكم اللّه أمر أنفسكم.
(لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم).
أي لا يؤاخذكم اللّه بذنوب غيركم، وليس يوجب لفظ هذه الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعلم أنه لا يضر المؤمن كفر الكافر.
فإذا ترك المؤمن الأمر بالمعروف وهو مستطيع ذلك فهو ضال، وليس بمهتد.
وإعراب: (لا يضرّكم من ضلّ) الأجود أن يكون رفعا ويكون على جهة الخبر.
المعنى ليس يضركم من ضل إذا اهتديتم.
ويجوز أن يكون موضعه جزما، ويكون الأصل لا يضرركم إلا أن الراء الأولى أدغمت في الثانية فضمّت الثانية لالتقاء السّاكنين، ويجوز في العربية على جهة النهي لا يضركم بفتح الراء، ولا يضركم بكسرها.
ولكن القراءة لا تخالف، ولأنّ الضم أجود كان الموضع رفعا أو جزما.
فأمّا من ضمّ لالتقاء السّاكنين فأتبع الضمّ الضمّ، وأمّا من كسر فلان أصل التقاء السّاكنين الكسر، وأمّا من فتح فلخفة الفتح فتح لالتقاء السّاكنين.
وهذا النهي للفظ غائب يراد به المخاطبون، إذا قلت: لا يضررك كفر الكافر، فالمعنى لا تعدّن أنت كفره ضررا، كما أنك إذا قلت لا أرنيك ههنا، فالنهي في اللفظ لنفسك، ومعناه لمخاطبك، معناه لا تكونن ههنا). [معاني القرآن: 2/213-214]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب). [معاني القرآن: 2/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز وجل قد أمر بذلك وإنما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول إنكم تأولون {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لأبي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الأمر لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام). [معاني القرآن: 2/373-375]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان...}
يقول: شاهدان أو وصيّان، وقد اختلف فيه. ورفع الاثنين بالشهادة، أي ليشهدكم اثنان من المسلمين.
{أو آخران من غيركم} من غير دينكم. هذا في السّفر، وله حديث طويل. إلا أنّ المعنى في قوله: {من الذين استحقّ عليهم الأوليان} فمن قال: الأوليان أراد ولّي الموروث؛ يقومان مقام النصرانيّين إذا اتّهما أنهما اختانا، فيحلفان بعد ما حلف النصرانيّان وظهر على خيانتهما، فهذا وجه قد قرأ به عليّ، وذكر عن أبيّ بن كعب.
حدّثنا الفراء قال: حدثني قيس بن الربيع عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أنه قال (الأوّلين) يجعله نعتا للذين. وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما. وقوله (استحقّ عليهم) معناه: فيهم؛ كما قال {واتّبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} أي في ملك، وكقوله: {ولأصلّبنّكم في جذوع النخل} جاء التفسير: على جذوع النخل.
وقرأ الحسن (الأوّلان) يريد: استحقّا بما حقّ عليهما من ظهور خيانتهما.
وقرأ عبد الله بن مسعود (الأوّلين) كقول ابن عباس. وقد يكون (الأوليان) ها هنا النصرانيّين - والله أعلم - فيرفعهما بـ (استحقّ)، ويجعلهما الأوليين باليمين؛ لأن اليمين كانت عليهما، وكانت البيّنة على الطالب؛ فقيل: الأوليان بموضع اليمين. وهو على معنى قول الحسن.
وقوله أن{تردّ أيمان} غيرهم على إيمانهم فتبطلها). [معاني القرآن للفراء: 1/323-324]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ مّنكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مّصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذا لّمن الآثمين}
وقال: {شهادة بينكم} ثم قال: {اثنان ذوا عدلٍ مّنكم} أي: شهادة بينكم شهادة اثنين. فلما ألقى "الشهادة" قام "الاثنان" مقامها وارتفعا بارتفاعها كما قال: {وسأل القرية} يريد: أهل القرية. وانتصب (القرية) بانتصاب "الأهل" وقامت مقامه. ثم عطف {أو آخران} على "الاثنين"). [معاني القرآن: 1/232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم} قد ذكرتها في كتاب تأويل «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا}.
قد اختلف الناس قديما في تأويل هذه الآية والسبب الذي نزلت فيه.
وأنا مخبر من تلك المذاهب والتأويلات، بأشبهها بلفظ الكتاب، وأولاها بمعناه.
وأراد الله عز وجل أن يعرفنا كيف نشده بالوصية عند حضور الموت، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: رجلان عدلان من المسلمين تشهدونهما على الوصيّة.
وعلم الله سبحانه أنّ من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم، ويحضره الموت فلا يجد من يشهده من المسلمين، فقال: {أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير دينكم {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: سافرتم {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} وتمّ الكلام. فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصّة إن أمكن إشهادهما في السفر. والذّميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما.
ثم قال: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما وشككتم، وخشيتم أن يكونا قد غيّرا، أو بدّلا وكتما وخانا.
وخصّ هذا الوقت، لأنه قبل وجوب الشمس، وأهل الأديان يعظمونه ويذكرون الله فيه، ويتوقّون الحلف الكاذب وقول الزّور، وأهل الكتاب يصلّون لطلوع الشمس وغروبها.
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} أي: لا نبيعه بعرض، ولا نحابي في شهادتنا أحدا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة علمناها.
فإذا حلفا بهذه اليمين على ما شهدا به، قبلت شهادتهما، وأمضي الأمر على قولهما.
وروى معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن زكريا، عن الشعبي أنه قال:
مات رجل بدقوقا ولم يشهده إلا نصرانيّان، فأشهدهما على وصيته، فقدما الكوفة وأبو موسى الأشعري عليهما، فتقدّما إليه فأحلفهما في مسجد الكوفة بعد العصر:
بالله ما بدّلا ولا كتما ولا كذبا وأجاز شهادتهما.
فإن عثر بعد هذه اليمين أي: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أي: حنثا في اليمين بكذب في قول، أو خيانة في وديعة {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان، وهما الوليّان، يقال: هذا الأولى بفلان، ثم يحذف من الكلام بفلان، فتقول:
هذا الأولى، وهذان الأوليان، كما تقول: هذا الأكبر، في معنى الكبير، وهذا الأكبران، وعليهم بمعنى (منهم)، كما تقول: استحققت عليك كذا، واستوجبت عليك كذا، وأي: استحققته منك، واستوجبته منك، وقال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2].
أي من الناس.
وقال صخر الغيّ:
متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها علق نفيث
يريد: من أقطارها.
فإذا أقام الوليان مقام الذّمّيين لليمين، حلفا بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما، وما اعتدينا عليهما، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي: أصحّ لكفرهما وإيماننا.
فإذا حلف الوليان على ما ظهرا عليه، رجع على الذّمّيين بما اختانا، ونقض ما مضى عليه الحكم بشهادتهما.
ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: هذا الحكم أقرب بهم إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني أهل الذمة {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ} على أولياء الميت {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فيحلّفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفضحوا، أو يغرّموا.
وأكثر العلماء يذهب إلى أن هذا باب من الحكم (محكم) وأنه لم ينسخ من سورة المائدة شيء، لأنها آخر ما نزل.
وبعضهم يذهب إلى أنه منسوخ بقوله سبحانه:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 377-381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذا لمن الآثمين (106)
معناه أنّ الشهادة في وقت الوصية هي للموت ليس أن الموت حاضره وهو يوصي بما يقول الموصي، صحيحا كان أو غير صحيح: إذا حضرني الموت، أو إذا مت فافعلوا واصنعوا.
والشهادة ترتفع من جهتين:
أحدهما أن ترتفع بالابتداء ويكون خبرها " اثنان "، والمعنى شهادة هذه الحال شهادة اثنين، فتحذف شهادة ويقوم اثنان مقامها.
ويجوز أن يكون رفع (شهادة بينكم) على قوله وفيما فرض اللّه عليكم في شهادتكم أن يشهد اثنان، فيرتفع اثنان بشهادة، والمعنى أن يشهد اثنان فيرتفع اثنان بشهادة، والمعنى أ، يشهد اثنان ذوا عدل منكم.
معنى " منكم " قيل: فيه قولان:
قال بعضهم: منكم من أهل دينكم. (أو آخران من غيركم) من غير أهل ملّتكم.
وقال بعضهم: (ذوا عدل منكم) من أهل الميت، أو آخران من غيركم من غير أهل الميّت، واحتج هؤلاء بأن قوله: (فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى) يدل على أن منكم من ذوي قراباتكم.
وقال هؤلاء إذا كانوا أيضا عدولا من قرابات الميّت، فهم أولى لأنهم أعلم بأحوال الأهل من الغرائب، وأعلم بما يصلحهم، واحتجوا أيضا بأن (ذوى عدل) لا يكونان من غير أهل ملة الإسلام لأن الكفر قد باعد من العدالة.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الوصية ينبغي أن يكون شاهدها عدلين من أهل الميت أو من غير أهله إن كان الموصي في حضر وكذلك إن كان في سفر.
فقوله: (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت).
ذكر الموت في السفر بعد قوله: إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية، فكان في الآية - واللّه أعلم - دليلا على الشهادة في الحضر والسفر.
وقد جاء في التفسير أن اثنين كانا شهدا في السفر غير مسلمين وللإجماع أن الشهود لا يجب أن يحلفوا.
وقد أجاز قوم في السفر شهادة الذّميين.
وقال الله عز وجل: (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشّهادة للّه) وقال: (ممّن ترضون من الشهداء)
والشاهد إذا علم أنه كذاب لم تجر أن تقبل شهادته، وقد علمنا أن النصارى زعمت أن الله ثالث ثلاثة وأن اليهود قالت إن العزير ابن الله وعلمنا أنهم كاذبون، فكيف يجوز أن تقبل شهادة من هو مقيم على الكذب؟
ومعنى قوله: (تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه).
كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس.
وقوله: (إن ارتبتم).
إن وقع في أنفسكم منهم ريب، أي ظننتم بهم ريبة). [معاني القرآن: 2/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} وقرأ الأعرج (شهادة بينكم) وقرأ أبو عبد الرحمن (شهادة بينكم) فمن قرأ (شهادة بينكم) و(شهادة بينكم) فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الإعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ (شهادة بينكم) فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان). [معاني القرآن: 2/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (فأما قوله تعالى: {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ففي} هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الأشعري وابن عباس ذو عدل منكم من أهل دينكم أو آخران من غيركم من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي
وقال الحسن والزهري ذوا عدل منكم من أقربائكم لأنهم أعلم بأموركم من غيرهم {أو آخران من غيركم} من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية وإجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز: {ممن ترضون من الشهداء} فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فإنه قال جل وعز: {تحبسونهما من بعد الصلاة} فكيف يعظم الكافر الصلاة
وقال إبراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقال زيد بن أسلم كان ذلك والأرض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الإسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى {تحبسونهما من بعد الصلاة} من بعد صلاة العصر ومعنى {لا نشتري به ثمنا} بما شهدنا عليه). [معاني القرآن: 2/376-378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو كان ذا قربى} معناه وإن كان ذا قربى كما قال سبحانه: {ولو افتدى به}). [معاني القرآن: 2/378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين}
وقرأ عبد الله بن مسلم (ولا نكتم شهادة الله) وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي (ولا نكتم شهادة الله) هذا عند أكثر أهل العربية لحن وإن كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن (ولا نكتم شهادة الله) على الاستفهام). [معاني القرآن: 2/378-379]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً) (107)؛ أي: فإن ظهر عليه، ووقع، وهو من قولهم: (عثرت على الغزل بأخرة، فلم تدع بنجدٍ قردةً).
(استحقّ عليهم الأولين) (107): واحدها الأولى؛ ومن قرأها: الأوليان، فالواحدة منها: الأولى). [مجاز القرآن: 1/181]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنّا إذا لّمن الظّالمين}
وقال: {من الّذين استحقّ عليهم الأوليان} أي: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم. وقال بعضهم {الأوليان} وبها نقرأ. لأنه حين قال: {يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم} كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال: {الأوليان} فأجرى المعرفة عليهما بدلا. ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز:
عليّ يوم تملك الأمورا = صوم شهورٍ وجبت نذورا
=وبدناً مقلّداً منحورا
فجعله على "أوجب" لأنه في معنى "قد أوجب"). [معاني القرآن: 1/232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فإن عثر}: ظهر).[غريب القرآن وتفسيره: 133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فإن عثر} أي ظهر {الأوليان} الوليّان). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أكثر القرّاء يقرؤون فأصدق أكن بغير واو. واعتلّ بعض النحويين في ذلك بأنها محمولة على موضع فأصّدّق، لو لم يكن فيه الفاء، وموضعه جزم، وأنشد:
فأبلوني بَلِيَّتكم لعلّي = أصالحكم وأستدرجْ نويّا
فجزم وأستدرج، وحمله على موضع أصالحكم لو لم يكن قبلها (لعلّي) كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ: فأصدق وأكون بالنصب، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو، كما تسقط حروف المد واللين في (كلمون) وأشباه ذلك.
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ في الكتاب، فليس على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم، جناية الكاتب في الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن، لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التّهجّي: فقد كتب في الإمام: (إن هذان لساحران) بحذف ألف التثنية.
وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: قال رجلن و(فآخرن يقومان مقامهما) ، وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه). [تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فإن عثر بعد هذه اليمين أي: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أي: حنثا في اليمين بكذب في قول، أو خيانة في وديعة {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان، وهما الوليّان، يقال: هذا الأولى بفلان، ثم يحذف من الكلام بفلان، فتقول:
هذا الأولى، وهذان الأوليان، كما تقول: هذا الأكبر، في معنى الكبير، وهذا الأكبران، وعليهم بمعنى (منهم)، كما تقول: استحققت عليك كذا، واستوجبت عليك كذا، وأي: استحققته منك، واستوجبته منك، وقال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}.
أي من الناس.
وقال صخر الغيّ:
=متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها علق نفيث
يريد: من أقطارها.
فإذا أقام الوليان مقام الذّمّيين لليمين، حلفا بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما، وما اعتدينا عليهما، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي: أصحّ لكفرهما وإيماننا.
فإذا حلف الوليان على ما ظهرا عليه، رجع على الذّمّيين بما اختانا، ونقض ما مضى عليه الحكم بشهادتهما). [تأويل مشكل القرآن: 379-380] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («على» مكان «من»
قال الله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}، أي مع الناس.
وقال صخر الغيّ:
متى ما تنكروها تعرفوها = على أقطارها عَلَقٌ نَفِيثٌ
أي من أقطارها.
ومنه قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ}، أي منهم). [تأويل مشكل القرآن: 573]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثما فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنّا إذا لمن الظّالمين (107)
أي فإن اطلع على أنهما قد خانا.
(فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان).
وقد قرئت الأولين ويجوز (من الّذين استحق عليهم الأوليان) وهذا موضع من أصعب ما في القرآن في الإعراب.
فأوليان في قول أكثر البصريين يرتفعان على البدل مما في (يقومان).
المعنى: " فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين).
(فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما).
فإذا ارتفع الأوليان على البدل، فاللذان في استحق من الضمير معنى الوصية، المعنى فليقم الأوليان من الّذين استحقت الوصية عليهم، أو استحق الإيصاء عليهم.
وقال بعضهم: معنى (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان) معناه: استحق فيهم، وقامت " على " مقام " في " كما قامت " في " مقام " على " في قوله: (ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل) ومعناه: على جذوع النخل.
وقال بعضهم معنى على (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان) كما قال: (الّذين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون) أي إذا اكتالوا من الناس.
وقيل أن في " استحق " ذكر الإثم، لأن قوله عزّ وجلّ: (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثما فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان)
كان المعنى: الذين جني الإثم عليهم.
وقيل إن " الأوليان " جائز أن يرتفعا باستحق، ويكون معناهما الأوليان باليمين، أي بأن يحلفا من يشهد بعدهما، فإن جاز شهادة النّصرانيين كان " الأوليان " على هذا القول النصرانيين، أو الآخران من غير بيت الميت.
وأجود هذه الأقوال أن يكون الأوليان بدلا، على أن المعنى: ليقم الأوليان من الذين استحق عليهم الوصية.
ومن قرأ (الأوّلين) رده على الذين، وكان المعنى من الذين استحق عليهم الإيصاء الأولين.
واحتج من قرأ بهذا فقال: أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟). [معاني القرآن: 2/216-217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} قال إبراهيم النخعي المعنى فإن اطلع). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان}
إن اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو إسحاق وهذا موضع مشكل من الإعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الأوليان فقامت على مقام في كما قامت في مقام على في قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وقيل المعنى من الذين استحق منهم الأوليان وقامت على مقام من كما قال تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الأولى بالميت فالأوليان بدل من الألف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الإيصاء
وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ (من الذين استحق عليهم الأولين) وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين). [معاني القرآن: 2/379-381]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فإن عثر) أي: اطلع). [ياقوتة الصراط: 215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَإِنْ عُثِرَ} أي ظهر.
{الأَوْلَيَانِ} الوليان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عُثِر}: ظهر). [العمدة في غريب القرآن: 124]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: هذا الحكم أقرب بهم إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني أهل الذمة {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ} على أولياء الميت {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فيحلّفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفضحوا، أو يغرّموا.
وأكثر العلماء يذهب إلى أن هذا باب من الحكم (محكم) وأنه لم ينسخ من سورة المائدة شيء، لأنها آخر ما نزل.
وبعضهم يذهب إلى أنه منسوخ بقوله سبحانه:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 380-381] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ذلك أدنى أن يأتوا بالشّهادة على وجهها أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم واتّقوا اللّه واسمعوا واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (108)
أي ذلك أقرب من الإتيان بالشهادة على وجهها، وأقرب إلى أن يخافوا). [معاني القرآن: 2/217]


رد مع اقتباس