عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (77)}
يقول تعالى: إنّ الّذين يعتاضون عمّا عهدهم اللّه عليه، من اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وذكر صفته النّاس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزّهيدة، وهي عروض هذه الدّنيا الفانية الزّائلة " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " أي: لا نصيب لهم فيها، ولا حظّ لهم منها " ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة " أي: برحمةٍ منه لهم، بمعنى: لا يكلّمهم كلام لطفٍ بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرّحمة " ولا يزكّيهم " أي: من الذّنوب والأدناس، بل يأمر بهم إلى النّار " ولهم عذابٌ أليمٌ " وقد وردت أحاديث تتعلّق بهذه الآية الكريمة فلنذكر ما تيسّر منها:
الحديث الأوّل: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا شعبة قال: عليّ بن مدرك أخبرني قال: سمعت أبا زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ" قلت: يا رسول اللّه، من هم؟ خابوا وخسروا. قال: وأعاده رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] ثلاث مرّاتٍ قال: "المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان". ورواه مسلمٌ، وأهل السّنن، من حديث شعبة، به.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا إسماعيل، عن الحريري، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن أبي الأحمس قال: لقيت أبا ذرٍّ، فقلت له: بلغني عنك أنّك تحدّث حديثًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: أما إنّه لا تخالني أكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما سمعته منه، فما الّذي بلغك عنّي؟ قلت: بلغني أنّك تقول: ثلاثةٌ يحبّهم اللّه، وثلاثةٌ يشنؤهم اللّه عزّ وجلّ. قال: قلته وسمعته. قلت: فمن هؤلاء الّذين يحبّهم اللّه؟ قال: الرّجل يلقى العدوّ في فئةٍ فينصب لهم نحره حتّى يقتل أو يفتح لأصحابه. والقوم يسافرون فيطول سراهم حتّى يحنّوا أن يمسوا الأرض فينزلون، فيتنحّى أحدهم فيصلّي حتّى يوقظهم لرحيلهم. والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتّى يفرّق بينهما موتٌ أو ظعن. قلت: ومن هؤلاء الّذين يشنأ اللّه؟ قال: التّاجر الحلّاف -أو البائع الحلّاف -والفقير المختال، والبخيل المنّان غريبٌ من هذا الوجه.
الحديث الثّاني: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن جرير بن حازمٍ قال: حدّثنا عديّ بن عديٍّ، أخبرني رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة عن أبيه عدي -هو ابن عميرة الكنديّ-قال: خاصم رجلٌ من كندة يقال له: امرؤ القيس بن عابسٍ رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرضٍ، فقضى على الحضرميّ بالبيّنة، فلم يكن له بيّنةٌ، فقضى على امرئ القيس باليمين. فقال الحضرميّ: إن أمكنته من اليمين يا رسول اللّه ذهبت وربّ الكعبة أرضي. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "من حلف على يمينٍ كاذبةٍ ليقتطع بها مال أحد لقي اللّه عزّ وجلّ وهو عليه غضبان" قال رجاءٌ: وتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول اللّه؟ فقال الجنّة" قال: فاشهد أنّي قد تركتها له كلّها. ورواه النّسائيّ من حديث عديّ بن عديٍّ، به.
الحديث الثّالث: قال أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر، ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان".
فقال الأشعث: فيّ واللّه كان ذلك، كان بيني وبين رجلٍ من اليهود أرضٌ فجحدني، فقدّمته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألك بيّنة؟ " قلت: لا فقال لليهوديّ: "احلف" فقلت: يا رسول اللّه، إذًا يحلف فيذهب مالي. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} [إلى آخر] الآية: أخرجاه من حديث الأعمش.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش، عن عاصم بن أبي النّجود، عن شقيق بن سلمة، حدّثنا عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي اللّه وهو عليه غضبان" قال: فجاء الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فحدّثناه، فقال: فيّ كان هذا الحديث، خاصمت ابن عمٍّ لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بئرٍ لي كانت في يده، فجحدني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بيّنتك أنّها بئرك وإلا فيمينه" قال: قلت: يا رسول اللّه، ما لي بيّنةٌ، وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري ؛ إنّ خصمي امرؤٌ فاجرٌ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي اللّه وهو عليه غضبان" قال: وقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا [أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ]}.
الحديث الرّابع: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن غيلان، حدّثنا رشدين عن زبّان، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ للّه تعالى عبادًا لا يكلّمهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم" قيل: ومن أولئك يا رسول اللّه؟ قال: "متبرّئٌ من والديه راغبٌ عنهما، ومتبرّئٌ من ولده، ورجلٌ أنعم عليه قومٌ فكفر نعمتهم وتبرّأ منهم".
الحديث الخامس: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا هشيم، أنبأنا العوّام -يعني ابن حوشب-عن إبراهيم بن عبد الرّحمن -يعني السّكسكي-عن عبد اللّه بن أبي أوفى: أنّ رجلًا أقام سلعةً له في السّوق، فحلف باللّه لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} ورواه البخاريّ، من غير وجهٍ، عن العوّام.
الحديث السّادس: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ منع ابن السّبيل فضل ماءٍ عنده، ورجلٌ حلف على سلعةٍ بعد العصر -يعني كاذبًا-ورجلٌ بايع إمامًا، فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له". ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، من حديث وكيعٍ، وقال التّرمذيّ: حسن صحيح). [تفسير القرآن العظيم: 2/62-65]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (78)}
يخبر تعالى عن اليهود، عليهم لعائن اللّه، أنّ منهم فريقًا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويبدّلون كلام اللّه، ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنّه في كتاب اللّه كذلك، وينسبونه إلى اللّه، وهو كذبٌ على اللّه، وهم يعلمون من أنفسهم أنّهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كلّه؛ ولهذا قال: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
وقال مجاهدٌ، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} يحرّفونه.
وهكذا روى البخاريّ عن ابن عبّاسٍ: أنّهم يحرّفون ويزيدون وليس أحدٌ من خلق اللّه يزيل لفظ كتابٍ من كتب اللّه، لكنّهم يحرّفونه: يتأوّلونه على غير تأويله.
وقال وهب بن منبّه: إنّ التّوراة والإنجيل كما أنزلهما اللّه لم يغيّر منهما حرفٌ، ولكنّهم يضلّون بالتّحريف والتّأويل، وكتبٍ كانوا يكتبونها من عند أنفسهم، {ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه} فأمّا كتب اللّه فإنّها محفوظةٌ ولا تحوّل.
رواه ابن أبي حاتمٍ، فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك، فلا شكّ أنّه قد دخلها التّبديل والتّحريف والزّيادة والنّقص، وأمّا تعريب ذلك المشاهد بالعربيّة ففيه خطأٌ كبيرٌ، وزياداتٌ كثيرةٌ ونقصانٌ، ووهم فاحشٌ. وهو من باب تفسير المعبّر المعرب، وفهم كثيرٍ منهم بل أكثرهم، بل جميعهم فاسدٌ. وأمّا إن عنى كتب اللّه الّتي هي كتبه من عنده، فتلك كما قال محفوظةٌ لم يدخلها شيءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/65]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80)}
قال محمّد بن إسحاق: حدّثنا محمّد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: قال أبو رافعٍ القرظي، حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنّصارى من أهل نجران، عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمّد أن نعبدك كما تعبد النّصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجلٌ من أهل نجران نصرانيٌّ يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منّا يا محمّد، وإليه تدعوننا؟ أو كما قال. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني". أو كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهما: {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة} [الآية] إلى قوله: {بعد إذ أنتم مسلمون}.
فقوله {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادًا لي من دون اللّه} أي: ما ينبغي لبشرٍ آتاه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة أن يقول للنّاس: اعبدوني من دون اللّه. أي: مع اللّه، فإذا كان هذا لا يصلح لنبيٍّ ولا لمرسلٍ، فلأن لا يصلح لأحدٍ من النّاس غيرهم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الحسن البصريّ: لا ينبغي هذا لمؤمنٍ أن يأمر النّاس بعبادته. قال: وذلك أنّ القوم كان يعبد بعضهم بعضًا -يعني أهل الكتاب-كانوا يتعبّدون لأحبارهم ورهبانهم، كما قال اللّه تعالى: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه [والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون]} [التّوبة:31] وفي المسند، والتّرمذيّ -كما سيأتي-أنّ عديّ بن حاتمٍ قال: يا رسول اللّه، ما عبدوهم. قال: "بلى، إنّهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال، فاتّبعوهم، فذلك عبادتهم إيّاهم".
فالجهلة من الأحبار والرّهبان ومشايخ الضّلال يدخلون في هذا الذّمّ والتّوبيخ، بخلاف الرّسل وأتباعهم من العلماء العاملين، فإنّما يأمرون بما أمر اللّه به وبلّغتهم إيّاه رسله الكرام. إنّما ينهونهم عمّا نهاهم اللّه عنه وبلّغتهم إيّاه رسله الكرام. فالرّسل، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، هم السّفراء بين اللّه وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرّسالة وإبلاغ الأمانة، فقاموا بذلك أتمّ قيامٍ، ونصحوا الخلق، وبلّغوهم الحقّ.
وقوله: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} أي: ولكن يقول الرّسول للناس: كونوا ربّانيين. قال ابن عبّاسٍ وأبو رزين وغير واحدٍ، أي: حكماء علماء حلماء. وقال الحسن وغير واحدٍ: فقهاء، وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاءٍ الخراسانيّ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ. وعن الحسن أيضًا: يعني أهل عبادةٍ وأهل تقوى.
وقال الضّحّاك في قوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} حقٌ على من تعلّم القرآن أن يكون فقيهًا: "تعلمون" أي: تفهّمون معناه. وقرئ {تعلّمون} بالتّشديد من التّعليم {وبما كنتم تدرسون} تحفظون ألفاظه). [تفسير القرآن العظيم: 2/65-66]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابًا} أي: ولا يأمركم بعبادة أحدٍ غير اللّه، لا نبيٍّ مرسلٍ ولا ملكٍ مقرّب {أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} أي: لا يفعل ذلك؛ لأنّ من دعا إلى عبادة غير اللّه فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنّما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25] وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} الآية، [النّحل:36] وقال تعالى {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون} [الزّخرف:45] وقال [تعالى] إخبارًا عن الملائكة: {ومن يقل منهم إنّي إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظّالمين} [الأنبياء:29] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/67]

رد مع اقتباس