عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:33 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون}.
يقول جلّ ثناؤه: أولم يبيّن للّذين يستخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها، فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم، وعتوا عن أمر ربّهم {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، فأخذناهم بذنوبهم. وعجّلنا لهم بأسنا كما عجّلناه لمن كان قبلهم ممّن ورثوا عنه الأرض. فأهلكناهم بذنوبهم. {ونطبع على قلوبهم} يقول: ونختم على قلوبهم فهم {لا يسمعون} موعظةً ولا تذكيرًا سماع منتفعٍ بهما.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أولم يهد} قال: يبيّن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أولم يهد} أولم يبيّن.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} يقول: أولم يبيّن لهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} يقول: أولم يتبيّن للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم المشركون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} أولم نبيّن لهم {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} قالوا: والهدى: البيان الّذي بعث هاديًا لهم مبيّنًا لهم، حتّى يعرفوا، ولولا البيان لم يعرفوا). [جامع البيان: 10/ 334-335]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون (100)}
قوله تعالى: {أولم يهد}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {أولم يهد} يبيّن وروي، عن السّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
قوله تعالى: {للّذين يرثون الأرض}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} قال: المشركون.
قوله تعالى: {إن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: {أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها} أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم قال: والهدى: البيان الذين يبعث هاديًا لهم مبيّنًا لهم حتّى يعرفوا لولا البيان لم يعرفوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1529-1530]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {أولم يهد} قال: أو لم يبين.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أولم يهد} قال: يبين.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {للذين يرثون الأرض من بعد أهلها} قال: المشركون). [الدر المنثور: 6/ 487]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين}.
يقول تعالى ذكره: هذه القرى الّتي ذكرت لك يا محمّد أمرها وأمر أهلها، يعني: قوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم لوطٍ وشعيبٍ {نقصّ عليك من أنبائها} فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم، وأمر رسل اللّه الّتي أرسلت إليهم، لتعلم أنّا ننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذّبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذّب رسل اللّه، فيرتدعوا عن تكذيبك، وينيبوا إلى توحيد اللّه وطاعته. {ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات} يقول: ولقد جاءت أهل القرى الّتي قصصت عليك نبّأها رسلهم بالبيّنات، يعني بالحجج البيّنات، {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فما كان هؤلاء المشركون الّذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم بما كذّبوا من قبل ذلك، وذلك يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهًا.
وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرّسل بما سبق في علم اللّه أنّهم يكذّبون به يوم أخرجهم من صلب آدم عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} قال: كان في علمه يوم أقرّوا له بالميثاق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: يحقّ على العباد أن يأخذوا من العلم ما أبدى لهم ربّهم والأنبياء ويدعوا علم ما أخفى اللّه عليهم، فإنّ علمه نافذٌ فيما كان وفيما يكون، وفي ذلك قال: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين} قال: نفذ علمه فيهم أيّهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم، وتصديق ذلك حيث قال لنوحٍ: {اهبط بسلامٍ منّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليمٌ}، وقال في ذلك: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} وفي ذلك قال {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} وفي ذلك قال: {لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّةٌ بعد الرّسل} ولا حجّة لأحدٍ على اللّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا لو أحييناهم بعد هلاكهم ومعاينتهم ما عاينوا من عذاب اللّه ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل هلاكهم، كما قال جلّ ثناؤه: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {بما كذّبوا من قبل} قال: كقوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}.
وأشبه هذه الأقوال بتأويل الآية وأولاها بالصّواب، القول الّذي ذكرناه عن أبيّ بن كعبٍ والرّبيع، وذلك أنّ من سبق في علم اللّه تبارك وتعالى أنّه لا يؤمن به، فلن يؤمن أبدًا، وقد كان سبق في علم اللّه تعالى لمن هلك من الأمم الّتي قصّ نبّأهم في هذه السّورة أنّه لا يؤمن أبدًا، فأخبر جلّ ثناؤه عنهم، أنّهم لم يكونوا ليؤمنوا بما هم به مكذّبون في سابق علمه قبل مجيء الرّسل وعند مجيئهم إليهم.
ولو قيل تأويله: فما كان هؤلاء الّذين ورثوا الأرض يا محمّد من مشركي قومك من بعد أهلها الّذين كانوا بها من عادٍ وثمود ليؤمنوا بما كذّب به الّذين ورثوها عنهم من توحيد اللّه ووعده ووعيده، كان وجهًا ومذهبًا، غير أنّي لا أعلم قائلاً قاله ممّن يعتمد على علمه بتأويل القرآن.
وأمّا الّذي قاله مجاهدٌ من أنّ معناه: لو ردّوا ما كانوا ليؤمنوا، فتأويلٌ لا دلالة عليه من ظاهر التّنزيل، ولا من خبرٍ عن الرّسول صحيحٍ. وإذا كان ذلك كذلك، فأولى منه بالصّواب ما كان عليه من ظاهر التّنزيل دليلٌ.
وأمّا قوله: {كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين} فإنّه يقول تعالى ذكره: كما طبع اللّه على قلوب هؤلاء الّذين كفروا بربّهم وعصوا رسله من هذه الأمم الّتي قصصنا عليك نبّأهم يا محمّد في هذه السّورة حتّى جاءهم بأس اللّه فهلكوا به، كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين الّذين كتب عليهم أنّهم لا يؤمنون أبدًا من قومك). [جامع البيان: 10/ 336-339]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين (101)}
قوله تعالى: {تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: أنباء يعني: أحاديث.
قوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}
- حدّثنا كثير بن شهابٍ القزوينيّ، ثنا محمّد بن سعيدٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العاليّة، عن أبيّ بن كعبٍ فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل كان في علم اللّه يوم أقرّوا به، ومن يصدّق به، ومن يكذّب به.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بما كذّبوا من قبل مثل قوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}، قال ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1530]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل}، قال هو كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}). [تفسير مجاهد: 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل}، قال: كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ومن يصدق.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: مثل قوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28].
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن السدي، في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في قوله: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} قال: لقد علمه فيهم أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم، قال: وتصديق ذلك حين قال لنوح {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود: 48] ففي ذلك قال: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}
[الأنعام: 28] وفي ذلك {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء: 15].
- وأخرج الشيخ عن مقاتل بن حيان في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف: 172] قال: أخرجهم مثل الذر فركب فيهم العقول ثم استنطقهم فقال لهم: {ألست بربكم} قالوا جميعا: بلى، فأقروا بألسنتهم وأسر بعضهم الكفر في قلوبهم يوم الميثاق فهو قوله: {ولقد جاءتهم رسلهم} بعد البلاغ {بالبينات فما كانوا ليؤمنوا} بعد البلوغ {بما كذبوا} يعني يوم الميثاق {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين}). [الدر المنثور: 6/ 487-489]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
يقول تعالى ذكره: ولم نجد لأكثر أهل هذه القرى الّتي أهلكناها واقتصصنا عليك يا محمّد نبّأها من عهدٍ، يقول: من وفاءٍ بما وصّيناهم به من توحيد اللّه، واتّباع رسله، والعمل بطاعته، واجتناب معاصيه وهجر عبادة الأوثان والأصنام. والعهد: هو الوصيّة، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} يقول: وما وجدنا أكثرهم إلاّ فسقةً عن طاعة ربّهم، تاركين عهده ووصيّته. وقد بيّنّا معنى الفسق قبل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} قال: القرون الماضية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وما وجدنا لأكثرهم مّن عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، قال: القرون الماضية وعهده الّذي أخذه من بني آدم في ظهر آدم ولم يفوا به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ} قال: في الميثاق الّذي أخذه في ظهر آدم عليه السّلام.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} وذلك أنّ اللّه إنّما أهلك القرى؛ لأنّهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به). [جامع البيان: 10/ 339-341]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (102)}
قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا بشر بن عمر الزّهرانيّ، ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الربيع ابن أنسٍ، عن أبي العالية وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ قال: هو ذلك العهد يعني يوم أخذ الميثاق.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قال: قدّم اللّه عند ذلك أكثرهم فقال: وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإنّ وجدنا أكثرهم لفاسقين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا مباركٌ، عن الحسن وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ قال: العهد الوفاء.
قوله تعالى: {وإنّ وجدنا أكثرهم لفاسقين}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله:
{وإنّ وجدنا أكثرهم لفاسقين} وذلك أنّ اللّه إنّما أهلك القرى لأنّهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: أكثرهم لفاسقين القرون الماضية). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1530-1531]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} قال يعني القرون الماضية).[تفسير مجاهد: 241]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ عيسى بن عبد اللّه بن ماهان، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم وأشهدهم على أنفسهم} إلى قوله تعالى {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} [الأعراف: 173] قال: " جمعهم له يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فجعلهم أرواحًا، ثمّ صوّرهم، واستنطقهم، فتكلّموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربّكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة، إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل، وكنّا ذرّيّةً من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون، قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم، أو تقولوا إنّا كنّا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئًا، فإنّي أرسل إليكم رسلي، يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا: نشهد أنّك ربّنا، وإلهنا لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، ورفع لهم أبوهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغنيّ والفقير وحسن الصّورة، وغير ذلك، فقال: ربّ لو سوّيت بين عبادك فقال: إنّي أحبّ أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السّرج، وخصّوا بميثاقٍ آخر بالرّسالة والنّبوّة فذلك قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ} [الأحزاب: 7] الآية. وهو قوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] وذلك قوله: {هذا نذيرٌ من النّذر الأولى} [النجم: 56] وقوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف: 102] وهو قوله: {ثمّ بعثنا من بعده رسلًا إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات، فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل} كان في علمه بما أقرّوا به، من يكذّب به ومن يصدّق به، فكان روح عيسى من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم فأرسل ذلك الرّوح إلى مريم حين {انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتّخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرًا سويًّا} [مريم: 17] إلى قوله: {مقضيًّا} [مريم: 21] فحملته قال: حملت الّذي خاطبها وهو روح عيسى عليه السّلام " قال أبو جعفرٍ: فحدّثني الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ قال: دخل من فيها «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 353] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: الوفاء.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} يقول: فيما ابتلاهم به ثم عافاهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: هو ذلك العهد يوم أخذ الميثاق.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: لما ابتلاهم بالشدة والجهد والبلاء ثم أتاهم بالرخاء والعافية ذم الله أكثرهم عند ذلك فقال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
- وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم.
- وأخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب في قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: علم الله يومئذ من يفي ممن لا يفي فقال: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} قال: الذي أخذ من بني آدم في ظهر آدم لم يفوا به {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} قال: القرون الماضية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} قال: وذلك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به). [الدر المنثور: 6/ 489-490]


رد مع اقتباس