عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 82 إلى 96]

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

تفسير قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {ذلك بأنّ منهم قسّيسين...}
نزلت فيمن أسلم من النصارى. ويقال: هو النّجاشي وأصحابه. قال الفرّاء ويقال: النجاشي). [معاني القرآن للفراء: 1/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لتجدنّ أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا وأنّهم لا يستكبرون (82)}
وذلك أن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين، والمؤمنون يؤمنون بموسى والتوراة التي أتى بها، وكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم وكتابهم أقرب، فظاهروا المشركين حسدا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (لتجدنّ) هذه اللام لام القسم، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال، هذا مذهب الخليل وسيبويه، ومن يوثق بعلمه.
وقوله: (عداوة) منصوب على التمييز.
{ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى}.
في هذه غير وجه، جاء في التفسير أن نيفا وثلاثين من الحبش من النصارى جاءوا وجماعة معهم، فأسلموا لمّا تلا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (القرآن).
وجائز أن يكون يعنى به النصارى؛ لأنهم كانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود، ويكون قوله: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول}.
على معنى {ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا}، ومنهم قوم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول، يعني به ههنا مؤمنيهم، والقسّ والقيس من رؤساء النصارى، فأمّا القس في اللغة فهي النميمة ونشر الحديث، يقال: قس فلان الحديث قسّا.
ومعنى {فاكتبنا مع الشاهدين}.
أي مع من شهد من أنبيائك عليهم السلام ومؤمني عبادك بأنك لا إله غيرك). [معاني القرآن: 2/199-200]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}
قال سعيد بن جبير: هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا، فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يس فبكوا، وقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
وأنزل الله فيهم أيضا الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} إلى آخر الآية.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هم من الحبشة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا). [معاني القرآن: 2/348-349]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاكتبنا مع الشاهدين}.
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}). [معاني القرآن: 2/349]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وما لنا لا نؤمن باللّه وما جاءنا من الحقّ ونطمع أن يدخلنا ربّنا مع القوم الصّالحين (84)
موضع (لا نؤمن باللّه) نصب على الحال، المعنى أي شيء لنا تاركين للإيمان، أي في حال تركنا للإيمان، وذلك أن قومهم عنفوهم على إيمانهم، فأجابوهم بأن قالوا: ما لنا لا نؤمن بالله). [معاني القرآن: 2/200]

تفسير قوله تعالى: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) )
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: (والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (86)
الجحيم النّار الشديدة الوقود، وقد جحم فلان النار إذا شدّد وقودها، - ويقال لعين الأسد: جحمة لشدة توقدها، ويقال لوقود الحرب: وهو شدة القتال فيها: جاحم.
قال الشاعر:
=والخيل لا يبقى لجاحمها التخيل والمراح
إلا الفتى الصّبّار في النجدات والفرس الوقاح). [معاني القرآن: 2/200-201]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا...}
هم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يرفضوا الدنيا، ويحبّوا أنفسهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} أي لا تجبّوا أنفسكم). [معاني القرآن: 1/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87)
هذه قيل: نزلت؛ لأن جماعة من أصحاب النبي كانوا همّوا بأن يرفضوا الدنيا ويجتنبوا الطيبات ويخصوا أنفسهم، فأعلم الله أن شريعة نبيه عليه السلام غير ذلك، والطيبات لا ينبغي أن تجتنب ألبتّة، وسمي الخصاء اعتداء، فقال عزّ وجلّ: (ولا تعتدوا)، أي لا تجبّوا أنفسكم فإن ذلك اعتداء). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}
قال الضحاك: هؤلاء قوم من المسلمين، قالوا: نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح.
وقال قتادة: نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، قالوا: نخصي أنفسنا ونترهب.
وقال مجاهد: نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما، قالوا: نترهب ونلبس المسوح). [معاني القرآن: 2/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الاعتداء في اللغة: تجاوز ما له إلى ما ليس له.
قال الحسن: معناه: ألا تأتوا ما نهيتم عنه). [معاني القرآن: 2/350]

تفسير قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) )
تفسير قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ...}
في حرف عبد الله "ثلاثة أيام متتابعات" ولو نوّنت في الصيام نصبت الثلاثة؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ. يتيما} نصبت (يتيما) بإيقاع الإطعام عليه. ومثله قوله: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتا}: تكفتهم أحياء وأمواتا.
وكذلك قوله: {فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم} ولو نصبت (مثل) كانت صوابا.
وهي في قراءة عبد الله: "فجزاؤه مثل ما قتل".
وقرأها بعض أهل المدينة: "فجزاء مثل ما قتل" وكلّ ذلك صواب.
وأما قوله: {ولا نكتم شهادة اللّه} لو نوّنت في الشهادة جاز النصب في إعراب (اللّه) على: ولا نكتم اللّه شهادةً. وأمّا من استفهم بالله فقال (اللّه) فإنما يخفض (اللّه) في الإعراب كما يخفض القسم، لا على إضافة الشهادة إليه). [معاني القرآن: 1/318-319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بالّلغو) (89) أي بالذي هو فضل: لا والله، وبلى والله، ما لم تحلفوا على حّقٍ تذهبون به، وما لم تعقدوا عليه أي توجبوا على أنفسكم.
(فكفّارته (89) أي فمحوه). [مجاز القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((أو): تأتي للشك، تقول: رأيت عبد الله أو محمدا.
وتكون للتخيير بين شيئين، كقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أنت في جميع هذا مخيّر أيّة فعلت أجزأ عنك). [تأويل مشكل القرآن: 544] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)}
اللغو في كلام العرب ما اطرح ولم يعقد عليه أمر، ويسمّى ما ليس معتدّا به - وإن كان موجودا - لغوا.
قال الشاعر:
أو مائة تجعل أولادها=لغوا وعرض المائة الجلمد
(الذي يعارضها في قوة الجلمد)، يعني بذلك نوقا، يقول: مائة لا تجعل أولادها من عددها.
أعلم اللّه عزّ وجلّ أن اليمين التي يؤاخذ بها العبد وتجب في بعضها الكفارة ما جرى على عقد، ومعنى فكفارته إطعام عشرة مساكين، أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين إن كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا أجزأه ذلك، ولكن وقع لفظ التذكير؛ لأنه المغلّب في الكلام.
ومعنى (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
قال بعضهم: أعدله كما قال جلّ وعزّ: (وكذلك جعلناكم أمّة وسطا) أي عدلا.
و (أوسط ما تطعمون أهليكم) على ضربين أحدهما:
أوسطه في القدر والقيمة.
والآخر أوسطه في الشبع لا يكون المأكول يفرط في أكله فيؤكل منه فوق القصد وقدر الحاجة، ولا يكون دون المعنى عن الجوع.
(أو كسوتهم).
والكسوة أن يكسوهم نحو الإزار والعمامة أو ما أشبه ذلك.
(أو تحرير رقبة).
فخير الحالف أحد هذه الثلاثة، وأفضلها عند الله أكثرها نفعا، وأحسنها موقعا من المساكين، أو من المعتق، فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول إلا بما هو أشد تكلفا من الكسوة أو الإعتاق، فالإطعام أفضل.
لأن به قوام الحياة وإلا فالإعتاق أو الكسوة أفضل.
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام).
أي من كان لا يقدر على شيء مما حذدّ في الكفارة، فعليه صيام ثلاثة أيام، وصيام ثلاثة مرتفع بالابتداء، وخبره كفارته أو فكفارته صيام ثلاثة أيام.
ويجوز فصيام ثلاثة أيام كما قال عزّ وجلّ: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) ). [معاني القرآن: 2/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه قولان:
أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة، قال الشافعي: وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشيء هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة.
واللغو في اللغة المطرح فقيل: لما لا حقيقة له من الأيمان لغو.
قال الكسائي: يقال: لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا). [معاني القرآن: 2/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}.
قال الكسائي: معنى {عقدتم} أوجبتم
قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى عقدتم؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو.
وقرأ أبو عمرو (عقدتم) قال: معناه: وكدتم
وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فإذا وكد اليمين أعتق رقبة.
قيل لنافع: ما معنى وكد اليمين قال: أن يحلف على الشيء مرارا). [معاني القرآن: 2/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} المعنى فكفارة إثمه أي الذي يغطي على إثمه.
قال أبو جعفر: والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الإيمان
وهذا مذهب الحسن والشعبي؛ لأن المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها.
وقيل: الهاء عائدة على اللغو والأول أولى). [معاني القرآن: 2/353]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
قال عبد الله بن عمر: من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم.
وقال الأسود: أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر.
قال أبو إسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة:
يجوز أن يكون معنى من أوسط ما تطعمون أهليكم من أعدل ما تطعمونهم قال عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي عدلا
ويحتمل أن يكون في القيمة.
ويحتمل أن يكون في الشبع.
وقرأ سعيد بن جبير: (من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم) أي كإسوة أهليكم.
وروي أن رجلا قرأ على مجاهد (أو كإسوتهم) فقال له: لا تقرأ إلا {أو كسوتهم}، وقال: أرى ذلك ثوبا.
وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات). [معاني القرآن: 2/354]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي ذلك كفارة إثم أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف.
قال أبو جعفر: وكان محمد بن جرير يختار في أوسط أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال: فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع وما مصدر.
فأما الكسوة فقال الحسن وطاووس وعطاء: ثوب ثوب
وقال سعيد بن المسيب: عباءة وعمامة.
وقال مجاهد: كل ما كسا فهو مجزئ، وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لأن ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز). [معاني القرآن: 2/354-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (باللغو) أي: ما كان بلا نية من الأيمان، واللغو: الهذيان من الكلام، لا في الأيمان، واللغو: ما لا يحسب من الحيوان في الصدقة، واللغا واللغو واحد). [ياقوتة الصراط: 211-212]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الخمر والميسر...}
الميسر: القمار كلّه، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: سهام كانت في الكعبة يقتسمون بها في أمورهم، وواحدها ولم). [معاني القرآن: 1/319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والميسر) (89) أي الوجاب أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداحٍ أو بغيرها والقمار). [مجاز القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({والميسر}: القمار. يقال: يسرت: إذا ضربت بالقداح، والضارب بها يقال له: ياسر ويأسرون ويسر وأيسار. وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدة الزمان وكلبه ينحرون جزورا ويجزّئونها أجزاء ثم يضربون عليها بالقداح، فإذا قمر القامر جعل ذلك لذوي الحاجة واهل المسكنة. وهو النّفع الذي ذكره اللّه في سورة البقرة - فقال: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ويتسابون بتركها ويعيبون من لا ييسرون، ويسمونهم الأبرام. واحدهم برم.
{والأنصاب} حجارة كانوا يعبدونها في الجاهلية.
{والأزلام} القداح. وقد ذكرتها في أول هذه السورة.
{رجسٌ} وأصل الرجس: النّتن). [تفسير غريب القرآن: 145-146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90)
فالخمر معروف وهو ما خامر العقل، وقد فسرناه، والميسر القمار كله، وأصله إنّه كان قمارا في الجزور، وكانوا يقسمون الجزور في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءا، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء.
وقال أبو عبيدة: لا أعرف عدد الأجزاء، وكانوا يضربون عليها بالقداح وهي سهام خشب. لها أسماء نبينها على حقيقتها في كتابنا إن شاء اللّه، فيحصل كل رجل من ذلك القمار على قدر إمكانه، فهذا أصل الميسر، والقمار كلّه كالميسر وقد بيّنّا الأنصاب والأزلام في أول السورة.
فأعلم اللّه أن القمار والخمر والاستقسام بالأزلام وعبادة الأوثان رجس.
والرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل، فبالغ الله في ذم هذه الأشياء، وسماها رجسا، وأعلم أن الشيطان يسوّل ذلك لبني آدم، يقال: رجس الرجل يرجس، ورجس يرجس، إذا عمل عملا قبيحا، والرجس بفتح الراء شدّة الصوت، فكان الرجس العمل الذي يقبح ذكره، ويرتفع في القبح.
ويقال: سحاب ورعد رجّاس إذا كان شديد الصوت.
قال الشاعر:
=وكل رجّاس يسوق الرّجّسا
وأمّا الرجز بالزاي فالعذاب، أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب.
قال اللّه: (لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك) أي كشفت عنا العذاب، وقوله: (والرّجز فاهجر) قالوا: عبادة الأوثان.
وأصل الرجز في اللغة تتابع الحركات، فمن ذلك قولهم رجزاء إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها.
ومن هذا رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، والانتقال فيه من بيت إلى بيت سريع نحو قوله: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
ونحو قولهم:
=صبرا بني عبد الدار
ونحو قولهم:
=ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا
وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر، وإنما هو أنصاف أبيات أو أثلاث.
ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وتأتيك من لم تزوّد بالأخبار.
قال الخليل: لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا
وجاء النصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر ولا بيت، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر.
وجرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى:
أنا النبي لا كذب
=
أنا ابن عبد المطلب
قال بعضهم: إنما هو لا كذب أنا ابن عبد المطلب، بفتح الباء على الوصل.
قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال اللّه: (وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له)، أي ما يسفل له.
قال الأخفش: كان قول الخليل إن هذه الأشياء شعر، وأنا أقول: إنها ليست بشعر، وذكر أنه ألزم الخليل أن الخليل اعتقده.
ومعنى الرجز العذاب المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة.
ومعنى فاجتنبوه: أي اتركوه.
واشتقاقه في اللغة كونوا جانبا منه أي في ناحية). [معاني القرآن: 2/203-206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر
قال أبو عبيد تأول قول الله عز وجل: {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} وزعم الأصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لأن الميسر إذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من أقمار ميسر كما أن الخمر لشيء بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لأنه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الأنصاب والأزلام والرجس النتن). [معاني القرآن: 2/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} أي كونوا في جانب غير جانبه
ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول اللهم بين لنا في الخمر حتى نزلت {فهل أنتم منتهون} فقال قد انتهينا). [معاني القرآن: 2/356-357]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْمَيْسِرُ} القمار، وهو الضرب بالقداح.
{وَالأَنصَابُ} حجارة كانوا يعبدونها.
{وَالأَزْلاَمُ} القداح.
(والرجس) أصله النتن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70-71]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) )
تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) )
تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذا ما اتّقوا...}
أي اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [معاني القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ} أي إثم فيما طعموا أي شربوا من الخمر قبل نزول التحريم. يقال: لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما. قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم=وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
والبرد: النوم. والنّقاح: الماء العذب.
{إذا ما اتّقوا وآمنوا} يريد: اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [تفسير غريب القرآن: 146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف بإخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد قدامة بن مظعون قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية فقال عمر أخطأت التأويل إنك إذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد
قيل هذا أحسن من الاول لأن فيها {إذا ما اتقوا وآمنوا} وإذا لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل إذا ما اتقوا الشرك وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا وآمنوا ازدادوا إيمانا ثم اتقوا الصغائر حذرا وأحسنوا تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل). [معاني القرآن: 2/357-358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (جناح) أي إثم). [ياقوتة الصراط: 212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِيمَا طَعِمُواْ} أي ما شربوا من الخمر قبل التحريم، يقال: لم أطعم خبزا ولا ماءً ولا نوماً، قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم= وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا برداً
النقاخ: الماء، والبرد: النوم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تناله أيديكم ورماحكم...}
فما نالته الأيدي فهو بيض النعام وفراخها، وما نالت الرماح فهو سائر الوحش). [معاني القرآن: 1/319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ليبلونّكم الله بشيءٍ من الصّيد) (94) أي ليختبرنكم وليبتلينكم). [مجاز القرآن: 1/175]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا ليبلونّكم اللّه بشيءٍ مّن الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم اللّه من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ}
وقال: {ليبلونّكم اللّه بشيءٍ مّن الصّيد} على القسم أي: والله ليبلونّكم. وكذلك هذه اللام التي بعدها النون لا تكون إلا بعد القسم). [معاني القرآن: 1/230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تناله أيديكم} يعني بيض النعام {ورماحكم} يعني الصيد). [تفسير غريب القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا ليبلونّكم اللّه بشيء من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم اللّه من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (94)
هذه اللام لام القسم، واللام مفتوحة لالتقاء السّاكنين في قول بعضهم اغزون يا رجل، فأمّا لام لتبلون، فزعم سيبويه أنها مبنية على الفتح.
وقد أحكمنا شرح هذا قبل هذا الموضع.
ومعنى: " ليبلونكم ": ليختبرنّ طاعتكم من معصيتكم.
(بشيء من الصيد).
فقال عزّ وجلّ بشيء من الصيد فبّعض، وهو يحتمل وجهين أحدهما أنه على صيد البر دون صيد البحر، والثاني أنه لمّا عنى الصّيد ما داموا في الإحرام كان ذلك بعض الصّيد. وجائز أن يكون على وجه ثالث، ويكون " من " هذه تبين جنسا من الأجناس، تقول: لأمتحنك بشيء من الورق، أي لامتحننك بالجنس الذي هو ورق، كما قال جلّ ثناؤه: (فاجتنبوا الرّجس من الأوثان) والأوثان كلها رجس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
ومعنى قوله: (تناله أيديكم ورماحكم).
الذي تناله الأيدي نحو بيض النعام وفراخه وما كان صغيرا ينهض من مجثمه من غير النعام وسائر ما يفوق اليد بحركته من سائر الوحش.
فحرم جميع صيد البر الجراد وكل ما يصطاد فحرام صيده ما داموا حرما. وبيّن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنّ كل ما اصطيد في الحرم حرام، كانوا محرمين أو غير محرمين). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد} المعنى ليختبرن طاعتكم من معصيتكم). [معاني القرآن: 2/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {تناله أيديكم ورماحكم} قال مجاهد الذي تناله أيديكم البيض والفراخ والذي تناله الرماح ما كان كبيرا). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تناله أيديكم) يعني: بيض النعام، والعرب تقول: صدت نعاما، وصدت بيضة، أي: أخذتهما بيدي). [ياقوتة الصراط: 212]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ورماحكم) يعني: الحمير الوحشية، والنعام الجافل). [ياقوتة الصراط: 212]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {فجزاء مّثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم...}
يقول: من أصاب صيدا ناسيا لإحرامه معتمدا للصيد حكم عليه حاكمان عدلان فقيهان يسألانه: أقتلت قبل هذا صيدا؟ فإن قال: نعم، لم يحكما عليه، وقالا: ينتقم الله منك. وإن قال: لا، حكما عليه، فإن بلغ قيمة حكمها ثمن بدنة أو شاة حكما بذلك عليه {هدياً بالغ الكعبة} وإن لم يبلغ ثمن شاة حكما عليه بقيمة ما أصاب: دراهم، ثمّ قوّماه طعاما، وأطعمه المساكين لكل مسكين نصف صاع. فإن لم يجد حكما عليه أن يصوم يوما مكان كل نصف صاع.
وقوله: {أو عدل ذلك صياماً} والعدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل المثل. وذلك أن تقول: عندي عدل غلامك وعدل شاتك إذا كان غلاما يعدل غلاما أو شاة تعدل شاة. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نضبت العين. وربما قال بعض العرب: عدله. وكأنه منهم غلط لتقارب معنى العدل من العدل. وقد اجتمعوا على واحد الأعدال أنه عدل. ونصبك الصيام على التفسير؛ كما تقول: عندي رطلان عسلا، وملء بيت قتّا، وهو مما يفسّر للمبتدئ: أن ينظر إلى (من) فإذا حسنت فيه ثم ألقيت نصبت؛ ألا ترى أنك تقول: عليه عدل ذلك من الصيام. وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا}). [معاني القرآن: 1/320]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم) (95) في هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النّعم الإبل.
(يحكم به ذوا عدلٍ منكم، (95) فجاء مصدراً في القرآن كلّه؛ من جعله صفةً على أنه مصدرٌ ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء؛ هي عدلٌ وهم عدل، قال زهير:
متى يشتجر قومٌ يقل سرواتهم=هم بيننا فهم رضاً وهم عدل
فجعله هشامٌ أخو ذي الرّمة صفةً تجرى مجرى ضخم وضخمة، فقال: عدل، وعدلة للمرأة.
(أو عدل ذلك صياماً) (95) مفتوح الأول، أي مثل ذلك، (فإذا كسرت فقلت: عدل فهو زنة ذلك).
(ليذوق وبال أمره) (95) أي نكال أمره، وعذابه ويقال: عاقبة أمره من الشرّ.
(ومن عاد فينتقم الله منه) (95) رفعٌ لأنه مجازاتٌ فيه، فمجازه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد: في موضع يعود، قال قعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً=وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا
أي استمعوا.
(ذو انتقام) (95): ذو اجتراء). [مجاز القرآن: 1/175-177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم مّتعمّداً فجزاء مّثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم هدياً بالغ الكعبة أو كفّارةٌ طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً لّيذوق وبال أمره عفا اللّه عمّا سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
وقال: {فجزاء مّثل ما قتل من النّعم} أي: فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم.
[و] قال: {يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم هدياً} انتصب على الحال {بالغ الكعبة} من صفته وليس قولك {بالغ الكعبة} بمعرفة لأن فيه معنى التنوين لأنه إذا قال "هذا ضارب زيدٍ" في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد فهو نكرة. ومثل ذلك {هذا عارضٌ مّمطرنا} ففيه بعض التنوين غير أنه لا يوصل إليه من أجل الاسم المضمر.
ثم قال: {أو كفّارةٌ طعام مساكين} أي: أو عليه كفارةٌ. رفعٌ منون ثم فسر فقال "هي طعام مساكين" وقال بعضهم {كفّارة طعام مساكين} بإضافة الكفارة إليه.
[و] قال: {أو عدل ذلك صياماً} يريد: أو عليه مثل ذلك من الصيام. كما تقول: "عليها مثلها زبداً". وقال بعضهم {أو عدل ذلك صياما} فكسر وهو الوجه لأن "العدل": المثل. وأمّا "العدل" فهو المصدر تقول: "عدلت هذا بهذا عدلاً حسنا"، و"العدل" أيضا: المثل. وقال: {ولا يقبل منها عدلٌ} أي: مثلٌ ففرقوا بين ذا وبين "عدل المتاع" كما تقول: "امرأةٌ رزان" و"حجرٌ رزينٌ"). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وبال أمره}: عاقبة أمره). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(النّعم): الإبل. وقد تكون البقر والغنم. والأغلب عليها الإبل.
وقوله تعالى: {أو عدل ذلك صياماً} أي مثله). [تفسير غريب القرآن: 146-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (أو عدل ذلك صياما).
(ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم).
أي ذلك الذي يغطي على آثامكم، يقال كفرت الشيء إذا غطّيته، ومنه قوله عزّ وجلّ: (أعجب الكفار نباته)، والكفار الذين يغطون الزرع ويصلحونه، والكافر إنما سمي كافرا، لأنه ستر بكفره الإيمان). [معاني القرآن: 2/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا اللّه عمّا سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه واللّه عزيز ذو انتقام (95)
(ومن قتله منكم متعمّدا)
أي عمدا لقتله، كأنه ناس إنّه محرم، ومتعمّد للقتل، وجائز أن يقصد القتل وهو يعلم أنّه محرم.
وقوله: (فجزاء مثل ما قتل من النّعم).
و (فجزاء مثل ما قتل)برفع مثل وجرها، فمن رفعهما جميعا فرفعه على معنى فعليه جزاء مثل الذي قتل، فيكون " مثل " من نعت الجزاء، ويكون أن ترفع " جزاء " على الابتداء ويكون مثل قتل خبر الابتداء، ويكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل، ومن جرّ أراد فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النّعم، والنعم في اللغة هي الإبل والبقر والغنم، وإن انفردت الإبل منها قيل لها نعم وإن انفردت الغنم والبقر لم تسمّ نعما.
فكان عليه بحذاء حمار الوحش وبقرة الوحش بدنة، وعليه بحذاء الظباء من الغنم شاة.
وقوله عزّ وجلّ: (يحكم به ذوا عدل منكم).
أي من أهل ملتكم، فعلى قاتل الصيد أن يسألا فقيهين عدلين عن جزاء ما قتل، ويقولان له: أقتلت صيدا قبل هذا وأنت محرم فإن اعترف بأنه قتل صيدا قبل ذلك لم يحكما عليه بشيء، لقول الله عزّ وجلّ:
(ومن عاد فينتقم اللّه منه).
وإن لم يعترف نظرا فيما قتل. فإن كان كالإبل حكما عليه بها (هديا بالغ الكعبة) وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك.
وإن كانت القيمة لا تبلغ نظرا فقدرا قيمة ذلك، وأطعم بثمن ذلك المساكين، كل مسكين - قال بعضهم - صاعا من حنطة، وقال بعضهم نصف صاع أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السّنّة.
ويجوز أن تكون " أو " - وهو الأجود في اللغة - للتخيير، فإن شاء أهدى وإن شأت قوّما له الهدي وأطعم بدله على ما وصفنا.
وجعل مثل ذلك صياما لأن " أو " للتخيير، وقال بعضهم كأنّه إن لم يقدر على الإبل والغنم
فينبغي أن يطعم أو يصوم، والذي يوجبه اللفظ التخيير، وأهل الفقه أعلم بالسنة في ذلك، إلّا أني أختار على مذهب اللغة أنّه مخير.
وقوله: (هديا بالغ الكعبة).
منصوب على الحال. المعنى يحكمان به مقذرا أن يهدى.
و (بالغ الكعبة) لفظه لفظ معرفة، ومعناه النكرة، المعنى بالغا الكعبة، إلا أن التّنوين حذف استخفافا.
ومعنى قوله: (أو عدل ذلك).
أو مثل ذلك، قال بعضهم عدل الشيء مثله من جنسه، وعدله مثله من غير جنسه - بفتح العين، وقال إلا أن بعض العرب يغلط فيجعل العدل والعدل في معنى المثل، وإن كان من غير جنس الأول.
قال البصريون العدل والعدل في معنى المثل، والمعنى واحد كان، لمثل من الجنس أو من غير الجنس، كما أن المثل ما كان من جنس الشيء ومن غير جنسه، مثل، ولم يقولوا إن العرب غلطت، وليس إذا أخطا مخطئ يوجب أن تقول أن بعض العرب غلط.
وقوله: (صياما).
منصوب على التمييز. المعنى أو مثل ذلك من الصيام.
(ليذوق وبال أمره).
" الوبال " ثقل الشيء في المكروه، ومنه قولهم طعام وبيل، وماء وبيل، إذا كانا ثقيلين غير ناميين في المال، قال عزّ وجلّ: (فأخذناه أخذا وبيلا) أي ثقيلا شديدا، والوبيل خشبة القصّار ومن هذا قيل لها وبيل.
قال طرفة ابن العبد:
=عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
وقوله: (ومن عاد فينتقم اللّه منه).
الفاء جواب الجزاء والمعنى أنه - واللّه أعلم - ومن عاد مستحلّا للصيد بعد أن حرمه الله منه فينتقم اللّه منه أي فيعذبه اللّه.
وجائز أن يكون: من عاد مستخفّا بأمر اللّه فجزاؤه العذاب كجزاء قاتل النفس). [معاني القرآن: 2/206-209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} روى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} قال قتله حرام في هذه الآية قال بعض العلماء أي أنه لما حرم قتل الصيد على المحرم كان قتله إياه غير تذكية). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن قتله منكم متعمدا} أكثر الفقهاء على أن عليه الجزاء سواء كان متعمدا أو مخطئا
وذهبوا إلى قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا} مردود إلى قوله جل وعز: {ومن عاد فينتقم الله منه} واحتجوا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال هي صيد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا ولم يقل: عمدا ولا خطأ قال الزهري: هو في الخطأ سنة وقال بعض أهل العلم: إنما عليه الجزاء إذا قتله متعمدا واحتجوا بظاهر الآية حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام نا محمد بن يحيى نا أبو الوليد نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز: {ومن قتله منكم متعمدا} قال: ليس عليه في الخطأ شيء إنما هو في العمد يعني الصيد). [معاني القرآن: 2/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} قيل النعم في اللغة الإبل والبقر والغنم وإن انفردت الإبل قيل لها نعم وإن انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم وقرأ الأعمش (فجزاؤه مثل ما) والمعنى فعليه جزاؤه ثم أبدل مثلا من جزائه). [معاني القرآن: 2/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أو كفارة طعام مساكين} أو هنا للتخيير وفي معناه أقوال وقيل الحاكم مخير وقيل إنه يعمل بالأول فالأول والقول الأول أحسن لأن قاتل الصيد هو المخاطب ولأن المعروف أن أو للتخيير وقرأ طلحة والجحدري (أو عدل ذلك صياما) وأنكره جماعة من أهل اللغة وقالوا العدل الحمل.
وقال الكسائي: العدل والعدل لغتان بمعنى واحد وقال الفراء: عدل الشيء مثله من غير جنسه وعدله مثله من جنسه.
وأنكر البصريون هذا التفريق وقالوا: العدل والعدل المثل كان من الجنس أو من غير الجنس لا يختلف كما أن المثل لا يختلف وفي الحديث لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فالصرف التوبة والعدل الفدية، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حاتم ولا يعرف قول من قال إنهما الفريضة والنافلة والذي أنكره أبو حاتم قال المازري). [معاني القرآن: 2/361-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ليذوق وبال أمره} أي شدته ومنه طعام وبيل إذا كان ثقيلا ومنه قوله:
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد). [معاني القرآن: 2/362-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه} قال عطاء عفا الله عما سلف في الجاهلية وقال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فإذا عاد لم يحكم عليه وقيل له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر
كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم لعظم إثمها قلت قول عطاء في هذا أشبه والمعنى ومن عاد بعد الذي سلف في الجاهلية فينتقم الله منه بأشياء تصيبه من العقوبة أو يكون مثل قوله: {ليذوق وبال أمره}). [معاني القرآن: 2/363-364]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أو عدل ذلك) أي: وقيمة ذلك). [ياقوتة الصراط: 213]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({النَّعَمِ} الإبل، وقد تكون الغنم والبقر، والغالب عليها الإبل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَبَالَ أَمْرِهِ}: عاقبة أمره). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أحلّ لكم صيد البحر وطعامه...}
الصيد: ما صدته، وطعامه ما نضب عنه الماء فبقي على وجه الأرض). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وصيد البحر} ما صيد من السمك (و طعامه) ما نضب عنه الماء وما قذفه البحر وهو حي {متاعاً لكم} أي منفعة لكم (و للسيارة) يعني المسافرين). [تفسير غريب القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمتاع: المنفعة، قال الله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}، وقال تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}، وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}). [تأويل مشكل القرآن: 512] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسّيّارة وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون (96)
أي أحل لكم صيد البحر، وأحل لكم طعام البحر للسّيّارة، فأمّا صيده فمعروف، وأمّا طعامه فقد اختلف فيه، فقال بعضهم: ما نضب الماء عنه فأخذ بغير صيد فهو طعامه، وقال طعامه هو كل ما سقاه الماء فأنبت فهو طعام البحر، لأنه نبت عن ماء البحر، فأعلمهم اللّه أن الذي أحل لهم كثير في البر والبحر، وأن الذي حرم عليهم إنما هو صيد البر في حال الإحرام. وسن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحريم الصيد في الحرم ليكون قد أعذر إليهم من الانتقام ممن عاود ما حرم اللّه عليه مع كثرة ما أحل اللّه له.
و (متاعا): منصوب مصدر مؤكد، لأنه لما قال أجل لكم كان دليلا على أنه قد متّعهم به، كما أنه لما قال: (حرّمت عليكم أمّهاتكم)
كان دليلا على أنه قد كتب عليهم ذلك، فقال: (كتاب اللّه عليكم) ). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة}.
روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن عمر قال: صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما قذف.
وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس،وقيل: طعامه ما زرع لأنه به ينبت.
وقال سعيد بن جبير: طعامه المليح منه وصيده ما كان طريا البين أن صيده أن تصيدوا وطعامه أن تأكلوا الصيد.
قال مجاهد لكم لأهل القرى وللسيارة لأهل الأمصار وقيل السيارة المسافرون وهذا أولى). [معاني القرآن: 2/364-365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَيْدُ الْبَحْرِ} ما صيد منه. {وطَعَامُهُ} ما نضب عنه الماء وصادفه وهو حي أو ميت.
{مَتَاعًا لَّكُمْ} أي منفعة لكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]


رد مع اقتباس